بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من رام الحياة الطيبة فعليه بالقناعة، قال الله عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل:97] قال الإمام القرطبي رحمه الله: " في الحياة الطيبة خمسة أقوال:...الثاني: القناعة، قاله الحسن البصري، وزيد بن وهب، ووهب بن منبه، ورواه الحكم عن عكرمة عن ابن عباس، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه."
وقال الإمام ابن عقيل رحمه الله: لو علمت قدر الراحة في القناعة، والعز في مدارجها، علمت أنها العيشة الطيبة.
لقد أفلح وفاز من رُزِق القناعة، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه ))
في القناعة العز ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في كتابه" قمع الحرص بالزهد والقناعة" أبياتًا من الشعر تُنسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال فيها:
عزيز النفس من لزم القناعة ولم يكشف لمخلوق قِنــــــاعه
أفادته القناعة كـــــــــل عــــــــــــز وهل عز أعـــز من القناعـــــــة
فصيرها لنفسك رأس مــــال وصير بعدها التقوى بضاعة
لتحرز ما سيعني عن بخــــيل وتحظى الجنان بصبر ساعـــــــة
وفي القناعة راحة البال، يقول الإمام ابن حبان رحمه الله في كتابه: " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ": لو لم يكن في القناعة خصلة تحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يُفارق القناعة على حالة من الأحوال، ومن عدم القناعة لم يزده المال غنًى، فتمكُّن المرء بالمال القليل مع قلة الهمِّ أهنأُ من الكثير ذي التبعة، والعاقل ينتقم من الحرص بالقنوع كما ينتصر من العدو بالقصاص؛ لأن السبب المانع رزق العاقل هو السبب الجالب رزق الجاهل.
ومن قنع بما رزقه الله عز وجل بارك الله فيه، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستغن يُغنِه الله))، قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستغْنِ))؛ أي: بما عنده ولو كان قليلًا ((يُغْنه الله)) عز وجل، ويبارك له فيه.
والإنسان القنوع من أغنى الناس، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه عمر: يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلُبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال.
وقال زين العابدين علي بن الحسين: من قنع بما قسَّم الله، فهو من أغنى الناس.
وقال أبو العتاهية:
فقر النفوس بقدر حاجتـــــها وغنى النفوس بقدر ما تقنع
وقال أوس بن حارثة: خير الغنى القناعة، وشر الفقر الخضوع.
والقنوع إنسان عاقل، قال أبو حازم رحمه الله: ثلاث من كنً فيه كمل عقله: من عرف نفسه، وحفظ لسانه، وقنع بما رزقه الله.
ومن رزق القناعة سلِمَ من الحسد قال المدائني: اثنان لا يجتمعان أبدًا: القنوع والحسد
وإذا قنع الإنسان، قنّع الله غيره به، قال الإمام ابن حزم رحمه في كتابه " مداواة النفوس ": اقنع بمن عندك، يقنع بك من عندك.
ومن لم يقنع وطلب الكثير من زينة الدنيا، فإن لم يحصل عليها أصابه الهم والغم لذلك، وإن حصل عليها فربما ألهته عن ما ينفعه من أمور دينه ودنياه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: اعلم أن قليلًا يكفيك، خير من كثير يلهيك.
إن في الحرص على الدنيا وعدم القناعة العذاب الحسي والمعنوي. قال الشاعر:
إن القناعة نصف العيش فارض بها لا تحرصن فإن الحرص تعذيـــــــــــــب
والسعيد من لم يضيع زمانه في طلب الدنيا والحرص عليها، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: السعيد من اقتنع بالبلغة، فإن الزمان أشرف أن يضيع في طلب الدنيا.
والقنوع إنسان مغبوط، قال مالك بن دينار رحمه الله: إني لأغبط الرجل الذي يكون عيشه كفافا ويقنع به.
ومن لم يقنع بما يكفيه فليس في الدنيا شيء يغنيه، قال سلمة بن دينار رحمه الله: إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس في الدنيا شيء يغنيك.
فاللهم ارزقنا القناعة. وبارك لنا فيما رزقتنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد