لم يعُد خافياً على أحد أن هناك قصد وتعمد للإساءة إلى سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم -، استهزاء بشخصه، وانتقاصاً لقدره، ومن وراء ذلك الإساءة للإسلام والمسلمين، وأما دعاوى حرية الإعلام وعدم التقييد للفكر والإبداع فإنها دعوى فارغة كاذبة، وأبسط الأدلة على بطلانها أنها لم تتسع لتتناول أياً من أنبياء الله غير المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولم تتعرض لأي ديانة سوى الإسلام، ونحن نسجل هنا أننا نؤمن بجميع الأنبياء ونوقرهم ونوفيهم حقهم وذلك من أسس عقيدتنا، ومثبت في آيات ربنا: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}، ونحن كذلك نحترم أصول الديانات والكتب السماوية كما شرعها وأنزلها الله - جل وعلا -: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور}، {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}، ورغم الدعاوى الزائفة والتهم الباطلة التي تلقى على المسلمين جزافاً بأنهم عنصريون وإرهابيون إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينسب لمسلم أنه تطاول على موسى أو عيسى - عليهما السلام - أو نال منهما أو عرض لهما بسخرية أو انتقاص أو لغيرهما من الأنبياء.
وهناك أمر آخر يدل على الاستهداف وهو غياب البديهيات المنهجية والعلمية، ذلك أن من المعلوم أنه قبل إصدار أي حكم أو توجيه أي نقد لا بد من التحري العلمي الدقيق لصحة الأمر وثبوته، والرجوع إلى المصادر والبحث عن الحقائق، ولا يُقبل بحال إلقاء القول على عواهنه، وكيل التهم جزافاً بلا أدنى منهجية ولا مصداقية، ويُضاف إلى ذلك مجانبة العدل والإنصاف والاندفاع مع المشاعر والأهواء، إذ ما من شك أن أدنى صلة بالعدل تقتضي عدم الاقتصار على المساوئ وإغفال المحاسن خاصة إن كانت هي الأكثر، ونحن نعتقد أن صفوة الخلق - صلى الله عليه وسلم - معصوم ومنزه عن الخطايا، وله المقام الأسمى، والخلق الأسنى ولكننا نخاطب القوم بمنطقهم أو بلسان حالهم، وثالثة تضاف إلى ما سبق، وهي التضليل والتحريض، وذلك ربما يكون عن جهل أو تجاهل، لأن تقديم معلومة خاطئة بدون منهجية علمية، وبتحيز سافر وعدوان ظاهر، يضلل المتلقي ويزرع في نفسه مشاعر سيئة ذات آثار عنصرية عدوانية.
ولعلي أقدم هنا بعض النقول المثبتة لما ذكرته من تعمد الإساءة، والبعد عن الحقائق، والمنطلقات العنصرية التحريضية، وذلك من أقوال الغربيين أنفسهم، فالكاتبة"كارين أرمسترونج" تقول في كتابها[محمد] ص: 67: « لقد دأبنا على وضع أنماط وقوالب جديدة للتعبير عن كراهيتنا للإسلام التي يبدو أنها أصبحت راسخة في وجداننا، ففي السبعينات تملكتنا صور أثرياء النفط، وفي الثمانينات كانت الصورة صورة آية الله المتعصب، وأما منذ مسألة سلمان رشدي فقد أصبحت صورة الإسلام هي صورة الدين الذي يُهدر دم الإبداع وحرية الفنان، لكن الواقع لا تمثله أي صورة من هذه الصور، بل يتضمن عناصر أخرى لا حصر لها. ولكن ذلك لا يمنع الناس من إصدار الأحكام العامة التي تفتقر إلى الدقة »، وفي كتابه [لا سكوت بعد اليوم] يقول بول فندلي في المقدمة ص(12): « إن انتشار الأفكار النمطية المزيفة عن الإسلام في أمريكا أوسع من انتشارها في أي مكان آخر من العالم، وبعض هذه الأفكار تتغذى من الجهل، ولكنها كلها تُخضَّب بجرعات مركزة من الحقد »، ويوضح ذلك في بداية الفصل الأول ص (35) فيقول: « قالت لنا معلمتنا...: إن شعباً أمياً وميالاً إلى العنف يعيش في مناطق صحراوية في الأراضي المقدسة، ويعبد إلهاً غريباً.وما زلت أذكر- من طفولتي المبكرة- أنها كانت تسميهم " محمديين"، وتواظب على تكرار قولها: إنهم ليسوا مثلنا ».
ونحن نعلم من جهة أخرى أن هناك شهادات عظيمة صدرت ولا تزال تصدر عن منصفين عقلاء من غير المسلمين على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم بحق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتلك الشهادات تأكيد يدل على أن العداء مقصود لأن من طلب الحقيقة وتحرى الإنصاف اجتنب الإساءة وابتعد عن التحريض، وطالع الشهادات الكثيرة فإنه لن يقع في الإساءة إلا عن عمد، وأكتفي هنا بأمثلة يسيرة من تلك الشهادات:
* قال ول ديورانت: « إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا: إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يُدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله » [قالوا عن الإسلام ص 111].
* قال كلود كاهن: « يبدو للمؤرخ المنصف أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقياً وفكرياً » [قالوا عن الإسلام ص 126].
* قال الأمير تشارلز: « يمكن للإسلام أن يعلمنا اليوم طريقة للفهم والعيش في عالم كانت فيه المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته. ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة، وبين الدين والعلوم، وبين العقل والمادة » [لا سكوت بعد اليوم: ص55].
وإذا كان هؤلاء المتطاولون على مقام خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - هم حقاً من أتباع الديانة المسيحية أو اليهوديةº فإن الحقائق الباقية في كتب تلك الديانات تقدم بشارات وشهادات عظيمة في حق خير الخلق - صلى الله عليه وسلم -، وإذاً فهناك اجتماع لبشارات الكتب المقدسة، ودلالات الشهادات المنصفة، وحقائق التاريخ المثبتة، ونتائج البحوث الممحصة وكلها - لمن أراد وأنصف - تدل على عظمة شخصية المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ونبل أخلاقه، وعبقرية تفكيره، وروعة إصلاحه، وحسن سياسته، ويضاف إلى ذلك كثرة أتباعه، واستمرارية دعوته، وحفظ دينه، فضلاً عن أننا نحن المسلمين نرى أن نبوته وختمه للنبوات وتقديمه على سائر الأنبياء هو أعظم من كل تلك الوجوه من العظمة.
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا *** منها وما يتعشق الكبراء
لو لم تقم ديناً، لقامت وحدها *** ديناً تضيئ بنوره الآناء
أنت الذي نظم البريّةَ دينُه *** ماذا يقول وينظم الشعراء
المصلحون أصابع جمعت يداً *** هي أنت، بل أنت اليد البيضاء
ومن ثم فإن هذه الإساءة وسابقاتها وما قد يتلوها قائمة على هذه الأسس الهاوية من الجهالة الجهلاء، والعداوة العمياء، ومثل ذلك ليس مستبعداً لكن الشأن هو في موقف المسلمين، ومدى انتصارهم لنبيهم - صلى الله عليه وسلم - وذودهم عن دينهم، ودفاعهم عن شرف وتاريخ أمتهم، هل هان في نفوسهم دينهم؟!، هل ذهبت من قلوبهم محبة وعظمة رسولهم - صلى الله عليه وسلم -؟!، ولست ممن يشيع اليأس أو يروّج لدواعي الإحباط، أو يرّكز على جوانب القصور والخلل، إلا أن تكرار هذه الإساءات للرسول - صلى الله عليه وسلم - من مجلة إلى أخرى، ومن بلد إلى آخر، يُشعر بضعف المواقف وشلل التأثير، ومع ذلك فإنني أعتقد وأؤكد أن في الأمة خيراً كثيراً، ورجالاً ونساء أبراراً، وأن في نفوسهم حمية أبيّة، وغيرة عمرية، وهذا ما تشهد به المقالات والخطوات العملية التي تنادت إليها جماهير غفيرة من المسلمين، وأحسب أنه في تزايد مطّرد، ولعل في هذه الأحداث خيراً لإيقاظ الإيمان وزيادته، وقوة الارتباط والانتماء للدين ومضاعفة الحب والتعظيم للرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وفي كل قدر الله خير. بتصرف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد