واجبنا تجاه إخوتنا الروهينجيا


بسم الله الرحمن الرحيم

:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

من المهم للغاية في دولة مثل روسيا يوجد فيها قوانين تتيح التعبير عن الرأي وتتيح النشاط السياسي والاجتماعي والإعلامي والخيري وإن كانت هذه القوانين مقارنة بأوروبا الغربية والولايات المتحدة تتيح مساحة أقل للعمل؛ ولكن هذه المساحة موجودة وهي شاغرة وغير مستغلة.

ما يقوم به المسلمون حاليا في روسيا:

• إعلاميًا: يتم نشر وبشكل واسع المعلومات والأخبار، ولكن بشكل أساسي في وسائل التواصل الاجتماعي والتغطية الإعلامية ضعيفةٌ للغاية في وسائل الإعلام المرئية والراديو والمقروءة، والسبب أن المسلمين ليس لديهم أية أدوات إعلامية يملكونها أو يؤثرون فيها، وليس لديهم إمكانية التاثير على وسائل الإعلام الموجودة أو التعاون معها. وحتى التغطية الإعلامية التي كانت موجودة، فيرجع الفضل فيها إلى المظاهرات التي كانت في موسكو والشيشان بشكل أساسي، فكانت التغطية لحدث داخلي هي من جلبت انتباه وسائل الإعلام ولكن للأسف فإن الكثير منها كان سلبيًا.

• عمل خيري إغاثي: تتسابق الآن عدة مؤسسات خيرية إسلامية روسية في جمع التبرعات وتقديم المساعدة للمسلمين في ميانمار. والحقيقة أن المسلمين يساهمون بشكل جيد بالتبرع، وقد جُمع مبالغ كبيرة لتقديمها كمساعدات للاجئين الروهينجيا.

• نشاط اجتماعي وسياسي: القضية الروهينجية لاقت اهتمامًا في أوساط المسلمين في روسيا في السنوات الأخيرة، وقد كانت هناك زياراتٌ لشخصيات إسلامية معروفة ولمؤسسات إلى ميانمار لتقصي الحقائق، ومن أشهر الشخصيات التي زارت ميانمار المحامي المسلم المشهور مراد موسايف وقد كَتبَ مقالاتٍ عن زيارته.

ولكن بعد التصعيدات الأخيرة تمت دعوات في وسائل التواصل لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة لإغاثة الروهينجيا ومن ضمن الاقتراحات كان تنظيم مظاهرات أمام سفارة ميانمار.

ورغم رفض أغلب الزعماء الدينيين في روسيا هذه الفكرة وتحذير المسلمين من المشاركة، ورغم دعوات المحامي المسلم المشهور موسايف بعدم المشاركة لأن المظاهرة لم تكن مصرحة من السلطات، مما يعني أن المشاركين سيتعرضون للسجن الإداري ودفع الغرامات الكبيرة، ونشر الشيوخ السلفيين فتاوى العلماء السعوديين التي تحرم التظاهر. إلا أن حوالي ألف من المسلمين الشباب قد تجمعوا أمام السفارة. والشرطة وإن كانت موجودة فهي لم تتعرض لهم بأي سوء، والحقيقة هذه أول مرة في تاريخ روسيا الحديث يستخدم المسلمون حقهم في التعبير عن رأيهم باستخدام آلية التظاهر، وهذا بحد ذاته حدثٌ تاريخي ذو مغزى عظيم ورسالة قوية للمسلمين وقياداتهم والحكومة الروسية.

وبغض النظر عن سوء تنظيم المظاهرة وعفويتها إلا أنها أثبتت أن للمسلمين ثقل سياسي واجتماعي يمكنهم أن يستغلوه وكانوا محرومين منه في السابق، وأن بعض المسائل لا تحل إلا بهذه الطريقة وهذا شيء طبيعي في دولة ديمقراطية مبدئيًا لا يمنع فيها المواطن من إبداء رأيه سلميًا، وأنه رغم القيود التي وضعتها الحكومة لتنظيم التظاهرات إلى أنه لا زالت هنالك مساحات واسعة من إمكانية التعبير عن الرأي.

وأكرر أن المسلمين كانوا محرومين من هذه الالية المهمة والمذنب في هذا بشكل أساسي المسلمون أنفسهم الذين حرّموا على أنفسهم التظاهر وأطاعوا قياداتهم الخائفة والجبانة والمخدوعة من موظفي الدولة.

فمن تجربتي مع موظفي الحكومة والأمن فقد تعلمت أنني يجب أن أطرح قضاياي وأسئلتي بشكل صحيح حتى أحصل على رد إيجابيٍ منهم.

فمثلًا كنت لا أسأل المسؤول الحكومي أو رجل الأمن سؤالًا مثل: ما رأيكم في مشروع بناء مسجدٍ في المدينة (س)؟ مثلًا، لأن الإجابة ستكونُ حتمًا الرفض، ولكن لو سألت بهذه الطريقة: نحن ننوي بناء مسجد في المدينة (س) وأريد أن أستشيركم في أي حي يمكننا البناء، في الحي (أ) أم الحي (ب)؟ وبذلك تكون قد أبديت صلابتك وجديتك في الأمر، وأيضًا بينت لهم أن رأيهم مهم ولكن في مجال محدود، ولطالما كانت تنجح هذه الطريقة معهم.

الكثير من القيادات الإسلامية في روسيا تعتقد خاطئة بأنهم يعملون وينشطون بفضل سماح أجهزة الدولة لهم بالعمل، ولذلك فمن أولوياته هو عدم إثارتهم وفقدانه رضاهم عنه، وينسى أن الحقيقة تكمن في أن قوته تنبع من قاعدته الشعبية التي تجمعت حوله من المسلمين، وأن الموظف الحكومي قرر أن يتعامل معك بسبب هذا بالذات -أي بسبب جماعتك التي تستطيع أن تؤثر فيها-. فمنبع القوة الحقيقي ومرجعيتك وحمايتك هي من المسلمين ورضاهم وخدمتهم وتحقيق مصالحهم يجب أن يكون الهدف.

أرجو المعذرة إن كنت قد خرجت من الموضوع لمناقشة مشاكلَ داخلية ربما لا علاقة لها بمشكلة المسلمين في ميانمار والذي هو موضوعنا، إلا أن هذه القضية كانت سببًا في إحداث بعض التغيرات في حياة المسلمين في روسيا لربما تكون خطوة أولى لتغيراتٍ إيجابية في مصلحة المسلمين في روسيا وخارجها.

• بعض المقترحات لاتخاذ إجراءات لإغاثة إخواننا الروهينجيا:

بالرغم من العمل الإعلامي والإغاثي وحتى الاجتماعي السياسي المشكور الذي يقوم بعض الأفراد والجمعيات الخيرية به، فإن بإمكاننا أن نقوم بأكثر من هذا بكثير وفيما يلي خارطةُ طريقٍ للعمل الإسلامي الداعم لقضية الروهينجيا:

-تأسيس جمعية اجتماعية روسية محلية متخصصة في قضية الروهينجيا، من ممكن أن تكون تسميتها مثلًا: جمعية إنقاذ الروهينجيا.
هذه المؤسسة تحتاج إلى ثلاثة أشخاصٍ يديرونها ولو بشكلٍ تطوعي، على ألا ينشغلوا في نشاطات إسلامية أخرى، ونحتاج حوالي عشرين متطوع يساعدون في تنفيذ المشاريع والحملات حسب الاستطاعة، ولا يحتاج الأمر تشغيل العشرين شخص، بل من يستطيع منهم حسب الوقت والمكان والظروف، ومن هنا نرى الموارد البشرية المطلوبة ليست كبيرةً أبدًا لأمةٍ إسلامية تعدادها ٢٥ مليون مسلم!

هذه الجمعية يجب أن تتواصل مع كل الجمعيات الممثلة للروهينجيا الشرعية والقانونية للتواصل والتنسيق معها، وهذا مهم للغاية بأن لا نتكلم باسم الشعب ونحن لا نعرف مطالبه وأولوياته الحقيقية.
لهذه المؤسسة عدة اتجاهات للعمل: أولًا إعلاميًا وذلك بالاهتمام بوصول المعلومات الصحيحة والدقيقة عن الصراع في بورما، وتوصيل المعلومة للمسلمين وإرسالها إلى وسائل الإعلام المحلية حتى تصبح المتكلم الغير رسمي عن هذا الصراع في روسيا، وهذا من السهل تحقيقه ولكن المجال هنا في هذه المقالة لا يتسع للتفاصيل.

-العمل الخيري الإغاثي: وهذا أيضًا سهل جدًا والمساعدات التي يمكن جمعها في روسيا ستكون كبيرة ومفيدة إن شاء الله.

-العمل السياسي والاجتماعي: لقاء شخصياتٍ سياسية ومسؤولين حكوميين وشخصيات مؤثرة، وتوجيه خطابات للحكومة ووزارة الخارجية وغيرها من النشاطات التي سينتج عنها تشكيل رأي عام مساند للقضية في أوساط المجتمع الروسي وقيادته السياسية والثقافية.
الحصول على التصريحات اللازمة والاجراءات للقيام بنشاطات اجتماعية كالتجمعات والمظاهرات وغيرها، واستخدام القوة العددية للمسلمين لتحقيق أهداف الجمعية.

تغير تاريخي تعيشهُ الأمة الإسلامية في روسيا:

بالأمس اجتمع المئات من المسلمين في موسكو أمام سفارة ميانمار للتنديد بالجرائم والتطهير العرقي الذي يتعرض له المسلمون في تلك الدولة، ولكن الذي جعل هذه التظاهرة تاريخية هو حدوثها بحد ذاته، فالمسلمون في روسيا لم يستخدموا أداة التظاهر السلمي تقريبًا للتعبير عن آرائهم السياسية بهذا الزخم الإعلامي والعدد الكبير للحضور من قبل!

ولو أخذنا بالاعتبار أن هذا الاعتصام لم ينظمه أو يقف ورائه أي منظمةٍ دينيةٍ أو مدنيةٍ، وأيضًا عدم حصوله على أية موافقة من السلطات الروسية فهذا كله أيضًا يعتبر تغيرٌ غير مسبوق.

مع العلم أن القانون الروسي بعد تعديله في السنوات الاخيرة أصبح يُضيق بشكلٍ كبيرٍ على أي إمكانية للتعبير عن الرأي على شكل المظاهرات والاعتصامات وغيرها من التجمعات إلا بالحصول على تصريح من السلطات الذي يكاد يكون من المستحيل الحصول عليه.

الدعوات للتجمع عند السفارة انتشرت في الإنترنت وتم تداولها وإعادة إرسالها بشكل كبير دون معرفة من يقف وراءها.

تبعها بشكل مباشر دعوات من شخصيات حقوقية مسلمة معروفة بدفاعها عن المسلمين وقضاياهم بعدم الخروج والمشاركة، لأن هذا كله ربما مجرد استدراج وأن القانون يمنع بشدة مثل هذه التجمعات والعقوبة تصل للسجن والمخالفات المالية الكبيرة!

وأيضًا نشر السلفيون فتاوى شيوخ السعودية عن بدعية المشاركة في المظاهرات وأصلوها شرعيًا، وكانت هناك دعواتٌ من رجال دين وناشطين حقوقيين ومدنيين لعدم المشاركة خوفًا من ردة فعل السلطات .

ولكن المفاجأة أنه رغم كل هذه التحذيرات والعقبات اجتمع عدد كبيرٌ كفاية ليملئ شارع السفارة البورمية، وأن الشرطة تصرفت بكل احترام وهدوء مع المتظاهرين ولَم تعرقل تحركهم أبدًا.

طبعًا كان هناك بعض الفوضى، فقد كان المتكلمون عبر مكبرات الصوت كُثر، وكانوا يتكلمون في نفس الوقت فلا يسمع أحد ما يقولون، وبعضهم رفع شعارات مرفوضة مثل (البوذيون إرهابيون).

باختصار... حدث شيءٌ جديد وتخطى المسلمون في روسيا حاجزًا كان ممنوعًا، وكان يبدو بعيدًا، وأظن أن هذه هي البداية، وسيكون لهذا الأمر تبعات جدية في المستقبل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply