بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الدعاءُ له منزلةٌ عظيمةٌ في الإسلام، فهو مِن أفضل العبادات، ولهذا جاءت نصوصُ كثيرةُ في القرآن الكريم وسُنَّة نبينا ﷺ تدل على فضل الدعاء.فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الدعاء:
الدُّعَاءُ: هُوَ طَلَبُ مَا يَنْفَعُ الدَّاعِيَ، وَطَلَبُ كَشْفِ مَا يَضُرُّهُ وَدَفْعِهِ. (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ15 ـ صـ10)
حقيقة الدعاء:
الدُّعَاءُ: هُوَ فِي الحَقِيقَةِ إِظْهَارِ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاسْتِكَانَة لَهُ، وَهُوَ سِمَةُ العُبُودِيَّةِ، وَاسْتِشْعَارُ الذِّلةِ البَشَرِيةِ، وَفيهِ مَعْنَى الثنَاءِ عَلى اللهِ عَزَ وَجَلَّ، وَإضَافَةِ الجُودِ وَالكَرَمِ إليه سُبْحَانَهُ. (شأن الدعاء ـ أبو سليمان الخطابي ـ صـ 4)
(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ98)
الفرق بين صفة الدعاء والابتهال:
الدُّعَاءُ: يَكُونُ برَفْعِ اليدين حَذْوَ الكتفين. الدُّعَاءُ أَعَمُّ مِنَ الابْتِهَالِ.
الابْتِهَالُ: هُوَ التَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَالِيًا حَذْوَ الرأس أو أعلَى مِنَ الرأس.
(لسان العرب ـ لابن منظور ـ جـ11 ـ صـ72) (شرح الأربعين النووية ـ لابن عثيمين ـ صـ150)
روى أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ، أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ، وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث: 1321)
الدعاء وصية رب العالمين:
حثنا اللهُ تَعَالَى على الدُّعَاءِ في آيات كثيرة مِن كتابه العزيز:
(1) قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)
* قَالَ الإمامُ ابن جرير الطبري (رَحِمَهُ اللهُ): وَإِذَا سَأَلَكَ يَا مُحَمَّدُ عِبَادِي عَنِّي أَيْنَ أَنَا ؟ فَإِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ، أَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ، وَأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِيَ مِنْهُمْ. (تفسير الطبري ـ جـ3 ـ صـ222)
(2) قَالَ سُبْحَانَهُ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) (النمل: 62)
* قَالَ الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يُنَبِّهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ المدعُوّ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، المرجُوّ عِنْدَ النَّوَازِلِ، كَمَا قَالَ: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ) (الْإِسْرَاءِ: 67)، وَقَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل: 53)
* قَوْلُهُ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) أَيْ: مَنْ هُوَ الَّذِي لَا يَلْجَأُ الْمُضْطَرُّ إِلَّا إِلَيْهِ، وَالَّذِي لَا يَكْشِفُ ضُرَّ الْمَضْرُورِينَ سِوَاهُ.
(تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ 203)
(3) قال جَلَّ شَأْنهُ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)
* قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): هَذَا مِنْ فَضْلِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ أَنَّهُ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ.
(تفسير ابن كثير ـ جـ7 ـ صـ 153)
(4) قال سُبْحَانَهُ: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف : 55: 56)
* قال الإمامُ ابنُ جرير الطبري (رَحِمَهُ اللهُ): ادْعُوا أَيُّهَا النَّاسُ رَبَّكُمْ وَحْدَهُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ دُونَ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ
* قَوْلُهُ: (تَضَرُّعًا) أيْ: تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَةً لِطَاعَتِهِ. * قَوْلُهُ: (وَخُفْيَةً) أيْ: بِخُشُوعِ قُلُوبِكُمْ وَصِحَّةِ الْيَقِينِ مِنْكُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ،لَا جِهَارًا مُرَاءَاةً، وَقُلُوبُكُمْ غَيْرُ مُوقِنَةٍ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، فِعْلَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. (تفسير الطبري ـ جـ10 ـ صـ 247)
دعاء الملائكة للمؤمنين:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (غافر3:2)
* قَالَ الإمامُ ابن كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ حَمَلة الْعَرْشِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْكُرُوبِيِّينَ، بِأَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، أَيْ: يَقْرِنُونَ بَيْنَ التَّسْبِيحِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ النَّقَائِصِ، وَالتَّحْمِيدِ الْمُقْتَضِي لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْمَدْحِ، (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) أَيْ: خَاشِعُونَ لَهُ أَذِلَّاءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُمْ (يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ مِمَّنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ، فَقَيَّضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ يَدْعُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ سَجَايَا الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانُوا يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ الْمُؤْمِنِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ.
(تفسير ابن كثير ـ جـ7 ـ صـ130)
فضل الدعاء في السُّنة:
سَوْفَ نذكر بعضَ الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على أهمية الدعاء:
(1) روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.) (حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2805)
* قَوْلُهُ: (إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي)
أَيْ: مَا دُمْتَ تَدْعُونِي وَتَرْجُونِي فِي مُدَّةِ دُعَائِكَ وَرَجَائِكَ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ مِنَ الْمَعَاصِي وَإِنْ تَكَرَّرَتْ وَكَثُرَتْ.
* قَوْلُهُ: (وَلَا أُبَالِي) أيْ: لا أهْتَمُ بِكَثْرَة ذنوبك، إِذْ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِي، وَلَا مَانعَ لعطائي.
قَالَ الطِّيبِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ) أَيْ: لَا يُسْئَلُ اللهُ تَعَالَى عَمَّا يَفْعَلُ. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ 1620)
* قَوْلُهُ: (بِقُرَابِ الْأَرْضِ) أيْ: بمِلْءِ الْأَرْضِ.
(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. (البخاري ـ حديث: 834 / مسلم ـ حديث: 2705)
* قَالَ الْكِرْمَانِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): هَذَا الدُّعَاءُ مِنَ الْجَوَامِعِ لِأَنَّ فِيهِ الِاعْتِرَافَ بِغَايَةِ التَّقْصِيرِ وَطَلَبِ غَايَةِ الْإِنْعَامِ، فَالْمَغْفِرَةُ سَتْرُ الذُّنُوبِ وَمَحْوُهَا، وَالرَّحْمَةُ إِيصَال ُالْخَيْرَاتِ، فَفِي الْأَوَّلِ طَلَبُ الزَّحْزَحَةِ عَنِ النَّارِ، وَفِي الثَّانِي طَلَبُ إِدْخَالِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ131)
(3) روى أبو داود عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا). (حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 1320)
* قَوْلُهُ: (حَيِيٌّ): أَيْ: مُبَالِغٌ فِي الْحَيَاءِ الذي يَليقُ بِهِ سُبْحَانَهُ بِغَيْر تَشْبِيهٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ.
* قَوْلُهُ: (كَرِيمٌ): الكريمُ: هُوَ الَّذِي يُعْطِي المحتاجينَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ.
* قَوْلُهُ: (صِفْرًا) أَيْ: فَارِغَتَيْنِ خَالِيَتَيْنِ مِنَ الرَّحْمَةِ.
(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ1533)
(4) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ). (حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2766)
* قَوْلُهُ: (وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ): أيْ: وَأَنْتُمْ مُعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُكُمْ لِسِعَةِ كَرَمِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ، لِتَحَقُّقِ صِدْقِ الرَّجَاءِ
وَخُلُوصِ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ مَا لَمْ يَكُنْ رَجَاؤُهُ وَاثِقًا لَمْ يَكُنْ دُعَاؤُهُ صَادِقًا. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ1531)
(5) روى مُسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ). (مسلم ـ حديث 1631)
* قَالَ الإمامُ النووي (رَحِمَهُ اللهُ): قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ عَمَلَ الْمَيِّتِ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَيَنْقَطِعُ تَجَدُّدُ الْثوَابِ لَهُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ، وَهِيَ الْوَقْفُ.
(صحيح مسلم بشرح النووي ـ جـ11 ـ صـ85)
(6) روى الترمذيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ. ثُمَّ قَرَأَ (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر: 60)
(حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2685)
* قَوْلُهُ: (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ) أَيْ: هُوَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي تَسْتَحِقُ أَنْ تُسَمَّى عِبَادَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ،
بِحَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ، قَائِمًا بِوُجُوبِ الْعُبُودِيَّةِ، مُعْتَرِفًا بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، عَالِمًا بِنِعْمَةِ الْإِيجَادِ، طَالِبًا لِمَدَدِ الْإِمْدَادِ عَلَى وَفْقِ الْمُرَادِ،
وَتَوْفِيقِ الْإِسْعَادِ. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ1527)
(7) روى الترمذيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وّقَّاص، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
(حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2785)
* قَالَ عبد الرؤوف المناوي (رَحِمَهُ اللهُ):
* قَوْلُهُ: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ) أي: صاحب الحوت، وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى.
* قَوْلُهُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ) أي: إنكَ الذي تَقْدِرُ على حِفْظِ الإنسان حيًا في باطن الحوت ولا قدرة لغيرك على هذه الحالة.
* قَوْلُهُ: (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فيه تصريحٌ بالعجز والانكسار وإظهار الذلة والافتقار إلى الله تَعَالَى.
(فيض القدير ـ عبد الرؤوف المناوي ـ جـ3 ـ صـ526)
فائدة مهمة:
قيل: كيف يُسَمَّى هذا دعاء وليس فيه مِن معنى الدعاء شيء، وإنَّما هو تعظيم لله تَعَالَى، وثناء عليه ؟
قال الإمَامُ القرطبيّ (رَحِمَهُ اللهُ): هذا يُسَمَّى دعاء لوجهين:
إحداهما: كَرَم المثني عليه، فإنه إذا اكتفى بالثناء عَن السؤال، دَلَّ ذلك على سهولة البذل عليه، والمبالغة في كرم الحق.
وثانيهما: أن المثنيَ لما آثَرَ الثناء، الذي هو حق المثني عليه على حق نفسه الذي هو حاجته، بودر إلى قضاء حاجته من غير إحواج إلى إظهار مذلة السؤال؛ مجازاة له على ذلك الإيثار. (المفهم ـ للقرطبي ـ جـ7 ـ صـ57)
(8) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاء.
(حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2684)
* قَوْلُهُ: (أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ) أَيْ: أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
* قَوْلُهُ: (مِنَ الدُّعَاءِ) أَيْ: مِنْ حُسْنِ السُّؤَالِ بِلِسَانِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ الْعَجْزِ وَالِافْتِقَارِ وَالتَّذَلُّلِ وَالِانْكِسَارِ، وَالِاعْتِرَافِ بِقُوَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ1528)
(9) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ فَلْيُكْثِرْ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاء)ِ. (حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2693)
* قَوْلُهُ: (مَنْ سَرَّهُ) أَيْ: أَعْجَبَهُ، وَفَرَّحَ قَلْبَهُ وَجَعَلَهُ مَسْرُورًا. * قَوْلُهُ: (الشَّدَائِدِ): جَمْعُ الشَّدِيدَةِ وَهِيَ الْحَادِثَةُ الشَّاقَّةُ.
* قَوْلُهُ: (فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ) أَيْ: فِي حَالَةِ السِّعَةِ وَالصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ وَالْعَافِيَةِ. (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ1531)
(10) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ.
(حديث حسن) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث 2686)
* قَالَ المباركفوري (رَحِمَهُ اللهُ): لِأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ تَكَبُّرٌ وَاسْتِغْنَاءٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ.
قَالَ الشَّاعِرُ: اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ * وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ. (تحفة الأحوذي بشرح الترمذي ـ المباركفورى ـ جـ9 ـ صـ221)
أقوال السلف في الدعاء
سوف نذكر بعضَ أقول سلفنا الصالح في الدعاء:
(1) قَالَ الخليفةُ الراشدُ، عُمَرُ بْنُ الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِالْوَرَعِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ يَقْبَلُ اللَّهُ الدُّعَاءَ وَالتَّسْبِيحَ.
(جامع العلوم والحكم ـ لابن رجب الحنبلي ـ صـ107)
(2) قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ الَّذِي يَدْعُو بِدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ.
(شعب الإيمان ـ للبيهقي ـ جـ15 ـ صـ 21 ـ رقم: 38300)
(3) قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَكْثِرُوا الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مَنْ أَكْثَرَ قَرْعَ الْبَابِ يُوشَكْ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ.
(شعب الإيمان ـ للبيهقي ـ جـ2 ـ صـ 384 ـ رقم: 1103)
(4) قَالَ الْحَسَنُ البَصرِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر: 60) اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. (الدعاء ـ للطبراني ـ صـ 24 ـ رقم:9)
(5) قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ (رَحِمَهُ اللهُ): مَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ (رَحِمَهُ اللهُ) بِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ(رَحِمَهُ اللهُ)، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُومًا ؟ فَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: ذَاكَ لِدَيْنٍ قَدْ فَدَحَهُ (أصابه)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: افْتَحْ لَهُ فِي الدُّعَاءِ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: لَقَدْ بُورِكَ لِعَبْدٍ فِي حَاجَةٍ أَكْثَرَ فِيهَا دُعَاءَ رَبِّهِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ. (الفرج بعد الشدة ـ لابن أبي الدنيا ـ صـ:39ـ رقم:19)
(6) قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ (رَحِمَهُ اللهُ): لَا تَتْرُكُوا الدُّعَاءَ وَلَا يَمْنَعْكُمْ مِنْهُ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (يَعْنِي مِنَ التَّقْصِيرِ)، فَقَدِ اسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ وَهُوَ شَرُّ الْخَلْقِ. قَالَ: (فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (الأعراف: 14) قَالَ: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (الحجر: 37)
(شعب الإيمان ـ للبيهقي ـ جـ2 ـ صـ 385 ـ رقم: 1107)
(7) قَالَ ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ (رَحِمَهُ اللهُ): كَانَ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَان (رَحِمَهُ اللهُ) وَأَصْحَابٌ لَهُ إِذَا صَلَّوْا الْعَصْرَ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ وَلَمْ يُكَلِّمُوا أَحَدًا وابْتَهَلُوا فِي الدُّعَاءِ. (الزهد ـ لأحمد بن حنبل ـ صـ 305 ـ رقم: 2209)
(8) قَالَ مُحَمَّدَ بْنَ حَامِدٍ (رَحِمَهُ اللهُ): قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ (رَحِمَهُ اللهُ): عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إِلَى اللهِ، وَيُقَرِّبُنِي مِنَ النَّاسِ. فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُكَ إِلَى اللهِ فَمَسْأَلَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهْمِ. (صفة الصفوة ـ لابن الجوزي ـ جـ2 ـ صـ 343)
(9) قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ (رَحِمَهُ اللهُ): أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْإِلْحَاحُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّضَرُّعُ إِلَيْهِ.
(شعب الإيمان ـ للبيهقي ـ جـ2 ـ صـ 364ـ رقم: 1072)
(10) قَالَ حَبِيبٌ، أَبو مُحَمَّدٍ (رَحِمَهُ اللهُ): التِّرْيَاقُ (الدواء) الْمُجَرَّبُ الدُّعَاء. (مجابو الدعوة ـ لابن أبي الدنيا ـ صـ72 ـ رقم: 98)
(11) قَالَ ابنُ بَطَّالٍ (رَحِمَهُ اللهُ): يَنْبَغِي لِلدَّاعِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الدُّعَاءِ وَيَكُونَ عَلَى رَجَاءِ الْإِجَابَةِ وَلَا يَقْنَطَ مِنَ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُ يَدْعُو كَرِيمًا.
(فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ140)
(12) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الحنبلي(رَحِمَهُ اللهُ): نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الدُّعَاءِ، وَفِيهِ مَعَانٍ: الْوُجُودُ وَالْغِنَى وَالسَّمْعُ وَالْكَرَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُدْعَى. (الآداب الشرعية ـ لابن مفلح الحنبلي ـ جـ2 ـ صـ 280)
الدعاء صلة بين المسلمين:
قال اللهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 10)
قال الإمَامُ القرطبي (رَحِمَهُ اللهُ): (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ): يَعْنِي التَّابِعِينَ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(تفسير القرطبي ـ جـ18 ـ صـ 31)
وقال جَلَّ شأنه إخْبَارًَا عَن إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم:41)
وقال سُبْحَانَهُ إخْبَارًَا عَن نُوحٍ عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (نوح:28)
روى مسلمٌ عَنْ صَفْوَانَ بْن عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ (أيْ: زوجته) الدَّرْدَاءُ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟، فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ.(مسلم ـ حديث:2733)
* قَوْلُهُ: (بِظَهْرِ الْغَيْبِ): أيْ فِي غَيْبَةِ الشَّخْصِ الْمَدْعُوِّ لَهُ، وَفِي سِرِّهِ، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَاصِ.
* قَوْلُهُ: (مُسْتَجَابَةٌ): لِخُلُوصِ دُعَائِهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ.
* قَوْلُهُ: (عِنْدَ رَأْسِهِ): أَيِ: عِنْدَ رَأْسِ المسْلِمِ الدَّاعِي.
* قَوْلُهُ: (مَلَكٌ مُوَكَّلٌ) أَيْ: مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالدُّعَاءِ لَهُ عِنْدَ دُعَائِهِ لِأَخِيهِ المسْلِمِ.
* قَوْلُهُ: (آمِينَ): أَي: اسْتَجِبْ لَهُ يَا رَبِّ دُعَاءَهُ لِأَخِيهِ.
(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ 1526)
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأنْ ينفعَ بِهِ طُلاَّبَ العِلْمِ الكِرَامِ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد