بسم الله الرحمن الرحيم
كنت في رحلة إلى مدينة بوجير إلى الشمال الشرقي من كينيا، وبعد تجوال طويل في المدن المختلفة توقفت بجوار مجموعة من الصبيان تحلقوا لقراءة القرآن الكريم بين يــدي شيخهم تحت ظل شجرة، هرباً من لهيب الشمس المحرق، رأيتهم يكتبون القرآن الكــريم بالفحم على ألواح خشبية بطريق بدائية، ويرددون مقطعاً من سورة ق بصوت خاشع يأسر القلوب. رأيت شيخهـم يمسك بنسخة قديمة من كتاب الأصول الثلاثة، ذكر أنه استعارها من صاحب له. فسألته عن طلابه ومدى حرصهم على الحفظ، فطأطأ رأسه قليلاً ثم تنهد بعمق وقال: تأتي إلينا إحـدى الإرساليات الكنسية العريقة منذ أكثر من عشرين عاماً، وهاهي الآن تتعاهد أبناءنا بقصصهـم المصــورة والمترجمة إلى اللغة المحلية، فتشدهم بألوانها البراقة، وأساليبها الجذابة، كما توزع الإنجيل والكتب والمجلات التنصيرية، وتقيم الاحتفالات والبرامج الشبابية المتعددة لاحتواء المسلمين وفتنتهم.
ثم نظر إليّ نظرة ملؤها الأسى والعتب، وقل لي: أين المسلــمـون؟! حتى أنت تصافح الفتية بحرج، حتى لا تتسخ يدك، ولكن دع النصارى يفعلون ما يريدون فنحن على ثقة من ديننا، حتى ولو كنا تحت شجرة ولم نجد إلا ألواح الخشب.
غادرت المنطقة وقد اغرورقت عيناي بالدموع، أنا أحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه الذي حفظ كتابه العزيز، على الرغم من الفقر والمرض والجهل، وعلى الرغم من العزلة والانقطاع والبعد في تلك المناطق النائية والأدغال الوعرة إلا أنك تجد هؤلاء الصبية يتحلقون لقراءة كتاب الله ـ تعالى ـ بكل اطمئنان وثقة.
لقد تعلمت في التربية درساُ لا ينسى .. فالبذل لهذا الدين، والتضحية لهذا الدين ليست مجرد شعارات ترفع، أو كلمات يتشدق بها، وإنما هي وليدة عقيدة راسخة تثمر الصدق والفاعلية.
لقد تعلمت في التربية درساً لا ينسى .. فكم هي الأموال التي ننفقـهـــا في البـذخ والإســراف والتوسـع في المباحات، فضـلاً عن التوسع في المحرمات، ولم أعجب من المنصرين وأنا أقرأ قول الله ـ تعالى ـ: ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيـل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ) ولكني عجبت أشد العجب من تقصيرنا نحن المسلمين، فكتاب الله لم نستطع إيصاله إلى عموم المسلمين فضلاً عن ترجمة معانيه وتفسيره، فضلاُ عن تقريب السنة الصحيحة وترجمتها، ونشر العقيدة الصحيحة المبرءة من الشركيات والبدع، ما أعظمها من أمانة، وما أجلها من مسؤولية.
فهل من مؤد للأمانة التي حملها الله ـ عز وجل ـ إياه، وهو سائله عنها يوم القيامة؟
اللهم هل بلغت!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد