بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أحب أن يكون الجمعة يوم توقف عن اللهث الذي اعتدناه طوال الأسبوع، سمّها محطة تزود، ناصية تأمل، مساحة مراجعة، عودة لسماع الصوت الداخلي بعد أن أصمّ آذاننا صخب الحياة الخارجية.
ومن العبادات المغفول عنها عبادة "تعديد النعم"؛ قال تعالى: (فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون)، وقال: (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم)، وقد قرأت أثرًا لطيفًا في سنن البيهقي: "باب : تعديد نعم الله عزوجل وما يجب من شكرها" وأسند تحته قولًا للجريري وكان شيخًا بصريًا قدم من الحج فقال: أبلانا الله في سفرنا بكذا، وأبلانا في سفرنا كذا ثم قال -وهنا موطن الشاهد-: "كان يقال: إن تعداد النعم من الشكر"[1]
تعداد النعم بنوع تفصيل جزء من الشكر، ولن نستطيع الإحصاء؛ لكنها أداة ليقظة الشعور.
ربما يحسن تعداد بعض النعم بيننا وبين الله خشية طوارئ الرياء وغيره، بينما حقّ بعضها الإعلان "وأما بنعمة ربك فحدّث"، نحمد الله على نعم غير مألوفة الشكر؛ نحمده على فهم المسائل العلمية التي استعصت علينا، نحمده على إعادة بعض العلاقات التي طمرها غبار الانشغالات، نحمده على نعمة الانتباه لما حولنا من جماليات، ونحمد الله على نعمة التلذذ والاندهاش بالكلمة، ونحمده على نعمة الحياء الذي منعنا من نشر ما كان نشره خطأ في وقته، ونحمده على نعمة التعرف إلى أصدقاء لا نشعر بينهم بغربة، ونحمده على نعمة القدرة على البدء من الصفر بعد كل إخفاق، ونحمده على نعمة الاعتراف بالتقصير دون تأويل، ونحمده على نعمة معرفة مقامات الناس علوًا وسفولًا، ونحمده على نعمة تأنيب الضمير عند ضياع الوقت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] سنن البيهقي (6/ 259)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد