بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كتاب (كتابة القصة القصيرة) نشر الكتاب عام 1976م للمؤلف (ولسن آر ثورنلي) ولم أجد أي معلومة تتحدث عن الكاتب -وأتمنى من يجد شيئا عنه يخبرني-
أما مترجمه فهو الدكتور مانع الجهني توفي عام(1423) على إثر حادث مروري شنيع قرب مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وعمره حينذاك نيف وستون عامًا، قضى ربعه الأخير أمينًا عامًا للندوة العالمية للشباب الإسلامي (1406-1423)، وأمضى عشره الآخِر عضوًا في مجلس الشورى السعودي (1417-1423)، عمل الدكتور على ترجمته وهو في قسم اللغة الآنجليزية كلية الآداب في جامعة الملك سعود، وخرجت الطبعة الأولى سنة 1992.
يا سادة يا كرام كتاب (كتابة القصة القصيرة) هو أفضل كتاب على الإطلاق تحدث عن القواعد في فن كتابة القصة القصيرة، وهو ركن اساسي في تعلم كيفية نقد القصة القصيرة.
وكما تعلمون أن هناك فرق بين الفن والعلم، فقواعد العلم إذا طُبقت ستأتي بنفس النتيجة مهما اختلف الأشخاص واختلفت العقول والمواهب، كعلم الفيزياء والرياضيات والكمياء، أما قواعد الفن إذا طُبقت ستختلف النتيجة على حسب موهبة الشخص المنفذ، كالرسم والكتابة والنحت، والكرة.
كان فن القصة أيها الأفاضل فن مغضوب عليه قبل 25 سنة تقريبًا، وخاصة في منطقة الرياض، كانت النظرة السائدة في ذاك الوقت أن القصة مُختلقة أي انها كذب والكذب حرام.
كنت في ذاك الزمان أبحث عن الروايات ولا أجدها في المكتبات لم اجد إلا كتب المنفلوطي والبؤساء وكتب عبدالملك القاسم سلسلة (الزمن القادم)، وكنت اصبر نفسي بكتب الطنطاوي والرافعي وطه حسين وتعليقات غازي القصيبي في المجلة العربية، فلما تزوجت أي قبل 19 سنة أتتني فكرة الذهاب إلى لبنان لأشتري الروايات التي لا تدخل البلاد، كانت فكرة أن مطوع يلقي كلمات في المساجد ويسافر إلى لبنان ليشتري روايات لا تدخل العقل ولا المنطق في ذلك الزمان، فأطلقوا علي الإشاعات هداهم الله.
الحاصل كنت أذهب إلى لبنان لمدة أربع أيام أو خمسة لا تزيد، وهناك تعرفت على روايات غازي القصيبي العجيبة وكتب أخرى لست أذكرها الآن.
وبعد أن توفي (رفيق الحريري) قُطعت العلاقة مع لبنان. ثم أتتني فكرة أخرى حينها وهي إقامة دورة مصغرة لإحدى حلقات القرآن فجمعت أربع كتب في فن القصة منها هذا الكتاب (كتابة القصة القصيرة) فبدأت أُعلم الشباب فن القصة وكيف تكتب قصة، ثم ألقيت كلمة لإحدى الحلقات عن فن القصة، ثم توقفت لارتباطي بخطبة الجمعة في الشرقية.
كنت بين الحين والآخر أقرأ مقالات بعض النقاد عن القصص وتعلمت منهم كيفية النقد، وبدأت أول تجرباتي في النقد على قصة لإمرأة اسمها الوابل ولا أذكر الآن ما عنوان القصة ومن ثم نقدت قصة أخرى رأيتها في إحدى الجرائد، وأرسلتُها لنفس الجريدة، ولكنهم لم ينشروها لي بحجة أن اسلوبك في النقد قديم وقد يكون قولهم صوابًا؛ فالكتاب الذي تعلمت منه هو هذا الكتاب وهو قديم، -والغريب اني لم اجد له ذكر في الإنترنت أو بين الكتّاب في فن القصة عدا أنه يعرض للبيع في موقع امازون-.
ولأن الكتاب يعتبر نادرًا في زماننا هذا أحببت أن أختصره لكم، فالكاتب تحدث عن المشهد وأسهب فيه، ثم بين الشخصية وأنواعها، ثم تحدث عن بداية القصة من الرؤية الشاملة والحالة المسببة ووجهة النظر، ثم شرح وسط القصة والتدخلات، ثم نهاية القصة، أكثرَ المؤلف من ذكر الأمثال حتى أنها طغت على الكتاب وجعلت الكتاب عملي.
الحاصل هذا مختصر كتاب (كتابة القصة القصيرة) -مع الملاحظة أن ترجمة الدكتور مانع كانت لفظية والله اعلم-.
المشهد ووصف المشهد:
كل واحد منا يعيش في الواقع في مشهد.فنحن نعمل في كل لحظة في بيئة محددة من الزمان والمكان.
أنت الآن، في هذه اللحظة، وأثناء قراءتك لهذا الكلام، تعيش في مشهدٍ صغير وتمر بتجربة معينة،
كيف يحدث هذا؟!!
ماهي مكونات هذه التجربة؟!!!
لنفترض أنك الآن في إحدى أمسيات الخريف بعد وقت الغداء.
وأنت جالس إلى مكتب في حجرة وعلى كرسي غير مريح إلى حدٍ ما.
يسقط ضوء مصباح المكتب الساطع على هذه الصفحة المطبوعة تاركًا بقية الغرفة في ظلامٍ نسبي، إذ أن الستائر تحجب ضوءَ المساء المتأخر.
في ذهنك الآن غرض محدد من هذا المشهد هو: شخص ما، يقرأ كتابًا لكتابة القصة القصيرة، وأنت تنوي دراسته، ولك مواقفك وآراؤك الذاتية المحدودة من هذا الغرض، والمؤلف أيضًا له مواقفه وآرائه، وهذا يوجد حالة نفسية معينة تستطيع تحليلها إذا أردت.
فتلك المواقف والآراء إذا أضفت إليها وضعك الجسمي بالنسبة للضوء والكتاب تمكنك من قدر معين من الرؤية.
وعلى سبيل المثال، إذا قمت وانتقلت إلى تلك الاريكة المريحة التي في الزاوية، واستلقيت عليها، سوف يتغير المشهد وتتغير تجربتك، لأن الوضع قد تغير.
بالرغم من أنه لم يتحرك أي شيء آخر في الغرفة، -اختبر هذا الأمر لتتأكد من ذلك إذا اردت -.
أنت الآن قد أفردت ستة عناصر يسهل التعرف عليها في هذا المشهد قد تؤثر في تجربتك، وهي: الزمان - والمكان - الغرض - الموضوع - الاضاءة- الشخصية.
فستمر الآن في هذا التحليل للمشهد ووسعه ليشمل عمل قوام الحسية وإدراكها للتجربة.
فأنت الآن ترى هذه الصفحة المطبوعة، ومن خلالها ترى الصور والرموز التي تنطبع في ذهنك بواسطة تلك الكلمات ومعانيها وتداعياتها الخاصة بك.
وخلال اللمحة التي ألقيتها قبل قليل على غرفتك ستدرك كل تفاصيل المنظر التي تحدد هذا الزمان والمكان، وهي: الجدران، السقف، الارضية، الكرسي، الطاولة، المكتب، السرير، بكل التفاصيل الدقيقة الخاصة باللون والمادة وما يتعلق بهما.
وأنت الآن تستطيع أن تستنشق وتشم رائحة مكتبك، بكل ما فيه من الروائح الخاصة المميزة في غرفتك، مما يجعل هذه الغرفة بلا شك غرفتك،
تأمل رائحة الأقمشة، الأنسجة، الجلد، الحبر، شريط الآلة الكاتبة وزيتها، محلول الغسيل، قفازك، قطعة الحلوى تلك. ثم اكتبه واوصفه حتى يعرف من يدخل غرفتك وهو معصوب العينين أن هذه غرفتك من وصفك لريحتها.
مإذا تسمع؟ لعلك تسمع نفسك، أو الأصوات الداخلية لعمليات تقلص الأمعاء خصوصًا وأنك قد تناولت غداؤك قبل قليل.
إذا كانت الغرفة هادئة فقد تسمع الخشخشة الضعيفة الصادرة من صحون المطبخ التي تغسل، أو صوت التلفزيون المكتوم الرتيب، وحركة النسيم الخافتة في الخارج، أو نباح كلب، أو بعض الأصوات غير المميزة التي تصدر من الشقة المجاورة، أو التقليب الهادي لتلك الصفحات.
كل هذه الاصوات سترتطم بجهاز سمعك عن قصد أو غير قصد وتصبح جزء من هذا المشهد.
مإذا تستطيع ان تلمس؟ ملابسك بالطبع بعضها ضيق وغير مريح، الكرسي الذي تجلس عليه، هذا الكتاب بوزنه ومادته ومرونته، وعندما انتقلت إلى الاريكة منذ لحظات بلا شك أنك لمست بعض الاشياء، وأنت تشعر بحرارة الغرفة تفاعل مع تلك الاحساس بطريقة واضحة أو خفية.
ما الذي يرادإيضاحه هنا؟ هو ببساطة أنك تعيش في مشهد بشكل فريد ووحيد. فنحن نعيش باستمرار في مشهد ونتحرك من مشهد لآخر.
ثم طرح سؤالًا مهمًا وهو:
ماذا نستطيع أن نعمل للمساعدة في تطوير نظام الملاحظة هذا والذاكرة والحيل العقلية لنسجل ذلك في مشهد قصة؟
أحد الاجابات الجيدة هي أن نحتفظ بدفتر ملاحظات، فكل كُتاب القصة تقريبا الذين يناقشون فنهم يتحدثون عن دفاتر ملاحظاتهم كشيء لا يمكن الاستغناء عنه. -قلت سمعت عن مؤلفة هاري بوتر أنها كانت تحتفظ بمذكرة ملاحظات عن وحوش وشخصيات لم تذكرهم في سلسلتها، حتى أنها أفردتها بعمل اخر، نعود إلى الكتاب-.
يجمع الكاتب أيضًا في دفتر الملاحظات شخصيات مدهشة وأناس ممكن يعرف أو لا يعرف المهم أنهم لفتوا انتباهه بحركة أخاذة، أو تعبير الوجه أو نبرة الصوت أو بفكرة عبروا عنها.
الشخصية الحاسمة:
الشخصية الحاسمة هي الفرد الذي يتأثر بالأحداث أو الذي يحاول أن يحدد القضايا التي تواجه في حل مشكلته والذي يختار بوعي أو عدمه أو بتهور الحل الذي يقتنع به - هو الشخص الذي يتعاطف معه القارئ -
ثم عرض سؤالًا آخر فقال: كيف تُعرض الشخصية الحاسمة في القصة القصيرة؟
تذكر أن البنية الرئيسة في القصة القصيرة الوصفية هو المشهد بعناصره الأحدى عشر، وأحد تلك العناصر هو الشخصية.
أوصاف الشخصية الوجه، المشية، الحجم، العمر... الخ، ولا تطور الشخصية في القصة القصيرة بوصف تغييرات معقدة منها كما في المقالة أو الرواية. المهم أن تصف الشخصية كما تحصل في المشهد وكما تؤثر فيها الأحداث هناك.
ولا تؤخر القصة من أجل وصف ثابت لشخصية مستقلة عن المشهد، فالشخصية تنتج عن المشهد التي هي جزء منه.
الشخصيات الثانوية:
كقاعدة عامة إذا كنت تستطيع أن تورد القصة القصيرة بشخصية ثانوية واحدة فلا تستعمل اثنتين.
فالشخصيات الثانوية لا بد أن تقوم بدور ضروري في تركيب القصة، وهذا الدور قد يكون لإنهاء المشهد وإضفاء الواقعية عليه، وقد تستخدم للنفاذ إلى اعماق الشخصية المسيطرة وتوضيحها من خلال الحوار أو الأحداث.
المشكلة:
هي في القصة القصيرة أي شيء يتسبب في قرار الشخصية المسيطرة سواء كان القرار مدروسًا أو عفويًا، المهم أن يتعامل مع فكرة المشكلة بمرونة.
والمشكلة قد تكون جسمانية وقد تكون نفسية وقد تكون فكرة ذهنية أو مشكلة أخلاقية.
والنقطة المهمة حول المشكلة هي يجب أن تكون جديرة بالحل المقترح سواء كانت معقدة وغامضة أو سهلة وواضحة، والشخصية الحاسمة يجب أن تكون قادرة على محاولة إيجاد طرق لحلها ولتنفيذ الجهد المقترح.
الرؤية الشاملة:
النظرة الشاملة توفر إطارًا ضروريًا لفهمٍ وإدراكٍ واضحين لكافة تسلسل المشاهد.
هذه النظرة الشاملة تقوم بنفس العمل الذي تؤديه (كاميرا) التلفزيون عندما تعرض في البداية منظرًا شاملًا ثم تقترب مركزة على الموضوع المباشر.
والمنظر الشامل يحتوي على الزمان والمكان بصفة عامة، وأحيانا الإضاءة، والشخصية، والغرض من بعض المشاهد.
وينبغي ألا تهمل هذا المنظر فيما بعد.
الحالة المسببة:
هي عبارة عن المرحلة التي تصبح فيها المشكلة واضحة لنا وملزمة للشخصية الحاسمة بأن تطالبه بالبحث عن الحل سواء شعر بذلك أو لم يشعر.
قال المؤلف عن وجهة النظر:
لا يمكن انتاج قصة قصيرة محكمة ما لم يستطع القارئ أن يتقمص الشخصية الحاسمة، التي تحاول أن تسيطر على مصيرها وتمارس خياراتها وتنفذ قراراتها. حتى يشعر القارئ من الناحية النفسية أنه أصبح الشخصية الحاسمة وأصبحت المشكلة مشكلته.
استعملات الحوار:
لا بد ان يكون له غرض، فالكاتب يستعمل الحوار ليطور فهم الشخصية أو دافعها -والايماءات والحركات وتعابير الوجه ورنة الصوت التي تصبح جزء من الحوار تساعد على فهم الشخص- وقد يستعمله ليصف بعض المناظر الحسية دون اللجوء إلى الوصف الجامد.
وسط القصة القصيرة:
يقدم وسط القصة القصيرة مشاهد تعرض الحل الذي قررته الشخصية الحاسمة في المشاهد الاولى لتتعقد بشكل ما، مما يفرض على الشخصية أن تعيد تقييمها للوضع وتتخذ قرارا جديدا في سبيل حلٍ أكثر فعالية، ثم عرض أفكار للتدريب على اساسات كتابة القصة، منها:
1- اعصِب عينيك ودع أحد اصدقائك يقودك إلى غرفة مألوفة، قف لا تتحرك، هل تستطيع أن تتعرف على الغرفة من رائحتها فقط؟
2- تذوق بعض الطعام، امسح على ظهر قطة، امشي حافي القدمين، ثم سجل ذلك كله في دفتر ملاحظاتك.
3- اذهب في رحلة تسلق أو رحلة حول الحي، ثم اكتب وصف مشهد دقيقة واحدة، وضمن وصفك عشر عناصر على الأقل من وصف المشهد.
وعناصر وصف المشهد هي: 1- الضوء. 2- المكان. 3- الزمان. 4-5-6-7-8- الحواس الخمس.
9- الغرض. 10- وجهة النظر. 11- الشخصية.
4- اكتب خمس مشاكل واجهتك حقيقة وكان عليك أن تقرر حلًا لها، وانظر هل نجح حلك الأول؟ هل اخترت حلًا آخر؟
5- اخترع شخصية حاسمة وضع عليها قيود ودعها تحل مشكلة.
6- اكتب وصفًا دقيقًا لحوار حقيقي مستصحبًا فيه الإيماءات وتعابير الوجه وحركات الجسم ونبرة الصوت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد