عظماء على فراش الموت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عباد الله أتحدث معكم اليوم عن حقيقة عظيمة، من حقائق الإيمان، من انكرها كفر وأصلاه الله سقر، حقيقة عظيمة أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة ذكرها، ومع هذا غفلنا عنها ولا نحب الحديث عنها، إنها حقيقة الموت، الموت وما أدراكم ما الموت أمر كُبار وكأس يدار على الصغار والكبار، فيمن اقام وسار، يأخذ بصاحبه إما إلى الجنة أو إلى النار، ما زال لأهل اللذات مكدرا ولأصحاب العقول مغيرًا ومحيرا، ولارباب القلوب عن المعاصي زاجرا، الموت وما أدراكم ما الموت يأخذ الصغير والكبير والذكر والأنثى والعالم والجاهل والرئيس والمرؤوس، ﴿ كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَإِنَّما تُوَفَّونَ أُجورَكُم يَومَ القِيامَةِ فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ ﴾ [3:185] - آل عمران

 

كل حي سيفنى كل جديد سيبلى كل شئ سينتهي، هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربٌ متى حطى ذا عن نعشه ذاك يركبٌ نأمل أملًا ونبغي نتائجها وعلَ الردى عما نرجيه أقربٌ  إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندبٌ

 كل ابن أُنثى وإن طالت سلامته يومًا على آلةٍ حدباء محمولٌ

 

ما بين لحظة ما هي إلا لحظة واحدة يغير الله من حال إلى حال ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال فاذا بالروح قد فاضت إلى بارئها وإلى خالقها فاذا العبد في عداد الاموات

يا اسير الشهوات يا الشهوات مضى العمر وفات وانت في لهو وسبات إنه الموت مهما طال العمر او قصر فان الموت أتٍ ﴿ قُل إِنَّ المَوتَ الَّذي تَفِرّونَ مِنهُ فَإِنَّهُ مُلاقيكُم ثُمَّ تُرَدّونَ إِلى عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم تَعمَلونَ ﴾ [62:8] - الجمعة.

إنه ملاقيكم أينما كنتم في اليمين أو في الشمال في العلو أو السُفل

﴿ أَينَما تَكونوا يُدرِككُمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم في بُروجٍ مُشَيَّدَة﴾ [4:78] - النساء.

تزود من الدنيا فانك لا تدري 

إذا جن ليل هل تعيش الى الفجرِ

 فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهرِ

وكم من صغار يرتجى طول عمرهم

 وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبرِ

 وكم من عروس زينوها لعرسها

وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري

 

 الموت وما أدراكم ما الموت كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يقول كل يوم يقولون فلان مات وفلان مات وسيأتي يوم ويقولون ابن الخطاب مات وصدق رحمه الله،

وقال عمر بن عبدالعزيز لعالم عظني قال يا أمير المؤمنين لست أول خليفة يموت، قال زدني قال ما من أحد من أبائك من لدن أدم إلا وقد مات وسيأتي دورك ياعمر فبكى واشتد بكائه حتى خر مغشيا عليه

 

أيها المؤمنون أيها الاخيار والصالحون الانسان في ساعة الموت وفي ساعة الاحتضار ينطق بالصواب ويتكلم بالصدق وتنكشف له الامور وتنجلي له الحقائق ﴿فَكَشَفنا عَنكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَديدٌ ﴾ [50:22] - ق

فلا مجال في هذه الساعة للكذب والبهتان فتعالوا بنا في هذه الساعة من الزمان نجلس مع بعض العظماء على فراش الموت لننظر إلى أحوالهم وإلى أقوالهم ولنأخذ العبرة والدروس لعلنا نرجع ونتوب، إلى الله علام الغيوب، ولنبدأ برسول الله خير خلق الله وأفضل أنبياء الله سيد الأنبياء وإمام الأتقياء وقدوة الأصفياء،

 عانى صلى الله عليه وسلم من سكرات الموت، تعالوا نجلس مع رسول الله على فراش الموت،

روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته جلس يعاني المرض فلما اشتد به المرض أراد ان يخرج إلى الناس فما استطاع،

فقال أصلى الناس، قالوا لا، وهم ينتظرونك يا نبي الله فقال اجمعوا لي سبع قرب من سبع أبار شتى فجمعوا له سبع قرب من سبع أبارٍ شتى ثم صبوا عليه من الماء فلما شعر بخفة في جسده قال حسبكم ثم. قام عليه الصلاة والسلام يمشي خطوات بطيئة إلى المسجد فاذا به يسقط على رأسه صلوات الله وسلامه عليه فلما أفاق قال أصلى الناس، قالوا لا وهم ينتظرونك، فقال صبوا علي من الماء فصبوا عليه الماء مرة أخرى فشعر بخفة فخرج الى المسجد فسقط على وجه الأولى والثانية والثالثة عدة مرات،

فلما علم أنه لن يستطيع الخروج اليوم قال مروا ابا بكر فليصلي بالناس وقعد صلى الله عليه وسلم على فراش الموت يعاني السكرات،

 يدخل عليه ابن مسعود ويقول يا نبي الله انك لتوعك وعكا شديدا قال اجل يا ابن مسعود انا كذلك يضاعف لنا البلاء ويضاعف لنا الاجر تأتي اليه ابنته فاطمة وكان صلى الله عليه سلم يحبها حبًا شديدا فلم يبق من أبنائه إلا فاطمة كان عليه الصلاة والسلام اذا اقبلت اليه فاطمة قام اليها وقد بلغ بين عينيها واجلسها في مكانه اما اليوم فرآها صلى الله عليه سلم وجعل يحد النظر فيها فاراد ان يقوم فما استطاع عليه الصلاة والسلام فجاءت فاطمة فاكبت عليه تقبله فقال لها فصارها بشيء في اذنها فبكت ثم صار لها الثانية فضحكت رضي الله عنها وارضاها قالت عائشة والله ما اكره شدة الموت لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد مات بين حاقنتي وباهنتي وقالت عائشة كما في البخاري كان صلى الله عليه وسلم اشتد به الكرب ادخل يديه في ركوة من ماء وقال لا اله الا الله إن للموت لسكرات لا اله الا الله إن للموت لسكرات وفي يوم الاثنين في أخر ايامه واخر يوم من الدنيا قال أنس بينما الناس في صلاة الفجر سمع صلى الله عليه وسلم ابو بكر وهو يصلي بالناس فاراد ان يخرج فما استطاع فكشف الستارة من حجرة عائشة ثم جعل ينظر الى الناس وهم الصلاة قال أنس وكاد المسلمون ان يفتتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله وظنوا انه قد تعافى لكنها كانت النظرة الاخيرة لاصحابه واراد ابو بكر ان يتأخر فقال صلى الله عليه وسلم مكانك يا ابا بكر ثم رجع يعاني السكرات تدخل عليه فاطمة والنزع يشتد به والالم يشتد به فتبكي وتقول وا كرب أبتاه كرب أبتاه فيقول صلى الله عليه وسلم سلم يا فاطمة ليس على أبيك كرب بعد اليوم.

 

ومع عظيم أخر على فراش الموت إنه أبو بكر الصديق خليفة رسول الله وافضل هذه الامة بعد نبيها باجماع الامة،

يجلس رضي الله عنه على فراش الموت بعد أن قضى أيامه الحافلة بالعلم والتعليم والجهاد والتبيين يجلس على فراش الموت فيدخل عليه أصحابه فيقولون يا خليفة رسول الله الا ندعوا لك طبيبا فيقول إن الطبيب قد نظر إليَ قالوا وما قال لك، قال قال لي اني فعال لما أريد

إنه الله عز وجل وتدخل عليه ابنته عائشة وهو يتألم من الموت فتبكي وتقول وتقول رضي الله عنها وقد تمثلت بهذا البيت

ما يغني الثرىُ عن الفتى إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدرُ

فقال لا يا بنية ولكن قولي كما قال الله ﴿ وَجاءَت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذلِكَ ما كُنتَ مِنهُ تَحيدُ ﴾ [50:19] - ق

ثم قال انظروا إلى ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني بهما فان الحي أحوج الى الجديد من الميت ثم تشهد ومات رضي الله عنه.

 

ومع عظيم أخر على فراش الموت إنه الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حج إلى البيت الحرام فلما رجع من الحج وقف في طريق بين مكة والمدينة واختفى عن الأنظار ورفع يديه وقال اللهم يا رب قد كبرت سني وضعفت قوتي  وكثرت رعيتي وأخاف التقصير اللهم إني اسألك شهادة في سبلك وموتًا في بلد نبيك٠

يقول ابن الزبير ما اصابني حزن منذ اجتمع عقلي مثل حزني على عمر بن الخطاب يوم طعن مثل حزني على عمر بن الخطاب يوم طعن صلى بنا الظهر والعصر والعشاء فلما كان الفجر صلى بنا رجل أنكرنا تكبيرة فلما انصرفنا اذا به عبد الرحمن بن عوف فقيل طعن أمير المؤمنين وهو في دمائه لم يقم بعد

فقالوا انكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة فاقتربوا من أذنه وقالوا الصلاة الصلاة يا امير المؤمنين فقال ها ها لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ثم قام ليصلي فانبعث جرحه دما رضي الله عنه فحمله الناس الى البيت،

فلما وصل البيت سقوه اللبن كما في البخاري فلما شرب اللبن خرج اللبن من جرحه فعلموا انه ميت لا محالة فنظر الى الناس وقال ايها الناس أكان هذا على ملأ منكم فقال علي بن ابي طالب لا يا أمير المؤمنين لا ندري من الطاعن من خلق الله انفسنا تفدي نفسك ودماؤنا تفدي دمك فنظر الى ابن عباس وقال أخرج الى الناس ما بالهم واصدقني الحديث فذهب ابن عباس ثم جاء فقال يا أمير المؤمنين تَهْنَكَ الجنة طعنك عبد المغيرة ابن شعبة طعنك عبد المغيرة ابن شعبة والله ما رأيت عينا من خلق الله الا وهي تبكي عليك يا أمير المؤمنين تَهْنَكَ الجنة يا عمر فقال يا ابن عباس غر بهذا غيري المغرور من غررتموه

 

فقال ابن عباس تَهْنَكَ الجنة يا أمير المؤمنين ولما لا وإن كان اسلامك لعزا وهجرتك لفتحا وولايتك لعدلا ولقد قتلت مظلوما.

فقال أتشهد بهذا عند الله يا ابن عباس فكأنه تلكأ فقال علي نعم نشهد بذلك عند الله يا عمر نشهد بذلك عند الله يا عمر فنظر إلى ابنه عبدالله وكان رأسه على فخذ ابنه عبد الله فقال يا بني ضع خدي على الأرض ضع خدي على الارض قال عبدالله فظننت إنه اختلاس من عقله فلم افعل فقال ضع خدي على الارض لا أُم لك فعلمت أنه بعقله قال فوضعت خده على الارض فاذا به يبكي بكاء مريرا حتى رأيت أطراف لحيته تخرج من الثرى وهو يبكي قال فاصغيت بأذني ما يقول فاذا به يقول والله لو أن لي مثل طلائع الأرض ذهبا لافتديت به قبل أن القى الله أتمنى أن ألقى الله كفافًا لا لي ولا عليك ثم قال ويلي وويل أمي إن لم يغفر لي ربي ويرحمني.

 من الذي يقول هذا يا رجال، انه الفاروق عمر فيا ويلنا وويل امهاتنا ان لم يغفر الله ويتجاوز عنا اقول ما واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد ومع عظيم أخر على فراش الموت إنه معاذ ابن جبل إمام العلماء يوم القيامة لما جاءته السكرات قال لأصحابه  هل قد أصبحت،  قالوا لا، فلما جاء الصباح قالوا له قد أصبحت يا معاذ فقال أعوذ بالله من ليلة صبيحتها إلى النار ثم قال مرحبًا بالموت حبيب جاء على فاقة ثم بكى واشتد بكاؤه فقال أما أني والله لا أبكي على غرس الأشجار، ولا على جري الأنهار، وإنما أبكي على ظمأ الهواجر ومكابدة السحر ومكابدة السحر ومزاحمة العلماء على الركب، ثم تشهد وفاضت روحه إلى الله ٠

 

ومع عظيم أخر على فراش الموت إنه ملك الإسلام، معاوية بن ابي سفيان، كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزل به الموت قال لجسائه أجلسوني فاجلسوه فجعل يبكي بكاء شديدا ويذكر الله ثم قال يا معاوية الآن تذكر ربك بعد الإنحطام والإنهدام أما كان هذا في زمن الشباب ثم اشتد بكاؤه وجعل يقول اللهم ارحم الشيخ العاصي، ذا القلب القاصي، اللهم إني كنت أخافك، واليوم ارجوك، اللهم لا غنى لي عن رحمتك طرفة عين، ثم تشهد وفاض روحه إلى الله سبحانه وتعالى٠

 

ومع عظيم أخر على فراش الموت إنه الامام الشافعي دخل عليه المزني وهو في مرض موته فقال يا ابا عبدالله كيف تجدك ? فقال أجدني عن الدنيا راحلا، وللاخوان مفارقا، ولكأس المنية شاربا، ولعملي ملاقيا،

 

ومع عظيم أخر على فراش الموت الخليفة المأمون لما نزلت به السكرات واحس بالموت كان على السرير قال لجلسائه أنزلوني على الأرض فلما أنزلوه على الأرض جعل يمرع خده بالتراب ويقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه٠

 

فيا أيها المسلمون عباد الله هذه بعض المواقف لبعض العظماء على فراش الموت فما أحوجنا عباد الله أن نستعد للموت

كل ابن انثى وان طالت سلامته يوما على ألالة حدباء محمولٌ

 القبر باب وكل الناس داخله ليت شعري بعد الموت ماالدار

الدار دار نعيم ان عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار

فالموت عبادالله سيأتي على كل أحد وسيأتي على كل حي على كل ذكر على كل أنثى على كل رئيس على كل مرأوس على كل فقير على كل غني ولكن ماذا بعد الموت إن عملنا الأعمال الصالحة فإن الجزاء الجنة وإن عملنا السيئات فإن الجزاء النار ﴿فَمَن زُحزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدخِلَ الجَنَّةَ فَقَد فَاز ﴾ [3:185] - آل عمران.

 

فيأيها المسلمون هذه اللحظه المحتومه وهذا المصير المحتوم لا بدا إنه سيأتي على كل أحد منا فهل أعددنا لذاك اليوم جوابا، وللجواب صوابا، فإن العاقل من اتعظ بغيره والغافل من كان عظة وعبرة لغيره

 

اللهم اعز الاسلام والمسلمين وانصر الاسلام والمسلمين ودمر أعداءك أعداء الدين اللهم دمر أعداءك أعداء الدين اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين اللهم عليك باليهود والنصارى المعتدين اللهم عليك بهم اللهم احصهم عددا وقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا

 *﴿رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ﴾ [2:201] - البقرة*.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply