بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ما أجمل الشعائر إذا امتزجت بالمشاعر والأحاسيس؛ وما أجمل المناسك إذا كانت بعد شوق وحنين.. وهذه المشاعر والإحاسيس ترضيها مناسك تُؤدَّى بحب، وشعائر تتم بلذة، ومشقة يحبها صاحبها ويطلب لها المزيد؛ فقد خلع طينه، وتخلص من ماديته، وارتفع إلى علّيين.
وإذا كانت كلمة (حج) تبدأ بحرف الحاء فإننا نتناول بإيجاز ما يبدأ بحرف الحاء من مشاعر وقيم وأخلاق وصفات وفقه ومناسك تذكّرنا بها تلك الفريضة العظيمة فريضة الحج.
أولا: الحج: مشاعر وأحاسيس تبدأ بحرف الحاء:
1- حنان: الحنان: رقة فى القلب وشوق ولهفة ورأفة ورحمة.. قال سبحانه وتعالى {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} مريم 13 أى رحمة ورأفة.. وقد وضع الله سبحانه وتعالى حنانا واشتياقا فى نفس من كتب له الحج، فقال سبحانه وتعالى {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} إبراهيم 37.. ومن زار البيت مرة حن إليه مرات.. قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} أي: جعله مَحَلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولوترددَت إليه كلَّ عام [1].
2- حياة: إن الحياة الحقيقية هى تلك التى يحياها المرء قريبا من ربه سبحانه وتعالى؛ وأداء فرض الحج بإخلاص لله يحيى العبد من جديد، ألم يقل رسول الله ﷺ: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"[2].. إنه يولد من جديد، ويبدأ حياة جديدة؛ والحياة الحقيقية لا تتحقق إلا فى نور الله؛}أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{ الأنعام 122
3- حلاوة الإيمان: إن للإيمان حلاوة لا يحسها إلا المؤمن.. والحاج بيت الله الحرام، ينطلق تاركا ومودعا أهله وبيته وماله، حبا فى الله وطاعة لمولاه.. فإذا به يحس حلاوة الإيمان التى قال عنها رسول الله ﷺ: " ثلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ " وذكر منها: "أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا"[3].
4- حبور: الحبور: السعادة والسرور؛ ولم ير الناس أحدا يفارق أهله ووطنه، ويبذل ماله، ويبكى من الفرح، كالحاج الذى وضع رجله فى الغرز ملبيا: لبيك اللهم لبيك.. انظر إلى أعين المسافرين إلى بيت الله الحرام تر دموع الفرح، وسعادة الوجدان.. وكأنه يتيه على غيره، ولسان حاله يقول فى حبور: غدا نلقى الأحبة.. محمدا وصحبه.
ثانيا: الحج: قيم وأخلاق تبدأ بحرف الحاء:
1- حب: هذه العاطفة الجميلة، على علاقة وثيقة بحج بيت الله الحرام.. لقد أحب الحاج ربه ونبيه أكثر من أى شيئ آخر، فطرح الدنيا خلف ظهره، وتخلص من حرصه على المال والأهل والزينة، وأقبل على الله بحب.. فوجد اللذة فى طاعة الله، ووجد الراحة فى تنفيذ معانى: لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك. فلا تقل نفسى، فإن حب الله ورسوله أولى؛ ولا تقل أهلى، فإن حب الله ورسوله أغلى؛ ولا تقل مالى.. فإن حب الله ورسوله أحلى.
2- حِلم: الحلم سيد الأخلاق؛ وهوصفة من صفات الله سبحانه وتعالى واسم من أسمائه الحسنى {وإنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} الحج 59..وكان رسول الله ﷺ لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.. ووصف الله تعالى خليله إبراهيم بالحلم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} هود 75.. والحاج يتذكر خليل الله إبراهيم، وحبيب الله محمدا، فيتمسك بهذا الخلق الرفيع وبهذه القيمة الطيبة.. نفسه متسامحة، وصدره رحب..يكظم غيظه، ويكتم غضبه.. إنه الصبر الجميل الذى لا يلقَّاه إلا الحليم الرشيد؛ الذى لا يكافئ من عصى الله فيه إلا بأن يطيع الله فيه..
3- حدب: الحدب هوالعطف والرأفة؛ وفى المعجم: حدب عليه: انحنى وعطف؛ وحدبت المرأة على ولدها: امتنعت عن الزواج بعد أبيه رأفة به [4]. والحاج يعطف على إخوانه وخاصة الضعفاء منهم؛ يعينهم ويقف إلى جوارهم ويخفف من معاناتهم فى تواد وتراحم وتعاطف ورأفة، منفذا قول رسول الله ﷺ "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوتَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[5] والحاج يعيش هذا الحدب مع كل شيئ من حوله.. إنه القرب الخالص، والتواصل الدافئ، والانعطاف فى رقة ورحمة: مع الناس فيساعد كبيرهم المسن، ويعاون ضعيفهم العاجز..الابتسامة لا تفارق وجهه، والإقبال على معاونة الآخرين وإغاثة الملهوف تتملك عليه جوانحه.. وهوأيضا فى حدب مع الطير فلا ينفره، ومع النبات فلا يقتلعه، ومع الجماد فيقبّل الحجر الأسعد أويحييه.
4- حرية: تلك القيمة العظمى التى من أجلها يُبذَل الغالى والنفيس؛ لقد ذكر الله تعالى صفة رسوله ﷺ فى الكتب السابقة وكان منها أنه جاء ليحقق الحرية للبشر ويضع عنهم قيود وأغلال الظلم والعبودية؛ قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف 157.. فلا ظلم ولا عبودية ولا قهر فى الإسلام .قال عمر: مُذْ كم تعبَّدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟![6].. وفى فرض الحج تتجلى الحرية فى أسمى معانيها وأجلى صورها.. فالتلبية والخضوع والتضرع لله وحده لا سواه.. إنه البرهان العملى على التحرر من كل عبودية إلا لله وحده لا شريك له.
5- حكمة: إن لله تعالى حكمة بالغة فى كل منسك من مناسك الحج؛ فالتلبية برهان على التوحيد الخالص لله؛ وملابس الإحرام برهان على الزهد والمساواة التامة بين الجميع أمام الله.. وفى الطواف تَوحُّد للإنسان المسلم مع الكون الخاضع لله؛ فهويطوف حول الكعبة عكس عقارب الساعة كما تدور المجموعة الشمسية، وكما تدورالأرض، والكواكب، كلٌّ فى فلك يسبح بأمر الله؛.. أما السعى بين الصفا والمروة فإنه يذكّرنا بحال هاجر بعد أن فرغ منها الماء والزاد وأخذت تسعى وتبذل الجهد بحثا عن غوث؛ فإذا بالملك يفجر لها بئر زمزم؛ لنتعلم السعى والجهاد، ولنوقن أن الله يفرج كرب المتوكلين عليه؛.. أما الوقوف بعرفة فإنه تذكير للإنسان بذلك اليوم الموعود، الذى يحشر فيه العباد حفاة عراة غرلا، لا ملجأ لهم ولا منجى من الله إلا إليه.
6- حمد: لقد افتتح الله تعالى كتابه بسورة الحمد لله رب العالمين، وجعلها أم القرآن، وافتتح سورا فى كتابه بالحمد، وسمى نبيه اسما مشتقا من الحمد؛ فذوالعرش محمود وهذا محمد. يقول رسول الله ﷺ " أَمَا وإن ربك سبحانه وتعالى يحب الحمد "[7].. لذا كانت التلبية مغلفة بالحمد..( إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).
7- حياء: " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء "[8] هكذا يقول رسول الله ﷺ والحاج بيت الله الحرام يتخلق بهذا الخلق الرفيع؛ يستحيى أن ينظر إلى ما حرم الله، ويستحيى أن يأكل ما حرم الله، ويستحيى أن يرجع بعد تمام حجه فيعصى الله سبحانه وتعالى وقد ذاق حلاوة القرب من الله.. فإذا به يستحيى من الله حق الحياء، فيحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى، فلا يفعل إلا الخير ولا يعيش إلا للخير.
8- حُسن الخلق: إن أولى الناس بحسن الخلق هم حجاج بيت الله الحرام.. خاطبهم ربهم بقوله سبحانه وتعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} البقرة 197..إن شرط محوسيئات الحاج هوالتخلق بحسن الخلق.. يقول رسول الله ﷺ " مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ".. فإذا بالحاج يتمسك بمكارم الأخلاق مع الناس والطير والنبات والجماد.. ويرجع من حجه وقد عزم على ألا يفارقه حسن الخلق ما دام فيه عرق ينبض.. لأنه أيقن بحديث رسول الله ﷺ: " مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ"[9]
ثالثا: الحج: مصطلحات فقهية تبدأ بحرف الحاء:
1- حظر: الحظر هوالمنع، ومعلوم أن هناك محظورات على الحاج يجب عليه تجنبها بمجرد إحرامه؛ فيحرم عليه لبس المخيط وتغطية الرأس – هذا للرجال – ووضع الطيب وتقليم الأظافر، وإزالة الشعر، والجماع وعقد النكاح له أولغيره، ولبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، والتعرض للصيد. فمن كان له عذر، واحتاج إلى ارتكاب محظور من محظورات الاحرام، غير الوطء - كحلق الشعر، ولبس المخيط اتقاء لحر، أوبرد - لزمه أن يذبح شاة، أويطعم ستة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أويصوم ثلاثة أيام. وهومخير بين هذه الأمور الثلاثة[10].
2- حصر: جاء فى المعجم الوسيط: حصره المرض أوالخوف: منعه عن المضى لأمره[11] يقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} البقرة 196 والإحصار فى الحج معناه: أي: صُدِدْتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما[12]. .. فمن صُدّ عن الوصول إلى البيت لمرض أوخوف تحلل من إحرامه وقدّم ما تيسّر من الهدْى.
3- حبس: والحبس يشبه الحصر وهومتعلق به؛ فمن أراد الحج وحبسه أمر ما عن المضى إلى الحج اشترط وقال: (اللهم محلى حيث حبستنى).. فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: " لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ " قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا:" حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي "[13].
4- حمام: هذا الطائر المسالم الوديع؛ له علاقة بالحج إلى بيت الله الحرام يتمثل فى قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وقوله سبحانه وتعالى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} المائدة 95 و96..فالحاج المحرم لا ينفّر هذا الحمام الذى يملأ الساحات حول الحرم، بل يعامله برفق ويطعمه إن استطاع.
5- حاضر: وقد وردت هذه اللفظة فى قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة 196.. قال قتادة: ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول: يا أهل مكة، لا متعة لكم، أحلت لأهل الآفاق وحُرِّمت عليكم[14].
يقول الزحيلى: فلا يجب دم المتعة على حاضري المسجد الحرام بنص القرآن الكريم، ولأن حاضر المسجد الحرام ميقاته مكة[15].
6- حسنة: إن رحلة الحج كلها حسنات؛ فالسفر فى طاعة الله جهاد، والتلبية ذكر، والمناسك طاعات، والصلاة فى المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، وفى مسجد النبى ﷺ تعدل ألف صلاة.. إنها رحلة جمع الجبال من الحسنات، وتطهير النفس من السيئات.. من هنا كان من السنة أن يدعوالحاج بين الركن اليمانى والحجر الأسود قائلا: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} البقرة 201
رابعا: الحج: مناسك تبدأ بحرف الحاء:
1- إحرام: هذا اللفظ الإسلامى الخالص؛ اشتق من الفعل: حرم؛ ومعنى الإحرام مرتبط بما يرتديه الحاج من إزار يغطى نصفه الأسفل، ورداء يغطى نصفه الأعلى، فبمجرد إحرامه حُرّم عليه لبس المخيط، والتطيب، وتغطية الرأس، والجماع وعقد الزواج، وقص الأظافر وإزالة الشعر. ويقال للرجل الذى ارتدى ملابس الإحرام: مُحرم؛ كما يقال للمرأة التى نوت الحاج: محرمة.. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ ﷺ وَهُومُحْرِمٌ "[16] وقال النَّبِيُّ ﷺ: "لا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ"[17]
2- حَرَم: أصل ذكر الحرم قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} القصص 57 والذي حَدَّ حدود الحرم أولًا هونبي الله إبراهيم ﷺ بأمر الله له، ووحيه إليه. جاء في "الموسوعة الفقهية": حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عِنْدَ التَّنْعِيمِ وَهُوعَلَى ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ، وَيُعْرَفُ الآْنَ بِمَسْجِدِ عَائِشَةَ، فَمَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَالتَّنْعِيمِ حَرَمٌ. وَالتَّنْعِيمُ مِنَ الْحِل.وَمِنْ جِهَةِ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ. وَمِنْ جِهَةِ جُدَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْجِعْرَانَةِ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ.وَمِنْ جِهَةِ الْعِرَاقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ جِهَةِ الطَّائِفِ عَلَى عَرَفَاتٍ مِنْ بَطْنِ نَمِرَةَ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِنْدَ طَرَفِ عُرَنَةَ، وَابْتِدَاءُ الأْمْيَال مِنَ الْحَجَرِ الأْسْوَدِ.[18]". والحرم لا يجوز فيه حمل السلاح ولا قطع شجره ولا تنفير صيده.
3- حجر: وأكثر الأحجار شهرة وبركة هوالحجر الأسود، الذى من عنده يبدأ الطواف حول الكعبة وعنده ينتهى، وقد أُهبط من الجنة وكان أشد بياضا من اللبن،عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوأَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ"[19]..ولقد كان عمر t يقبله، ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك ". أخرجه الجماعة.. وقد استولى القرامطة على الحجر سنة 317 هـ وغيبوه 22 سنة، وردّ إلى موضعه سنة 339 هـ. والحجر الأسود يشهد لكل من استلمه؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَأْتِي هَذَا الْحَجَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ"[20]. ومن استلمه قبّله، فإن لم يستطع لمسه بيده وقبّل يده أوأشار إليه بشيئ وقبّل هذا الشيئ؛ عن أَبى الطُّفَيْلِ قال: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ"[21]. وعند الحجر تُذرف الدموع وتُسكب العبرات؛ عن ابن عمر t، قال: « استقبل رسول الله ﷺ الحجر واستلمه، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا » فالتفت، فإذا عمر يبكي، فقال: « يا عمر ها هنا تسكب العبرات »[22].
4- حلْق: حلق الرأس من شعائر الحج وهوأفضل من التقصير، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: " اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ " قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " وَالْمُقَصِّرِينَ "[23].. ويجب على الحاج الإبقاء على إحرامه وعدم الحلق حتى يرمى جمرة العقبة يوم النحر ثم يذبح الهدى ثم بعد ذلك يحلق أويقصر. فإذا حلق أدركته دعوة رسول الله ﷺ بالرحمة مرتين.
5- تحلل: هذا لفظ مرتبط بالحج؛ لأن الإحرام يقابله التحلل منه؛ واتفق الفقهاء على أن في الحج تحللين: أما التحلل الأول: فيحصل بفعل اثنين من ثلاثة: رمي جمرة العقبة والحلق وطواف الإفاضة، ويحل به كل شيء إلا النساء؛وأما التحلل الثاني أوالأكبر: فيحصل بفعل الشيء الثالث من الأشياء السابقة، فإذا كان قد رمى الجمرة وحلق، ثم طاف طواف الإفاضة، حل له كل شيء، وخرج عن إحرامه بالكلية بالإجماع[24]
6- حرج: الحرج هوالضيق والمشقة؛ وهى صفة منفية عن ديننا الحنيف؛ يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج 78.. وكما وردت لفظة ( حرج ) فى سورة الحج وردت أيضا على لسان رسول الله ﷺ فى نسك الحج؛ فقد وَقَفَ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ " فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: " ارْمِ وَلَا حَرَجَ " فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إِلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ "[25]
7- حصيات: جمع حصاة، وبها تُرمَى الجمرات؛ ومن السنة جمع الحصيات من مزدلفة؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدَاةَ جَمْعٍ ( مزدلفة ): "هَلُمَّ الْقُطْ لِي " فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعَهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: " نَعَمْ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ "[26].. والخذف معناه رمي الحصى بالأصبعين.ومن شروط الرمى: أن يكون الحصى كحصى الخذف وهوأكبر من الحمص ودون البندق، كالفولة أوالنواة.. وأن يقع الحصى في المرمى.. ورمي السبع واحدة واحدة أي سبع رميات.. وترتيب الجمرات بأن يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، اتباعًا للسنة، كما روى البخاري. وترمى كل جمرة من الجمرات الثلاث في أيام التشريق بسبع حصيات، فيكون المرمي في كل يوم إحدى وعشرين حصاة. ففي حديث جابر عند مسلم «أنه ﷺ رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها»[27].
.. هذا جهدنا والله أعلم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
الهوامش
[1] ابن كثير 1/413
[2] البخارى 6/ 344
[3] البخارى 1/26
[4] المعجم الوسيط ج1ص159
[5] مسلم 12/468
[6] كنز العمال 12/661
[7] أحمد 31/181
[8] ابن ماجة 12/219
[9] أبوداود 12/421
[10] فقه السنة 1/680
[11] المعجم الوسيط ج1ص178
[12] ابن كثير 1/ 530
[13] البخارى 16/32
[14] ابن كثير 1/540
[15] الفقه الإسلامى وأدلته ج3/656
[16] البخارى 1/451
[17] البخارى 6/374.
[18] الموسوعة الفقهية" 17/185-186
[19] الترمذى3/420
[20] أحمد 5/137.
[21] مسلم 6/368
[22] المستدرك 4/215
[23] البخارى 6/210
[24] الفقه الإسلامى وأدلته 3/593-594
[25] البخارى 1/148
[26] أحمد 4/286
[27] الفقه الإسلامى وأدلته 3/565: 567
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد