بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال الله تعالى: * الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ *
في قوله تعالى﴿ الم ﴾اختلف العلماء في سائر حروف الهجاء في أوائل بعض سور القرآن مثل (المص، الر، المر، كهيعص، طه، طسم، طس، يس، ص، ق، حم، عسق، ن) فقال قوم: لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله. وقال القرطبي في تفسيره: هي مما استأثر الله بعلمه فرَدُّوا علمها إلـى الله ولم يفسروها﴿ذَ ٰلِكَ ٱلكِتَـٰبُ لَا رَیبَ فِیهِ﴾ذلك: اسم إشارة يفيد التعظيم والإجلال لكتاب الله تعالى وكلامه وأن هذا القرآن كتاب عظيم لا شَكَّ ولا ريب أنه من عند الله، فلا يصحُّ أن يرتاب فيه أحدٌ لوضوحه لا من جهة تنزيله، ولا من جهة لفظه وحروفه ومعناه، فهو كلام الله، يهدي المتقين إلى الطريق الموصل إلى الله. ولن تجد كتابا على وجه الأرض تلاوته تشرح الصدور وتغفر الذنوب وترفع الدرجات مثل كتاب الله تعالى كل آية منه يستشفى بها قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) وكل كتاب يعتريه النقص والاختلاف إلا كتاب الله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ولن تجد كتابا قامت به حياة الناس على الرحمة والحب والألفة والمنافع والمصالح والحقوق والصلة والترابط المجتمعي مثل كتاب الله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) وأي كتاب أشفى للقلوب منه به تطمئن القلوب وتسكن النفوس وتنشرح الصدور والله تعالى يقول: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (
وهو كلام الله منزل غير مخلوق نزل به الروح الأمين والقوي الشديد (جبريل عليه الصلاة والسلام) تلقاه وسمعه من الله مباشرة وألقاه وتلاه على قلب النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة قال تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) وكلام الله: من الله بدأ وإليه يعود ومعنى (منه بدأ وإليه يعود) أي: من الله بدأ هو الذي تكلم به لفظا وصوتا وحروفا ومعاني وإليه يعود أي: في آخر الزمان. فالله جل وعلا يوم القيامة يقبض القرآن من الصدور والسطور يقبضه من الصدور بقبض الحفظة، ومن السطور من المصاحف، فلا يبقى على وجه الأرض مصحف فيه ذكر الله جل وعلا، بل لا يبقى واحد يقول: الله الله كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولن تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وكلام الله تعالى موجود في اللوح المحفوظ بألفاظه وحروفه ومعانيه، كما قال سبحانه: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (.
﴿ هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ ﴾
الهداية هي سلوك الطريق الموصل إلى رضا رب العالمين باتباع شرعه واجتناب نهيه وثمرته نجاة العبد من الشر وإدراكه للخير، والتقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية فلا ترتكب ما حرمه الله عليك ولا تتوانى فيما فرضه وأوجبه الله عليك. وفي كتاب الله تعالى يتجلى لنا نعم الله تعالى فيما وهبه للمتقين:
أولا : الهداية كما في هذه الآية (هُدًى لِّلْمُتَّقِين)
ثانيا: النصرة والمعية ﴿إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ﴾
ثالثا : الولاية ﴿وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ﴾
رابعا: المحبة ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ﴾
خامسا: المغفرة ﴿إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾
سادسا : تفريج الكروب والهموم وبسط الرزق ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾
سابعا : تيسير الأمور ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾
ثامنا: غفران الذنوب ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ ثامنا: تقبل الأعمال ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ﴾
تاسعا: الفلاح في الدنيا والآخرة ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
عاشرا: البشارة في الدنيا والآخرة ﴿لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ ثم النجاة من النار ﴿ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ﴾ ودخول الجنة ﴿إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ﴾
تعريفات السلف للتقوى : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: التقوى : هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل وقال ابن مسعود رضي الله عنه التقوى: هي أن يُطاع الله فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر وقال طلق بن حبيب التقوى هي: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله
وقال أبو هريرة رضي الله عنه هل مشيتَ على طريق فيه شوك؟ قال: نعم، قال: فماذا صنعتَ؟ قال: كنتُ إذا رأيت الشوك اتقيته، قال: ذاك التقوى .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد