بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عِبادَ اللهِ: فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ (۲٠)﴾.
إِخْوَةَ الإِيمانِ: إِنَّ الذَّكِيَّ الفَطِنَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ دُنْياهُ لآِخِرَتِهِ ولَمْ يَبِعْ اخِرَتَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا، فَالنّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ قِسْمٌ إِلى الجَنَّةِ وقِسْمٌ إِلى النّارِ فَهُما دارانِ ما لِلنَّاسِ غَيْرُهُما فَأنْظُرْ يا أَخِي ماذا تَخْتارُ لِنَفْسِكَ، فَالجَنَّةُ أُعدَّتْ لِلْمُؤْمِنِينَ والنّارُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ولا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وأَصْحابُ الجَنَّةِ.
طَعامُ أَهْلِ الجَنَّةِ:
كَما قالَ تَعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (۲٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (۲١)﴾
وكما قال عز وجل ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (۲٣) كُلُواْ وَٱشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (۲٤)﴾.
أَمّا طَعامُ أَهْلِ النّارِ:
كَما قالَ تَعالى: ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ (٦) لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ (٧)﴾ وَالضَّرِيعُ شَجَرٌ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ كَرِيهُ الرّائِحَةِ وثَمَرُهُ كَرِيهُ الطَّعْمِ.
وكَما قالَ تَعالى ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦)﴾.
وكَما قالَ تَعالى ﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ (٣٧)﴾.
أيها الأحبة في الله: لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وأَصْحابُ الجَنَّةِ ولا يَسْتَوِي شَرابُ أَهْلِ الجَنَّةِ وشَرابُ أَهْلِ النّارِ.
فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ: فَإِنَّهُمْ يُسْقَوْنَ مِنَ الرَّحِيقِ وهِيَ عَيْنٌ في الجَنَّةِ مَشوبَةٌ بِالْمِسْكِ بِإِناءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ بِالْمِسْكِ ومَمْزُوجٍ فِيهِ مِنْ تَسْنِيمٍ وهِيَ عَيْنٌ في الجَنَّةِ رَفِيعَةُ القَدْرِ.
وقالَ تَعالى ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (٢٥) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨)﴾.
وأَمّا أَهْلُ النّارِ: فَشَرابُهُم الْماءُ الْمُتَناهِي في الحَرارَةِ قالَ تَعالى ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا (٢٤) إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥)﴾ والحَمِيمُ هُوَ الشَّرابُ الْمُتَناهِي في الحَرارَةِ والغَسَّاقُ ما يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النّارِ تَسْقِيهِمْ إِيّاهُ مَلائِكَةُ العَذابِ فَتَتَقَطَّعُ أَمْعاؤُهُمْ قالَ تَعالى ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (٢٩)﴾.
ولا يَسْتَوِي لِباسُ أَهْلِ الجَنَّةِ ولِباسُ أَهْلِ النّارِ فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَثِيابُهُمُ الحَرِيرُ والسُّنْدُسُ والإِسْتَبْرَقُ،
قالَ تَعالى: ﴿عَالِيَهُمْ﴾ أَيْ فَوْقَهُمْ ﴿ثِيَابُ سُندُسٍ﴾ أَيِ الثِّيابُ الرَّقِيقَةُ مِنَ الدِّيباجِ وهُوَ الحَرِيرُ ﴿خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ وهُوَ ما غَلُظَ مِنَ الدِّيباجِ ﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (٢۱)﴾.
وأَمّا أَهْلُ النّارِ: فَثِيابُهُمْ مِنْ نارٍ قالَ تَعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّنْ نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(۱٩)﴾
وكذلك لا تَسْتَوِي هَيْئَةُ أَهْلِ الجَنَّةِ وهَيْئَةُ أَهْلِ النّارِ، فَأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ فَإِنَّهُمْ عَلى صُورَةِ أَبِيهِمْ ءادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ سِتُّونَ ذِراعًا طُولاً في عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ حِسانُ الوُجُوهِ يُشْبِهُونَ يُوسُفَ الصِّدِّيقَ في الجَمالِ.
وأَمّا أَهْلُ النّار:ِ فَإِنَّ اللهَ يَزِيدُ في أَحْجامِهِمْ لِيَزْدادُوا عَذابًا حَتَّى يَكُونَ ضِرْسُ الكافِرِ يَوْمَ القِيامَةِ كَجَبَلِ أُحُدٍ وما بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ وكُلَّما أَنْضَجَتْ جُلُودَهُمُ النّارُ كُسُوا جُلُودًا غَيْرَها قالَ تَعالى ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ﴾.
إخوة الإيمان: قالَ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى عَنْ أَصْحابِ النّارِ: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧)﴾ فَإِنَّ الكُفّارَ إِذا أُلْقُوا في جَهَنَّمَ طُرِحُوا فِيها كَما يُطْرَحُ الحَطَبُ في النّارِ العَظِيمَةِ فَيَسْمَعُونَ لِجَهَنَّمَ شَهِيقًا صَوْتًا شَدِيدًا مُنْكَرًا لِشِدَّةِ تَوَقُّدِها وغَلَيانِها.
وأَمّا أَهْلُ الجَنَّةِ: فَإِنَّهُمْ لا يَسْمَعُونَ فِيها باطِلاً ولا مَأْثَمًا ولا ما يُزْعِجُهُمْ قالَ تَعالى ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا (٢٦)﴾.
أيها المؤمنون: لِيُحَاسِبْ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ ولِيَنْظُرْ هَلْ أَعَدَّ الزّادَ لِيَوْمِ الْمَعادِ لِيَكُونَ مِنَ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمْ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (٨) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (۱٠) لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً (۱۱) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (۱٢) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (۱٣) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (۱٤) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (۱٥) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (۱٦)﴾ وخَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ وَرَدَ فِيهِمْ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (٣) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ (٥) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ (٦) لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ(٧)﴾.
اَلْمَوْتُ بابٌ وكُلُّ النَاسِ داخِلُهُ فَلَيْتَ شِعْرِيَ بَعْدَ البابِ ما الدّارُ
الدّارُ جَنَّةُ عَدْنٍ إِنْ عَمِلْتَ بِما يُرْضِي الإِلَهَ وإِنْ فَرَّطْتَ فَالنّارُ
هُما مَصِيرانِ ما لِلْمَرْءِ غَيْرُهُما فَأنْظُرْ لِنَفْسِكَ ماذا أَنْتَ تَخْتارُ
فأنظر أَخِي الْمُسْلِمُ: ماذا أَعْدَدْتَ ولأِيِّ دارٍ تَهَيَّأْتَ فَلَيْسَ في الآخِرَةِ دارٌ إِلاّ جَنَّةٌ أَوْ نارٌ ولا يَسْتَوِي أَصْحابُ الجَنَّةِ وأَصْحابُ النّارِ وقِ نَفْسَكَ وأَهْلَكَ النارَ بِتَعَلُّمِ ما افْتَرَضَ اللهُ عِلْمَهُ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ وأَدِّ ما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ وَأجْتَنِبْ ما نَهاكَ عَنْهُ لِتَسْلَمَ في الآخِرَةِ مِنْ نارٍ وَقُودُها النّاسُ والحِجارَةُ فَقَدْ قالَ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٦)﴾. أَجارَنِي اللهُ وإِيّاكُمْ مِنَ النّار.
اللَّهُمَ حَبَّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد