‏وخز الألم


 ‏ بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

‏كم نتعرض في حياتنا اليومية لوخز الألم، ذلك الألم الذي ينبعث من موقف البعض منا، فأحياناً نصادف بعض المواقف المؤلمة حينما تصدر كلمة من إنسان تجاهنا، كلمة شتمٍ أو سبٍ أو لمزٍ، تجرحنا تلك الكلمات، وتتفاوت في عمقها من شخصٍ لآخر.

‏فمثلاً، الفتاة التي تتعرض للموقف المؤلم، تجدها أحياناً أشد تأثراً من الرجل، بسبب حساسية روحها، وشفافية مشاعرها، ورقة أحاسيسها. إنها تبذل كلمة الخير في مجلس ما وفي مدرسة ما، لكن هذه الكلمة الطيبة والخيرة قد تجلب لها بعض الإحراج، بعض الألم، لأنه ليس كل الناس يقدرون كلمة الخير.

 

‏مشاعر الإنسان –وخاصة المرأة- في غاية الرقة والإحساس، إن أحاسيسنا تجري في دمنا، كما يجري الماء في عروق الوردة، لمسة بسيطة ممكن أن تخدش هذه الوردة وتجرحها أو تكسرها، فيعود الإنسان كالطفل المجروح أو الطائر المكسور، يتوارى ويختفي يتحسس جرحه، ويكفكف دمه وحيدًا، بعيدًا عن الناس!

‏النفس الطيبة كالوردة الجريحة تبذل لمن آذاها الرائحة الطيبة، كسرها أو قطفها، ومع ذلك لم تحرمه رائحتها العبقة، وعبيرها الشذيّ، ولأنها وردة فأنت ترى الجميع يخطبون ودها، وهكذا حال الإنسان الذي يحمل الكلمة الطيبة، لمن يحبه ولمن يكرهه، لا يمنع كلمة الخير من أنت تصل للجميع.

 

‏قد يؤذونك في البداية، لكنهم في النهاية سيجدون عندك الآمان والسعادة الحقيقية، ولذلك سيفرحون بك وسيعودون إليك. كيف يمكننا أن نتجاوز نزواتنا الشخصية، ونحاول أن نرتقي ونحاكي عظماء البشرية، الأنبياء، الذين كذبوا وعذبوا فصبروا، وقابلوا إساءة الناس بالإحسان والعفو والصبر والسماحة!

‏ما أسهل أن نرد الشتم بالشتم واللعن باللعن، فالهدم ما أسهله، لكن الصعب هو البناء، مقابلة الإساءة بالإحسان، والشتم بالكلمة الطيبة، والعبوس بالتبسم، والحزن بالفرح، كما تفعل الوردة الصغيرة التي تهب نفسها لمن يحبها ولمن يكرهها، لتنشر رائحتها العبقة حيثما تُحمل، على يد محبها وكارها.

‏إنَّ الروح التي بداخلنا لها أعراس وأفراح، قوتها بمدى ارتباطها بالإيمان، ذلك الإيمان الذي من أجله يضحي الإنسان بكل شيء، بنفسه، ماله، وقته، وينزل مع الناس، مع المساكين، والفقراء، واليتامى، لينسى نفسه وكل شيء. الإيمان هو أفراح الروح، الذي يجعل الروح تكاد أن تطير من جسدها طربًا.

‏ذلك الإيمان الذي ينزع منك رداء الكبرياء والتعنت والمكابرة، ويجعلك تجلس مع المساكين لأننا كلنا مثلهم مساكين، تحتضن اليتيم، تمسح دموعه، وتحيي أفراحه وأعراس روحه، تحس بالجوع في بطون الفقراء، وتبتل بدموع اليتامى، وتتجمع دموع المتألمين في عينيك، تشعر بهم وتواسيهم بتواضع ومحبة.

‏تدفع بالتي هي أحسن، تصفح، تغفر، تسامح، تعطف، تحب بصدق من كل قلبك من أحبك، تجبر كسر القلوب التي حولك، تبكي تعاطفاً مع من يحتاجك حينما تعجز عن مساعدته وكأن دموعك رسالة اعتذار صادقة.

 

‏وأنت في كل أعمالك الخيرة خلف الستار، لأنه يومًا ما في وقت سيجتمع فيه الجميع، وسيعرفون أنك أنت الذي فعلت ذلك لهم، لم تكن تريد جزاءً أو شكورًا، لم تكن تصور أعمالك في السناب أو توثقها في وسائل التواصل، لقد كنت توثقها في أعظم ديوان وعند أعظم شهود، كنت توثقها عند الكرام الكاتبين!

‏عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد".

‏جعلنا الله وإياكم من هؤلاء، ودمتم بخير وسلام وسعادة وعافية..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply