بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كُلُّ الأجهزةِ يُرفقُ معها كُتيباتٍ إرشاديةٍ (دليلُ الاستخدام)، تجدُ فيها من الشروحِ المطولةِ، والرسومِ التوضيحيةِ، والتفصيلاتِ الدقيقةِ التي تجعلُ حتى أقلَّ الناسِ فهمًا يستوعِبُ بكل سهولةٍ الطريقةَ الصحيحةَ لاستخدام الجهازِ..
وكلَّما زاد الجهازُ ضخامةً وتعقيدًا ازدادت تلك الشروحُ تفصِيلًا، في حينِ أنَّ الجهازَ الأهمَّ والأعقدَ والأضخم (أعني ذلك الجهاز الذي نحملهُ باستمرارٍ فوقَ أكتافنا) لا يعلمُ اغلبُنا كيفَ يستخدمهُ بالطريقة الصحيحةِ..
أيَّها القارئُ العزيز: عندما تنتهي من فهم هذا المقال، ستقتنعُ بإذن الله أنَّ أكثرنا يدرسُ ويتعلَّمُ بطريقةٍ غيرِ صحيحةٍ، ويستنزفُ جُهدهُ ووقتهُ بلا فائدةٍ تقريبًا، لأنهُ بكل بساطةٍ لم يتعلَّم كيف يتعلَّم.. لم يتعلَّم كيفَ يقرأُ كتابًا بطريقةٍ صحيحةٍ، ولا كيفَ يكتبُ مُذكِّراتهِ بطريقةٍ صحيحةٍ، ولا كيفَ يحفظُ دروسهُ بطريقةٍ صحيحةٍ، ولا كيفَ يُراجعُ دروسهُ بطريقةٍ صحيحةٍ..
والطريفُ في الأمر أنَّ هناك إحصائِياتٍ تُشيرُ إلى أنَّ مُتوسطَ ما يقضيهِ المتعلِّمُ العاديُ في التعلِيم والجامعة, لا يقِلُ عن أثنا عشرَ ألف ساعةٍ دراسيةٍ، يُمارسُ خلالها العدِيدُ من مهاراتِ التعلُّمِ، كالقراءةِ، والكتابةِ، والتركيزِ، والتفكيرِ، والفهمِ، والتحليلِ، والتقييمِ، بالإضافة إلى التلخيصِ والمذاكرةِ والمراجعةِ وغيرها من المهارات.. وفي حين أن فهم الأسلوبِ الصحيحِ لطريقة التعلُّمِ لا يتطلَّبُ أكثرَ من عشر ساعاتٍ دراسيةٍ، فإن نسبةَ من يفعلونَ ذلك لا تتجاوزُ1 %
إنهُ أمرٌ مُؤلمٌ حقًا.. فالكثيرُ منا لا يعلمُ أنَّ للدراسة والتعلُّمِ طرائِقَ نموذجيةٍ، وقوانينَ وأصول فنِّيةٍ، من لم يتَّبعها ضاعَ عليه الكثيرُ من الوقت والجهدِ بلا فائدةٍ تُذكر.. بينما يُرى غيرهُ يبذلُ جُهدًا ووقتًا أقل، ويحقِّقُ نتائجَ أفضلَ بكثير..
والرائعُ في الأمر أنَّ الحلَّ لا يتطلَّبُ أكثرَ من فهم وتطبيقِ بعضِ الأفكارِ والتوجيهاتِ السهلةِ اليسيرةِ.. كالتي ساسردُها عبرَ السطورِ التاليةِ يإذن الله..
فهيَّا لنتعلَّمَ كيفَ نتعلَّم..
تمهيد:
إنَّ التعرفَ على إمكانياتِ وقُدراتِ جهازٍ ما، وكيفَ نستخدِمهُ بالطريقة الصحيحةِ، وكيفَ نعتني به ونصونهُ الصيانةَ المناسِبةَ، كُلُّ ذلك أساسيٌ للحصول منهُ على نتائجَ جيدةٍ، وعلى زيادة عُمرِه الافتراضي، وكلَّما ازدادَ الجهازُ دِقةٍ وضخامةٍ زادَ إحتِياجهُ للإهتمام والعنايةِ والصِيانةِ.. والدماغُ البشريُ هو الجهازُ الأعقدُ والأضخمُ والأدقُ، وهو أكثرُ أعضاءِ الجسمِ نشاطًا وعطاءً واستهلاكًا للطاقة والغذاءِ، ومع ذلك فهو يُعتبرُ أكثرَ عُضوٍ نُهمِلهُ ونتجاهلُهُ في أجسامنا، وعلى هذا فلا بدَّ له من نظام صيانةٍ واهتمامٍ يتلاءمُ مع دورهِ الحيويِ الكبير..
ولو حرِصَ الإنسانُ أن يعتني بعقله وذاكرتهِ، فيتعرفَ على احتِياجاتهِ الأساسيةِ من أغذيةٍ سليمةٍ، وماءٍ بقدرٍ مُعينٍ، وأكسجينٍ نقيٍ، وراحةٍ كافيةٍ.. الخ، ثم يقومُ بتلبية هذه الاحتياجاتِ وبالقدر اللازمِ، ثمَّ يعملُ على إثرائهِ وتنميتهِ بالبرامج العقليةِ المناسِبةِ، والتدريباتِ اللازمةِ، بالإضافة إلى التعرُفِ على الأسباب التي قد تؤدِي لضعفِ العقلِ والذاكرةِ وقُصورِهما، وما هي أنسبُ طُرقِ العلاجِ والصِيانةِ، فمن المتوقعِ أن يكونَ لكُلِّ ذلك دورٌ واضِحٌ في مُضاعفةِ مردُودهِ وزيادةِ إنتاجِيتهِ..
أولًا: العنايةُ بالدماغ والذاكرة:
فللدماغ عِدةُ احتياجاتٍ أساسيةٍ، كُلما تمَّ توفيرها بشكلٍ أفضلَ تحسنَ أداءُ، وازدادَ عطاءهُ، وتؤكد الدراساتُ أنَّ عدمَ تلبيةِ جُزءٍ واحدٍ من هذه الاحتياجاتِ الأساسيةِ (كدهون أوميجا3) مثلًا، يرتبطُ عِلميًا بمجموعةٍ من العِلل العقليةِ، كضعف الذاكرةِ, وانخفاضِ مستوى الذكاءِ, وتدهورِ القُدراتِ التعليميةِ، وضعفِ التركيزِ, والشيخوخةِ المبكرةِ، فكيفَ ببقيةِ الاحتياجات، لا شكَّ أنَّ الأمرَ سيكونُ أشدُّ سُوءًا واعتلالًا.. ويمكنُ أن نُجمِلَ أبرزَ أسبابِ ضعفِ الذَّاكرةِ فيما يلي:
1) اللغةُ السلبية: الباحثون في عِلم الدماغِ يرونَ أنَّ الرسائلَ الإيجابية (التشجيع) هي أقوى استراتيجياتِ تنشيطِ العقلِ وتقويتهِ والعنايةِ به.. فالكلِمةُ الطيبةُ صدقةٌ وبلسمٌ، والكلِمةُ الواحدةُ قد تُسعِدُ الانسانَ وقد تُحزنهُ.. يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ}.. ويشيرُ القرآنُ الكريمُ بصورةٍ غيرِ مُباشرةٍ إلى أنَّ أهمَّ صفاتِ المعلِّمِ هي الرَّحمةُ.. ففي سورة الرحمن.. يقولُ الحقُّ جلَّ وعلا: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.. وأهل التربية يقولون: "تسعة أعشار التعليم تحفيز وتشجيع".. بينما الاحصائياتُ تؤكدُ أنَّ الطفلَ العربي قبلَ أن يصلَ إلى العاشِرةِ من عمرهُ، يكون قد تلقى ممن حولهُ أكثرَ من مائة ألفِ رسالةٍ سلبيةٍ مُتنوعة، تتركُ آثارًا سلبيةً سيئةٍ على شخصيته وذكائهِ وذاكرتهِ.. كما تشيرُ الدراساتُ المتخصِّصةُ أنَّ دماغَ الطفلِ أكثرَ تأثرًُا من دماغ الكبيرِ بكثير..
وحين ننظرُ إلى روعةِ التعامُلِ النبوي مع الصغارِ نرى عجبًا.. يقولُ أنسٌ رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين، فما قال لي لشيءٍ فعلتُهُ لِمَ فعلتَهُ، ولا لشيءٍ لم أفعلهُ لم لم تفعلهُ.. عشرُ سنينَ من الخدمة ولم يسمع رسالةً سلبيةً واحدةً.. فيا لروعة التعامُلِ..
2 ) عدمُ التَّدريبِ: فقد نقلت صحيفةُ «ايفننق ستاندارد» البريطانيةُ عن خبير المخِ والأعصابِ د. مارك لييثغو قوله: "إن المسحَ بالرنين المغناطيسي بينَ أنَّ الدماغَ ينمو من خلال التدريبِ والتمارين".. وكما أنَّ عضلاتِ الجسدِ تقوى بالتدريب بينما العضلاتُ التي لا تتمرنُ تضمرُ وتضعُفُ.. فكذلك قُدراتُ العقلِ تقوى بالتمرين.. أما القُدراتِ التي لا تنالُ تدريبًا مُستمرًا فتضمرُ وتضعفُ..
وقُدراتُ العقلِ مِثلُ عضلاتِ الجسدِ يستعمِلُها الإنسانُ بما يتناسبُ مع طبيعةِ عملهِ (المحاسِبُ يستخدمُ القدراتِ الحسابيةِ باستمرار وقد لا يستعملُ الخيال، والأديبُ يستعملُ القُدرةَ اللغويةَ باستمرارٍ وقد لا يستعمِلُ القُدرةَ الحسابية، وهكذا.. وكمَا أنَّ بعضَ التمارينِ قد تُدرِّبُ عددًا من العضلاتِ في وقتٍ واحدٍ, فكذلك التمارينُ العقليةُ قد تُمرنُ مجموعةً من القُدراتِ العقليةِ في آنٍ واحدٍ..
وإذا كان وصولُ الجسدِ إلى اللياقةِ لا يَحدُثُ في ليلةٍ واحدةٍ, بل يحتاجُ إلى صبرٍ ووقتٍ طويلٍ، وإصرارٍ واستمرار، وتِكرارٍ للتمارين، وتنوعٍ فيها.. فكذلك الأمرُ بالنسبة للوصول إلى اللياقة العقليةِ المنشودةِ..
فإذا كُنتَ تُريدُ الحصولَ على لياقةٍ عقليةٍ عاليةٍ, فدرِّب هذه القُدراتِ ومرِّنها.. فهناك الكثيرُ من القُدرات العقليةِ التي تحتاجُ إلى تمرينٍ وتدريبٍ ومنها:
- الاستنباط - الاستنتاج - التقييم - التحليل
- المنطق - الترتيب -التمييز - الحساب
- التفكير بالعكس -الربط - التعميم -التفريق
- التحديد - التفكير الجانبي - الدقة - الحدس
- التتابع - الخيال - التعبير باللغة - التركيب
وهناك كُتبٌ ومواقعُ كثيرةٌ ومُتنوعةٌ مُتخصِصةٌ في تدريبِ وتنميةِ قُدراتِ العقلِ يُمكنُ للمُهتمِ أن يَستفيدَ منها كثيرًا..
3) سُوءُ التغذيةِ: للغذاء أثرٌ تراكميٌ بطيئ.. لا يُرى أثرهُ السيء إلا بعد سِنِّ الخامسةِ.. حيثُ يبدأُ الطفلُ (عبقريًا) في كثيرٍ من الأحيانٍ ثمَّ نُفاجأ أنَّ الطفلَ بدأ يتدهورُ أداؤهُ قليلًا قليلًا إلى أن يصلَ أحيانًا إلى (الحضيض) عند البلوغِ.. وكما أنَّ هناك أغذيةً جيدةً أو غيرَ جيدةٍ للقلب مثلًا، فهناك أيضًا غذاءٌ مُناسبٌ أو غيرُ مُناسبٍ للدماغ.. ومن حيثُ الجملةِ فإنَّ أكثرَ ما نُغذي به أدمغتنا يُعدُ ضارًا بها..
كما أنَّ السِمنةِ والافراطَ في استهلاك السكرياتِ والنشوياتِ مُؤذيٍ للمُخِّ كثيرًا.. فقد ثبتَ مخبريًا أنَّ تناولَ كمياتٍ كبيرةٍ من السُّكرِ والنَّشوياتِ وبشكلٍ مُتواصلٍ يؤدي إلى موت خلايا الدِّماغِ تدريجيًا.. فخلايا الدماغِ عندما تقومُ بحرق الأُكسجينِ لإنتاج الطاقةِ, تنبعِثُ نواتجُ جانبيةٍ تُسمى الشواردُ الحرةُ، تتحولُ هذه الشوارد إلى سمومٍ فتاكةٍ تتراكمُ عبر السنينَ فتسببُ تلفًا ونقصًا تدريجيًا في قُدراتِ الدماغ.. وعلى هذا فالكثيرُ من الناس يُجرمونَ في حقِّ أدمغَتِهم عندما يَتناولونَ المزيدَ من النشوياتِ والدهونِ المهدرجةِ الضارةِ، ويُهمِلونَ تناولَ الفاكهةِ والخضرواتِ، التي تُحاربُ الشواردَ الحرةَ، ويتركونَ الرياضةَ التي تُخلِصُ الخلايا من السمومِ المتراكمةِ.. ولا يقُومونَ بأنشطةٍ ذهنيةٍ وتدريباتٍ عقليةٍ تُحفزُ نمو خلايا المخِّ وتزيد من تشابكاتها..
وأظهرت الأبحاث أنَّ أفضلَ طريقةٍ لحماية المخِّ هي دعمُهُ بالفيتامينات, خاصةً مجموعةَ فيتامينات (ب) المركب، وزيت السمك (أوميغا3)، ومضاداتِ التأكسدِ..
وتشيرُ بعضُ الأبحاثِ إلى أنَّ تأثيرَ السُّكرِ يقِلُ كثيرًا إذا أخذُ مع وجبةٍ فيها نسبةٌ عاليةٌ من البروتين. لذا يُنصحُ بالتقليل من النَّشوياتِ والأكثارِ من البُقولياتِ والخضرواتِ والمكسرات.. بالإضافة إلى الخلِّ والليمونِ فهما يُخفضانِ مُعامِلَ التَّسكرِ بنسبةٍ جيدة.. كما يجبُ التقلِيلُ قدرَ الإمكانِ من المنبهاتِ عُمومًا، وخُصوصًا مشروباتِ الطاقةِ فلها أثرٌ سيءٌ على قوة الانتباهِ والتركيزِ، وتُضعِفُ القُدرةَ على التحصيل العلمي..
4) نقصُ الأكسجين: فمن المعلوم أنَّ جميعَ العملياتِ الحيويةِ في الجسمِ تتطلبُ توافرَ الأُكسجينِ بكميةٍ كافيةٍ، وتُفيدُ الأبحاثُ أنَّ تنفُسَ الغالبيةِ ناقِصٌ، ولا يُواكِبُ كامِلَ احتياجِاتِ الجسمِ، وأنَّ نسبةَ الهواءِ التي يستنشقونها لا تتجاوزُ ثُلثَ سِعةِ الرئتين.. وأنَّ من يتنفسُ بطريقةٍ سليمةٍ وفعَّالةٍ فإنَّهُ سيؤدي إلى تنظيف أجهزةِ جسمهِ أكثرَ من طريقة التنفُسِ العاديِ بخمسِ عشرةَ مرةً.. كما أنَّ للتنفس الصحيحِ دورٌ هامٌ في تخفيفِ الضغوطِ النفسيةِ والعصبيةِ، وتقويةِ جهازِ المناعةِ ضدَّ الأمراضِ..
والتنفسُ الصحيحُ: هو سحبُ الهواءِ بقوةٍ إلى قاع الرئتينِ، وجعلِها تستوعِبُ أكبرَ كميةٍ ممكنةٍ من الهواء، ثمَّ محاولَةِ كتمِ النفسِ لبضع ثوانٍ، وعند اطلاقِ الزفيرِ نحاولُ اخراجَ كُلِّ الهواءِ المستهلَكِ, فهذا يُفسِحُ مكانًا أكبر للهواء الجديدِ..
5) نقصُ الماءِ: أكدت إحدى الدراساتِ البريطانية، أنَّ نقصَ الماءِ بالجسم يُضعفُ نشاطَ الدماغِ، وكلَّما زادت كميةُ الماءِ المفقودِ من الجسمِ يُصبحُ الدماغُ أكثرَ ضعفًا، وأقلَّ تركيزًا. ومن ثمَّ فقد أوصت الدراسةُ بالإكثار من شُربِ الماءِ، وبما لا يقِلُ عن عشرِ كاساتٍ من الماء النقيِ يوميًا (لترين ونصف)، ويفضلُ أن يكون الماءُ بدرجة حرارةِ الغُرفةِ..
6) عدمُ الإثراءِ: يأتي الأمانُ العاطفيُ في المرتبة الأولى من الأهمية لإثراء دِماغِ الطفلِ حتى سِنِ السادسةِ من عُمرهِ.. ثم تأتي اللغةُ في المرتبة الثانيةِ لإثراءِ دِماغِ الطفلِ في هذه المرحلِة.. وقد ثبتَ أنَّ مُداعبةَ الأمِّ ولمسِها للرضِيعِ، والكلامَ معهُ، يزيدُ من نموِ خلايا المخِّ، وتمدُّدَ الشُجيراتِ العصبيةِ وتقويتها، وتشيرُ الأبحاثُ إلى أنَّ شُعيراتِ الخلايا العصبيةِ في الدماغِ تضمرُ إذا لم يتمَّ استثارتُها وتفعِيلُها، من خلال إعمالِ العقلِ وتفعيلِ الفِكرِ في المناقشات المختلفةِ، أو مُمارسةِ حلِّ المشكلاتِ، وتبادُلِ الأراءِ والأفكارِ، أو المشاركةِ في صُنعِ واتخاذِ القرارِ، فكُلِ هذه الأمورِ ونحوها تزيدُ من تشابُكاتِ شُعيراتِ خلايا الدماغ وتقوِّيها، الأمرُ الذي يزيدُ من سُرعة التفكيرِ ويقوي الذاكرة، ويزيدُ من القُدرة على التعلُّم..
7) الضغوطِ النفسيةِ: فقد وجد الدكتور سابولسكي أنَّ دوامَ المعاناةِ من الضغوط النفسيةِ يؤدي إلى انكماش خلايا الدماغِ وضمورِ الشعيراتِ العصبيةِ خصوصًا في المنطقة الخاصةِ بالتعلُّم والذاكرةِ.. وأنَّ التعرضَ المتواصِلَ للضغوط النفسيةِ يُؤدي إلى إفراز الكورتيزولِ بشكلٍ مُتواصلٍ في الدماغ، والذي يسببُ موتَ الكثيرِ من الخلايا المسئولةِ عن الذاكرةِ والتَّعلُّم..
8) قِلةُ النومِ: فقد أكدَ العلماءُ أنَّ مواصلةَ السَّهرِ وقلةَ النومِ ترتبطُ ارتباطًا مُباشرًا بالأداء الضعيفِ للدماغ، وتضرُ بعمل الذاكرةِ وتُضعِفُها، حيثُ تتسببُ في إرهاق الخلايا وانخِفاضِ الطاقةِ فيها، وتُؤدي لضيق الشرايينِ وانحِباسِ السُّمومِ بداخِلها.. وأنَّ النومَ العميقَ المتواصِلَ أساسيٌ لتعزيز قُدراتِ الدماغِ، وتجديدِ نشاطِ الذِّهنِ، وتقويةِ الذاكرةِ، والسماحِ لهُ بترتيب المعلوماتِ ومُعالجتِها، حيثُ ينفصِلُ المخُّ أثناءَ بعضِ فتراتِ النومِ العميق (كل ساعةٍ ونصفٍ تقريبًا) ليعالجَ المعلوماتِ ويُنظمَ تخزينها في الذاكرةِ، فإذا حصلَ وتمَّ مُقاطعةِ هذه الفترةِ الحرجةِ باستمرار، فإنَّ ذلك سوفَ يُؤثرُ بشدةٍ على مُستوى أداءِ المخِّ فيما بعد..
9) قلةُ الحركةِ والرياضة: فالأبحاثُ والدراساتُ الكثيرةُ تؤكدُ وجودَ ارتباطٍ قويٍّ بين الحركةِ وجودةِ التعلُّمِ والإبداعِ، وأنَّ الأطفالَ الذين يلعبونَ حسبَ ما يُريدونَ حصلوا على نتائجٍ أعلى في مقاييس الإبداعِ، إضافةً إلى مهارةٍ أكثرَ ومُرونةٍ أكبرَ في الاستعداد لحلِّ المشاكلِ الاجتماعية. وأيدت أبحاثٌ أخرى أنَّ التمارينَ الرياضيةِ تُعززُ مهارةَ التركيزِ، وتزيدُ من نشاط الخلايا العصبية في الدماغ، وتُقوي من أدائها.. ويَنصحُ الخبراءُ بممارسة الرياضةِ المعتدلةِ ثلاثَ مراتٍ في الأسبوع، بمعدل (20 - 30) دقيقةٍ في المرة الواحدةِ.. كرياضة المشيِ بنشاطٍ، أو الهرولةِ أو السباحةِ..
والضابطُ في المسألةِ أن تزدادَ ضرباتُ القلبِ وترتفع، ويُفرَزُ العرقُ لمدةٍ لا تقِلُ عن العشر دقائقَ في المرة الواحدةِ..
ثانيًا: عوامِلُ التفوق الدِّراسِي:
ذكرنا سابقًا أنَّ الكثيرَ منَّا لا يعلمون أنَّ للتعلُّمِ طُرقًا نموذجية، وأنَّ للدراسة قوانينَ وأصول، وعوامِلَ وأسباب، من لم يُفعِّلها ضاعَ كثيرٌ من وقتهِ وجُهدِه سُدى..
وفيما يلي نذكرُ بشيئٍ من التفصيل سبعةَ عوامِلَ من عوامل التفوقِ الدِّراسِي:
العامِلُ الأول: تقوى اللهِ سبحانه، والثِّقةُ والاستعانةُ به جلَّ وعلا..
التقوى لا تعني تركَ الذنوبِ فقط، بل وتشملُ تقويةَ الصلةِ بالله جلَّ وعلا، والتقوى تفتحُ مغاليقَ القلوبِ: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلّمُكُمُ ٱللَّهُ}، وتستجلِبُ الرحمةَ المضاعفةَ والنور، والمغفرةَ وتيسيرَ الأمور: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.. {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}..
والسكينةُ النفسيةُ ثمرةٌ لحسن الظنِّ بالله والتوكلَ عليهِ, والثقةَ بهِ جلَّ وعلا، وفقدُها أو نقصُها يثيرُ الفوضى في النفس، ويُشوشُ التفكيرَ، ويسببُ التشتتُ وضعفُ التركيزِ، وأكثرُ الناسِ إنما يُؤتونَ من قِبلِ أنفسِهم.. وصدقَ الشاعِرُ: ما يَبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ .. ما يبلغُ الجاهِلُ من نفسهِ.. فأحسِن الظنَّ بالله، وثِق بهِ وتوكَّل عليهِ، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}..
العامِلُ الثاني: الاستعدادُ للمُذاكرة:
إنَّ أفضلَ الطرقِ لمحاربة مشاكلِ التشتُتِ، وقلةِ التركيزِ، وانخفاظِ الثِّقةِ بالنفس، وضعفِ العزيمةِ والإرادةِ، هي الاهتمامُ بتحسين بيئةِ المذاكرةِ أولًا، وتهيئةُ النفسِ والعقلِ لجلسة المذاكرةِ ثانيًا، وذلك على النحو التالي:
الأول: إعدادُ مكانِ الاستذكار:
• خصص مكانًا للمذاكرة (وللمذاكرة فقط).. وليكن مكانًا هادئًا، ومُريحًا، وخاليًا من عوامِل التشتتِ البصريةِ والسمعيةِ والنفسية، فلا تلفازَ ولا ألعاب ولا.. الخ
• اختر مقعدًا مُريحًا، وطاولةً مُناسبةُ، وتأكد من جودةِ الإضاءةِ والتهوية..
• تأكد أنَّ كُلَّ ما تحتاجُهُ للمذاكرة موجودٌ أمامك: الأقلامُ، والكتبُ، والدفاترُ، والمذكِّراتُ، وغيرها من الأدوات..
• من الجيِّد أن تكونَ البيئةُ من حولك لها مدلولاتٌ إيجابيةٌ (صورٌ مُعبرةٌ وأقوالٌ محفزة)، تُساهمُ في رفع روحِك المعنويةِ عندما يُصيبُك الإجهادُ..
الثاني: إعدادُ النفسِ والعقلِ للاستذكار:
قبلَ البدءِ بعملية التعلُّمِ والاستذكارِ ينبغي أنْ تكونَ في حالةٍ عقليةٍ ونفسيةٍ مِثاليةٍ للتعلُّم.. وذلك من خلال عملِ التالي:
- استعن بالله ولا تعجز: كما ذكرنا في العامِلِ الأولِ: ابدأ جلستك بالاستعانة بالله جلَّ وعلا، وتوجَّه إليهِ بالدعاء والتضرعِ: اللهم إني استعينُ بك على تحصيل العِلمِ النافعِ، اللهم فأعني ووفقني ويسِّر لي أمري، اللهم يا مُعلِم إبراهيمَ علمني، ويا مُفهم سُليمانَ فهمني.. اللهم سهِّل عليَّ كُلَّ عسير، فتسهِيلُ العسِيرِ عليك يَسير..
-اجلس جلسةً صحيةً جادة: ونعني بالجلسة الصِحيَّةِ.. الجلسةُ التي تشعرُ فيها بالجدِّية وعدمِ التهاونِ.. ويكونُ فيها الظهرُ والرقبةُ والرأسُ كُلها عَمودِيةٌ مُستقيمةٌ.. وهذا الأمرُ مُهمٌ جدًا لأن الجلسةَ المائلةَ والقريبةَ من الاضطجاع تُوحي للعقل بعدم الجديةِ، وتسببُ التراخي وضعفَ التركيزِ وتجلبُ النومَ..
- شجِع نفسك: وأرسِل لها رسائلَ إيجابيةٍ مُحفزة، ترفعُ معنوياتِها، وتشُدُّ من أزرِها، وتدفعُها لأداء مُهمتِها، وإتمامِها على أحسَن وجهٍ، وقد وُجِدَ لذلك أثرٌ إيجابيٌ ملموسٌ.. فالشاعرُ يقولُ: والنفسُ راغبةٌ إذا رغبتها.. وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تقنعُ..
وذلك كأن تُذكِرَ نفسكَ بقول اللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.. أو بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (استعن بالله ولا تعجز).. أو تقولَ لنفسك: العملُ الجادُّ إن لم يُوصِلني للقمَّةِ فسيُقربُني مِنها كثيرًا.. أو تقولَ لها: اجتهدي يا نفسُ.. فكُلُّ من سارَ على الدَّربِ وصل.. وكلُّ من جَدَّ وجد.. أو تقولَ لها: بمشيئة اللهِ سأتفوقُ وأحصلُ على التقدير اللائقِ بي.. ونحوها من العبارات المحفزة..
– تنفس تنفُسًا عمِيقًا: كما ذكرنا عند الحديثِ عن نقصِ الأكسجين، فالتنفسُ العميقُ لهُ فوائدُ عديدةٌ، فهو يمنحُ الدماغَ ما يحتاجهُ من الاكسجين، ويُخلِصهُ من السمومِ، ويضاعِفُ قُدرتهِ على الأداءِ، ويزيدُ من طاقةِ الجسمِ ونشاطِهِ وحيويتهِ، ويُحسِّنُ المزاجَ، ويُخفِفُ من الضغوطِ العصبيةِ..
- تغلَّب على الضغوط العصبيةِ: تُعتبرُ الضغوطُ العصبيةُ الزائدةُ من أسوءِ مُثبطاتِ التَّعلُّمِ، وللتخلُصِ أو التخفيفِ مِنها.. قُم بالاستماع لشيءٍ من آياتِ القرآنِ الكريمِ بصوت قارئك المفضل، أو ترديد بعض الأذكار المأثورة والاستغفار، أو توضأ وصلِّ ركعتين، أو تصفَّح شيئًا من سِيرِ الصالحين، أو استمع لأنشودةٍ هادئةٍ، أو قُم ببعض التمارينِ الرياضيةِ الخفيفة..
– حدِّد أهدافك بدقة: فلا بدَّ من تحديد أهدافِ جلسةِ المذاكرةِ بدقةٍ، لأنَّ المعرفةِ المسبَقةَ لما تأملُ في إنجازهِ، ووجودِ أهدافٍ مُحددةٍ لجلسة المذاكرةٍ، يرفعُ من مستوى الجديةِ والتركيزِ، ويقضِي على الحَيرةِ (من أين أبدأ، وما ذا سأفعل الآن)، ويُهيئُ النفسَ لبذل الجُهدِ اللازم، ويُولدُ شُعورًا بالتقدمِ عندما تتحقَّقُ هذه الأهداف..
فعلى سبيل المثال: أن أقرأَ عشرَ صفحاتٍ من الباب الثاني من كتابِ التاريخ.. أو أن أحُلَّ خمسَ مسائلَ من تمارين الفصلِ الرابعِ لمادة الرياضيات.. أو أن أُراجِعَ ما لخصتُهُ من كتاب القواعِد خلالَ الشهرِ الماضي..
- نشِّط معارفك السابقة: باستخدام ورقةٍ وقلم، قُم بكتابة كُلِّ ما تستطيعُ تذكرهُ عن الموضوع الذي ستقومُ بدراسته، وحتى ولو كُنتَ في بداية الـمُقرَّرِ، وليس الهدفُ من هذا أن تكتبَ مقالًا أو أن تَخرجَ بقائِمةٍ كامِلةٍ عمَّا تعرِفهُ عن الموضوع، بل الهدفُ أشبهُ ما يكونُ بعملية الإحماءِ والتسخين..
وهذه العمليةُ على بساطتِها فلها فوائدُ كثيرةٌ ومُهمةٌ، فهي ترفعُ مستوى التركيِزِ، وتثيرُ الفُضولَ العِلميَ، وتزيدُ من مستوى الدافعيةِ للتعلُّمِ، وتُثري عمليةَ التَّفكيرِ، وتُنعشُ الذاكرةَ وتُهيئها لتلقيِ المعلوماتِ الجديدةِ، وتربطُ بين القديم والجديدِ، وتُكسِبُ على المدى البعيدِ مَلكةَ التحكُمِ في المعلومات وقتَ ما تُريد..
وأخيرًا فإنني أنصحُكَ اخي الكريم بألا تستثقِلَ المجهودَ الذي تتطلبهُ عمليةَ الإعدادِ للمذاكرة، فستُلاحِظُ تحسنًا كبيرًا في أدائك الدراسي، ومع الوقتِ ستتعودُ على هذه الطريقةِ إلى أن تتمكَّنَ من تنفيذها بكل سهولةٍ، وفي وقتٍ قصيرٍ، وحينَها ستعلَمُ كم هو ثمنٌ زهيدٌ، ومجهودٌ بسيطٌ لحالةِ تعلٌّمٍ مِثاليةٍ، وأنَّ عمليةَ الإعدادِ أصبحت من الأهمية بمكانٍ، ومن ثمَّ فلن تتركها أبدًا، ولو كُنت في قمَّة الانشغالِ والاستعجال..
العامِلُ الثالثُ: الطريقةُ النَّموذَجِيةِ للمُذاكرة:
من خلال ما اطلعتُ عليه من مراجعَ في هذا الخصوصِ، فقد كان ابرزَ من تحدَثَ عن الطريقةِ المثاليةِ للمذاكرة هو خبيرُ الذاكرةِ العالمي تُوني بوزان، وكيفن بول، والدكتور محمد الخولي، وحيث أنهم اتفقوا في بعض الآراءِ واختلفوا بعضها، فقد بذلتُ جُهدي في الجمع والتوفيقِ بين تلك الآراءِ، ومن ثمَّ خرجتُ بهذه الطريقة:
1 - حدِّد زمنًا مُعينًا للمذاكرة، ومقدارًا محددًا (بالصفحات التقريبية) من المادة التي تُريد مذاكرتها، وليكن مقدارًا يتناسبُ مع طُموحاتك والوقت الذي حدَّدتهُ.
2 - ذاكِر بتركيز لمدةِ نصفِ ساعةٍ، ثم لخص ما ذاكرتهُ في عشر دقائق (استخدم الخريطة الذهنية) (سيأتي شرح الخريطة الذهنية)
3 - اعط نفسك راحةً (5 دقائق)، غيَّر فيها من وضعِيتك.. قم.. تحرك.. انظر من النافذة.. اشرب كأسًا من الماء.. تنفس بعمق واسترخاء.. الخ
4 - عُد للمذاكرة، وابدأ بمراجعة ما قُمتَ بتلخيصهِ سابقًا (الخريطة) (في 5 دقائق)، ثمَّ ذاكر الجزءَ التالي بتركيزٍ لمدةِ نصفِ ساعةٍ، ثمَّ لخص ما ذاكرتهُ في عشر دقائق، (استخدم الخريطةَ الذهنية)..
5- كرِّر الخطوتين (3) ، (4) حتى تنتهي مما حددته في الخطوة (1).
6 - اعطِ نفسك راحةً (عشرَ دقائق)، اصنع فيها ما صنعتهُ في الاستراحات السابقةِ، ثم عُد وراجِع كُلَّ ما لخصتهُ اليوم (الخرائط) (في عشر دقائق).
7 - من الغد، وقبل المذاكرةِ الجديدة، ابدأ بمراجِعة كُلَّ ما لخصتهُ بالأمس سريعًا (في عشر دقائق).
8 - في نهاية الأسبوعِ ابدأ بمراجعةٍ سريعةٍ لكلِّ ما لخصتهُ خلالَ الأسبوعِ (في ربع ساعة).
9 - في نهاية الشهر راجع بسرعة كل ما لخصتهُ خِلال الشهر (في نصف ساعة).
10 - في نهاية الفصل راجع كلَّ ما لخصتهُ خلالَ الفصلِ (في ساعة).
وإذا نظمتَ وقتك وجهدك ومذاكرتك حسبَ هذه الطريقةِ فستوفرُ الكثيرَ من الوقتِ والجهدِ المبذولِ للحصول على نفس النتيجةِ بالطريقة العاديةِ..
العامِلُ الرابع: الخريطةُ الذهنيةُ:
وهي تقنيةٌ تعتمدُ على استبدال الكلامِ الكثيرِ برسوماتٍ مُعبرةٍ، وكلماتٍ مُختصرةٍ..
ولها فوائدُ كثيرةٌ منها:
1- وضعُ كافةِ المعلوماتِ المتعلقةِ بالموضوع في ورقةٍ واحدةٍ بشكلٍ مُركزٍ ومختصرٍ.
2- تُعطي صورةً شاملةً ومترابطةً عن الموضوع مما يُسهِلُ فهمها واستيعابها..
3- تُساعد على توارد الأفكارِ وترابُطها بطريقةٍ مُشابهةٍ لطريقةِ عملِ المخ.
4 - تُساعدُ على سُرعة مُراجعةِ الموضوعاتِ، والإلمامِ بها في وقتٍ قصيرٍ جدًا.
5- تجعلُ عمليةَ الحفظِ والاستذكارِ أسهلَ وأقوى وأسرع .
كيف تبدأ ؟
1- خُذ ورقةً من مقاس ( A4 ) غيرَ مُسطرةٍ، واستخدمها بالعرض.
2- أختر مجموعةً من الألوان التي تُفضلها (على الأقل ثلاثة ألوان).
3- حدِّد الموضوعَ الذي تُريد.. وأجمع المعلوماتِ الكافيةَ عنهُ.
4- ركِّز على الكلماتِ (المفتاحية) لاحِظ أنَّ هناك (كلماتٍ مُعبرة) يُركزُ عليها الكاتبَ ويشرحُها.. أُرصد هذه الكلماتِ واستخدمها كنصوصٍ أساسيةٍ للخريطة.
5- من مُنتصفِ الورقةِ، ابدأ الخريطةَ برمزٍ مركزيٍ (رسم أو اسم) (مُعبر) (بارز) .
6- من الرمز المركزي، أخرج لكلِّ موضوعٍ فرعيٍ خطًا عريضًا (مائلًا) (بلونٍ مختلف) واكتب فوقهُ نصًا مُختصرًا. وكلما ابتعدت عن المركز قم بتصغير خطوطِ الرسمِ والكتابةِ. (انظر صورة النموذج) .
7- أكثر من رسم الرموزِ والصورِ الملونةِ قدرَ المستطاعِ، ولوِّن النصوصَ. فالصورةُ الملونةُ بألف كلمةٍ كما يُقال، ومن الأفضل أن تجعلَ الرموزَ والصورَ ثُلاثيةُ الأبعادِ (مجسمة). وأن تجعلَ من الخريطة منظرًا جذابًا وجميلًا قدرَ المستطاعِ..
8- اجعل خطوطَ الخريطةِ مائلةٍ, واجعل سماكةَ الخطِّ ولونهُ ومقاسَ الكتابةِ فوقهُ يتناسبُ مع أهميةِ الموضوعِ الفرعي، وحافظ على مُستوى الكتابةِ بشكلٍ أُفقي قدرَ الإمكان، ولوِّن الخطوطَ والنصوصَ بألوانٍ مُعبِّرةٍ، فالأحمرُ يرمزُ لكذا.. والأصفرُ يعني كذا.. وهكذا..
9 - أرسم الأشكالَ بطريقةٍ هزليةٍ مُضحكةٍ، أو بطريقةٍ زُخرفيةٍ، واجتهد أن تظهرَ الخريطةُ بأسلوبٍ (فنيٍ، مرحٍ، مُشوقٍ، وذو خُصوصيةٍ بك). وكلُّما كانت الرسومُ مُلفتةً للنظر أكثر، فسيكونُ تذكُرها واستحضارُها أسهل..
10 - يفضلُ كتابةُ وقراءةُ الخريطةِ باتجاه عكسِ عقاربِ الساعةِ, لأنَّ دورانَ الذبذباتِ في عُقولنا يتمُّ بهذا الشكل (كدوران الفلكِ، والطوافِ حولَ الكعبةِ المشرفة).
يقول د.نجيب الرفاعي: "إن التعودَ على هذا النمطِ الجديدِ في المذاكرة والدراسةِ سوفَ يُحسِنُ بلا شك من أداء الطالبِ في الامتحانات، ويضمنُ لهُ الدرجاتِ بصورةٍ سهلةٍ ومُيسرة."
ويقول كيفن بول: حقًا إن الخرائطَ الذهنيةَ هي أفضلُ أداةِ استذكارٍ فعَّالةٍ تمَّ ابتكارها على الإطلاق..
فأتمنى أن تستفيدوا من هذه الطريقةِ الرائعةِ والسهلةِ، والتي تجعلُ عملياتِ الحفظِ والاستذكار أسهلَ وأقوى وأسرع..
العامِلُ الخامِس: بطاقاتُ المُراجعة:
يقولُ كيفن بول: "إن أفضلَ أداتينِ يمكنك استخدامُهما في استذكارك هما بطاقاتُ المراجعةِ، والخرائطُ الذهنيةِ"، أما وقد عرفنا الخرائطَ الذهنيةَ، فهيَّا لنتعرَّفَ على بطاقات المراجعةِ..
إنها كروتٌ صغيرةٌ بحجم الكفِ (تباعُ جاهزةً بالمكتبات)، لتُسجِلَ عليها المعلوماتِ المهمَّةِ، وتحمِلها معك في جيبك (دائمًا)، فهُناك الكثيرُ والكثيرُ من الأوقاتِ القصيرةِ، وغيرِ القصيرةِ أحيانًا، تُهدرُ على مدار اليومِ والليلةِ، ولو عوَّدَ الانسانُ نفسهُ أن يستفيدَ من بعضِها، فسيمكِنهُ أن يضاعِفَ مُعدلَ استذكارهِ مرتينِ أو أكثر، دونَ بذلِ مجهودٍ إضافيٍ يُذكر..
قُم بعمل مجموعةٍ من بطاقاتِ المراجعةِ لكلِ مادةٍ، نفذها بنفسِك واكتبها بخط يدك، سجِل عليها المعلوماتِ المهمةِ، وكُلَّ ما يحتاجُ إلى حِفظٍ ومُراجعةٍ، واحتفِظ بها معك طوالَ الوقتِ، فهي أداةُ تذكيرٍ جيدةٍ للمُذاكرةِ، وكُلَّما سنحت لك فُرصةٌ مُناسبةٌ كأوقات الانتظارِ، والتنقُلاتِ ونحوها، قُم بإخراج بعضِ البطاقاتِ وراجِعها حسبَ ما يتهيأُ لك، ولا يلزمُ أن تُراجعَ قدرًا كبيرا.. فعندما تداوم على هذا العملِ فتأكد أنك ستربحُ أسبوعيًا ساعاتٍ ثمينةً من المذاكرةِ المركَّزةِ، تُنعشُ بها ذاكرتك، وتُرسِخُ بها معلوماتِك المهمَّةِ، وتُطبِّقُ بها مبدأ المراجعةِ الدَّوريةِ، وتُحقِّقُ أمرًا مُدهشًا في وقتٍ كانَ من الأقربِ أن يذهبَ سُدى بلا فائدة..
العامِلُ السادسُ: الطريقةُ النَّموذَجِيةُ للقراءة في كتاب:
المقصودُ بالقراءة النموذجيةِ، هي القراءةُ بالشكل الأفضلِ، وذلك بمعرفة ماهو الذي يستحقُّ القراءةَ، وما الذي لا يستحقُّ القراءة، فكلما كُنتَ أكثرَ تحديدًا للغرض من القراءة، كُنتَ أكثرَ كفاءةً في القراءة.. فينبغي أن تسألَ نفسك، ما قيمةُ المادةِ التي أقرئُها، وما هو القدرُ الذي أحتاجُ أن أتعلمهُ منها ؟.. وما هو مستوى المعلوماتِ التي أودُ الحصولَ عليها من خلال القراءةِ ؟.. هل تكفي النظرةُ الشاملةُ والأفكارُ العامةُ فقط؟، أم ينبغي الإحاطةُ بمجمل الأفكارِ الرئيسيةِ والفرعيةِ؟ أم لا بدَّ من التفاصيل الجُزيئيةِ والدقيقةِ؟..
والطريقةُ النموذجيةُ لقراءة كتابٍ تشملُ الآتي:
أولًا: كوِّن فِكرةً عامةً عن الكتاب: وذلك بالقيام بنظرةٍ شاملةٍ وسريعةٍ لمحتوياتِ الكتابِ، من خلال المرورِ على العناوين، وبداياتِ الفقراتِ، والأفكارِ الرئيسةِ، والرسومِ، والجداولِ، والأشكالِ، والخُلاصاتِ، والفهارسِ..
واعلم أن تكوينِ فكرةٍ عامَّةٍ عن الكتابِ قبلَ قراءتهِ قراءةً منهجيةً أمرٌ مُهمٌ للتعرف على أسلوبِ الكتابِ، وفهمِ المعنى الكُلي لموضوعاتِه، وتحديدِ الأهدافِ المرجوةِ من قراءتهِ، وتحديدِ الوقتِ والجهدِ اللازم لهُ.. وغيرها من الفوائد المهمةٍ فلا تُهملها..
ثانيًا: اسأل نفسك أثناءَ القراءةِ أسئلة مناسبة واستنتج الإجابةَ: فهذه واحدةٌ من أفضل الوسائلِ لكلي تظلَ نشيطًا ومُركزًا أثناءَ القراءةِ، ولكي تُرسِّخَ المعلومةَ في ذهنِك بشكلٍ أفضل، فاحرص دائمًا أن تسألَ نفسكَ سُؤلًا مُناسِبًا كلَّما سنحت لك الفُرصةَ، واستنتج الإجابةَ قبلَ قراءتها، فعلى سبيلِ المثال:
- ما الذي يُريدُ المؤلفُ الوصولَ إليهِ من خلال هذهِ الفقرةِ ؟
- ما علاقةُ "هذا" بما سبقَ عرضهُ ؟
- هل يتوافقُ "هذا" مع ما كُنتُ أعرفهُ سابقًا ؟
- ما هي المجالاتُ التطبيقيةُ لهذا الموضوعِ ؟
الأسئلةُ المفتوحةُ: لماذا... ؟ كيف... ؟ الخ
لاحظ أنَّك عندما تسألُ نفسك أثناءَ القراءةِ وتستنتجَ الإجابةَ قبلَ قراءتها، لاحظ أنَّ ما ستقرأُهُ سيكونُ أحدَ أمرينِ: إمَّا يُصحِحَ استنتاجك الخاطِئَ، وإمَّا أن يدعمَ ويُعزيزَ ما كُنتَ تعتقدهُ سابقًا.. وكلا الأمرينِ سيُعزِزُ ثباتَ المعلومةِ في ذاكرتك..
وكلما قامَ القارئُ بتكوين أسئلةٍ مُناسبةٍ لكلِّ فِكرةٍ يمرُّ بها، (وذلك بتحويل العناوينِ والأفكارِ المهمَّةِ إلى سؤالٍ)، فسيزدادُ عُمقُ الفهمِ وقوةُ الاستيعابِ..
ثالثًا: رتِب أحداثَ الموضوعِ ترتيبًا مناسبًا.. فعادةً ما تأتي معلوماتُ الموضوعِ مرتبةً ترتيبًا مُناسبًا (منطقي، زماني، مكاني، أبجدي، شجري.. الخ) وكلما ازدادَ فهمُك لطريقة تنظيمِ وترتيبِ المعلومات، فسيزدادُ فهمُك واستيعابُك للمعلومات نفسها.. فإمّا أن تُنظِّمَ المعلوماتِ التي تعلمتها بطريقتك الخاصةِ، أو أن تستوعِبَ جيدًا، التنظِيمَ الذي استخدمهُ المؤلفُ لترتيب المعلوماتِ..
رابعًا: مارس أنشطةً تُساعدُ على تفعيل القراءةِ.. فالقراءةُ لوحدها قد لا تكفي للوصول إلى الاستيعابِ المطلوبِ، ومن الجيد أن يُصاحِبها أنشطةٌ أُخرى مُناسِبةٍ، تُعزِّزُ التَّعلُّمَ وتُقوي الاستيعابَ.. ومن الأنشطة المناسِبةِ لتفعيل القراءةِ ما يلي:
• تمييزُ الأفكارِ الرئيسيةِ والنقاطِ الهاَّمةِ بمؤثراتٍ خاصةٍ (كوضعِ خطٍ تحتها، تلوينُها بلونٍ فسفوريٍ، إحاطتُها بزخارف.. الخ).
• ترّقيمُ الأفكارِ المهمَّةِ والرئيسيةِ (على الهامِش).
• تلخيصُ الأفكارِ المهمَّةِ بلغتِك الخاصةِ، وتحديدُ كلماتٍ رئيسيةٍ (مفتاحِيةٍ) لاستخدامِها عند رسمِ الخرائطِ الذهنيةِ.
• تسجيلُ الأسئلةِ والملاحظاتِ المناسبةِ حولَ أفكارِ الموضوعِ (على الهامِش).
• تلخيصُ كاملِ الموضوعِ على شكلِ نقاطٍ مُتسلسلةٍ..
خامسًا: التسميعُ الذاتي: فلكي يتأكدَ المتعلَّمُ أنهُ أتقنَ فهمَ موضوعهِ واستوعبهُ بالشكل المطلوبِ، عليهِ أن يقومَ بالإجابة عن جميعِ الأسئلةِ المتعلقةِ بالموضوعِ، أو أن يقومَ بتسميع كُلِّ ما يعرفهُ عن الموضوع (بالمعنى)، (بالصوت أو الكتابة)، ودون الرجوعِ للكتاب، ثم المقارنةُ للتأكد، ولاشكَّ أنَّ هذا سيضمنُ فهمَ واستيعابَ الموضوعِ جيدًا، كما أنهُ سيُذهِبُ المللَ المصاحبَ لتكرار القراءةِ المجردةِ من الكتاب..
العامِلُ السابعُ: تقويةُ التركيزِ والانتباهِ:
هناك فرقٌ واضحٌ وكبيٌر بين المشاهدةِ (عملُ العينِ فقط) وبين الملاحظةِ (عملُ العينِ والعقلِ معًا)، وهو نفسُ الفرقِ بين الاستماعِ (عملُ الأذنِ فقط) وبين الإنصاتِ (عملُ الأذنُ والعقل معًا). والفرقُ يكمنُ في تركيز العقلِ.. فلا ذاكرةَ بلا تركيزٍ.. فركز تتذكر.. واعتبرها قاعدةً: "إذا أردتَ أن تُقوي ذاكرتك.. فقوي تَركيزك"..
والتركيزُ هو: حصرُ الذِّهنِ (بوعيٍ) على هدفٍ مُحددٍ..
إنَّ عليك أن تأسسَ في داخلك دافعًا قويًا.. يجعلُك شديدَ الرغبةِ في الاهتمامِ والتركيزِ لما تُريدُ أن تستوعبهُ وتتذكرهُ، ويُجبرك على الملاحظة والإنصاتِ بشكلٍ قويٍ وفعَّالٍ. إنها مهارةٌ فائقةُ الأهميةِ، لو استطعتَ أن تُنمَّيها وتفعِّلها بشكلٍ جيدٍ، فستجني بسببها فوائدَ لا تُقدرُ بثمنٍ.. والأمرُ ليسَ صعبًا فالكثيرُ من النًّاس لديهم جانبٌ ما من قوةِ التركيزِ، فعلى سبيل المثال:
يشكو أكثرُ النساءِ من ضعفِ الذاكرةِ، بينما تجدُ الواحدةُ منهن على استعدادٍ لأن تصفَ كل النساءِ اللائي حضرن إلى العرس الفلاني، وبأدق التفاصيلِ الصغيرةِ، أليست هذه مهارةُ تذكُّرٍ فائقةٍ ؟!..
الشبابُ الذين يعرفون أدقَ تفاصيلِ الأنديةِ واللاعبين والمباريات والسيارات والجوالات والأفلام والممثلين والألعاب الإلكترونية.. الخ.. أليست هذه مهارةُ تذكُّرٍ فائقةٍ ؟!
أطفالنا الصغار يحفظون كمًّا هائلًا ومُذهلًا من الأناشيد والدعايات، وقصصًا كثيرةً من الرسوم المتحركة، أليست هذه مهارةُ تذكُّرٍ فائقةٍ ؟!..
هل سبقَ لك وأن زُرتَ معرضًا من المعارض الموسميةِ الكبيرةِ، والتي عادةً ما تكتظُ بآلاف الزوارِ، وتصلُ فيها نسبةُ الضجيجِ لأعلى المستويات، هل لاحظتَ كيفَ أنَّ الناسَ (جميعًا) يتكلمونَ مع الباعةِ، ويتابعونَ الدعاياتِ والعروضِ الحيةِ دونَ أن يمنعهم تداخلُ الأصواتِ، وذلك الضجيجُ العالي من مُتابعةِ ما يرغبونَ متابعتهُ، أليست هذه مهارةُ تركيزٍ فائقةٍ جدًا ؟!..
إنها قُدراتٍ مُدهِشةٍ ومهاراتٍ رائعةٍ.. تعودنا أن نُفعّلها في بعض الجوانبِ (كالأمثلة السابقة) لكننا للأسف الشديدِ نفتقدها ولا نفعّلها في جوانب أخرى مُهمَّةِ (كغرفة الصفِ مثلًا)..
ولو رجعتَ للأمثلة السابقةِ جميعًا وبحثتَ عن القاسم المشتركِ الأكبِر بين جميِع فئاتها لعلمتَ أنها: الرغبةُ والاهتمامُ.. فجميعُهم لديهم رغبةٌ قويةٌ واهتمامٌ شديدٌ بما لاحظوه وأنصتوا له، لذلك يحصلُ التركيزُ الجيدُ، وإذا حصلَ التركيزُ الجيدُ.. حصلَ التذكرُ الجيد.. وهذه هي القاعدة: فالرغبةُ القويةُ تؤدي إلى اهتمامٍ قوي وبدوره يؤدي إلى تركيزٍ قوي والنتيجةُ: تذكرٌ قوي.. فركِّز تُنجز..
وطالما أن بمقدورك أن تتذكرَ الأشياءَ التي ترغبها، فإن بإمكانك أن تتذكرَ الأشياءَ الأخرى إذا أوليتها المقدارَ الكافي من الرغبة والاهتمامِ والتركيزِ..
يقول أخصائي عِلم النفسِ: د. وليم ملتون.. "القدرةُ على تركيز الخواطرِ والأفكارِ تجري مجرى العادةِ عندَ كلِّ عظيمٍ يبرزُ في فنٍّ من فنون الحياةِ، فما أن يُركزَ الزعيمُ أو الرجلِ الفائقِ فِكرهُ وخواطرهُ في العمل (المطلوبِ) حتى يأتي به على أحسن وجهٍ".. ثمَّ يقولُ: "والعقلُ البشريُ يُصبحُ أداةً مُدهشةَ الكفاءةِ إذا رُكزَ تركِيزًا قويًا حادًا، وهذهِ القدرةُ تُكتسَبُ بالمران، والمرانُ يتطلَبُ صبرًا.. فإذا استطعتَ (من خلال التمرينِ والواقعِ) أن تَرُدَّ عقلكَ من الشرود إلى التركيزِ، مرةً بعدَ أُخرى، وخمسينَ مرةً، ومائةَ مرةً، إلى الموضوع الذي تُعالجهُ. فإنَّ الصوارفَ التي تُنازِعُك لا تلبثُ أن تُخلي مكانها للموضوع الذي آثرتهُ بالاختيار.. ثمَّ تجدُ نفسكَ آخرَ الأمرِ قادرًا على التركيز وقتَ ما تشاءُ..
وأستطيعُ أن أقولَ أنَّ الصلاةَ الخاشعةَ هي أعظمُ وأروعُ تمرينٍ على تنمية مهارةِ التركيزِ، فالمصلي (الخاشع) الذي يُجاهِدُ بكلِّ طاقتهِ أن يَحصُرَ ذِهنهُ طيلةَ وقتِ الصلاةِ في عبادتهِ، ستنمو لديهِ مهارةُ التركيزِ، مما يُعينُهُ في سائرِ أعمالِهِ، وممَّا يزيدُ في تأكيدِ ذلك.. قولِ وليم مِلتون في موضعٍ آخرَ: "وخيرُ ما يَمنعُ الشرودَ ويقطعهُ، أن ينهمِكَ العقلُ والجسمُ في العمل المطلوبِ معًا".. لكأنهُ يتحدثُ عن الصلاة بذاتها، فالمصلي يركعُ ويسجدُ، ويقومُ ويقعدُ، ويقرأُ ويتعبدُ، ويتدبرُ ما يقول، ويعي ما يفعلُ، وكلَّما ندَّ فِكرهُ عن معبودهِ ردهُ إليه.. فلا شكَّ أنَّ هذا من أقوى وأفضلِ ما يُقوى مهارةَ التركيز..
لقد عرَّفَ عُلماءُ الشريعةِ الخشوعَ بأنهُ: "جمعُ الهِمةِ في العبادة والإِعراضِ عمَّا سِواها".. وقلنا أنَّ التركيزَ هو: "حصرُ الذهنِ (بوعيٍ) على هدفٍ مُحددٍ، وتجاهُلِ ما عداهُ".. فالأمرانِ مُتشابهانِ كثيرًا كما تلاحظ.. وصدقَ اللهُ العظيم: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (45) سورة البقرة .
وما يجبُ أن تعلمهُ وتفعَلهُ بدون ترددٍ هو أن تعقِدَ العزمَ على أن تهتمَ بشدةٍ، وتُركزَ بقوةٍ، مع شيءٍ من المناقشةِ العقليةِ لما تُركزُ عليهِ، والنقدِ والتحليل، وطرحِ الأسئلة المناسبةِ.. وهذا ما يُطلقُ عليهِ التركيزُ التحليليُ الفعَّالِ وهيَ مهارةٌ مُفيدةٌ جدًا، تزيدُ من استيعابٍك للمعلوماتِ كثيرًا، وتحمِيك بإذن اللهِ من عواقِبِ المللِ والشُرودِ..
الخاتمة:
هناك طريقانِ لمواجهة المصاعبِ، أمَّا أن تُغيرها، وإمَّا أن تُغيرَ أُسلوبَ مواجهتِها..
وإذا أحسنتَ الاستفادةَ من هذه التوجيهاتِ والأفكارِ، وتمكنت من إعادةِ تشكيلِ قناعاتِك وعاداتِك الدراسيةِ بناءً عليها.. فستبهرُك النتائجُ بإذن الله..
فما هو ممكنٌ لغيرك ممكنٌ لك إذا بذلت نفسَ الأسباب.. وينبغي للعاقِلِ أن يكونَ أفضلَ ما يُمكنهُ أن يكون.. ولن يَصِلَ لذلك إلا إذا بذلَ أفضلَ ما لديه.. فالعملُ الجادُّ إن لم يُوصِلك للقمةِ فسيقربُك منها كثيرًا.. والإصرارُ هو الجسرُ الموصِلُ للمستحيل.. والناجِحونَ لا يتراجعونَ والمتراجِعونَ لا ينجَحُونَ.. ولن تجدَ الراحةَ إلا في تركِ الراحةِ..
وها أنت قد وضعتَ قدمك على بداية الطريق.. فاعلم أن كُلَّ ما تعلمتَهُ لا يعدو أن يكونَ معلوماتٍ سريعةُ النسيانِ والتلاشى.. ما لم تتحول إلى سلوكٍ ومهاراتٍ ثابتة.. ولن يحصل ذلك إلا بالتدرُّبِ الجادِّ والمنظَّمِ.. فكن جادًا مُنظمًا.. وركِز تُنجِز، واستعن بالله ولا تعجز، وسِر على بركة الله، وتفاءل واستبشر.. فمن ثبتَ نبت، ومن صبرَ ظفر، ومن جدَّ وجد، ومن سارَ على الدَّربِ وصل..
}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد