بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في 18 مارس الماضي كنت خارجًا من المسجد بعد صلاة العصر، فاختل توازن جسمي؛ فسقطت فانكسرت قدمي..
ذهبت للمستشفى وبعد عمل الأشعة تم تشخيص الحالة على أنها كسر في قاعدة المشطية الخامسة. تم تجبيس القدم والساق حتى الركبة، وأخبرني الطبيب أن الجبس سيستمر من شهر ونصف إلى شهرين.. إنا لله وإنا إليه راجعون!!
ما هذا الذي تقول؟ مستحيل، إنها مجرد طوبة صغيرة جاءت تحت قدمي، فلم تصدمني سيارة ولم أسقط من مكان مرتفع، مساء نفس اليوم وبعد العودة إلى البيت بدأت تتكشف لي حقائق وتتتابع دروس وعبر ما كنت ألحظها ولا ألقي لها اهتمامًا كثيرًا.
بدأتُ أكتشف أهمية قدمي للمرة الأولى في حياتي..!! وعظيم ما تقدمه لي من خدمات، وما تقوم به من أدوار لم أشعر بها قبل اليوم!!
صار دخول الحمام -أجلكم الله- مهمة تحتاج إلى تخطيط وتنسيق وترتيب وتركيز شديد جدًا، الوضوء والصلاة وقضاء الحاجة صارت مهام تحتاج إلى ترتيبات وصعوبات بالغة ..!
صرت لا أستطيع المكوث بمفردي في البيت فلابد من وجود من يقوم على خدمتي ورعايتي، ولم يعد بإمكان أفراد الأسرة اتخاذ قرارات خروجهم من البيت بمعزل عن هذا التغيير الذي حدث. صار الحمام بعيدًا جدًا وشاقًا، وصار المطبخ في قارة أخرى ..!!
لأول مرة أستوعب مشاعر من أقعده المرض ومشاعر كبار السن..!! وأتخيل من يعيش وحده وتتوقف حياته حتى يأتي من يخدمه ويساعده ويرعاه..!!
لم أكن أتخيل أبدا أهمية وخطورة قدمي أبدا لهذا الحد، فمجرد تعطل قدمي تعطلت حياتي كلها وتبدلت تماما..!!
في أحد الأيام كنت وحدي في البيت لوقت قصير، فذهبت على مشّاية كبار السن على قدم واحدة إلى المطبخ، وصنعت لنفسي كوبا من الشاي ثم اكتشفت مفاجأة لم تخطر ببالي : كيف سأعود بكوب الشاي لكي أشربه أمام التلفاز؟!! حيث اكتشفت أن العودة سيرا على قدماي بكوب الشاي في يدي.. نعمة عظيمة لم انتبه إليها قط ..!!
طوبة صغيرة تحت قدمي بدلت برنامج حياتي كله.. ياسبحان الله.. خرجت من بيتي في الصباح ماشيًا وعدت في المساء محمولًا على أكتاف أصحابي ..
في يوم ٢ إبريل شعرت بألم رهيب في سمانة ساقي التي بها الكسر، فأسرعت في منتصف الليل للمستشفى وبعد فك الجبس وعمل الفحص والسونار تم تشخيص الحالة بأنها (جلطة) في الأوردة العميقة..!! وهي تحصل في حالات الجبس
أحيانا نتيجة عدم الحركة.. كان يتم حقني بحقنة في البطن لم يمر علي في حياتي شيء بهذا الرعب، كنت
أفكر في الحقنة التالية، والحقنة الحالية لم تخرج من جلدي بعد ..تم حجزي بالمستشفى، ونتيجة لنوبة سعال أصابتني فقد حصل شك في أن الجلطة وصلت للرئة، فتم نقلي للعناية المركزة فورا، وبدا أن طوبة تحت قدمي أمام المسجد تتحول إلى كابوس، بدأ شريط حياتي يمر أمام عيني وكان أكثر معنى مسيطر على خاطري (هي النعم الكثيرة التي كنت أرفل فيها لما كنت في حياة عادية)، والندم على التفريط في كثير من الوقت الذي يضيع لا أقول أنه في معصية، ولكن بدون فائدة أخروية تنفعني يوم. في المستشفى يجتمع مريض توقفت حياته كلها وصار كل همه أن يخرج لبيته، وموظف يَعدّ مرضُ الناس بالنسبة له عمل وروتين، فتنتهي نوبته ويخرج لبيته بكل هدوء تاركًا وراءه مريضًا يحلم بأن يخرج لحياته كهذا الموظف!
تم عمل أشعة بالصبغة على الصدر على أن نعرف نتائجها في الصباح، وفي الصباح كانت حياتي كلها متوقفة على كلمة الطبيب الذي راجع الأشعة، دخل علي حاملا الأشعة.. وأنا في انتظار كلمة فارقة ..!
الأشعة.. سليمة والحمد لله: قالها الطبيب بكل بساطة؛ فانتهت في عقلي سيناريوهات مرعبة محزنة مؤلمة! كانت المعضلة هي أن القدم ما زالت مكسورة، لكن الجبس ممنوع بسبب جلطة الساق، وأن علاج الجلطة مقدم على علاج الكسر، مما يعني أن العودة للمشي عليها سيحتاج لوقت أطول من الطبيعي.. يا الله، يا الله.. اللهم اشفني وعافني وجميع مرضى المسلمين ..
تورمت قدمي وتغير لونها بسبب عدم وجود الجبس، وبسبب الاعتماد على قدم واحدة أصبح هناك ألم رهيب في مفصل الحوض في القدم السليمة، وفي ركبة الساق السليمة، أصبحتْ يدي تؤلمني من ثقل الاعتماد عليهما وزاد وزني!
قرأت كثيرا عن ضعف الإنسان وذلته وهزيمته أمام بعض الأحداث، ولكن لم أعاين هذا الضعف كاليوم، إصابة بسيطة يترتب عليها سلسلة تداعيات لا تنتهي ..
أحلم باللحظة التي سأمشي فيها كأي شخص طبيعي، وأتذكر المنشور الذي كتبته: لما بتسأل أحد عن أحواله فيقول: حياة عادية، لا جديد..!!!!
الحياة العادية هذه التي تنعم فيه هي نعمة عظيمة وقوية وكبيرة يا جماعة، فاعتياد النعمة يخليك والله تنسى إنها نعمة، نعمة، نعمة... إذا تعرفوا عمق ومعنى هذه الكلمة ..!
انتبه يا مسلم ألا تفكر في قيمة النعم إلا لما تفقدها، (لإيلاف قريش) يعني بيألفوا النعمة ويعتادوها فيفقدوا شعورهم بإنها نعمة، وفضل كبير من الله، ولا يعرف قدرها إلا من فقدها وعاش ضدها..!!
السجن اللي أقعدني عن الحركة، والمرض الشديد اللي ذقته عرفوني معنى :
"وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار "
اليوم يمر عليّ ٣٥ يومًا لم تمس جبهتي الأرض ..!!!
فأنا أتوضأ وأصلي في الفراش مستلقيًا، لأني ممنوع حتى من الجلوس العادي اللي نحسبه عادي)، أكاد أُجن من شوقي لصلاةٍ أسجد فيها لله على الأرض، وأقف وأركع وأجلس كما كنت من قبل بشكل طبيعي، عادي..!!!
يا من لا تصلي أو كسول عن صلاتك تذكر يومًا تضعفُ فيه بمرض أو حادث أو كسر، حينها تتذكر نعم الله عليك الكثيرة، ولكن قد يكون بعد فوات الأوان، إذن فالفرصة الآن متاحة لك بالتوبة والاستقامة والمحافظة رأس مالك.. الصلاة..!!
والابتلاء ألوان: ابتلاء للصبر، وابتلاء للشكر، وابتلاء للأجر، وابتلاء للتوجيه، وابتلاء للتأديب، وابتلاء للتمحيص، وابتلاء للتقويم"...!!!
الحمد لله على نعم الله التي لا تعد ولا تحصى الحمد لله، الحمد لله، رب ارزقنا ووفقنا لشكرها كما تحب وترضى يا رب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد