عزاء ديفيد رجل الكهف، ملحد ينتحر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

في الحقيقة، تذكرني تعازي الملحدين بما كان يذكره الملحد الماركسي تروتسكي من أن هناك "لحظات أساسية وطقوسية في حياة الإنسان والأسرة تتوسل بها الكنيسة لتشد العامل إلى غلها حتى لو كان غير مؤمن أو ضعيف الإيمان، وهي الولادة والزواج والوفاة" [١]

 

وهي اللحظات الجوهرية، التي "لا يحل النقد الماركسي للدين مشكلتها" [٢] إن السؤال عن موت شخص ظُلِم ولم يتحقق له العدل، أو شخص عادل ولم يجازى بالحسن، يقول في إطاره جورج بليخانوف أنه "لا يستطيع الملحدون إعطاء جواب مُرضٍ عنه" [٣]

 

إذ إشكالية "الموت" في سياق إلحادي محض، بدون قوالب إيمانية، النتيجة المنطقية معه هي الجنون، وحيث أدرك الماركسيون هذا الأمر على صعيد المجتمع، عرفوا أن "الدفن، هو مصدر المتاعب الأعظم، فإن دفن ميت دون تلاوة صلاة عليه، شيء غير مألوف، غريب ومخجل" [٤]

 

فما الحل؟ يقول تروتسكي عن حلول الدولة الملحدة "فإن طقوسًا جديدة مسرحية مشبعة بالرموز الثورية بدأت تفرض نفسها، الأعلام الحُمر تُعلَّق، والنشيد المأتمي الثوري يُعزَف، والرصاص يُطلق حزنًا على الراحل" [٥]

 

الأمر الذي لا يبرره الإلحاد، وإنما هو بصيغة أخرى: استعانة بقالَب إيماني ديني وإلا زال المجتمع. يقول تروتسكي عن استبدال الطقوس الدينية عند الوفاة، بطقوس شيوعية، أنها "تُذكِّر بمسرحية الماضي، وتُقلدها، بل لا تعدو أحيانا أن تكون استمرارًا لها" [٦]

 

فالدولة الإلحادية، بدون قوالب إيمانية، بدون أن تكون مستعينةً بحلول دينية -ولو اعتبرتها مسرحية- لا تجد حلًا لقضية الوفاة -الوفاة- فقط، لاحظ.

 

هذا كما ذكّرنا أحد الإخوة -في نقاش دار حول الموضوع- بالشخصية الرئيسية في رواية الغريب لألبير كامو، الذي تعب كي يلتقي بجثة أمه بعد موتها في دار العجزة، ثم بعد الدفن بيومين، راح يسأل صديقته: أمي ماتت اليوم أم البارحة؟ غير آبه. ثم بعد ذلك بدقائق سألته: هل تتزوجني؟ فرحب بالفكرة مبتسمًا.

 

كامو هنا، يشرح كيف يكون الاتساق مع الإلحاد في قضية مثل "الوفاة"، حين لا يستجلب الملحد قالبًا إيمانيًا ألبتة، بحيث يستوي عنده تذكر الميت وعدمه، فضلًا عن ترديد عبارة مثل "لروحك السلام- حزنت لأجلك- حداد على روح الملحد ديفيد".

 

تلك العبارات، هي تهرب ساخر من ورطة "الوفاة" في ذهنية الملحد الصرف، إنه يستعيرُ قالبًا إيمانيًا ليخرج من الورطة، يحاول أن يحل مشكلة إلحاديةً مستعينًا بالإيمان.

 

"إن كونا يتجرد فجأة من (الأوهام) والأضواء لهو كون يشعر فيه الانسان بأنه مغترب، إنه غريب، ومنفاه هذا لا علاج له نظرا لأنه تجرد من ذكرى وطن أو أمل في جنة موعودة.

وهذا الإنفصال بين الممثل ووسطه الفني هو على وجه الإحتمال شعور بالعبث" -الغريب، ألبير كامو، ص١٧٢.

 

هكذا يفكر الفيلسوف الملحد بجدية بعدما ألغى ما يعتبره "وهمًا" دون أن يجد مقالًا صحيحًا في سياقه، كنفي اللاهوت الكنسي المثالي (الوهم) مع عدم الاهتداء لمقالات حقة فيما يتعلق بالإلهيات، ومن ثم اختيار الإلحاد، إنه الوقوع في ورطة "العبثية"، التي لا تبرر أيًا من تلك العبارات التي من جنس "لروحك السلام".

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

المراجع:

[١] الثورة والحياة اليومية، ليون تروتسكي، ص٦٨.

[٢] الثورة والحياة اليومية، تروتسكي، ص٦٧.

[٣] المؤلفات الفلسفية، بليخانوف، ج٢، ص٣٧١.

[٤] الثورة والحياة اليومية، تروتسكي، ص٧٠.

[٥] الثورة والحياة اليومية، تروتسكي، ص٧٠.

[٦] الثورة والحياة اليومية، تروتسكي، ص٦٨.

المراجع من [١] إلى [٦] مستفادة من كتاب القراءة الماركسية للتراث الإسلامي- ليوسف سمرين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply