بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قد اتخذت إجراءات وقائية وتدابير احترازية جراء انتشار الوباء المسمى " كورونا " فعلقت الصلاة في المساجد والجوامع مؤقتاً وعلقت الدراسة ومنعت التجمعات ولزم الناس بيوتهم، وذلك للحد من انتشار الوباء ودفعه فعلاً للأسباب المشروعة وطاعة لولاة الأمور، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية -حرسها الله- فتوى بتسويغ إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد مؤقتًا، والاكتفاء برفع الأذان وأن يقال فيه: (صلوا في بيوتكم) وهي فتوى محررة ومستندة على أدلة شرعية صحيحة ومبنية على مقاصد الدين الحنيف، وقواعد فقهية تجوّز ذلك؛ لقيام العذر المعتبر شرعًا.
وفي هذا الصدد أحببت التنبيه بشكل مختصر على بعض المسائل المتعلقة بالصلاة في البيوت والأذان والجمعة ونحوها وما يتعلق بهذا الباب من أحكام غالبها مستقى من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، فأقول مستعينا بالله تعالى:
الصلاة في البيوت:
- من كان محافظا على صلاة الجمعة والجماعة ولزوم المساجد للعبادة والعلم فإنه معذور وأجره تام موفور؛ لعموم قوله ﷺ: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري. قال العلامة ابن عثيمين: (المعذورَ يُكتبُ له أجرُ الجماعةِ كاملاً إذا كان من عادتِه أن يصلِّي مع الجماعة، لقول النبي ﷺ: (إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ صحيحاً مقيماً) الشرح الممتع ٣٢٣/ ٤.
- وباء كورونا يعتبر من الأعذار الشرعية التي تمنع من الذهاب للمساجد، والصلاة في البيت أو مكانه؛ كرخصة شرعية وإجراء احترازي للحد من التعرض للمخاطر وانتشار الأوبئة؛ قال المرداوي في الإنصاف: ويعذرُ في ترك الجمعة والجماعة المريضُ بلا نزاع، ويعذرُ أيضا في تركهما لخوفِ حدوثِ المرضِ. أهـ
- يشرع أخذ الزينة للصلاة حتى لو كان المصلي يصلي في بيته وحده، لأن أخذ الزينة في الصلاة لحق الله تعالى وليس لأجل نظر الناس فالله عز وجل أحق من تزين له.
- مما يدل على مشروعية الصلاة في البيوت عند الخوف قوله تعالى: (واجعلوا بيوتكم قبلة). قال مجاهد: (كانوا لا يصلون إلا خائفين، فأمروا أن يصلوا في بيوتهم).
- السنة أن يصلي الرجل بأهله ومن معه جماعة فعن أبيِّ بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ: (صَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَانُوا أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ). رواه أبو داود، والنسائي.
- في مثل هذه الأحوال يشرع للإنسان أن يتخذ مصلى في بيته ويصلي فيه بأهل بيته جماعة. فقد روى الإمام مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". والحديث في الصحيح.
- المصلى الذي يكون في البيت وهو ما اتخذ لصلاة عارضة؛ فلا يأخذ أحكام المساجد سواء حجره أم لم يحجره، وعلى هذا فلا تثبت له أحكام المسجد؛ فلا تحية له، أما المسجد فلا تمكث فيه الحائض مطلقاً، ولا الجنب إلا بوضوء، ولا يجوز فيه البيع والشراء، بخلاف المصلى.
- تحصل الجماعة باثنين فأكثر.
- إذا اجتمع رجلان فأكثر في البيت فيجب عليهم أن يصلوا جماعة نص عليه الإمام أحمد وهو قول عطاء والأوزاعي وأبي ثور وابن قدامة وابن تيمية وغيرهم.
- تجب تسوية الصفوف خلف الامام.
- الأطفال يجعلهم خلفه كالمكلفين إذا كانوا قد بلغو سبعًا فأكثر، وهكذا لو كان صبي ومكلف يجعلهما خلفه؛ لأن النبي ﷺ صلى بأنس واليتيم وجعلهما خلفه، وهكذا لما صف معه جابر وجبار من الأنصار جعلهما خلفه.
- الواحد يكون عن يمين الإمام، سواء أكان رجلًا أو صبيًا؛ لأن النبي ﷺ لما صف معه ابن عباس في صلاة الليل عن يساره أداره عن يمينه وهكذا أنس صلى مع النبي ﷺ في بعض صلوات النافلة فجعله عن يمينه.
- المرأة إذا أرادت صلاة الجماعة فإنها تكون خلف الرجل ولو كان من محارمها، ولا يجوز لها أن تصف مع الإمام ولا مع الرجال، لأن النبي ﷺ لما صلى بأنس واليتيم جعل أم سليم خلفهما قال أنس: فقام رسول الله وصففت واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا. رواه الشيخان.
- لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجل في الصلاة حتى لوكان المأموم زوجها، أو ولدها أو أي أحد من محارمها.
- تٌصلى كل صلاة في وقتها، وإخراجها عن وقتها بغير عذر من الكبائر.
- يسن أداء الصلاة في أول وقتها عدا صلاة العشاء فيسن تأخيرها قليلاً، ولكن لا يتأخر عن منتصف الليل.
- تشرع الإقامة لكل صلاة.
- من السنة الإتيان بالأذكار بعد كل صلاة.
- من السنة المثابرة على السنن الرواتب.
- لم يثبت القنوت في طاعون عمواس، ولا في غيره. قاله ابن مفلح في الفروع (1/ 543).
- الراجح أنه تصح إمامة الصبي المميز للبالغين إذا كان قد أكمل سبع سنين أو أكثر وهو يحسن الصلاة؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن سلمة الجرمي قال: "فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآنا ، فقدموني وأنا ابن ست أو سبع".
صلاة الجمعة:
- لا يجوز إقامة صلاة الجمعة في البيوت أو الأسواق أو غيرها من الأماكن.
- الواجب في هذه الحال أن يصلوا صلاة الظهر في وقتها أربع ركعات بعد الزوال.
- يوم الجمعة يوم عظيم له فضائله وخصائصه فيحرص المسلم على قراءة القرآن وتحري ساعة الإجابة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. أما الاغتسال والتطيب ونحوه فإنما يشرع لمن يسعى للجمعة، أما من يصليها ظهراً كالمعذور والمرأة فلا تسن هذه الأمور في حقه وإنما تبقى على الإباحة.
- السنة تدل على أن الاغتسال خاص بمن يأتي إلى الجمعة؛ لقول الرسول ﷺ: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» يعني أن المراد بها الصلاة، وعلى هذا فالنساء لا يسن لهن الاغتسال، وكذلك من لا يحضر لصلاة الجمعة لعذر، فإنه لا يسن له أن يغتسل للجمعة. الشرح الممتع 81/5. فالصحيح أن الاغتسال يوم الجمعة للصلاة لا لليوم، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك، وحكاه ابنُ الملقن.
الأذان:
-قول المؤذن: "صلوا في الرحال" أو "صلوا في بيوتكم" جاء في السنة على أنواع:
الأول: ألا يقول: "حي على الصلاة حي على الفلاح" وإنما يقول بدلها صلوا في رحالكم.
الثاني: أن يقولها بعد أن يقول: "حي على الصلاة حي على الفلاح" فيجمع بينهما
الثالث: أن يقولها بعدما ينتهي الأذان.
- الرحال: المنازل والدور والمساكن جمع رحل، وسواء كانت من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبرٍ وغيرها، ونص على هذا أهل اللغة كالأزهري.
- يقول: (صلوا في بيوتكم) أثناء الأذان أو بعده، قال النووي:"والأمران جائزان...لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى نظم الأذان على وضعه ". (شرح مسلم٢٠٧/5)
- (الصلاة في الرحال) موضعها في الأذان الثاني لصلاة الفجر على الصحيح، لأنه هو الذي يدخل به الوقت.
- في أذان الفجر يؤذن كما يؤذن لبقية الأوقات، ويجعل (الصلاة خير من النوم) بعد (صلوا في بيوتكم).
- (صلوا في بيوتكم) تقال مرة واحدة، وورد مرتين، ولا يزاد على المرتين، وقوفا ًمع النص.
- يشرع لمستمع الأذان متابعة المؤذن وأن يقول مثلما يقول، وعند قوله (صلوا في بيوتكم) يسكت؛ لكونه لم يرد في ذلك شيء في السنة والأصل في العبادات التوقيف.
- الأذان الأول شرع للاستعداد لصلاة الجمعة وعلى هذا لا يشرع لعدم صلاة الجمعة
تنبيه على بعض البدع المحدثة عند نزول الطاعون والأوبئة:
- الدعاء والابتهال الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي والبيوت ونحوها بنية دفع البلاء والوباء.
- تحديد وقت معين يؤدي فيه الجميع الصلاة في بيوتهم بنية رفع الطاعون أو دفعه.
- تخصيص يوم للتوبة كيوم الجمعة أو غيره.
- تخصيص بعض الأذكار والأدعية المحدثة التي لم تثبت.
- ما يذكر عن تبخير البيت باللبان لدفع الطاعون وأن النبي ﷺ فعل ذلك بالمدينة؛ هو كذب، فإن الطاعون لم يقع في عهد النبي ﷺ، وإنما وقع في زمن عمر بالشام، ولا فعله عمر ولا الصحابة رضي الله عنهم وإما حديث:" بخروا بيوتكم باللبان والشيح"؛ فقال ابن القيم في زاد المعاد: إنه لا يصح.
اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر ووباء، وفتنة وبلاء، اللهم ارفع الوباء وعمنا بالخير والرخاء، والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
السبت 26 رجب 1441هـ
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد