بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عند النظر في أشد البلاء الذي لحق بعقائد المسلمين –وهو انتشار مذهب الجهم أيامه الأولى– ما تكاد تجد في كتب السلف عالِمةً أو زوجة إمامٍ روت شيئا في الرد على الجهمية. ومع وجود العالمات حقا، كان استشعار الكفاية كفيلا باشتغالهن بغير ذلك مما ينفع، فهل كانت العالمات تنتصب للرد على أهل الخطأ من الرجال؟ كلا. بل لا أعرف –مما أُثِرَ– سوى رد زوجة مكي على زوجة جهم لما دخلت عليها لتلقي لها شبهة عن الاستواء.
قال مكي بن ابراهيم: دخلت زوجة جهم على زوجتي فقالت: يا أم إبراهيم، هذا زوجك الذي يتحدث عن العرش، من نجّره؟ قالت: نجره الذي نجّر أسنانكِ، قال: وكانت –زوجة جهم– بادية الأسنان.
فأنظر أين تقرأ عن خشونة العالِمات، وقد كان ممكنا أن تقول زوجة مكي أو غيرها أشد من ذلك في جهم وفي غيره من الرجال الخاطئين. بل حتى زوجة جهم ما خاطبت مكي، ولكن دخلت على زوجته. ذلك لأنه يوجد نظام.
إن كل ما قد يقع فيه الرجل من ظلم للزوجة، أو مدافع عنه، قد أبان أنه ظلم ورد عليه وشدد فيه وحرص على عقوبة فاعله العلماءُ الفقهاء، وكتبهم في الفقه لا تعد كثرة في شرح ذلك وبيانه في شتى المسائل المختلفة. بل قد يوبخ بعض الفقهاءِ الرجالَ الذين يأتون بظلم في حق زوجاتهم. والامثلة ليس هذا مقامها.
فليس من الصواب أن تتصور النساء التي قد يطلق عليها وصف "طالبات العلم" زعمًا، أنهن يفعلن حسنًا بإعادة صياغة بعض تلك المسائل الفقهية، فيخاطبن عموم الرجال الذين قد يقع منهم ظلم بصيغة أدبية غايتها تعظيم النكير، باستعمال ذات الخطاب النسوي في مسألة قد تكون صائبة.
فمثلًا، عوض نقل المسألة الفقهية في عدم جواز أخذ الزوج لمال زوجته بغير رضاها، تأتي أكثر الأدبيات على نحو: "لا تكوني حمقاء فتسمحي لهذا الزوج الجشع الظالم بأن يشاطرك مالك الخاص، بل تصدي له، ودافعي عن حقك الشرعي، فلستِ لعبة بيده أو بهيمة".
القارئة لمثل هذا الكلام الصادر عن امرأة تدعي رأيًا وتوجِّه الفتيات والنساء –وبما أنه تجريدٌ لا يتوجه لمعيّن وإنما هو كلام عام– لا بد أن يسحبه ذهن المتلقيّات إلى حيِّز التمادي، وتكوين عقلية المرأة ذات الطراز الموازي لصاحبة عضلة القوة في الساعِد، التي نطلق عليها وصف "العنيدة"، التي تقول "اضحك على غيري، تَهَبُنِي حقوقي ويدك فوق رأسك"، المرأة التي بدت تتعلم أساليب إثبات النفس بغير المنطق المعروف لدى التقيات والإناث، فتَستقبح النصائح التي يأتي فيها أخذ فؤاد الزوج باللين واللطف والكلام الذي يَنشرح به الصدر، على أن الكيلَ قد طفح –قبل الزواج حتى–، وتصيرُ كلمة أدبية تقول أن أقرب طريق لإخضاع الزوج إنما هي الخضوع له؛ مقالة تضحك على العقول التي ما جاءها التنوير. التنوير الذي يلفق النفسية النسوية في التخاطب وهو يدعي نصرة مسائل الحق.
ولن تجد هذا النوع من الخطاب الفاسِد إلا لدى من تشتغل بشغل من لا شغل لها؛ المتصدرات للتنظير الرادِّ على النسوية قبل شم رائحة الفقه وعلوم الشريعة، فضلا عن الغوص في دقائقها، حتى صار انتصارها لمسائِل الصواب ضد الخطأ الذي يقع فيه الرجال؛ يؤتى به على قالَب الأدبيات النسوية، وذلك ما يسمى لدى العقلاء ب ”التأثر“. وهذا سبيل من أدمن النظر في الباطل من غير ربعه في الحق وتأصيله.
إن الحقيقة الشرعية في هذه الموضوعات، ما كان سبيلها أن تتصدر فتاة هنا وهناك لتمليَ على عموم الرجال واجيتهم، ومعايير فحولتهم ورجولتهم، بنبرةِ التعالُم والتوبيخ. وليس أحرص على حق امرأة –دق أو جل– امرأة تنشط بحماس رافعة شعار المظلومية كيفما اتفق، وإنما هم أهل العلم وأئمة الفقه ممن رزقهم الله الرسوخ، وانتصبوا بحق للإفتاء، يزِنونَ كل حرف يصدر عنهم، ويستعيذ كل منهم من أن يزِلَّ أو يُزِل أو يظِلَ أو يُظِل.
إن الرجال، لا يشعرون وهم يقرؤون كلماتِ أمثال هؤلاء اللاتي يكتبن بتعجرف، إلا بالقرفِ، إننا نتصور امرأة تكتب في توبيخ سلوكيات بعض الأعيان –بألفاظ خشنة– امرأة ذات فضائلَ ذكورية على حسابِ أنوثتها واستحيائها وحِشمتها ورِقَّتِها، امرأة لا ترى استشكالا في تطاير البزاق من فمها وهي تمارس التنوير لعقول النساء ضد ما قد يقترفه بعض الرجال. امرأة فوضوية، لا تعترف بنظام.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد