الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِه محمدٍ بن عبدِ الله ﷺ، وشرَ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}...
معاشر المؤمنين الكرام: الهمةُ العاليةُ شرفٌ نبيل، وخلقٌ جميل، فبالهِمم تعلُو الأفراد والأمم، حتى تبلُغَ أعالِيَ القِمَم،{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقد أثنَى الله تعالى على أصحاب الهِمَم العالية فقال تعالى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}... وأمرَ الله سبحانه بالتنافُس في المعالِي، فقال:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}... وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمتَه علوَّ الهِمَّة، فقال: "إن الله يحبُ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سِفسَافها"... وفي الحديث الصحيح: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا"...
وثِقوا يا كرام: ثقوا أن في كلِ فردٍ منَّا خصائصَ وصفات، ومواهبَ وقدرات، لو فعَّلها بالشكل الصحيح، واستثمرها كما ينبغي، لتغيّرَ طعم الحياةِ في حسه، ولشعرَ بعلو قدره وسمو نفسه... ولعاشَ بإذن الله سعيدًا وماتَ حميدًا... وكم هي خسارةٌ كبرى، ورزيةٌ عظمى، أن يَهبَك اللهُ عقلًا سليمًا، وجسمًا صحيحًا، ويمد في عمرك سنواتٍ وسنوات، ثم يضيعُ كلُّ ذلك في الترهات، والتافهِ من الاهتمامات،{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر : 37]...
{والعصر * إن الإنسان.....}...
أيها المسلمون: الله الذي خلقنا من عدم، وربانا بالنعم، وهو الذي هَدَانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، ووالله ما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا... {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}... ووالله إِنَّهُ لتَوفِيقٌ عظيم، وعطاءٌ كبيرٌ، أن يهبَ اللهِ تعالى لعبده المؤمن أُذُنًا تعي وتَسمَعُ، وَقَلبًا يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلًا يرتدِعُ ويُقلِع، ونفسًا تستجيبُ للحق وتخضع... قَالَ جَلَّ وَعَلا،{إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى}، وَقَالَ سُبحَانَهُ: {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}... وقال تبارك وتعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر: 18]...
ثم إياكم والهوى، لا يأخذنكم بعيدا يا عباد الله: فمن تتبع الهوى هوى، وزاغ عن السبيل وغوى، وصدق اللهُ ومن أصدقُ من الله قيلًا:{أَرَءيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، ويقول تبارك وتعالى:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}... وعينُ الهوى عمياء، وأذنهُ صماء، وفي كتاب الله وسنة رسوله العافية من هذا البلاء، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"...
أُخيَّ المبارك: الأعمارُ مهما طالَتْ فهي قصيرةٌ، والدنيا مهما طابتْ فهي يسيرةٌ، واليومَ عملٌ ولا حساب، وغدًا حسابٌ ولا عمل، والكيِّسُ من دانَ نفسَهُ، وعمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ من أتبعَ نفسَهُ هواها، وتمنَّى على الله الأماني، وفي الحديث الصحيح: "أفضلُ المؤمنينَ إسلامًا من سَلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه، وأفضلُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلقًا؛ وأفضلُ المهاجرين من هجر ما نهى اللهُ تعالى عنه، وأفضلُ الجهادِ من جاهد نفسَه في ذاتِ اللهِ عزَّ و جلَّ"... ومن حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ"، و"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"...
ولو أنا إِذا مِتْنا تُرِكنا ~ لكانَ الموتُ راحةَ كُلِّ حيّ...
ولكنا إِذا مِتْنا بُعِثْنا ~ ونُسألُ بعد ذا عن كُلِّ شيءٍ...
فيا عبد الله: ارضَ بما قسمَ اللهُ تكنْ أغنى النَّاسِ، واجتنبْ محارمَ اللهِ تكنْ أورعَ النَّاسِ، وأدِّ ما افترضَ اللهُ تكنْ أعبدَ النَّاسِ...{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}... من أبصرَ عيوبَ نفسهِ سلِم، ومن ظنَّ بمسلمٍ فتنةً فهو الذي فُتن... ومن عرفَ الدنيا هانت عليه مصائِبُها... وأشدُّ الذنوبِ قُبحًا ما استخفَّ بها صاحبها،{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}...
أُخيِّ الكريم: من غفلَ عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدت يومَ القيامةِ حسراته، وهل الأعمارُ إلا أعوام، وهل الأعوامُ إلا أيام، وهل الأيامُ إلا أنفاس، وإنَّ عمرًا ينقضي مع الأنفاس لسريعُ الانصرام... والوقتُ أنفسُ ما عُنيتُ بجمعه... وأراهُ أسهلَ ما عليك يضيعُ... الوقتَ هو رأسُ مالِ الانسانِ وأغلى موارده، ومن أضاعَ ولو جزءًا يسيرًا من وقته، فما عرفَ قيمةَ الحياةِ, ولا معنى العمر،{يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}...
أحبتي في الله: لا يعرفُ حقيقةَ الدنيا بصفوها وكدرها، وخيرها وشرها, إلا من حاسبَ نفسه حسابًا دقيقًا، فحاسب نفسك يا عبد الله، وإذا رأيتَ في نفسك أو في أيِّ شأنٍ من شؤن حياتك خللًا ما، فتذكر نِعمةً ما شُكرت، أو زلةً قد ارتكبت، أو غفلةً قد استحكمت... واعلم أنهُ لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولن يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه"، وإنَّ المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ قائمِ الليلِ، وصائمِ النهارِ،{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}...واعلم أنه ما وقعَ بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفعَ إلا بتوبة...فلُذ بالباب, وبادر بالمتاب، وخُذ بالأسباب، فالكريم الوهاب يقول:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواأَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}...
وتذكر أيها الموفق: أنك لن تأخذَ معك سوى عملُك, ولن يبقى منك إلا سمعتُك وذكرُك... فاجتهد في إصلاح عملِك، وتحسينِ خُلقِك... واشتغل بذِكْر الله؛ فإنَّهُ خيرُ ما تعمل، والْزَم الصِّدْقَ، فإنّ الله مع الصادقين، واحذر الكَذِبَ فإن المؤمنَ لا يكذب، وصِل رحمك, وأحسِن إلى جيرانك، تكن مِن المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون... اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}...
اتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك...
معاشر المؤمنين: لقد أكرمنا الله تعالى بنعمٍ ليس لها نهاية،{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، بيوتٌ معمورة، وعوراتٌ مستورة، وأرزاقٌ موفورة، أمنٌ في الأوطان، وسلامةٌ في الأبدان، ودينٌ هو أحسنُ وأيسرُ الأديان،{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ}... تأمل يا رعاك الله في أرجاء الأرض وهي قاحلةٌ ماحلة، والسماء صحوٌ صافية، قد تربعت في كبدها شمس الهاجرة، ثم إذا بالغيم يتسابقُ من كل مكان، تبرقُ السماءُ وترعُد، ثم ينزل منها كأفواه القرب، يسيل على وجه الأرض كالأنهار، يغمر كل فجاها، ويسقي كل ربوعها، فترتوي الأرض وتمتلئ الغدران، ثم تلبس الأرض من ثيابها الخضر الحسان، في منظرٍ آسرٍ فتان... فمن أزجى السحاب وألف بين أجزاءه، ومن أنزل الماء وسلكه ينابيع في الأرض ؟... إنه الله جل في علاه،{أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلاْبْصَـٰرِ}... وقال تعالى:{أَلم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ في الأَرضِ ثُمَّ يُخرِجُ بِهِ زَرعًا مُختَلِفًا أَلوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَجعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لأُولي الأَلبَابِ}، المَاءُ أَيُّهَا المُسلِمُونَ نعمةٌ عَظِيمَةٌ لا يعرف قدرها إلا من حُرِمها،{وَجَعَلْنَا مِنَ المَاء كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ}... تأمل:{وَهُوَ ٱلَّذِى يُنَزّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِىُّ ٱلْحَمِيدُ}، وَقَالَ تَعَالى:{أَلم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصبِحُ الأَرضُ مُخضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، وَقَالَ جَلَّ وَعَلا:{أَوَلم يَرَوا أَنَّا نَسُوقُ المَاء إِلى الأَرضِ الجُرُزِ فَنُخرِجُ بِهِ زَرعًا تَأكُلُ مِنهُ أَنعَامُهُم وَأَنفُسُهُم أَفَلا يُبصِرُونَ}، وَقَالَ جَلَّ مِن قَائِلٍ:{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}، وقال جل وعلا:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}... وغيرها من الآيات كثير...
ثم اعلموا أيها الأحبة الكرام: أنَّ هناك سننًا وآدابًا كثيرةً متعلقةً بنزول الغيث، فقد كَانَ المصطفى ﷺ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ يقول: "اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُكَ خَيرَهَا وَخَيرَ مَا فِيهَا وَخَيرَ مَا أُرسِلَت بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرسِلَت بِهِ"... وَكَانَ ﷺ إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ واجتمعت السحب، تَغَيَّرَ لَونُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا أَمطَرَت سُرِّيَ عَنهُ... وجاء في الأثر بسندٍ صحيح أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)... وفي صحيح البخاري أنه إذا رأى المطر قال: "اللهم صيِّبا نافعا"، وعندما يتوقف المطر كان يقول: "مطِرنا بفضل الله ورحمته"، وكان إذا خشي منه الضرَر دعا وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، وفي صحيح مسلم قال أنس رضي الله عنه: أصابنا ونحن مع رسول الله ﷺ مطرٌ قال: فحسرَ رسول الله ﷺ ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهدٍ بربه"... فلا ينبغي للمسلم أن تفوته مثل هذه الأدعية والأذكار والسنن النبوية الكريمة، وكم هو جميل أن نتعلمها ونعلّمها لأبنائنا وأهلينا... كما ينبغي للمسلم أن لا يفوته الدعاء وقت نزول المطر، فإنه من مواطن الإجابة، وفي الحديث الصحيح: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر"... فَاحمَدُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ عَلَى مَا مَنَّ الله بِهِ عَلَيكُم مِن هَذَا الغَيثِ المُبَارَكِ، وَاسأَلُوهُ جل وعلا أَن يَجعَلَهُ رَحمَةً لَكُم وَقُوَّةً وَبَلاغًا إِلى حِينٍ، استَقِيمُوا عَلَى طاعَةِ ربكم، وأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم، وأَبشِرُوا وأملوا... فَخَزَائِنُ اللهِ مَلأَى، ويده سحاء، ولا يتعاظمه كثرة العطاء، ولا يُعجِزُهُ شَيءٌ في الأَرضِ وَلا في السَّمَاءِ،{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 13 - 16]...
ويا ابن آدم عش ما شئت...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد