بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الدعوة إلى الله عز وجل، شأنها عظيم، وأجرها كبير، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة السلام، ومن سار على دربهم، ولذا فقد رفع الله شأن الدعاة إليه، وأبلغ في الثناء عليهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33] قال الحسن البصري رحمه الله: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: الدعاة المخصوصون به، الذين يدعون إلى دينه، وعبادته، ومعرفته، ومحبته هؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم عند الله منزلة، وأعلاهم قدرًا.
والداعية إلى الله عز وجل، يتعامل مع أصناف من البشر، طبائعهم وأخلاقهم مختلفة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهل، والحزن، والخبيث، والطيب) [أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح] وهذا الاختلاف في الطيب والخبث، يجعل البعض يقبل الدعوة، والبعض لا يقبل الدعوة، مما يجعل الداعية يحزن لعدم قبول دعوته، فقد حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم استجابة قومه له، وعدم إسلامهم،قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 176] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: بيان ما يلحق النبي صلى الله عليه وسلم من الهم ومن الحزن لعدم إسلام الأمة، وذلك لمحبته للخير عليه الصلاة والسلام حتى للذين يسارعون في الكفر يحزن عليهم لأنه يود أن يسلموا.
وقال الله عز وجل: ﴿ فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [يس: 76] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: لا شك أن هؤلاء المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم يقولون في الله عز وجل، ويقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا عظيمًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يحزن لهذا، لأنه أنصح الخلق للخلق، فيحزنه أن يتكلم هؤلاء بما عاقبته سيئة عليهم، وإن كان هذا لا يضره، ولكن يحزن.
والداعية إلى عز وجل مما يفرحه ويسره، أن يرى أثرًا طيبًا لدعوته، من إسلامِ كافرِ، وتوبةِ عاصي، فإن لم يرَ هذا الأثر الطيب، فعليه أن لا يحزن، ومما يعنيه على ذلك أن يتذكر الأتي:
1-أن الله وحده هو الذي يهدي من يشاء وليس ذلك لأحد مهما بلغت منزلته.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الخلق عند الله، وأعظمهم جاهًا، لا يستطيع أن يهدي أحدًا، فقد حرص عليه الصلاة والسلام على هداية عمه أبي طالب، غاية الحرص، حتى إنه في سياق الموت يقول له: ( أي عم، قُل لا إله إلا الله، كلمة أُحاجُ لك بها عند الله ) فكان آخر ما قال: إنه على ملة عبدالمطلب، ونزل قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلا تَحزَن عَلَيهِم ﴾ [النمل: 70] كل من يدعو إلى شريعة الرسول علية الصلاة فإننا نوجه إليه هذا الخطاب، ونقول: إذا رأيت الناس لم يقبلوا فلا تحزن، ولا تكن في ضيقٍ مما يمكرون...فالإنسان إذا جدَّ واجتهد في دعوة الناس إلى الهُدى، فلم يهتدوا، فإن عليه أن يتلو هذه الآية، وهي: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ وإلا فكثير من الناس الآن عندهم أقارب، إما معهم في البيوت، أو في خارج البيوت، يدعونهم إلى الهدى فلا يهتدون.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 272] قال العلامة ابن باز رحمه الله: على أهل العلم البلاغ والبيان والتبصر، وإقامة الأدلة، والصبر على ذلك، والله سبحانه وتعالى يهدي من يشاء.
2-أن يتذكر أن القلة هم الذين يستجيبون للحق.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: (عُرضت على الأُممُ، فرأيتُ النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد) قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: فيه مسائل: الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء. وقال الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله: الناجي من الأمم هم القليل.وقال العلامة عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله: فيه دليل...أن الأكثر هم الضالون كما دلَّ عليه القرآن، قال تعالى: ﴿ وَما أَكثَرُ النّاسِ وَلَو حَرَصتَ بِمُؤمِنينَ ﴾ [يوسف: 103]وقال: ﴿ فَأَبى أَكثَرُ النّاسِ إِلّا كُفورًا ﴾ [الإسراء: 89].
3-أن يوقن أن الحزن لا يجدي شيئًا.
ولذا نهي الله عز وجل، رسوله عليه الصلاة والسلام، عن الحزن إذا لم يستجب له قومه، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ﴾ [النحل: 127] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال تعالى: ﴿ وَلا تَحزَن عَلَيهِم ﴾ أي على من خالفك فإن الله قدر ذلك، ﴿ وَلا تَكُ في ضَيقٍ ﴾ أي:غم، ﴿ مِمّا يَمكُرونَ ﴾ أي: مما يجهدون أنفسهم في عداوتك وإيصال الشر إليك، فإن الله كافيك، وناصرك، ومؤيدك، ومظهرك، ومظفرك بهم وقال العلامة السعدي رحمه الله: وَلا تَحزَن عَلَيهِم إذا دعوتهم، فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئًا. وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: نهاه عن الحزن، فقال: ﴿ وَلا تَحزَن عَلَيهِم ﴾ أي: على الكافرين في إعراضهم عنك.
وقال الله عز وجل: ﴿ وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّـهَ شَيْئًا ﴾ [آل عمران:176] قال العلامة الشوكاني رحمه الله: سلاه الله سبحانه، ونهاه عن الحزن، وعلل ذلك بأنهم لن يضروا الله شيئًا، وإنما ضروا أنفسهم بأن لا حظ لهم في الآخرة، ولهم عذاب عظيم.
4-أن يقاوم الحزن بتذكر حصول الأجر والثواب من الله.
قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله: إن كان المحزون عليه لا يمكن استدراكه لم ينفع الحزن، وإن كان دينا فينبغي أن يقاومه برجاء الفضل.... ومما يمحق الحزن العلم بأنه لا يفيد، والإيمان بالثواب وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: نقول: الحمد لله أن بين سبحانه وتعالى أن هذا الأمر ليس إلينا، إنما هو إليه، إن اهتدوا، فلهم ولنا ثواب دلالتهم، وإن لم يهتدوا، فلنا ثواب الدلالة والدعوة، وعليهم وزر الغي.
وبدلًا من الحزن الذي قد يضعف الداعية إلى الله عز وجل، في طريق دعوته، فعليه أن يرحم من لم يستجب من هؤلاء المدعوين، وأن تكون رحمته بهم دافعًا أن يحاول المرة تلو المرة لعل الله أن يهديهم، وأن يكثر من الدعاء بالهداية لضال المسلمين.
اللهم اهدنا، واهدِ بنا، ويسّر لنا الهدى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد