بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن بعض الناس يسارعون في تكفير ولاة أمور المسلمين، مفسرين الآيات التي تتحدث عن الحكم بغير ما أنزل اللهُ تعالى، على غير وجهها الصحيح، الذي فهمه سلفنا الصالح.
وفي هذه المقالة الرد على هؤلاء الذين يكفِّرون ولاة أمور المسلمين، مع بيان أقوال سلفنا الصالح منذ عهد الصحابة، والتابعين، ومَن سار على نهجهم، في تفسير هذه الآيات، لأن سُوء فهم المقصود من هذه الآيات المباركة، يترتب عليه كثيرٌ من المفاسد في المجتمع المسلم.
تعريف الحاكمية:
الحاكمية: تعني أن مصدرَ التشريع هو الله سبحانه وحده، وأن الرسول ﷺ مبلِّغٌ عن الله تعالى بالوحي، والحاكمُ منفذٌ لأحكام الله تعالى في الأمة، ومجتهدٌ في استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأساسية. (موسوعة الدفاع عن الرسول لعلي بن نايف الشحود جـ7صـ18)
يقول الله تعالى:
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة 47:44)
فائدة مهمة:
الحُكْمُ بغير ما أنزل اللهُ تعالى لا يختص بالقاضي أو بحاكم الدولة فقط،بل يشمل جميعَ المسلمين المكَلَّفينَ بأحكام الشريعة الإسلامية.
سؤالٌ مهمٌ:
هل الذي يَعق والديه،أو يشرب الخمر،أو يتعامل بالربا،أو يأكلُ أموالَ اليتامى ظلماً، أو يتجسس على المسلمين،أو يغتاب الآخرين، حَكَمَ بما أنزلَ اللهُ تعالى في القرآن الكريم ؟!
أسباب نزول هذه الآيات:
روى أحمدُ عَنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) وَ (أُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) وَ (أُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْيَهُودِ وَكَانَتْ إِحْدَاهُمَا قَدْ قَهَرَتْ الْأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى ارْتَضَوْا أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَهُ الْعَزِيزَةُ مِنْ الذَّلِيلَةِ فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقًا وَكُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَهُ الذَّلِيلَةُ مِنْ الْعَزِيزَةِ فَدِيَتُهُ مِائَةُ وَسْقٍ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَذَلَّتْ الطَّائِفَتَانِ كِلْتَاهُمَا لِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَوْمَئِذٍ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُوطِئْهُمَا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصُّلْحِ فَقَتَلَتْ الذَّلِيلَةُ مِنْ الْعَزِيزَةِ قَتِيلًا فَأَرْسَلَتْ الْعَزِيزَةُ إِلَى الذَّلِيلَةِ أَنْ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بِمِائَةِ وَسْقٍ فَقَالَتْ الذَّلِيلَةُ وَهَلْ كَانَ هَذَا فِي حَيَّيْنِ قَطُّ دِينُهُمَا وَاحِدٌ وَنَسَبُهُمَا وَاحِدٌ وَبَلَدُهُمَا وَاحِدٌ دِيَةُ بَعْضِهِمْ نِصْفُ دِيَةِ بَعْضٍ إِنَّا إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا ضَيْمًا مِنْكُمْ لَنَا وَفَرَقًا مِنْكُمْ فَأَمَّا إِذْ قَدِمَ مُحَمَّدٌ فَلَا نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ فَكَادَتْ الْحَرْبُ تَهِيجُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَضَوْا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ ذَكَرَتْ الْعَزِيزَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ بِمُعْطِيكُمْ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْكُمْ وَلَقَدْ صَدَقُوا مَا أَعْطَوْنَا هَذَا إِلَّا ضَيْمًا مِنَّا وَقَهْرًا لَهُمْ فَدُسُّوا إِلَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَخْبُرُ لَكُمْ رَأْيَهُ إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ فَدَسُّوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ لِيَخْبُرُوا لَهُمْ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَمْرِهِمْ كُلِّهِ وَمَا أَرَادُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إِلَى قَوْلِهِ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ: فِيهِمَا وَاللَّهِ نَزَلَتْ وَإِيَّاهُمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.(حديث إسناده حسن)(مسند أحمد جـ 1صـ 246) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث: 2552 )
أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآيات
(1)عبد الله بن عباس (رضي اللهُ عنه):
(1) روى ابنُ جرير الطبري عن ابن عباس قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال: هي به كفر، وليس كفرًا بالله وملائكته وكتبه ورسله. (إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ 10صـ 355حديث 12053)
(2) روى الحاكمُ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه (المقصود بهم الخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب) إنه ليس كفراً ينقل عن الملة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) كُفْرٌ دونَ كُفْرٍ (إسناده صحيح)(مستدرك الحاكم جـ 2صـ 342)(السلسلة الصحيحة للألباني جـ 6صـ 113)
(3) روى ابنُ أبي حاتم عن ابن طاوس عن أبيه قال : سُئِلَ ابن عباس في قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال: هي كبيرة. قال ابنُ طاوس : وليس كمن كَفَرَ بالله،وملائكته،وكتبه،ورُسُله. (إسناده صحيح)(تفسير ابن أبي حاتم جـ 4 صـ 1143 حديث 6435)
(4) روى ابنُ جرير الطبري عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ، قَالَ: مَن جَحَدَ ما أنزلَ اللهُ فقد كَفَرَ. ومَن أقرَّ به ولم يحكم، فهو ظالمٌ فاسقٌ. (إسناده حسن) (تفسير الطبري جـ 10صـ 357حديث 12063)
قال الألباني (رحمه الله): عليٌّ بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، لكنه جيد في الشواهد. (السلسلة الصحيحة للألباني جـ 6صـ 13)
(2)عطاء بن أبي رباح (رحمه الله):
روى ابنُ جرير الطبري عن عطاء قوله:" (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، قال: كفرٌ دونَ كفرٍ، وفسقٌ دونَ فسقٍ، وظلمٌ دونَ ظلمٍ. (إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ 10صـ 355حديث 12047)
(3) قال عكرمة (رحمه الله): عند تفسيره لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) معناه: ومن لم يحكم بما أنزل اللهُ جاحداً به فقد كفر، ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالمٌ فاسقٌ. (تفسير البغوي جـ 3صـ 61)
(4) طاوس بن كيسان (رحمه الله):
روى ابنُ جرير الطبري عن طاوس: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملَّة. (إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ 10صـ 355حديث 12052)
(5) أبو مِِجلزٍ (رحمه الله): (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة:
روى ابنُ جرير الطبري عن عمران بن حدير قال، أتى أبا مجلز ناسٌ من بني عمرو بن سدوس، فقالوا: يا أبا مجلز، أرأيت قول الله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، أحق هو؟ قال: نعم! قالوا: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، أحق هو؟ قال: نعم! قالوا: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، أحق هو؟ قال: نعم! قال فقالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يُدْعَونَ، فإن هم تركوا شيئًا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبًا! فقالوا: لا والله، ولكنك تَفْرَقُ! (تخاف) قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرَّجُون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحوًا من هذا. (إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ 10صـ 347حديث 12025)
* فائدة مهمة:
ناسٌ من بني عمرو بن سدوس: هم نفرٌ مِن الإباضية وهي من جماعة الخوارج الحرورية (مكانٌ في العراق)، هم أصحاب عبد الله بن إباض التيمي ،وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم ، وفي تكفير علي رضي الله عنه إذ حكم الحكمين، وأن عليًا لم يحكم بما أنزل الله ، في أمر التحكيم. (هامش تفسير الطبري بتحقيق أحمد ومحمود شاكر جـ 10صـ 348)
(6) أحمد بن حنبل (رحمه الله):
قال الشالنجي: سَأَلَتُ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ عنْ قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) فَقُلْت لَهُ: مَا هَذَا الْكُفْرُ ؟ قَالَ: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ مِثْلَ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ؛ فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ 255)
(7) قال ابن جرير الطبري (رحمه الله):ـ بعد أن ذكر بعض أقوال السلف في تفسير الآيات:
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات فيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها. وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى.
فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصًّا؟
قيل: إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ، على سبيل ما تركوه، كافرون. وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، هو بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ. (تفسير الطبري جـ 10صـ 358)
(8) قال عبد الحق بن عطية الأندلسي (رحمه الله):عند تفسيره لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
قالت جماعة عظيمة من أهل العلم: الآية متناولة كل من لم يحكم بما أنزل الله . ولكنه في أمراء هذه الأمة كفر معصية لا يخرجهم عن الإيمان. (المحرر الوجيز لابن عطية جـ 2 صـ 196)
(9) قال القاضي أبو السعود (رحمه الله) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله) كائناً من كان دون المخاطبين خاصة (اليهود والنصارى) فإنهم مندرجون
فيه اندراجاً أولياً، أي من لم يحكم بذلك مستهيناً به منكِراً كما يقتضيه ما فعلوه من تحريف آيات الله تعالى اقتضاءً بيناً (فَأُوْلَئِكَ) إشارةٌ إلى (من) ، والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظِها (هُمُ الْكَافِرُونَ) لاستهانتهم به. (تفسير أبي السعود جـ 3 صـ 42)
(10) قال أبو بكر بن العربي (رحمه الله): قَالَ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، وَلَكِنَّهُ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ.
وَهَذَا يَخْتَلِفُ: إنْ حَكَمَ بِمَا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؛ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لَهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ هَوًى وَمَعْصِيَةً فَهُوَ ذَنْبٌ تُدْرِكُهُ الْمَغْفِرَةُ عَلَى أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْغُفْرَانِ لِلْمُذْنِبِينَ. (أحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي جـ 2 صـ 625)
(11) قال أبو الفرج بن الجوزي (رحمه الله): بعد ذكر أقوال السلف الصالح في قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)
وفصل الخطاب: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً له، وهو يعلم أن اللهَ أنزله ، كما فعلت اليهود ، فهو كافرٌ، ومَن لم يحكم به ميلاً إِلى الهوى من غير جحود ، فهو ظالمٌ وفاسقٌ .وقد روى عليٌّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قالَ: مَن جَحَدَ ما أنزلَ اللهُ فقد كَفَرَ. ومَن أقرَّ به ولم يحكم به، فهو ظالمٌ فاسقٌ. (زاد المسير لابن الجوزي جـ 2 صـ 366)
(12) قال الفخر الرازي (رحمه الله):قال عِكرمة : قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) إنما يتناول من أنكر بقلبه وجحد بلسانه، أما من عرف بقلبه كونه حُكْم الله وأقر بلسانه كونه حكم الله، إلا أنه أتى بما يضاده فهو حاكمٌ بما أنزل الله تعالى ، ولكنه تاركٌ له ، فلا يلزم دخوله تحت هذه الآية ، وهذا هو الجواب الصحيح. والله أعلم. (تفسير الرازي جـ 6 صـ 68)
(13) قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (رحمه الله):ـ عند تفسيره لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِلْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 3 صـ 268)
وقال (رحمه الله): أيضاً : وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قَالُوا: كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ . (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 7 صـ 312)
(14) قال عبد الله بن أحمد النسفي(رحمه الله): (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) مستهينا به (فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). (تفسير النسفي جـ 1 صـ 285)
(15) قال جمال الدين القاسمي (رحمه الله): كُفرُ الحاكمِ بغير ما أنزل اللهُ، بقيد الاستهانة به والجحود له ، هو الذي ذهب إليه كثيرون، وهو المأثور عن عِكْرِمَة وابن عباس. (محاسن التأويل للقاسمي جـ 6 صـ 215)
(16) قال محمد الأمين الشنقيطي (رحمه الله):ـ عند تفسيره لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) الخطاب للمسلمين
كما هو ظاهر متبادر من سياق الآية. وعليه فالكفرُ إما كفرٌ دونَ كفرٍ، وإما أن يكون فعل ذلك مستحلاً له، أو قاصداً به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها.أما مَن حَكَمَ بغير حُكْمِ الله، وهو عالمٌ أنه مرتكب ذنباً فاعل قبيحاً، وإنما حمله على ذلك الهوى، فهو مِن سائر عُصاة المسلمين. (تفسير أضواء البيان للشنقيطي جـ 2 صـ 92)
(17) قال أحمد مصطفى المراغي (رحمه الله): (من علماء الأزهر)
وخلاصة المعنى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) مستهيناً به ، منكراً له ،كان كافراً،لجحوده به ،واستخفافه بأمره. (تفسير المراغي جـ 6 صـ 125)
(18) قال محمد ناصر الدين الألباني (رحمه الله):
إذا علمت أن الآيات الثلاث: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ، (فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) نزلت في اليهود وقولهم في حكمه صلى الله عليه وسلم: (إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ)، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال سبحانه: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) (المائدة :41) إذا عرفت هذا، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية. أقول: لا يجوز تكفيرهم بذلك، وإخراجهم من الملة إذا كانوا مؤمنين بالله و رسوله، و إن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، لا يجوز ذلك، لأنهم و إن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى ، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله، بخلاف اليهود الكفار ، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم: "وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ" ، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلاً.
و سِرُ هذا أن الكفرَ قسمان: اعتقادي و عملي. فالاعتقادي مقره القلب . والعملي محله الجوارح . فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع ، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره اللهُ، ويخلد صاحبه في النار أبداً. وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفرا اعتقادياً، فهو تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له، وعلى هذا النوع من الكفر تُحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئاً من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذِكْرِ بعضها:
(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ، الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ،وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ. (مسلم حديث 67)
(2) روى الحاكمُ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الجدال في القرآن كفرٌ. (حديث صحيح)(المستدرك للحاكم جـ 2صـ 243) (صحيح الجامع الصغير للألباني جـ 1 حديث 3106)
(3) روى مسلمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ.(مسلم حديث 64)
(4) روى البزار عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:كُفرٌ بالله تَـبَرُّؤ مِن نَسَبٍ ،وإن دَقَّ. (حديث حسن ) (صحيح الجامع الصغير للألباني جـ 2 حديث 4485)
(5) روى البيهقيُّ (في شعب الإيمان) عن النعمان بن بشير أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر. (حديث حسن) (صحيح الجامع الصغير للألباني جـ 1 حديث 3014)
(6) روى الشيخانِ عَنْ جَرِير بنِ عبدِ الله البَجَلي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: اسْتَنْصِتْ النَّاسَ، فَقَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. (البخاري حديث 121/مسلم حديث 65)
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها . فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي ، فكفره كفر عملي ، أي إنه يعمل عمل الكفار ، إلا أن يستحلها ، و لا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا ، و الحكم بغير ما أنزل الله ، لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا ، و قد جاء عن السلف ما يدعمها ، و هو قولهم في تفسير الآية : " كفر دون كفر" ، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم، ولابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة، و نحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، و إن كانوا يصلون و يصومون ! ثم ذكر (رحمه الله) بعض أقوال أهل العلم.
وقال الألباني أيضاً: وجملة القول أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله ، فمن شاركهم في الجحد ، فهو كافرٌ كفراً اعتقادياً ، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عَمِلَ عملهم ، فهو بذلك مجرمٌ آثمٌ ، ولكن لا يخرج بذلك عن الملَّة (السلسلة الصحيحة للألباني جـ 6صـ 115:109) روى أحمدُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) قَالَ: هِيَ فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا. (حديث صحيح)(مسند أحمد جـ 4صـ 286) السلسلة الصحيحة للألباني جـ 6 ـ حديث 2704 )
قال الألباني (رحمه الله): هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديثُ دليلٌ صريحٌ في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود و النصارى وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى و لو أنكر حكماً واحداً منها. و لكن مما ينبغي التنبه له ، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر و خروجه عن الملة لأنه مؤمن، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفراً عملياً. و هذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، و لذلك فهُم في كثيرٍ مِن الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع فتن كثيرة، و سفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تُعَد له عُدته ، و الواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة، والآراء الكاسدة المخالفة للسُّنة، و تربية الجيل على هذا الإسلام المصفى. (السلسلة الصحيحة للألباني جـ 6صـ 458:457)
(19) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية:
السؤال الحادي عشر من الفتوى رقم ( 5741 ):
س: مَن لم يحكم بما أنزل اللهُ هل هو مسلمٌ أم كافرٌ كفراً أكبر، وتُقبل منه أعماله؟
جـ: قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة:44) وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة:45) وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة:447) لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفرٌ أكبر، وظلمٌ أكبر، وفسقٌ أكبر يخرج من الملة، أما إن فَعَلَ ذلك مِن أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم، يعتبر كافراً كفراً أصغر، وظالماً ظلماً أصغر، وفاسقاً فسقاً أصغر لا يخرجه من الملة، كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة.وبالله التوفيق.
وصلى اللهُ على نبينا محمد، وآله،وصحبه، وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب رئيس اللجنة رئيس اللجنة
عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جـ 1 صـ 780)
(20) قال محمد بن صالح بن عثيمين (رحمه اللهُ) :
الحاكمُ الذي لا يَحكم بكتاب الله وسُّنة رسوله ﷺ تجب طاعته في غير معصية الله ورسوله ﷺ ، ولا تجب محاربته من أجل ذلك بل ولا تجوز إِلَّا أن يصل إلى حد الكفر، فحينئذ تجب منابذته ، وليس له طاعة على المسلمين.
والحكمُ بغير ما في كتاب الله وسُّنة رسوله ﷺ يصل إلى الكفر بشرطين:
الأول: أن يكون عالماً بحكم الله ورسوله ﷺ، فإن كان جاهلاً به لم يكفر بمخالفته.
الثاني: أن يكون الحامل له علي الحكم بغير ما أنزل الله اعتقاد أنه حكمٌ غير صالحٍ للوقت،وأن غيره أصلح منه. وانفع للعباد.
وبهذين الشرطين يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً مخرجاً عن الملة. أما إذا كان يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن الحكم به ـ أي بما أنزل الله ـ هو الواجب، وأنه أصلح للعباد لكن خالفه لهوي في نفسه أو إرادة ظلم المحكوم عليه، فهذا ليس بكافر بل هو إما فاسق أو ظالم، وولايته باقية ، وطاعته في غير معصية الله ورسوله ﷺ واجبة ، ولا تجوز محاربته أو إبعاده عن الحكم بالقوة ، والخروج عليه ، لأن النبي ﷺ ، نهى عن الخروج عن الأئمة إلا أن نرى كفراً صريحاً عندنا فيه برهان من الله تعالى. ( فتاوى ابن عثيمين جـ 3 صـ 15 :16 )
تحذير ونذير:
اعلم،أخي المسلم الكريم، أن الكفرَ ينقسم إلى قسمين، ولكل منهما حُكمه:
أولاً: كفرٌ أكبر،يخرج صاحبه من الإسلام.
ثانياً:كفرٌ أصغر،لا يخرج صاحبه من الإسلام.
فمَن استحل الحكمَ بغير ما أنزلَ اللهُ تعالى،أو استحل الزنا،أو الربا،أو شُرب الخمر،أو غير ذلك من المحرَّمات، التي أجمعَ العلماءُ على تحريمها، فقد كَفَرَ كُفراً أكبر، يُخرجه من الإسلام،وذلك بإجماع علماء المسلمين.
وأما مَن أقرَّ بأحكام الإسلام،وأنها مِن عند الله تعالى،ولكنه خالفها، لهوىً في نفسه ،من غير جحود،ولا استحلال، فقد كَفَرَ كُفراً أصغر، ويعتبرُ ظالماً وفاسقاً، دونَ أن يخرجه ذلك عن الإسلام،ويجب عليه التوبة من هذا الذنب.
فاحذر، أخي المسلم أن تنزلقَ أقدامك ، فَتُكَفِّرَ ولاة أمور المسلمين،كما زلت أقدام الخوارج، فكَفَّروا عليَّ بن أبي طالب،ومعاويةَ بن أبي سفيانٍ، وسائرَ الصحابةِ .
وختاماً: أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلَ هذا العملَ خالصاً لوجهه الكريم , وأن ينفع به طلاب العِلْمِ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد