بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
{أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
قال ابن جرير: "ثم أكد جل ثناؤه أمر المؤمنين من العرب ومن أهل الكتاب المصدقين بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه وإلى من قبله من الرسل بقوله: (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم، وأن غيرهم هم أهل الضلال والخسار".
وعن ابن عباس: "أولئك على هدى من ربهم": أي على نور من ربهم، واستقامة على ما جاءهم.
وعن ابن عباس: (وأولئك هم المفلحون) أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما منه هربوا.
- {أولئك} أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة
- {على هدى من ربهم} أي: على هدى عظيم، لأن التنكير للتعظيم،
فتبين لنا أن الهدى مرتب على هذه الاوصاف،فمن اراد الهدى فعليه ان يحقق هذه الصفات،فإن حققها على وجه من الكمال والتمام كان على الهدى الكامل، وهكذا اذا نقص شيء من هذه الاوصاف نقص من الاهتداء.
- (على) تفيد الاستعلاء، كأن المهتدى حين يلزم نفسه بالمنهج لا يذل.. ولكنه يرتفع الى الهدى ويصبح الهدى يأخذه من خير الى خير.
فالله سبحانه وتعالى رفع المهتدي على الهدى.. لنعرف أن الهدى لم يأت ليقيد حركتك في الحياة ويستذلك، وانما جاء ليرفعك.
إن السطحيين يعتقدون أن الهدى يقيد حركة الانسان في الحياة ويمنعه من تحقيق شهواته العاجلة..
ولكن الهدى في الحقيقة يرفع الانسان ويحفظه من الضرر، ومن غضب الله، ومن افساد المجتمع الذي سيكون هو أول من يعاني منه.
وقال بعض العلماء (وأتى بـ "على" في هذا الموضع، الدالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ "في" كما في قوله: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر).
(ربهم) عبر هنا بـ الرب ولم يعبر بلفظ الجلالة (الله) لأن لفظة (الرب) تشعر بتفضل الله عليهم فهو الذي ربى أبدانهم وأرواحهم ونفوسهم فنقلهم من كمال الى كمال، فمن معنى الربوبية العطاء والمنع.
تكرار (أُولَٰئِكَ) في قوله {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ولم يقل وهم المفلحون إنما قال: (وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وهذا يفيد التوكيد لهذه الاوصاف الهداية والفلاح وانهم قد حققوا المرتبة العليا من الهداية ومايترتب عليها من الفلاح.
{وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والفلاح هو الفوز بالمطلوب.
حصر الفلاح فيهم؛ لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبيل، فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
اختار الله عز وجل لفظا عليه دلالة دنيوية تقرب المعنى الى السامع (الْمُفْلِحُونَ)
لأن الفلاح مأخوذ من شق الأرض للبذر، ومنه سمي الفلاح الذي صفته شق الأرض ورمي البذور فيها، والحق سبحانه تعالى جاء بهذا اللفظ بالنسبة للآخرة لآنه يريد أن يأتي لنا مع الشيء بدليله..
وهناك فرق بين أمر غيبي عنا لا نعرفه. وأمر غيبي يستدل عليه بمشهود، فيعطينا الله عز وجل من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب، فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة. لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذورا كثيرة.
وإذا كانت الأرض وهي المخلوقة من الله تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها.. فكيف بالخالق؟.. وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة؟.. هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول: {وأولئك هم المفلحون}.. حتى يلفتنا بمادة الفلاحة.. وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم.
وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك.. كذلك الأرض أخذت منك حبة ولم تعطك مثل ما أخذت، بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة.. وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود يفصل لنا شيئا غيبياً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد