بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
روى الدينوري في المجالسة وجواهر العلم، عن ابْنُ قُتَيْبَةَ؛ قَالَ:
قَالَ بَعْضُ حُكَمَاءِ الْفُرْسِ:
(لِلْعَادَةِ سُلْطَانٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)، (وَمَا اسْتُنْبِطَ الصَّوَابُ بِمِثْلِ الْمُشَاوَرَةِ)، (وَلا حُصِّنَتِ النِّعَمُ بِمِثْلِ الْمُوَاسَاةِ)، (وَلا اكْتُسِبَتِ الْبَغْضَاءُ بِمِثْلِ الْكِبْرِ(
(وَلا اكْتُسِبَتِ الْبَغْضَاءُ بِمِثْلِ الْكِبْرِ(
** ثبت في مسند الإمام أحمد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل في الصلاة يقول (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخة ونفثه).. «همزه»: الموتة وهو الخنق الذي هو جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان فإذا أفاق عاد إليه عقله كالنائم والسكران، «نفثه»: الشعر، نفخه: «الكبر».
** ومن أسماء الله تعالى الحسنى «المتكبر»: وهي صفة لا تنبغي إلا له تعالى، لأن ما سواه عز وجل ضئيل، فالكبير هو العظيم في كل شيء عظمة مطلقة، وهو الذي كبر وعلا في ذاته وصفاته وأفعاله عن كل من سواه، فله علو الذات وعلو القهر وعلو الشأن، واسم الله الكبير يدل على ذات الله وعلى صفة العظمة والكبر بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى صفة الكبر وحدها بدلالة التضمن، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية، والقدرة والقوة، والعزة والعظمة، وكل ما يلزم لقيام العظمة المطلقة وما يترتب عليها، واسم الله الكبير دل على صفة من صفات الذات.
والمتكبر هو العظيمُ المتعالي القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ إذا نازعوه، فإذا نازعوه العظمة قصمهم، والمتكبر أيضا هو الذي تكبر عن كل سوء وتكبر عن ظلم عباده، وتكبر عن الشرك في العبادة فلا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا له، وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)، وأصل الكبر والكبرياء الامتناع، والكبرياء في صفات الله مدح وفي صفات المخلوقين ذم، فلا كبرياء لسواه، وهو المتفرد بالعظمة والكبرياء، وكل من رأى العظمة والعجب والكبرياء لنفسه على الخصوص دون غيره كانت رؤيته خاطئة كاذبة باطلة، لأن الكبرياء لا يكون إلا لله، والأكرمية مبنية على الأفضلية في تقوى الله
والتاء في اسم الله المتكبر تاء التفرد والتخصص لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل، قال تعالى:
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِين} [الزمر:60]
{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27]
{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]
وعند الترمذي وحسنه الألباني من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ).
** وعند البخاري من حديث حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ أنه سَمِع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ)، والعتل: هو الشديد الجافي الغليظ من الناس، والجواظ: هو الجموع المنوع الذي يجمع المال من أي جهة ويمنع صرفه في سبيل الله
وفي رواية صحيحة عند أحمد من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاص: (كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ)، والجعظري هو الفظ الغليظ المتكبر، وقيل هو الذي ينتفخ بما ليس عنده.
** وعن سَلمة بنِ الأكوع -رضي الله عنه-: أنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: (كُلْ بِيَمِينكَ) قَالَ: لا أسْتَطيعُ. قَالَ: (لا استَطَعْتَ) مَا مَنَعَهُ إلاَّ الكِبْرُ، فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. [رواه مسلم]
** وفي صحيح مسلم كتاب الإيمان من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)
وفي رواية أحمد في مسند عبد الله بن مسعود، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا وَرَأْسِي دَهِينًا وَشِرَاكُ نَعْلِى جَدِيدًا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ عِلاَقَةَ سَوْطِهِ أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لاَ ذَاكَ الْجَمَالُ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ).
والكبر يتضمن الصلف والتعالي والجفاء والرعونة والدناءة.. وكلها خصال كفيلة بنفرة الخلق ومباينتهم وافتقار معونهم وقد الحاجة للمعونة ومن يعش وحده لا تستقيم حياته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد