ومضى شهر الصيام

496
4 دقائق
26 رمضان 1442 (08-05-2021)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عساكم من عُوَّادِه

مضى شهرُ الصِّيامِ ، فما أقولُ =

فوا حزني ، وقد أزف الرحيلُ

وأشجاني النَّوى من بعدِ وصلٍ =

به الرحماتُ تترى والقبولُ

فقلبي قد تثنَّى فوقَ شجوٍ =

وعيني باتَ يغشاها الذبولُ

يغادرُ شهرُنا الغالي ربانا =

فتأسى بعدَ بهجتِها الحقولُ

فأنَّتْ أنفُسٌ ، وبكتْ عيونٌ =

أنيسُ هزيعِها الأغلى جميلُ

وهامتْ بعدَ فرحتِها قلوبٌ =

طويلُ وجيبِها الهمُّ الثَّقيلُ

وكانَ لها بشهرِ الصَّومِ عزمٌ =

عن التَّقوى ــ وربِّك ــ لايحولُ

تعانقُ مصحفَ الرحمنِ حبًّـا =

فليس لغيرِه أبدًا ميولُ

وتخضلُّ الجفونُ بدمعِ شوقٍ =

مع الأنوارِ مابرحتْ تسيلُ

ويُرجَى فيه للغفرانِ ربٌّ =

رحيمٌ غافرُ بَـرٌّ جليلُ

يقومُ بليله الأبهى رجالٌ =

على ذكرٍ وتسبيحٍ يطولُ

ففي رمضان قد طابتْ أيادٍ =

بها الإيثارُ والجودُ الجزيلُ

وماست جنَّةُ الفردوسِ فيه =

فليس لفضلِه الأسمى قُفولُ

وأشرق نورُه في كلِّ قلبٍ =

دعاهُ لنهجِ سُنَّتِه الرسولُ

*** ***

وربِّك إنَّه شهرُ التَّسامي =

فليس له بأشهرِنا مثيلُ

ففيه تنزَّلَ القرآنُ بشرى =

وفي آياتِه اتَّصحَ السَّبيلُ

ومكَّةُ أشرقتْ فيه بفتحٍ =

وزالَ الكفرُ ساعدُه كليلُ

فإمَّا كان للمجدِ ابتهاجٌ =

ففي رمضانَ تبتهجُ الفصولُ

وفي ميدانِه القدسيِّ نحدو =

ففي عزٍّ وفي فخرٍ نصولُ

وللتاريخِ أيَّامٌ ، ولكنْ =

لشهرِ الصومِ أيَّامٌ عُدولُ

فبينَ العدوتين بيوم بدرٍ =

ملائكةٌ لنصرتِنا تجولُ

وفي حطين للصلبانِ ذلٌّ =

بشهرِ الصَّومِ صاحبُها ذليلُ

وفي جالوت قد هُزمَ الأعادي =

بشهرِ الصَّبرِ إذْ ثار الذُّحولُ

وطارقُ ، والصيامُ له عتادٌ =

وكان به لأندلسٍ دخولُ

يقيني أنَّ في رمضانَ فتحًا =

لو استهدتْ بمطلعِه العقولُ

سلوا قومًا كرامًا حيثُ كانت= ===

مراشفُهم لها الذكرُ الجميلُ

فبالقرآنِ ليلُ المرءِ يحلو =

وبالتسبيحِ يحضنُه المَقيلُ

عوى ( تيريهُمُ ) وعوت كلابٌ =

بدنيانا وجاستْها عجولُ

وكم ( تيري ) رأينا ليس يخفَى =

وليس لشرِّهم أبدا أُفولُ ( 1)

هجرْنا ــ ويح أمتنا ــ جهادًا =

ولمَّـا يأتِ للهيجا الفحولُ

فأغراهم تخاذلُنا علينا =

وحضَّهُمُ التَّرهُلُ والخمولُ

سحابةُ يومِنا لهوٌ وغيٌّ =

فلم يُطرف مسامعنا الصَّهيلُ (2)

وأيدينا من الإفلاسِ عُطلٌ =

فلا السَّيفُ الصَّقيلُ ولا النُّصولُ

بشهرِ الصَّومِ قد نلنا الأماني =

وإنَّ اللهَ بارئنا كفيلُ

سيُهزمُ جمعُهم مهما تمادوا =

فجندُ الظلمِ ــ إن عُدُّوا ــ قليلُ

وفي رمضان للفرسانِ ذكرى =

وظلٌّ في مدارجِه ظليلُ

يصومُ المتَّقون على أُصولٍ =

ولا يُرضَى إذا غابتْ أصولُ

ويرجون القبولَ فليس فيهم =

إذا ناداهُمُ رجلٌ مَلولُ

فحظُّ المقبلين عليه ثـرٌّ =

وحظُّ النائمين به قليلُ

*** ***

فأين ؟ وتحرقُ الآهاتُ نفسي =

محيَّاهُ المقدَّسُ والسَّبيلُ ؟

أضيَّعه العبادُ بزيفِ بلهوٍ =

وغرَّهُمُ التشاغُلُ والميولُ ؟

نسائمُ من رحابِ الغيبِ هلَّتْ =

على الدنيا وجافاها قفولُ !!

أيا رمضانُ قدرُك عند قومٍ =

بلا قدْرٍ لأنفسِهم ضئيلُ

وأنتَ حبيبُ أفئدةٍ تسامتْ =

وأنتَ لكلِّ مشتاقٍ خليلُ

وأنت لنا سحائبُ من رشادٍ =

إذا استسقتْكَ للبشرى فصولُ

فأنتَ لأُمَّتي عنوانُ جودٍ=

> تأخَّرَ عن مناهله الكليلُ

لياليهم مع القنواتِ ثملى =

فبئسَ الليلُ ليلُهُمُ البديلُ !!

فعندَ مسلسلِ الإثمِ الموشَّى =

بحُمَّى الفسقِ لهفتُهم تطولُ

وموسيقا ترنُّ بكلِّ أُذنٍ =

برأسٍ داؤُه داءٌ وبيلُ

وفيها من فوازير المخازي =

وممَّـا أفرزَ الطرفُ الكحيلُ

تسوِّقُها الحداثةُ في فنونٍ =

لها فيهم لخستها ذيولُ

وجئتَ وأمتي في عصر حقدٍ =

على نهجِ الشريعةِ لايزولُ

وهذي القدسُ تجأرُ ملءَ فيها =

وسامعُ صوتِها العالي قليلُ !!

تنادي أُمَّةَ القرآنِ لكنْ =

يجيبُ نداءَها بالهزلِ جيلُ

تربَّى في المقاهي والملاهي =

وغذَّتْهُ الملاعبُ والطبولُ

فنهجُ الحقِّ في يده قبيحٌ =

وزورُ الباطلِ الأدنى جميلُ

ويلقى الفاسقُ الغاوي قبولا =

ووجهُ الخيرِ ليس له قبولُ

حنانك شهرنا الغالي أتمضي =

أرابَك أنَّ أمَّتَنا ثَكولُ(3)

وأنَّ المؤمنَ الأتقى يُجازَى =

بشرٍّ لايحولُ ولا يزولُ

وإنْ نادى فتخنقه قيودٌ =

لها في الحقدِ والإرهابِ طولُ

أتسمعُ صوتَ مكلومٍ بليلٍ =

يرددُه الأسيرُ أو القتيلُ ؟!

*** ***

مضى شهرُ الصيامِ فما أنبنا =

وقولٌ ــ ليس تألفُه ــ فضولُ

ولكنَّا نرى رمضانَ فخرًا =

يجافيه المعاندُ والكسولُ

ويكرهُ وجهَه الميمونَ غاوٍ =

ويرضى طمسَ غُرَّتِه العميلُ

فينشئُ للمذلةِ كلَّ فنٍّ =

تلقفَه شبابٌ أو كهولُ

ومَن أغراهُ بالشَّهواتِ فنٌّ =

وعافَ فخارَه فهو الذليلُ

لقد نزلتْ بأمتنا خطوبٌ =

وعاثَ بعزَِّها هذا الخمولُ

فهلاَّ أيقظتْ كفَّاكَ روحًا =

لتخضرَّ المرابعُ والسهولُ

وينبتُ في حمى الإسلامِ جيلٌ =

له من نورِ مصحفِه دليلُ

فيومئذٍ يعودُ الصَّومُ يؤتي =

ثمارَ سُمُوِّه ، ولنا يُنيلُ

فهل للمسلمين حِجى ادِّكارٍ =

ليُكشفَ عنهُمُ الليلُ الثَّقيلُ !!

فبالإسلامِ عزُّهُمُ يُرجَّى =

ونصرُهُمُ المرجَّى والقبولُ

وإنْ راموا بغيرِ الدين فتحًــا =

فذلك مستحيلٌ ... مستحيلُ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

هوامش:

(1) تيري : القس الأمريكي الخبيث الذي أراد أن يحرق نسخا من القرآن الكريم

(2) يُطـرف : يُهدي ، يُتحف

(3) ثكول : المرأة فقدت أولادها ، وهنا المراد : فقْـد الأمة لفرسانها الأوفياء


مقالات ذات صلة


أضف تعليق