بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جيمس فاولر (2015م)، عالم دين مسيحي أمريكي، أشتهر بكتابه (مراحل الإيمان)، الذي نشره في سنة ١٩٨١، متوازيًا ومتماشيًا مع نظرية عالم النفس الإكلينيكي السويسري جان بياجيه، في النمو المعرفي، ومراحل عالم النفس الأمريكي لورانس كولبرج في النمو الأخلاقي.
وقد احتفى بهذه المراحل بعض الكُتَّاب العرب، ورأوا أنَّه قد وضعها لتكون شاملة لجميع الأديان، وأنَّها تُفسر الخلل في التدين عند المسلمين الذين جمدوا عند مظاهر التدين الطقوسيَّة، وعجزوا أن يصلوا إلى مراحل التفكير والتأمل فضلاً عن السمو والنورانيَّة.
ويرى بعض الكُتَّاب العرب أننا في هذا الوقت في حاجة ماسة للأخذ بهذه المراحل الخاصة بالإيمان، وذلك من أجل أن نجدد الإيمان فينا، ذلك الإيمان الذي توقف نموه على الرسوم الحرفيَّة، وفقد تأثيره في سلوك الأفراد، كذلك نحن بحاجة إلى هذه المراحل من أجل أن نواكب العصر ونتصف بالتسامح.
ومن الواضح أن خلفيَّة هذه المراحل، التي قرَّرَها جيمس فاولر، هي البيئة المسيحيَّة المدمجة بعلم النفس الغربي الذي تعتبر المسيحية إحدى روافده الأساسيَّة. وعلم النفس الغربي قدم جملة من الحقائق والنظريات المفيدة، كما قدم جملة واسعة من الخرافات والتزييفات التي قدمت لأغراض مذهبية أو سياسية.
وهذه المراحل التي وضعها جيمس فاولر لو نظرنا إليها نظرة نقديَّة باختصار جدًا، فهي كما يلي:
أولاً: المرحلة الأولى: المرحلة (صفر أو مرحلة الفطرة). وتسمية بعض الكُتَّاب العرب لهذه المرحلة بالفطرة خطأ كبير، وفيه استجلاب أغطية ذات معان شرعيَّة، وإلباسها لتلك المضامين الغربية! فهذه المرحلة عند جيمس فاولر هي مرحلة عدم التمييز، أي الاستعداد والقابلية لكل وجهة، بحسب التأثر بالبيئة المحيطة، فالبيئة المحيطة -بأمنها وسلامتها أو عدم ذلك- هي التي تشكل المرحلة هذه. وهذه خطأ، فالفطرة ليست هي القابلية للخير أو الشر، وليست البيئة هي التي تنمي وتُكوِّن الفطرة. بل الفطرة هي الميل للخير والحق المغروس ربانيًا في أعماق النفس، فلو ترك الطفل وشأنه لاستمر أمره مع هذه الفطرة على الحق والخير. والتربية اللاحقة هي التي تغذي هذه الفطرة السليمة أو تفسدها كما ثبت في الحديث الصحيح. فالمرحلة الأولى التي يدعوها جيمس فاولر بالصفرية هي في الحقيقية المرحلة اللاحقة التي يمر بها الطفل إذا كان يقصد بذلك المعلومات.
ثانيًا: ما من مرحلة يفترضها جيمس فاولر إلا والتي بعدها ليست بأولى منها في الترتيب، فالترتيب في نظري اعتباطي. فالمرحلة الثانية عنده، وهي (مرحلة البديهة)، مرحلة مستمرة مع الإنسان تغذيها القصص والحكايات. والقصص ليست مادة طفولة فقط، بل هي مادة عقليَّة للإنسان حتى مماته، ولذلك شَكَّلت القصص ثلث القرآن الكريم. وكذلك المرحلة الثالثة: مرحلة (الفهم الحرفي للدين)، هي مرحلة قد تستمر عند البعض، بل عند الكثيرين طوال حياتهم، فهي ليست موسومة بمرحلة عمرية محددة، وليست من صفاتها الخاصة. والكلام يقال -أيضًا- على المرحلة الرابعة، وهي مرحلة (الطقوس والعبادات التقليدية)، ففي الإسلام مرحلة العبادات يبدأ تعليمها منذ مرحلة مُبكرة جدًا، ويتم الأمر بها من السابعة، أي من بداية تمييز الطفل حتى ممات الإنسان. وكذلك المرحلة الرابعة، وهي مرحلة (التفكر والتدبر)، فالتفكير مطالب به الإنسان منذ وعيه وتمييزه، وليس صفة مرحلة عمرية بشكلٍ خاص!
ثالثًا: هذه التقسيمات –خصوصًا في أقسامها الأخيرة- هي تقسيمات أقرب إلى البوذية والطرق الباطنية والغنوصيَّة، التي دخلت على التصوف المسيحي ثم الإسلامي. فمثلاً: آخر مرحلتين، وهما: مرحلة (السمو)، ومرحلة (النورانية)، هما من مراحل الديانة البوذية والتصوف الباطني في فلسفة الإشراق الصوفية، حيث يصل الإنسان في النهاية إلى مرحلة (النيرفانا).
فهذه المراحل الإيمانية فوق أن بعضها غير صحيح، وغير متوافق مع الإسلام، فهذا قديمة ومستوردة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد