بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في أول الأمر وفي ازدهار العلوم الإسلامية في العراق والشام والحجاز وغيرهما وازدهار حركة النسخ التي كان يقوم بها الوراقون، كان هنالك نقد لكل ما يكتب في العلوم على اختلافها الشرعية منها والطبيعية والنقد لم يكن متاحا لكل أحد بل كان من أهل الاختصاص ولم يكن هذا بعمل يعتريه التواطئ بل كان عملا يقوده الإخلاص وطلب النفع
في ظل هذا الجو لم يكن يهتم أهل العلم وطلابه بمن لم يتقن مادة كتابه أو لم يحرر فيها أو يقدم شيئا جديدا أو إضافة نافعة ولم يكن يتجرأ الجهال على الكتابة والتأليف ومن يفعل لم يكن لما فعل وزنا فالنقد للعلماء وإنتاجهم على أشده فكيف بجاهل؟
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى بدأ في القرون المتأخرة التردي في الإنتاج المعرفي ورغم ذلك فاستمر النقد واستمر عامة الجهلة والعوام في تجنب مخاطرة خوض الإسهام المعرفي ومع ظهور دور النشر في الأزمنة المتأخرة فُتح باب النشر على استحياء لأهل الجهالة فرأى الناس طواما من الكتب وظهرت دور تريد المال بغض النظر عن المادة المكتوبة مع عوامل أخرى دعمت ظهور الجهلة من الكتاب لم يكن تاثيرهم قويا فالنقد مستمر والناس أصلا في عزوف عن القراءة في ذلك الوقت.
وفي السنوات الأخيرة كثر المستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي فنتجت باقعة ليس لها مثيل فيما مضى فكل إنسان له قدرة على الكتابة والنشر دون حسيب أو رقيب وبحسب عوامل معينة يكون وصول رسالة الجاهل أوسع من وصول رسالة من عنده علم!
ولا يغرنك القول الخبيث "لقد حررت وسائل التواصل الناس من التبعية"
فإن غير المتخصص ليس له إلا حالين:
أن يتكلم بجهل بما يخطر له وهذا مرفوض باتفاق العقلاء
أن يكرر ما سمعه من غيره وغالبا ما يكون الغير=التيار الجارف في المجتمع
فعن أي تخلص من التبعية يتحدثون؟
فأنت ترى كثيرا من الناس يتأثرون بمسلسل أو فلم وتتشكل تصوارتهم بمثل ذلك
فنحن عندما نقول "لا يتكلم غير المتخصص" لا نعني احتكار التأثير بل نطلب من غير المتخصص الاجتهاد ورفع الجهل عن نفسه ثم الكلام.
وإلا فهذه الحالة التي نراها من جرأة الاعتراض على أهل الاختصاص (ولا أخص العلوم الشرعية هنا) والنقد بمجرد الذوق الذي تشكل بأداوات معرفية مشوهة وناقصة لم يسبق له في تاريخ البشرية مثيل وهذه الحالة تفرض على طلبة العلم في كل علم الاجتهاد في مواجهة هذا السيل الجرف من الجهل المنشور ويكون ذلك:
بنشر العلم الصحيح بجميع الوسائل المتاحة وخاصة منها الوسائل التقنية الحديثة
فرز الشبهات المؤثرة والجواب عنها بأجوبة جامعة تكون كالترياق النافع لعدة أمراض
وأيضا تفرض مثل هذه الحالة أن يُسهل العلم (وأعني هنا كل علم) بأن يكون هناك مختصرات تؤهل لنا عناصر عاملة في تكثير سواد أهل الحق مع استمرار الخاط التقليدي في تأصيل طلبة العلم لأنه الأعمق أثرا والأرسخ نفعا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد