بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أثناء خروجي من معرض الكتاب طلبت عبر تطبيق (....) سيارة توصلني للمنزل، فوصل وإذا به شاب كما يقولون عادي - هكذا بدا - ولكن تبيّن أنه غير عادي !
سألني: تقرأ كُتُب ؟ استغربت سؤاله لأني كنت خارجاً من المعرض، فقلت: نعم، فقال: ما شاء الله ! كثير ؟، قلت: نعم، فقال: أما أنا فلا أكاد أقرأ ..
قلت: لماذا ؟ قال: القراءة من الكتب ثقيلة جداً علي أنا إنسان سماعي أحب المواد المسموعة، ولم أكمل في حياتي قراءة كتاب سوى كتاب لا تحزن للقرني..
ثم سألني: الآن مع كثرة قراءتك لهذه الكتب كيف قراءتك للقرآن؟ كيف تجد الفرق ؟ ..
والله يا إخوة وأخوات لما قال هذا الكلام شعرت برعشة عظيمة ..
قلت - وأنا أكاد أتعلثم : أولا يا أخي علي أن أعترف أني مقصر مع كتاب الله ولم أعطه حقه وأما الفرق بينها وبين القرآن فسرٌّ عجيب يتعذر علي وصفه، ثم شرحت له ما فتح الله علي من ذكر الفروق بينها وبين القرآن ..
وأبرزها: أن آحاد الحق وأمثلته الجزئية في كل هذه الكتب أصلها الكلي في القرآن.
أخذ يهز رأسه ..ويبدي إعجابه، ثم قال:
أنا أقرأ القرآن صباح كل يوم ولو تركته لمرضت وخارت قواي ..أقرأ سورة البقرة كل يوم وتأثيرها جبار في نفسي..
وقال: أشهد أن ترك هذه السورة - كما أخبرنا النبي (صلى الله عليه وسلم) - حسرة ! ..هذا بالضبط ما أشعر به لو تركتها ..حقيقةً ..أشعر بحسرة وضياع..
أما أنا فغشيني صمت وسكون ..ولم يقرع قلبي كلام مؤثر وسهل في نفس الوقت مثل هذا منذ زمن بعيد ..ولكن هناك أمر أعجب من هذا لم أخبركم به !!
الأعجب من هذا
أنه لما قال هذا الكلام وهو يقود السيارة كنت في اليوم الأول مع أمي في نفس الموقع تقريباً وهي تقول نفس الكلام = ترك البقرة حسرة
كأن تيار كهرباء سرى في جسدي حين تطابقت مشاعر الأمس مع مشاعر اليوم بهذه الطريقة الغريبة المفاجئة
..فوراً سألت نفسي: ما الرسالة في هذا كله ؟
أضمرتُ هذا لنفسي ولم أفصح للشاب عما يعتمل في داخلي، ذقت حقاً لأول مرة معنى "الحسرة" بالانشغال عن كتاب الله بهذه الكتب البشرية التائهة اللاهثة..
وفي غضون انكفائي على نفسي وانشغالي بأمري كان الشاب إلى جانبي مستمراً في حديثه عن القرآن وسعادته اليومية به وابتهاجه الشديد بتأثيره العجيب ..
حزنت وفرحت
ابتهجت لبهجته وتألمت لنفسي ومن هم مثلي
تداعت إلى ذاكرتي صورة نفسي في ممرات معرض الكتاب ذهاباً وإياباً بين تلك الحشود البشرية مثلي..
وصلتُ المنزل
شكرته بحرارة وصافحني هو بودٍ شديد
حرصت على أخذ رقمه وفرح هو بذلك، وكنت أشد فرحاً منه ربما، وهو لا يعلم إذ يظنني المتفضل عليه !
تعلمت - هكذا أرجو ! - من هذه اللحظة العابرة شديدة التركيز في حياتي دروساً
ليس أقلها أن لله في عباده الحكمة البالغة (هو أعلم بكم) وأن الله لم يجعل طريق التعرف عليه والوصول إليه وعراً شاقاً لمن أراده، كائناً من كان، وأن التولي عن الحق الأعظم إلى ما دونه قرارٌ نتخذه مهما بلغت ثقافتنا..
فكم لله من فرح مغمور وكم لله من شقاء مشهور !
كم لله من ولي مجهول وكم لله من عدو بلغ صيته الآفاق !
اللهم تولّنا وانفعنا بالحق الأعظم..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد