بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الإنسان كائن هارب، تزين له نفسه دائمًا فكرة عدم المواجهة؛ وهذا موسم الاختبارات يصلح أن نضعه على رأس ما يكشف هذه الحقيقة البشرية.
كلما سألني طالب جامعي قائلًا: لم أجد نفسي في هذا التخصص، هل أحوّل لتخصص آخر؛ أسأله مباشرة: هل تعيش فترة اختبارات وتسليم مهام؟ أغلب من أسأله يجيب: نعم؛ أقول له: أنت تهرب من ضغط هذه الأيام، إذا انتهت اختباراتك ذكّرني؛ أصدقكم القول: أغلبهم لا يعود، فالسبب الضاغط اختفى، فلا داعي بعد ذلك للهث الهروب.
كل فكرة تراودك هذه الأيام فهي حبل هروب من سجن ضغط المذاكرة وتسليم المهام؛ سترى نفسك -هذه الأيام- مهتمًا بأخبار جمعية الرفق بالحيوان في أمريكا اللاتينية، تلاطف أبناء أخواتك الذين لطالما استثقلتهم، تمد يد العون لأمك في المطبخ، تسأل أباك عن مغامرات صباه، تتخيل أبناءك الذين لم تأت أمهم، تبحث في حكم البيتكوين مع أنك مفلس، تتحفظ الأرقام من 1-10 بالسانسكريتية، تتابع فيديوهات الأرض مسطحة/كروية، تعرض خدماتك على أختك التي تتعجب من لطفك المفاجئ، تقف أمام المرآة متحسرًا على جسمك القديم، تحلو لك القراءة في غير تخصصك؛ وعلى ذكر هذا الأخير تنبّه العلامة عبدالفتاح أبو غدة -رحمه الله- لهذا المسلك الهروبي حين قال:
"قلتُ: وكثيرًا ما يزين لطالب العلم ويحلو له أيام الامتحان، قراءة العلم الذي ليس مطالبًا بع في الاختبار، ويأتيه العزوف عن العلم المطالب به (المهم)، وهذا من مرض النفس وضعف الهمة والنشاط، فإن العلم المطالب به فيه تكليف وإلزام وتحمل وأداء، فهو ثقيل على النفس الوانية، والعلم غير المطالب به لا تكليف به، فهو خفيف على النفس، فليحذر العاقل الاستجابة لهوى نفسه، فإن هذا من سرقة الشيطان له وانحرافه به عن الصواب والمهم، والله الهادي"[1]
وقد قرأ صاحبكم رواية البؤساء ليلة اختبار مصيري، وقرأ
ذكريات الطنطاوي -رحمه الله- متتالية أيام اختبارات أسوأ فصل حصل معدله في تاريخه الجامعي المجيد.
اللهم وفّق أصحاب الاختبارات لما فيه خير لهم في دنياهم وأخراهم، وافتح لهم، ويسّر عليهم ما تعسر؛ هانت يا أصحاب، وفرحة الغد تستحق تعب اليوم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
[1] قيمة الزمن عن العلماء ص107
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد