بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سوف نذكر أنواع الدعاء:
أنواع الدعاء:
الدُّعَاءُ نَوْعَانِ: دُعَاءُ العِبَادَةِ، ودُعَاءُ الْمَسْأَلَةِ.
دعاء العبادة:
هُوَ الذي يتضمنُ الثناء على الله تَعَالى بما هُوَ أهْلُهُ، ويكون مصحوبًا بالخوف والرجاء.
روى الترمذيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاص، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.) (حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2837)
دعاء الـمسألة:
هُوَ طَلَبُ مَا يَنْفَعُ الدَّاعِيَ وَطَلَبُ كَشْفِ مَا يَضُرُّهُ وَدَفْعِهِ. وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ الضُّرَّ وَالنَّفْعَ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ.
الدُّعَاءُ فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ دُعَاءُ الْعِبَادَةِ، أو يُرَادُ بِهِ دُعَاءُ الْمَسْأَلَةِ، أو يُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُهُمَا؛ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ. وقد ورد المعنيان جميعًا في قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين) (الأعراف: 55: 56) (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ15 ـ صـ10)
شروط إجابة الدعاء:
للدعاء شروطٌ يجب توفرها حتى يكون مستجابًا عند الله تعالى. ويُمْكِنُ أن نُوجِزَ شروط إجابة الدعاء في الأمور التالية:
(1) الإخلاص في الدعاء:
قال الله تَعَالَى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة: 5)
روى البخاري عَن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى). (البخاري ـ حديث 1)
(2) المأكل والمشرب والملبس الحلال:
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَال: َقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ.فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (المؤمنون: 51) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى(كيف) يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ). (مسلم ـ حديث 1015)
(3) عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم:
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ (يَسْأَمُ) عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ (مسلم ـ حديث 2735)
(4) الثقة بإجابة الله تعالى للدعاء:
روى أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا.قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ17 ـ صـ 213 ـ حديث: 11133)
* قال الإمامُ اِبْنُ الْجَوْزِيّ (رَحِمَهُ اللهُ): اِعْلَمْ أَنَّ دُعَاءَ الْمُؤْمِن لَا يُرَدُّ، غَيْر أَنَّهُ قَدْ يَكُون الْأَوْلَى لَهُ تَأْخِير الْإِجَابَة أَوْ يُعَوَّض بِمَا هُوَ أَوْلَى لَهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَتْرُك الطَّلَبَ مِنْ رَبّه، فَإِنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِالدُّعَاءِ كَمَا هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّفْوِيض. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ145)
(5) الدعاء بالأمور الجائزة شرعًا:
لا يجوز للمسلم أن يدعو بأن تكون له منزلة نبي مِنَ الأنبياء ونحو ذلك مِنَ الأشياء المحالة شرعًا، كأن يدعو الله بأن تكون له أجنحة يطيرُ بها في الهواء.
موانع إجابة الدعاء:
نستطيع أن نُوجِزَ موانع إجابة الدعاء في الأمور التالية:
(1) أكل المال الحرام.
(2) استعجال الإجابة وتَرْكُ الدعاء.
(3) ارتكاب المعاصي.
(4) تَرْكُ الواجبات التي أمَرَ اللهُ تعالى بها عباده.
(5) الدعاء بإثم أو قطيعة رَحِم.
إبراهيم بن أدهم:
قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ (رَحِمَهُ اللهُ): مَا بَالُنَا نَدْعُو فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا ؟ قَالَ:
(1) لِأَنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللَّهَ فَلَمْ تُطِيعُوهُ
(2) وَعَرَفْتُمُ الرَّسُولَ فَلَمْ تَتَّبِعُوا سُنَّتَهُ
(3) وَعَرَفْتُمُ الْقُرْآنَ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ
(4) وَأَكَلْتُمْ نِعَمَ اللَّهِ فَلَمْ تُؤَدُّوا شُكْرَهَا.
(5) وَعَرَفْتُمُ الْجَنَّةَ فَلَمْ تَطْلُبُوهَا.
(6) وَعَرَفْتُمُ النَّارَ فَلَمْ تَهْرُبُوا مِنْهَا.
(7) وَعَرَفْتُمُ الشَّيْطَانَ فَلَمْ تُحَارِبُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ.
(8) وَعَرَفْتُمُ الْمَوْتَ فَلَمْ تَسْتَعِدُّوا لَهُ.
(9) وَدَفَنْتُمُ الْأَمْوَاتَ فَلَمْ تَعْتَبِرُوا.
(10) وَتَرَكْتُمْ عُيُوبَكُمْ، وَاشْتَغَلْتُمْ بِعُيُوبِ النَّاسِ.
(تفسير القرطبي ـ جـ2 ـ صـ 312)
آداب الدعاء:
نستطيعُ أن نُوجِزَ آداب الدعاء في الأمور التالية:
(1) الإخلاصُ للهِ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى.
(2) الاعترافُ بالذنب والتقصير في العبادة.
(3) تَـجَنُّبُ الحرام في المأكل والمشرب والملبس.
(4) التوبة الصادقة ورَدُّ المظالم إلى أهلها.
(5) الوضوء.
(6) استقبال القبلة.
(7) رفْعُ اليدين تذللًا لله تَعَالَى.
(8) البدء بحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي ﷺ.
روى أبو داود عَن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَجِلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: - أَوْ لِغَيْرِهِ - إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث: 1314)
(9) تكرار الدعاء ثلاثًا.
(10) حضور القلب مع التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.
(11) الدعاء بجوامع الكلم مِن القرآن والسُّنَّة المباركة.
روى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث: 1315)
(12) عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رَحِم.
(13) خفض الصوت بين المخافتة والجهر.
(14) عدم استعجال الإجابة.
(15) التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.
(16) الجزم في الدعاء والثقة بالإجابة.
(17) تحري أوقات الإجابة.
(18) عدم تكلف السجع في الدعاء.
(19) التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العَلِيَّــة وبالأعمال الصالحة.
(20) ختم الدعاء بالصلاة والسلام على النبي ﷺ.
(21) قول آمين عقب الدعاء،ومعناها: اللهُمَّ استجب.
(شأن الدعاء ـ للخطابي ـ صـ13: صـ14)(الإحياء ـ للغزالي ـ جـ1 ـ صـ471: صـ478)
(الجواب الكافي ـ لابن القيم ـ صـ19) (تحفة الذاكرين ـ للشوكاني ـ صـ55: صـ62)
فوائد إخفاء الدعاء:
إخْفَاءُ الدُّعَاءِ لَهُ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ نستطيعُ أن نُوجِزهَا في الأمور التالية:
(1) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَعْظَمُ إيمَانًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ الدُّعَاءَ الْخَفِيَّ.
(2) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَعْظَمُ فِي الْأَدَبِ وَالتَّعْظِيمِ للهِ تَعَالَى.
(3) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ رُوحُ الدُّعَاءِ.فَإِنَّ الْخَاشِعَ الذَّلِيلَ إنَّمَا يَسْأَلُ مَسْأَلَةَ مِسْكِينٍ ذَلِيلٍ قَدْ انْكَسَرَ قَلْبُهُ وَذَلَّتْ جَوَارِحُهُ وَخَشَعَ صَوْتُهُ؛ وَهَذِهِ الْحَالُ لَا تَأْتِي مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالدُّعَاءِ.
(4) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَاصِ للهِ تَعَالَى.
(5) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَبْلَغُ فِي جَمْعِ الْقَلْبِ عَلَى الذِّلَّةِ فِي الدُّعَاءِ.
(6) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ دَالٌّ عَلَى قُرْبِ صَاحِبِهِ لِلْقَرِيبِ لَا مَسْأَلَةِ نِدَاءِ الْبَعِيدِ لِلْبَعِيدِ؛ وَلِهَذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَى عَبْدِهِ زَكَرِيَّا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) (مريم:3)
(7) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَدْعَى إلَى دَوَامِ الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ، فَإِنَّ اللِّسَانَ لَا يَمَلُّ وَالْجَوَارِحَ لَا تَتْعَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَمَلُّ اللِّسَانُ وَتَضْعُفُ قُوَاهُ.
(8) إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَبْعَدُ لَهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ وَالْمُشَوِّشَاتِ؛فَإِنَّ الدَّاعِيَ إذَا أَخْفَى دُعَاءَهُ لَمْ يَدْرِ بِهِ أَحَدٌ فَلَا يَحْصُلُ عَلَى هَذَا تَشْوِيشٌ وَلَا غَيْرُهُ.
(9) أَعْظَمُ النِّعْمَةِ الْإِقْبَالُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَلِكُلِّ نِعْمَةٍ حَاسِدٌ، وَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ الدُّعَاءِ،فَإِنَّ أَنْفُسَ الْحَاسِدِينَ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا وَلَيْسَ لِلْمَحْسُودِ أَسْلَمُ مِنْ إخْفَاءِ نِعْمَتِهِ عَنْ الْحَاسِدِ.وَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ الْمَأْمُورُ بِإِخْفَائِهِ يَتَضَمَّنُ دُعَاءَ الطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ عَظِيمِ الْكُنُوزِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ بِالْإِخْفَاءِ عَنْ أَعْيُنِ الْحَاسِدِينَ.
(10) الدُّعَاءُ هُوَ ذِكْرٌ لِلْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَضَمِّنٌ لِلطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ فَهُوَ ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ.
(مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ15 ـ صـ19:15)
التوسل إلى الله عند الدعاء:
قال سُبْحَانَهُ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء: 57)
معنى التوسل:
التَّوَسُلُ: هو التقرب إلى الله تَعَالَى بالأعمال الصالحة المشروعة. (مختار الصحاح ـ للرازي ـ صـ721)
ينقسم التَّوَسُلُ إلى الله سُبْحَانَهُ إلى نوعين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع. سوف نتحدث عَن كلا النوعين:
أولًا: التوسل المشروع:
شرعَ اللهُ تَعَالَى لنا عند دعائه أنواعًا مِنَ التوسلات المشروعة المفيدة، المحققة للغرض، والتي تَكَفَّلَ اللهُ بإجابة الداعي بها إذا توفرت شروط الدعاء المقبول. والتوسل المشروع عند الدعاء، الذي دلت عليه نصوص القرآن والسُّنَّة وجرى عليه عمل السلف الصالح وأجمع عليه المسلمون ثلاثة أنواع وهي:
الأول: التوسل إلى الله باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته:
كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني.
أو يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي. ودليل مشروعة هذا التوسل عند الدعاء ما يلي:
* قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف:180)
وما ذكره اللهُ تَعَالَى مِن دعاء سليمان عليه السلام، حيث قال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل: 19)
* روى النَّسَائيُّ عن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو، فَيَقُولُ: (اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي) (حديث صحيح) (صحيح النسائي ـ للألباني ـ جـ3 ـ صـ54)
* روى مسلمٌ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي).(مسلم ــ حديث 2717)
* روى الترمذي عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ، إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ).(حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2796)
الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به الداعي:
كأن يقول الداعي: اللَّهُمَّ بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك محمد ﷺ، اغفر لي واعف عني. أو يقول: اللَّهُمَّ إني أسألك بحُبي لنبينا محمد ﷺ وإيماني به أن تُفَرجَ عني هَمي. وكذلك بأن يذكر الداعي عملًا صالحًا قام به لوجه الله تَعَالَى، فيه خوفه مِن الله، وتقواه إياه، وإيثاره رضاه على كل شيء ليكون أرجى لقبوله وإجابته.
ويدل على مشروعية هذا التوسل قوله تَعَالَى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 16)
وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران: 53)
وقَوْلُهُ جل شأنه: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران: 193: 194)
وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (المؤمنون: 109)
* روى الشيخان عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ) وفي رواية لمسلم: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ) (البخاري ـ حديث 2272 / مسلم ـ حديث 2743)
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح:
كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تَعَالَى، فيذهب إلى رجل، على قيد الحياة، يعتقد فيه الصلاح والتقوى، والفضل والعلم بالكتاب والسُّنَّة، فيطلب منه أن يدعو الله له ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه هَمه، وهذا النوع قد ثبت في السُّنَّة المباركة.
* روى الشيخانِ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ (مُوَاجهَة) الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا. قَالَ أَنَسُ: وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً (قِطْعَةً مِنَ السَّحَابِ) وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ (اسم جبل) مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ(أَيْ مُسْتَدِيرَة) فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ. (البخاري ـ حديث 1013 / مسلم ـ حديث 897)
* روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا قَالَ فَيُسْقَوْنَ) (البخاري ـ حديث 1010)
* قَوْلُهُ: (قَحَطُوا) أيْ: أصابهم القحط، وهو الجدب وقلة المطر.
* قَوْلُهُ: (اسْتَسْقَى) أيْ يطلبَ مِن الله تعالى أن يُنزلَ المطر.
* قَوْلُهُ: (بِالْعَبَّاسِ) أيْ بدعاءِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
* قَوْلُهُ: (كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا) أيْ: كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بدعاء نبينا ﷺ وهو موجودٌ معنا.
* قَالَ الإمامُ ابن حجر العسقلاني (رَحِمَهُ اللهُ): بَيَّنَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ (فِي كتابه الْأَنْسَابِ) صِفَةَ مَا دَعَا بِهِ الْعَبَّاسُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَالْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمَّا اسْتَسْقَى بِهِ عُمَرُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَلَمْ يُكْشَفْ إِلَّا بِتَوْبَةٍ وَقَدْ تَوَجَّهَ الْقَوْمُ بِي إِلَيْكَ لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّكَ وَهَذِهِ أَيْدِينَا إِلَيْكَ بِالذُّنُوبِ وَنَوَاصِينَا إِلَيْكَ بِالتَّوْبَةِ فَاسْقِنَا الْغَيْثَ فَأَرْخَتِ السَّمَاءُ مِثْلَ الْجِبَالِ حَتَّى أَخْصَبَتِ الْأَرْضَ وَعَاشَ النَّاسُ. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ2 ـ صـ 497)
* روى ابنُ عساكر عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ (رَحِمَهُ اللهُ) قَالَ: إنَّ السَّمَاءَ قَحَطَتْ (انقطع المطر)، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَهْلُ دِمَشْقَ يَسْتَسْقُونَ فَلَمَّا قَعَدَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: أَيْنَ يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيُّ ؟ فَنَادَاهُ النَّاسُ فَأَقْبَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ، فَأَمَرَهُ مُعَاوِيَةُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَعَدَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِخَيْرِنَا، وَأَفْضَلِنَا اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ، يَا يَزِيدُ، ارْفَعْ يَدَيْكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ فَمَا كَانَ أَوْشَكَ أَنْ ثَارَتْ سَحَابَةٌ فِي الْغَرْبِ كَأَنَّهَا تُرْسٌ، وَهْبَّ لَهَا رِيحٌ فَسَقَتْنَا حَتَّى كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ. (إسناده صحيح) (التوسل ـ للألباني ـ صـ41)
ثانيًا: التوسل الـممنوع:
يجب على كل مسلم أن يَعْلَمَ أن الدعاء عبادة خاصة بالله سُبْحَانَهُ، فإذا صُرف هذا الدعاء إلى غير الله تعالى فقد اصطدم بالتوحيد الذي أرسلَ اللهُ تعالى مِن أجله الرسلَ وأنزلَ الكتب، ونستطيعُ أن نُوجِزَ أنواع التوسل الـممنوع ما يلي:
الأول: التوسل بالأموات من الأنبياء والصالحين:
دعاء الأموات الصالحين لقضاء الحوائج هو الشرك الذي نهى عنه الله تَعَالَى ورسوله ﷺ. فلا يجوز الاستغاثة بهم ولا النذر لهم، فإن الميت قد انقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا يملك لنفسه موتًا ولا حياة ولا نشورا.
قال اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (الأعراف: 194: 197) فمَن قال:
يا رسول الله: أغثني أو قال:يا رسول الله فرج عني كربي أو قال:يا سيدي فلان انصرني أو نحو ذلك مِن الأقوال، فقد أشرك بالله العظيم.
الثاني: التوسل باتخاذ الأموات من الأنبياء والصالحين شفعاء عند الله:
يجب أن يكون مِنَ المعلوم أنه لا واسطة ولا شفاعة في الدعاء بين العبد وخالقه سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، ولذا قال سُبْحَانَهُ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)
ولقد عَابَ اللهُ تَعَالَى على أهل الجاهلية اتخاذهم الأصنام وسيلة إليه سُبْحَانَهُ.
قال سُبْحَانَهُ حكاية عَن أهل الجاهلية: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3) وقال أيضًا: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (يونس: 101)
الثالث: التوسل إلى الله بجاه أو بحق أحد من الصالحين:
إن جَاهَ النبيِّ ﷺ ومنزلته عند الله تَعَالَى أعظم مِن جَاهِ جميع الأنبياء والمرسلين، ومع ذلك لا يجوز لنا أن نتوسل به إلى الله لعدم ثبوت الأمر به عَنِ النَّبِىِّ ﷺ ولا الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان.وأما ما يرويه بعض الناس بلفظ (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم). فهذا باطل، ولا أصل له في شيء مِن كتب الحديث. (التوسل ـ للألباني ـ صـ118: صـ120)
ولا يجوز التوسل إلى الله تَعَالَى بحق أحَدٍ مِن الخَلقْ، وكل ما ورد في ذلك أحاديث لا تقوم بها حُجَّة عند أهل الحديث.(التوسل ـ للألباني ـ صـ94: صـ102)
إن التوسل بحَق أحَدٍ مِنَ الناس لم يثبت عَنِ النَّبِىِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان.
الرابع: التوسل إلى الله عند قبور الصالحين:
لا يجوز الدعاء عند قبور الصالحين لأن هذا مما نهى عنه النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحَذَّرَ منه أمته.
روى أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ: (اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِى وَثَنًا، لَعَنَ اللَّهُ قَوْمًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ12 ـ صـ 314 ـ حديث: 7358)
روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ.) (حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 1796)
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأنْ ينفعَ بِهِ طُلاَّبَ العِلْمِ الكِرَامِ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد