الحظ الوافر لمن أدرك العشر الأوآخر


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الثالثة من شهر رمضان ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:

1- حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر.

2- ما هي دوافع وأسباب في العشر الأواخر.

3- كيف نحقق الاجتهاد فيها لإدراك خيرها وكنوزها؟

الهدف من الخطبة: التذكير بفضائل ليإلى العشر الأواخر، وليلة القدر، والحث والتحفيز للتشمير في هذه الليإلى المعدودة لإدراك فضلها وثوابها، مع بيان كيف نحقق هذا الاجتهاد؟

مقدمة ومدخل للموضوع:

أيها المسلمون عباد الله، فإن الله تعالى فضل بعض الأزمان والأوقات على بعضها من حيث شرفها وقدرها والخير الكثير الذي يتحصل عليه العبد في هذه الأوقات؛ فقد شرف الله تعالى شهر رمضان عن سائر وبقية شهور العام.

وذكر العلماء: أن الأوقات الفاضلة أواخرها أفضل من أوائلها؛ فإن يوم الجمعة أفضل أوقاته الساعة الأخيرة، والليل أفضل أوقاته الثلث الأخير، والعشر الأول من ذي الحجة أفضل أيامها هو يوم عرفة، وشهر رمضان أفضل أوقاته العشر الأواخر.

فإذا علمت أن شهر رمضان هو شهر الخيرات والبركات كان الاجتهاد فيه طلبا لهذا الخير، وإذا علمت أن العشر الأوآخر هى أفضل ليالي الشهر فإن هذا الاجتهاد سيزيد ولا ينقطع، ولا تضيع منه لحظة واحدة.

ولذا تأمل حال المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا دخلت هذه العشر، ولماذا أتحدث أنا؟؟ وقد نقلت لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها صورة حية لحاله صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه هذه العشر.

فقد روى مسلم عن عَائِشَة رضي الله عنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَآخر مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ."

وفي صحيح البخاري عَنْها رضي الله عنها قَالَتْ:"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَيْل، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وشَدَّ المِئْزَرَ."

وثبت عنها أيضًا: "أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر".

وفي رواية: "وشمر وشد المئزر."

وثبت عنها أيضًا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين الأول من رمضان بصلاة ونوم فإذا كانت العشر شّمر وشّد المئزر."

وفي رواية: "لم يذق غمضا."

وفي حديث آخر: "إذا دخل العشر طوى فراشه، وأحيا ليله كله."

بل بلغت شدة اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأوآخر أنه كان يلزم المسجد معتكفا لا يفارقه؛ لا يعود مريضا ولا يتبع جنازة مع كثرة انشغاله؛ فيحقق بذلك الصورة المثلى في الاجتهاد.

ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوآخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده."

فما هى الدوافع والأسباب؟ ولماذا هذا الحرص وهذا الاجتهاد؟

إنه تحري والتماس هذه الليلة الموعودة، ليلة العمر؛ بل ليلة أضعاف أضعاف العمر، وليلة العفو، وقل كما تشاء ؛ إنها ليلة القدر.

التي قال عنها المولى جل في علاه:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

فإن إدراك ليلة القدر لهو بارقة أمل لكل مسرف مضيع في أول الشهر؛ بل إنها فرصة لكل من ضيع وأسرف على نفسه طوال عمره لتضيف إلى رصيده أعمال وطاعات ثلاث وثمانون سنة.

كما قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

هذه الليلة العظيمة التي اختصها الله تعالى من بين الليإلى بفضائل وخصائص كثيرة فمنها:

-1أن الله تعالى أنزل فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مُفَصَّلًا على النبي صلى الله عليه وسلم بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.

قال الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. وقال تعالى:{إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}.

-2أن الله تعالى أنزل في شأنها سورة تتلى إلى يوم القيامة، وذكر فيها شرفها وَعِظَم قدرها، وأوصافها.

كما قال تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بإذن رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.

-3أن الله تعالى يغفر فيها ذنوب عباده ويعفو عنهم؛ فهي ليلة العفو والمغفرة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

4-أن الله تعالى وصفها بأوصاف تدل على عِظَم شأنها ومكانتها:

فقد وصفها بأنها ذات شرف وقدر وشأن عظيم؛ ولذلك سميت ليلة القدر.

‏ وأنه لا يعرف قدرها، ولا قيمتها إلا هو جل فى علاه ؛ كما قال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}.

‏ ووصفها بأنها خير من ألف شهر؛ كما قال تعالى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}.

‏ ووصفها بأنها ليلة مباركة؛ كما قال تعالى:{إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}.

‏ وأنها تنزل فيها الملائكة لكثرة بركتها؛ كما قال تعالى:{تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بإذن رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}، وفي الحديث الصحيح:"إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى".

‏ ووصفها بأنها ليلة سلام وأمان ورحمة على عباده الطائعين؛ كما قال تعالى:{سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ؛ فهِيَ لَيْلَةٌ سَالِمَةٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سوءًا، أَوْ يَعْمَلَ فِيهَا أَذًى، وَتَكْثُرُ فِيهَا السَّلَامَةُ مِنَ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ؛ لما يَقُومُ به الْعِبَادُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وليلة القدر في العشر الأوآخر من رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"تحروا ليلة القدر في العشر الأوآخر من رمضان".

وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأوآخر من رمضان".

وهي في السبع الأوآخر أقرب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أرى رؤياكم قد تواطأت (يعني: اتفقت في السبع الأواخر) فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"؛[متفق عليه].

وأقرب أوتار السبع الأوآخر ليلة سبع وعشرين؛ لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "والله لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة سبع وعشرين" ؛ [رواه مسلم].

والراجح أنها لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين، وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وإحدى وعشرين وهكذا.

وقد أخفى الله سبحانه وتعالى علمها على العباد رحمة بهم؛ ليكثر عملهم في طلبها في تلك الليالي الفاضلة بالصلاة والذكر والدعاء، فيزدادون قربة من الله وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا ليتبين بذلك من كان جادًا في طلبها، حريصًا عليها، ممن هو كسلان متهاون، فإن من حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه التعب في سبيل الوصول إليه.

نسأل الله العظيم أن يبلغنا هذه الليلة الموعودة وأن يجعلنا ممن يقومها إيمانا واحتسابا.

الخطبة الثانية:

كيف نحقق الاجتهاد لإدراك خيرها وكنوزها؟ وكيف السبيل للظفر بهذه الليلة الموعودة؟

1-أن تدرك بأن هذه الليالي العشر هي ختام الشهر المبارك والأعمال بخواتيمها.

ففي الحديث الصحيح:"إنما الأعمال بالخواتيم".

ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك، وخير عمري أواخره، وخير عملي خواتمه".

2-إحياء سنة الإعتكاف إن تيسر ذلك.

فقد كان هدي النبي صلى الله علية وسلم الإعتكاف في العشر الأوآخر حتى توفاه الله تعالى.

كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوآخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده."

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الاوآخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها". ؛ يعني ليلة القدر.

بل كان صلى الله عليه وسلم يتجول بين ليالي الشهر كله طلبا والتماسا لهذه الليلة المباركة.

كما في الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنى اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ".

3-أن تدرك أن ليالي العشر فرصة لتعويض التقصير في أول رمضان بل لتعويض التقصير في العمر كله.

4-الحذر من تضييع الأوقات فإنها أوقاتٌ ثمينة وغالية؛ ومن صور هذا التضييع: طول السهر، أو الانشغال بطلبات العيد، ومجالسة أهل الكسل والتفريط، والانشغال بقنوات الإعلام ومواقع التواصل وغيرها من الشواغل.

5-تذكر طول الوقت الذى ستنتظره لرمضان القادم؛ وما يدريك؟! فإنك لا تضمن أنك ستبقى إلى رمضان القادم.

6-إن لم تكن معتكفا فإليك هذا البرنامج العملي اليومي:

الصلوات الخمس في أوقاتها، والمحافظة على النوافل.

‏ القرآن والاجتهاد في تلاوته.

‏ التراويح والإنصراف مع الإمام.

‏ قيام أول في المنزل ولو ركعات مع تلاوة القرآن.

‏ضبط المنبه على وقت التهجد.

‏ إدراك وقت السحر.

‏ صلاة الفجر وأذكار الصباح وإن استطعت المكث حتى الشروق.

‏ وهكذا طوال ليالي العشر.

نسأل الله العظيم أن يوفقنا لحسن الاجتهاد في ليالي العشر، وأن يبلغنا ليلة القدر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

١- الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

٢- إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:

  -إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).

  -وإما بنشرها، وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply