بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مدينة (أُوْرْفا ـ Şanlıurfa)، واسمُها القديم: (الرُّها)، وتُسمّى أيضًا: (مدينةَ الأنبياء).
هذه المدينةُ فُتِحتْ صُلحًا في خلافة سيدنا عمرَ بنِ الخطابِ عامَ: (17هـ).
وذلك بقيادة الصحابيِّ المِقدام الجَواد عِياضِ بنِ غَنْمٍ القرشيِّ، وهو بدريٌّ مِن المهاجرينَ الأوَّلين، وكان معه جمعٌ مِن الصحابة رضي الله عنهم، منهم: القائدُ المجاهدُ حَبيبُ بنُ مسلمةَ، والمجاهدُ الشهيدُ صفوانُ بنُ المُعَطِّل.
وقد دَخل الفاتحون بلدةَ: (حرّان) ـ التي يُنسب لها ابنُ تيميةَ ـ وبعدَها دَخَلوا (الرُّها).
وقد خَرَج مِن مدينةِ (الرُّها) ونُسِب إليها عددٌ مِن المحدِّثين والعلماء، منهم:
ـ الحافظُ الإمامُ زيدُ بنُ أبي أُنَيسةَ الجَزَريُّ الرُّهاوي (ت125هـ)، رَوى حديثَه أصحابُ الكتبِ السِّتة.
ـ والحافظُ الرحالةُ عبدُ القادرِ بنُ عبدِ الله الرُّهاويُّ الحنبلي (ت612هـ) بمدينة حرّان.
كان عبدًا فحَفِظ القرآنَ فأَعتقه سيدُه، فاشتغل بطلب العلم، وحُبِّب إليه سماعُ الحديث، فرَحَل إلى البلاد النائية ولَقِي كبارَ الشيوخ، وعُني بالحديث أتمَّ عنايةٍ، وكان فِي أسفاره ورحلاته يمشي على قدَميه لفقره.
رحل إلى دمشقَ فأقام بها، وأخذ عن الإمام ابنِ عساكر، ونَسَخ كتابَه «تاريخ دمشق» المطبوعِ في سبعينَ مجلدًا، وسَمِعه عليه!
وهذا المحدِّثُ هو الذي نقرأ اسمَه في بعض كُتبِ التخريج فيقولون: (رواه عبدُ القادرِ الرُّهاويُّ في أربعينه)، وهي: «الأربعونَ المتباينةُ الإسنادِ والبلدان »
قال عنها الحافظُ الذهبيُّ: «وهذا شيءٌ لم يَسبِقْه إليه أحدٌ، ولا يَرجوه بعدَه أحدٌ، وهو كتابٌ كبيرٌ في مجلدٍ ضخمٍ، مَن نَظَر فيه عَلِم سَعةَ الرجلِ في الحديث وحفظِه »
وقال عن هذا الكتابِ الحافظُ المنذريُّ: «خَرَّجه بأربعينَ إسنادًا، لا يَتكرَّر فيه رجلٌ واحدٌ، وذلك مِن أوَّلها إلى أخرها، مما سَمِعه في أربعينَ مدينةً، وهو كبيرٌ في مجلَّدتَين ».
قال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: نقلتُ مِن خطِّ الإمامِ أبي العباس ابنِ تيميةَ رحمه الله أنَّ الحافظَ الرُّهاويَّ رُؤِي في المنام بعدَ موتِه بأيامٍ قليلةٍ وهو يقول: «لا أزال أسمع الحديثَ إلى يوم القيامة »
وعذرًا على الإطالة في ترجمة هذا المحدِّث، ولكني جمعتُ هذه الترجمةَ مِن عدَّةِ متفرِّقات، وأحببتُ أنْ أشدَّ بها هِممَ الإخوةِ والأخوات.
ومِن أبرز معالم هذه المدينة:
ـ الجامعُ الكبير، واسمُه: (أُولو جامي)، بناه الملكُ نورُ الدِّينِ الزِّنكيُّ رضي الله عنه، وفي مكانه صلى الصحابةُ رضي الله عنهم بعدَ فتحِ المدينة.
ـ وبلدةُ (هَلْفَتِي)، وهي بلدةٌ غَرِقتْ سنةَ: (1420هـ ـ 2000م) في بُحيرةٍ قربَ سدِّ (بِيرِيجِك) على نهر الفرات، ويَظهر فوقَ سطحِ الماءِ بعضُ معالِمها.
ـ ويمرُّ في هذه المدينةِ (نهرُ الفرات)، الذي وَرَد أنه مِن الجنة، كما جاء في عدَّةِ أحاديثَ.
ففي "صحيح مسلم" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيْحانُ وَجَيْحانُ ، والفراتُ والنِّيلُ: كلٌّ مِن أنهار الجنة»، ويُعجبني توضيحُ هذا الحديثِ مِن الإمام القرطبيِّ حيث قال: «إنما أَطلق على هذه الأنهار من الجنة؛ تشبيهًا لها بأنهار الجنة لِما فيها مِن شدَّةِ العُذوبة والحُسنِ والبركة»، وقيل غيرُ ذلك، والله أعلم
ويتناقل أهلُ مدينةِ (أُورفا): أنَّ قصةَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ الخليلِ مع النُّمْرودِ ورميَه بالمَنْجَنِيق كان في مدينتهم، والله أعلمُ بحقيقة الحال.
حفظ الله هذه المدينةَ وأهلَها، وجميعَ بلادِ المسلمين …
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد