بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مما لا ريب فيه أن الشباب هم دعامة الحاضر وأمل المستقبل، ففي الشباب قوة دافعة، وعزيمة ماضية، وحركة دائبة، فإن لم تستثمر فيما يعود على الناس بالخير رجعت بالشر على الشباب أنفسهم، وعلى المجتمع بأسره؛ لذلك اعتنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم بالشباب عناية عظيمة، فها هو صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وصية عظيمة عدّها بعض أهل العلم أصل عظيم في تربية الشباب وتوجيههم، فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنت خلف النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: “يا غلام: إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لم اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف”. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وفي رواية ” احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطأك، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”.
ومن وصاياه – صلى الله عليه وسلم – للشباب وصيته لأبي ذر، ومعاذ بن جبل – رضي الله عنها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذَرٍّ جُنْدُبِ بْنِ جُنَادةَ، وأبي عبْدِالرَّحْمنِ مُعاذِ بْنِ جبلٍ رضيَ اللَّه عنهما، عنْ رسولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، قَالَ: ” اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ ” رواهُ التِّرْمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ.
ومن عنايته – صلى الله عليه وسلم – بالشباب اعترافه لهم – صلى الله عليه وسلم – بحقوقهم التي شرعها لهم الإسلام، وخير دليل على ذلك ما رواه الصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام: ” أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده” أخرجه البخاري، حديث رقم 5620.
ومما يجدر الإشارة إليه أننا في عَصرٍ انتشرت فيه الفتن، فتن الشهوات من جانب، والشبهات من جانب آخر؛ مما كان سببا في انحراف كثير من الشباب.
وأسباب انحراف الشباب كثيرة ومتنوعة منها على سبيل الذكر لا الحصر:
أولا: الفراغ: لا شك أن الفراغ داءٌ عضال يقتل الفكر والعقل والطاقات الجسمية، فالنفس لا بد لها من حركة وعمل، وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حينما قال: ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحَّة، والفراغ” أخرجه البخاري رقم: 6412.
وقال الشاعر: إن الشبــاب و الـــفـــراغ * مفسدة للــمـــرء آيُّ مفســـدة !
والإنسان سوف يُسئل فيما يُسئل يوم القيامة عن العمر فيما أفناه، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه “.
وعلاج ذلك: مصاحبة الأخيار، وأن يسعى الشاب في تحصيل عمل يناسبه مما يحول بينه وبين هذا الفراغ، وبجانب ذلك ما قاله ابن جماعة – رحمه الله -: “أن يبادر – المرء- شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل ولا يفتر بجذع التسويف والتأمل فإن كل ساعة تمضي من عمره لابد لها وعوض عنها ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة من تمام الطلب، وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل فإنها كقواطع الطريق” (تذكرة السامع والمتكلم، ابن جماعة، ص: 70).
ولعلي أذكر ما قاله ابن الجوزي – رحمه الله – ناصحا ولده في كتابه القيم – لفتة الكبد إلى نصيحة الولد -: ” فانتبه يا بنى لنفسك، اندم على ما مضى من تفريطك.. واجتهد في لحاق الكاملين مادام في الوقت سعة، واستق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى عظة، ذهب لذة الكسل فيها وفاتت مراتب الفضائل”.
ثانيا: الرفقة السيئة، والصحبة الرديئة: والدليل على ذلك: قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) الفرقان 27: 29.
وما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ”المرء على دين خليله، فلينظُر أحدكم مَنْ يُخالِل” أخرجه البخاري رقم: 1360، ومسلم رقم: 24.
وعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ – رضي الله عنه -: أَن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: “إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً ” متفقٌ عَلَيهِ.
وعلاج ذلك: مجالسة الأخيار، وأهل العلم، وأهل الخير والسيرة الحميدة، والبعد عن مجالسة الأشرار، وهذا أمرٌ واضحٌ، فالكل يعرف هذا، فمُجالسة الأخيار فيها الخير العظيم، ومجالسة الأشرار فيها الشر الكبير، فينبغي للمؤمن أن يحرص على مجالسة الأخيار، والحرص على صُحبتهم، والاستفادة من علمهم وسيرتهم، والحذر من صحبة الأشرار.
ثالثا: قراءة الكتب الهدامة وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة كالصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز والشبكة العنكبوتية: فقراءة مثل هذه الكتب الهدامة وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية تقلب الشباب رأسا على عقب؛ لأنها تصادف أرضا خصبة في عقلية الشباب وتفكيرهم بدون مانع فتقوى عروقها ويصلب عودها وتنعكس في مرآة عقله وحياته، إذا لم يكن لديهم منعة قوية من الثقافة الدينية العميقة والفكر الثاقب كي يتمكنوا بذلك من التفريق بين الحق والباطل.
وعلاج ذلك: أن يبتعد الشباب عن قراءة مثل هذه الكتب الهدامة وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة إلى قراءة الكتب النافعة التي تعينه على أمور دينه ودنياه، وأهمها كتاب الله – عز وجل -، وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، وكذلك تهيئة مجالات وفرص واسعة على شبكة “الإنترنت”؛ لتكون بديلاً لهؤلاء الشباب، يصرفون فيها جزءًا من أوقاتهم. ونقترح إقامة قاعات خاصة في المدارس والأندية الرياضية والثقافية للدخول على الشبكة العالمية، يتم الإشراف عليها من قِبَل المختصين التربويين.
رابعا: فساد الوالدين: ففساد الوالِدَين أو أحدهما قد يؤثر على الولد؛ كما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” ما مِن مَولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه، أو يُمجِّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تُحسُّون فيها مِن جدعاء؟” أخرجه البخاري رقم :1358.
وعلاج ذلك: اختيار الأم الصالحة لأبنائنا؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” تُنكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبِها، وجَمالها، ولدينِها، فاظفر بذات الدين، تربتْ يَداك”.
كذلك الرجل الصالح لأبنائنا مِن حيث الدين والخلُق؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إذا خطب إليكم مَن ترضَون دينه وخلُقَه، فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عَريض” صحيح الترمذي.
اللهمَّ اهدِ شبابَنا، وخذْ بنواصيهم إلى ما تُحبُّ وتَرضى، واهدِهم إلى الصراط المُستقيم، وأَرِهم الحقَّ حتَّى يؤمنوا به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد