كنوز نبوية 11


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

** روى البخاري عن أَبي بُرْدَةَ [اسمه عامر] بْن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ [ابن عمر بن الخطاب]: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي [عمر] لِأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لِأَبِيكَ: "يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلاَمُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا [ثبت ودام وسلم]، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ، كَفَافًا [ما لا فضل فيه ولا تقصير] رَأْسًا بِرَأْسٍ؟ [لا لنا ولا علينا] .. قاله عمر -رضي الله عنه- هضمًا لنفسه أو لما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير في كل خير يعمله

فَقَالَ أَبِي: لاَ وَاللَّهِ، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ، [أي ثواب ما عملناه]

فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا، وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي "[أي أفقه منه] لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء

وفي الحديث:

- مفارق الفهوم نتاج اختلاف المدارك

- رؤية العواقب معين لفهم الحقائق

- قليل من يقين محقق خير من كثير مظنون

- حدث واحد مع المعصوم أنجى وأكرم من حياة كاملة من دونه

- ثبات حال وقلب مع قلة عمل خير من تقلبهما مع كثرته

 

** روى أحمد عن إِبْرَاهِيم بْنُ سَعْدٍ عن أبيه، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى جَنْبِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَرَّ شَيْخٌ جَمِيلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، وَفِى أُذُنَيْهِ صَمَمٌ، أَوْ قَالَ: وَقْرٌ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ حُمَيْدٌ فَلَمَّا أَقْبَلَ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَوْسِعْ لَهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدٌ: هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثْتَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الشَّيْخُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ السَّحَابَ فَيَنْطِقُ أَحْسَنَ الْمَنْطِقِ، وَيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ).

قال الطحاوي في مشكل الآثار:

فتأملنا هذا الحديث فوجدنا ما فيه موجودا في كلام العرب فمنه ما ذكره الفراء: قال تقول العرب: يوم ضاحك «مصح»، وسحاب ناطق «هاطل »

قال الفراء وسمعت أبا ثروان يقول: شتونا بأرض سهل عبورها كثير حبورها ناطق سحابها ضاحك جناتها .. فأخبر عن هذه الأشياء بأفعال الآدميين لثبوت المعرفة على ما قصد له، بوصف السحاب بالنطق يريد «غزارة مائه» ووصف الجنات بالضحك «لخروج زهره وكبير مرعاه »

قال وفي أمثالهم: نطق الشيب في رأسه وضحك الشيب كذلك أيضا «إذا ظهر»، وكذلك مال الجدار واحترق الثوب كل هذا معقول في المعنى.

فخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقومه من العربية ذروتها وسنامها الذين خاطبهم بذلك، وهم عرب بما يفهمونه عنه ويعقلونه من مراده لأن الله إنما أرسله إليهم بلسانهم ليبين لهم كما قال عز وجل:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم:4] فخاطبهم بلسانهم لعلمه بفهمهم عنه ما خاطبهم به والله نسأله التوفيق

وقال موسى بن عبيدة، عن سعد بن إبراهيم قال: يبعث الله الغيث، فلا أحسن منه مضحكا، ولا آنس منه منطقا، فضحكه البرق، ومنطقه الرعد

وفسره إبراهيم بن سعد الراوي وابن كثير بأن: نطق السحاب الرعد وضحكه البرق

 

** روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَأْسِي ضُرِبَ، فَرَأَيْتُهُ يَتَدَهْدَهُ [يتدحرج ويضطرب]، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: (يَطْرُقُ أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ [يجيئه ليلاً]، فَيُهَوَّلُ لَهُ، ثُمَّ يَغْدُو يُخْبِرُ النَّاسَ) [قاله على قصد الإِنكار بالإخبار بمثله، وأنه لا ينبغي له الِإخبار، وإنما ينبغي له السكوت والِإعراض عنه]

وفي رواية عند مسلم وسنن ابن ماجه واللفظ له: أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس).

وفيه من الفوائد:

لا يترك الشيطان المسلم في يقظته ولا في منامه، عمله ديمة معه لينال منه، فلا يكن عملك في نجاة نفسك وصده عنك أقل منه.

- الإتيان إلى النبي ومن ورائه من ورثته منهج صحيح في المعرفة وطلب السلامة

- المنهج النبوي في التعامل مع الخائف والمفزع (الاستماع- عدم الاستخفاف والتقليل- التبسم- البيان والإجابة- وضع الشيء في مقداره- التخفيف- الطريقة العملية في النجاة)

- والرؤيا لأول عابر يعبرها .. قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك رَجل رفع رِجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما) [رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي]

- في صحيح مسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس).

- وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرؤيا الصالحة من الله، والرؤيا السوء من الشيطان، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئاً فلينفث عن يساره ثلاثاً، وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره، ولا يخبر بها أحداً، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر بها ولا يخبر إلا من يحب) [متفق عليه].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply