بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
"عندما كانت طليطلة غرينيتش العصور الوسطى"
في وقت يتوالي فيه الحكام الأمويون في الأندلس الواحد تلو الآخر, وبالتحديد في عهد آخر خليفة أموي في الأندلس, الخليفة هشام المعتد بالله, كانت مدينة طليطلة على موعد مع إنجاب عالم أندلسي يصدع اسمه في علم الفلك وهوأبو أسحاق إبراهيم بن يحيى التّجيبيّ النقّاش المعروف بابن الزّرقالة والزرقاليّ, سنة 1029م, أي أنه ولد قبل سقوط الدولة الأموية في الأندلس بعامين.
انتهي عهد بني أمية الذي بدأ سنة 711م على يد موسى وطارق وقوي هذا العهد خلال حكم الداخل وازدهر في عهد الناصر, لتقوم بعد أكثر من ثلاثمائة عام عهد ملوك الطوائف. سقطت الدولة الأموية عندما أعلن الوزير القرطبي أبو الحزم بن جهور سقوط دولة الأمويين في الأندلس وتأسيس الدولة الجهورية وعاصمتها قرطبة.
وما إن سقطت الدولة الأموية في طليطلة سنة 1031م, حتى تولّى أمرها القاضي أبي بكر يعيش بن محمد بن يعيش الأسدي حتى عُزل وعين بدلا عنه عبد الرحمن بن متيوه حتى توفي, وتولى بعده ابنه عبد الملك الحكم في طليطلة, وقد أساء التصرف مما اضطر أهالي طليطلة لطلب حاكم شنتمرية عبد الرحمن بن ذي النون الذي أرسل ابنه اسماعيل لتوطيد الأمور, فاستغل هذه الفرصة وأعلن قيام مملكة طليطلة سنة 1036م. واستمر حكم بنو ذو النون إلى أن قاموا بتسليم المدينة على يد ملكها القادر با الله بن ذي النون إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة بشرط أن يساعدهم ألفونسو على الاستيلاء على مملكة بلنسية الإسلامية.
في ظل هذه الأحداث وهذه الظروف ولد وترعرع ابن الزرقالي, مما اضطره في كبره للانتقال إلى مدينة قرطبة التابعة لمملكة أشبيلية للإقامة تحت ظل حكم بني عبّاد. لم يكن ابن الزرقالي أو ابن الزرقالة عالما فلكيا فحسب بل كان عالما في الحساب وقد كان كذلك ذو حس فني كبير لذا برز في فن النقش. وكان له الفضل في تطوير وتحسين الاصطرلاب, وذلك من خلال كتابه"الصحيفة الزرقالية" التي شرح فيها كيفية عمل الاصطرلاب بعد التحسينات والتطوير الذي قام به (وقد نسميه اليوم بدليل الاستخدام لكنه بأسلوب ومنهجية علمية).
أهدى ابن الزرقالي كتابه هذا إلى ملك أشبيلية المعتمد بن عباد, وبالإضافة إلى هذا الكتاب قام بتأليف العديد من الكتب منها كتاب الجداول الفلكية الذي لم يعثر على نسخته العربية بل وجدت ترجمته فقط والتي تسمى اليوم بالجداول الألفونسيّة.
وقد كان لابن الزرقالي أعمال جليّة حيث قام بصناعة ساعة مائية على ضفة نهر التاجة في طليطلة وظلت هذه الساعة تعمل لعشرات السنين حتى بعد سقوط طليطلة، لكن إهمال من احتلوا طليطلة وعدم اهتمامهم بالعلم آنذاك جعلهم يفقدون معلما عظيما آنذاك وبعد مرور زمن أمر الملك ألفونسو العاشر (والذي يسمى بألفونسو العالم, نظرا لأنه أهتم بالقراءة والعلوم وذلك بعد أن عاش بين المسلمين فترة من الزمن عندما طرد من قشتالة, ثم عاد إليها بعد ذلك ليكون ملكا على قشتالة لينقل الثورة العلمية التي رآها عند المسلمين إلى قشتالة وإسبانيا) بترجمة جميع أعمال الزرقالي, نظرا لأهميتها, وكان لهذه الترجمة الدور الكبير في نقل أعماله للإستفادة عند الغرب حتى يومنا هذا وعلى رأسها وكالة ناسا لعلوم الفضاء.
قال عنه الكاتب الإسباني"ماريانو كالبو" أن ابن الزرقالي حوّل مدينة طليطلة آنذاك إلى" غرينيتش العصور الوسطى". وقد كتب عنه العديد من الكتاب الإسبان مثل المستشرق الإسباني خوان بيرنيت في كتابه" العلوم في الأندلس", كما كان للكاتب "ماريانو كالبو".
لست هنا بصدد تفصيل أعماله العلمية أو الفنيّة, بل لتسليط الضوء على هذه الشخصية الرائدة المنسيّة, والذي فقدت الكثير من كتبه الأصلية ولم يتبق منها إلا الترجمات إلى اللغة اللاتينية, علّنا نقوم مرة أخرى بكتابتها للعربية كما كتبها هو.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد