الولاء والبراء بين الغلو والجفاء


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مقترح خطبة الجمعة الثانية من شهر ربيع الآخر ودروس هذا الأسبوع ودروس النساء:

1- مَعنَى وَمَفهُومُ الوَلَاءِ والبَرَاءِ.

2- أقسَامُ النَّاسِ فِي الوَلَاءِ والبَرَاءِ.

3- مَنزِلَةُ وَأَهَمِّيَّهُ الوَلَاءِ والبَرَاءِ.

4- مَظَاهِرُ وصُوُرُ مُوَالَاةِ الكَافِرِينَ.

5- صُوُرٌ لَيْسَت مِنَ المُوالَاةِ المُحَرَّمَة.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التَّذكِيرُ بأهمية عقيدة الولاء والبراء، وبيانُ المنهج الوسط في هذه القضية، مع بيانِ الصور المُحَرَّمة والجائزة للمُوَالاةِ.

مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَاد الله، فإن الوَلَاءَ وَالبَرَاءَ مِن أَهَمِّ القَضَايَا العَقَدِيَّةِ، وأصلٌ مِنَ الأُصُولِ العظيمةِ لهذا الدِّين؛ لِأَنَّ عقيدَتَنا تُحَرِّمُ علينا موالاة الكافرين والمشركين: من اليهود والنصارى والمجوس، والذين أشركوا؛ ولو كانوا عَرَبًا، ولو كانوا من أقرب الناس إلينا نسبًا، وتوجِبُ علينا البراءة منهم وبُغضهم والبعد عنهم.

والوَلَاءُ وَالبَرَاءُ حقيقته ومعناه:

- فأمَّا الوَلَاءُ: محبةُ المؤمنين وموالاتِهِم ونُصرَتِهِم.

- ‏وَأمَّا البَرَاءُ: بُغضُ الكافرين وعَدَاوَتُهُم، والبراءَةُ مِنهم ومِن دينِهِم البَاطِل.

- ‏ومَدَارُ الوَلَاءِ والبَرَاءِ: على المحبَّةِ والبُغضِ؛ المحبَّةُ والوِلايةُ لله ورسوله ولأهل الإيمان، والكراهةُ والعداوةُ لعدوِّ الله ورسوله وللكُفَّار.

وهذه القضية من القضايا الشائكة، والتي حصل فيها إفرَاطٌ وتفرِيطٌ؛ فانحرفت فيها فِرَقٌ وطوائِفٌ وجَمَاعَاتٌ ما بين غُلُوٍّ وَجَفَاء:

1- فمنهم: الغَالِي المُفرِطُ في الحكم بتكفِيرِ كُلَّ من تَعَامَل مع الكُفَّارِ مُعَامَلات ليست من المُوَالاةِ المُحَرَّمَةِ، فَضلًا على أن تَكُونَ كُفرًا ؛ فاستباحوا الدماء، ونشروا الفساد.

2- ومنهم: الجَافِي المُفَرِّطُ في هذه القضية، فلا يجعَلُهَا من قضايا الإيمان؛ بِحُجَّةِ أنها من القضايا الخطِيرِةِ الحسَّاسَةِ، والتي تُهدِّدُ الوحدة الوطنية، ووحدة النسيج الوطني، وأنها تُكَدِّرُ السِّلمَ العام، وأن الكلام فيها يُسَبِّبُ فِتنَةً طَائِفِيَّةً؛ فنادَوْا بالمُسَاوَاةِ بين أهل الإسلام وغيرهم من أتباع الديانات الباطلة، وَنَادَوْا بِتَقَارُب الأَديَان، وجعلوا صور المُوَالَاة الكُفرِية: إِمَّا مُبَاحَة، أو مُجَرَّد معصية؛ فأوقعوا كثيرًا من المسلمين في جهل لمفهوم البراء من المشركين؛ واتخذوا الكُفَّارَ أولياءَ يُحِبُّونَهُم، بل والبعضُ يُحِبُّهُم أعظمَ من مَحَبَّتِهِ لإخوَانِهِ المسلمين.

وأما المنهَجُ الوَسَطُ: فهو منهج القرآن والسنة؛ وهو وجوب موالاة المؤمنين، ووجوب البراءة ومعاداة وبُغضُ الكافرين؛ والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة؛ فمن الآيات التي جاءت بوجوب الموالاة للمؤمنين.

قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

ومن الآيات التي جاءت بوجوب البراءة من الكفار عمومًا وعدم مودتهم:

قول الله تعالى: {لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإلى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}.

وهناك آيات خَصَّت اليهود والنصارى:

كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

وآيات أخرى خَصَّت القرابة إذا كانوا على الكفر:

كما قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخر يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ؛ ففي هذه الآية الكريمة: نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمّن هذا شأنه، ولو كانت مودته ومحبته لأبيه وأخيه وابنه ونحوهم من أقربائه؛ فضلًا عن غيرهم، مما يدل على عِظَم هذا الأمر وخطورته.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وغيرها كثير.

يقول الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: *إنه ليس في كتاب الله حكمٌ فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم (أي: حكم الولاء والبراء) بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده.*

فيتبيَّنُ من هذه الآيات الكريمة: وجوب موالاة المؤمنين، ووجوب البراءة ومعاداة الكافرين، والتحذير من موالاتهم؛ حتى ولو كانوا من أقرب الأقربين.

وَلِمَا لَا وقد تبرأ اللهُ تعالى منهم، قبل أن يأمرنا بذلك.

قال الله تعالى: {وأَذَانٌ مِنَ الله ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ أنّ اللهَ بَريءٌ مِنَ المشْرِكين ورَسُولُهُ} ؛ والمسلم يُوالي كلَّ مَنْ والاهُ الله تعالى، ويُعادي كلَّ مَنْ عاداه الله، ويتبرَّأ منه.

وقد أمر الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، بأن يتبرأ من الكافرين، ومن دينهم الباطل، وما يعبُدونه من دون الله تعالى.

قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.

ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من ينام أن يختم أذكار النوم بقراءة هذه السورة؛ فعن فروة بن نوفل رضي الله عنه: أنَّهُ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، علِّمني شيئًا أقولُهُ إذا أوَيتُ إلى فِراشي، فقالَ: "اقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فإنَّها براءةٌ منَ الشِّركِ".

وقد حذَّرنا الله تعالى من الركون إلى أهل الكفر.

فقال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}.

وإظهار البراءة من المشركين هو منهج ودأب الأنبياء والمرسلين، ونحن مأمورون بالسير على طريقهم، ومنهجهم، والاقتداء بهم.

قال تعالى عن هود عليه السلام: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ}.

وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام؛ كنموذج تطبيقي لعقيدة الولاء والبراء: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ؛ فذكر سبحانه وتعالى ثلاثة أمور في التعامل مع الكافرين:

الأول: التبرؤ من الكافرين ومما يعبدونه.

والثاني: الكفر بهم.

والثالث: إظهار العداوة وإعلانها أبدًا حتى يؤمنوا بالله وحده.

وكان لسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، مواقف عظيمة في تحقيق عقيدة الولاء والبراء ؛ فقد أعلنوا بوضوح محبتهم لأهل الإيمان، وبراءتهم من أهل الكفر، وعدواتهم وبغضهم لهم، بلا مداهنةٍ، ولا مُجَاملَةٍ.

فعَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قُلْت لِعُمَر بن الخطاب رضي الله عنه: *إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا* قَالَ: *ما لَك قَاتَلَك اللَّهُ، أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تعالى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا.؟!* قَالَ: قُلْت: *يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ* قَالَ: *لَا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُدنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ*.

قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: *إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْلَمَ مَحَلَّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَلَا تَنْظُرْ إلى زِحَامِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجَوَامِعِ، وَلَا ضَجِيجِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ بِلَبَّيْكَ، وَإِنَّمَا اُنْظُرْ إلى مُوَاطَأَتِهِمْ أَعْدَاءَ الشَّرِيعَةِ*.

ومنزلة ومكانة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة جدا، ولها فوائد وثمرات كثيرة؛ فمنها:

1- أن عقيدة الولاء والبراء هي جزء من معنى (شهادة أن لا إله إلا الله) ؛ فإن معناها البراءة من كل ما يُعبد من دون الله تعالى:

قال اللهُ تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ؛ فالنَّفيُ الموجودُ في شَهادةِ: (لا إلهَ إلَّا اللهُ) يقتضي البَراءةَ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: *إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله*.

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: *لا يتم الإخلاص لله إلا بنفي جميع الشرك؛ فمن آمن بالله، ولم يكفر بالطاغوت فليس بمؤمن*.

2- ومنها: أن الولاء والبراء من الإيمان؛ بل هما شرط في الإيمان:

كما قال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِّنهُم يَتَوَلَّونَ الَذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ * ولَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ والنَّبِيِّ ومَا أُنزِلَ إلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ ولَكِنَّ كَثِيرًا مِّنهُم فَاسِقُونَ} ؛ قال ابن كثير رحمه الله: *يَعْنِي بِذَلِكَ مُوَالَاتِهِمْ لِلْكَافِرِينَ، وَتَرْكَهُمْ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّتِي أَعَقَبَتْهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَسْخَطَتِ اللَّهَ عَلَيْهِمْ سُخْطًا مُسْتَمِرًّا إلى يَوْمِ مَعَادِهِمْ*.

3- ومنها: أن العبدَ لن يصِلَ إلى كمال الإيمان ولن ينالَ ولايةَ اللهِ تعالى إلا بالولاء والبراء:

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ". ؛ قال المناوي رحمه الله: "فدلَّ هذا الحديث على أنَّ من لم يحب لله ويبغض لله لم يستكمل الإيمان.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: *من أحب في الله وأبغض في الله، ووإلى في الله وعادى في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك*.

4- ومنها: أن عقيدة الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان:

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله".

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ قال: "أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ"[رواه أحمد، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره.]

5- ومنها: أن عقيدة الولاء والبراء سبب لتذوق حلاوة الإيمان:

عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ: أنْ يَكونَ اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إليه ممَّا سِوَاهما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّار".

6- ومنها: أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم:

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..}

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا".

7- ومنها: أن هذه العقيدة بها يتميز المؤمنون، ويحصل الفرقان بين أولياء الله تعالى وأولياء الشيطان:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}

قال السعدي رحمه الله: *يرشد تعالى عباده المؤمنين حين بيَّن لهم أحوال اليهود والنصارى وصفاتهم غير الحسنة، أن لا يتخذوهم أولياء؛ فإن بَعْضهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يتناصرون فيما بينهم ويكونون يدا على من سواهم، فأنتم لا تتخذوهم أولياء، فإنهم الأعداء على الحقيقة ولا يبالون بضركم، بل لا يدخرون من مجهودهم شيئا على إضلالكم، فلا يتولاهم إلا من هو مثلهم*.

8- ومنها: حصول النصر والتمكين والغلبة على الأعداء الكافرين:

قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.

نسأل الله العظيم أن ينصُرَ الإسلام والمسلمين، وأن يرفعَ راية الدِّين.

 

الخطبة الثانية: مَظَاهِرُ وصُوُرُ مُوَالَاةِ الكَافِرِينَ.

وهذه الصور من الموالاة ليست على درجة واحدة؛ فمنها ما هو كُفرٌ ورِدَّةٌ، ومنها ما هو دون ذلك.

1- فمن مَظَاهِرِ وصُوُرِ مُوَالَاةِ الكَافِرِينَ:

- محبتهم لأجل كفرهم، أو محبتهم على ما هم عليه من الكفر.

- مُوَلاتهم ونصرتهم ومعاونتهم في قتال المسلمين.

- طاعتهم في كفرهم واتباعهم عليه.

- النصح لهم، والمعاونة على باطلهم.

- الرضى بكفرهم، وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: *إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى: نَهَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ يَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنْصَارًا وَحُلَفَاءَ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنِ اتَّخَذَهُمْ نَصِيرًا وَحَلِيفًا وَوَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ فِي التَّحَزُّبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْهُ بَرِيئَانِ*.

فمِن أخطر صور الولاء للكفار: محبتهم، والرضى بكفرهم، وعدم تكفيرهم، وإعانتهم ومناصرتهم على المسلمين بأيّ وسيلة كانت، فإن هذا من التولي للكفار ومن أسباب الردة، ومن نواقض الإسلام عياذًا بالله.

2- ومن صور الموالاة المُحَرَّمَةِ للكفار: الاستعانةُ بهم والثقة بهم وتوليتهم المناصب، واتخاذهم بطانةً، وتوليتهم الأعمال التي فيها أسرار للمسلمين:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.‏

3- ومن صور الموالاة المُحَرَّمَةِ للكفار: التشبه بهم:

فإن من صور موالاة الكفار التشبه بهم فيما هو من خصائصهم في اللباس والهيئات وغيرها؛ فقد تواترت الأدلة من الكِتاب والسُّنَّةِ في النَّهيِ عن التشَبُّهِ بالكُفَّارِ؛ لأن هذا التشَبُّه الظَّاهِري له أثَرُه الذي قد يمتَدُّ إلى مُوافَقتِهم فيما هو أشَدُّ مِن اعتِقاداتٍ وتَشريعاتٍ ونحوِ ذلك.

قال اللهُ تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

قال العلماء: *هذه الآية أصلٌ عَظيمٌ في الأمرِ بالتشَبُّهِ بالمؤمِنينَ، والنَّهيِ عن التشَبُّهِ بالمُشرِكينَ*.

وعن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن تَشَبَّهَ بقَومٍ فهو مِنهم".

ومنها ما جاء عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكم، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُموهم"، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قال: "فمَن؟".

وقال ابنُ باز رحمه الله: *الواجِبُ على المؤمِنينَ والمُسلِمينَ أن يَبتَعِدوا عن التشَبُّهِ بأعداءِ اللهِ في جميعِ الأُمورِ، وأن يَستَقِلُّوا بأنفُسِهم في جميعِ أُمورِهم؛ حتَّى يتمَيَّزوا عن عَدُوِّهم، وحتَّى يُعرَفوا أينما كانوا بزِيِّهم وطرائِقِهم وعاداتِهم الإسلاميَّةِ، وأعمالِهم الإسلاميَّةِ*.

وقد جاء النَّهيُ عن مخالفتهم في كثير من الأمور التي تتعَلَّقُ بعبادَةِ، ومَظهَرِ المُسلِمِ؛ سدًّا لذريعة التشبه بهم.

ومن ذلك: ما جاء عن عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "فَصْلُ ما بيْنَ صِيَامِنا وَصِيامِ أَهْلِ الكِتابِ أُكْلَةُ السَّحَرِ".

وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "خالِفُوا المُشْرِكِينَ، أحْفُوا الشَّوارِبَ، وأَوْفُوا اللِّحَى".

وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "جُزُّوا الشَّوارِبَ، وأرْخُوا اللِّحَى، خالِفوا المجوسَ".

وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ اليَهودَ والنَّصارى لا يَصبُغونَ، فخالِفوهم"، وغيرها من النصوص.

4- ومن صور الموالاة المُحَرَّمَةِ للكفار: مشاركتهم في أعيادهم ومناسباتهم الدينية، أو مساعدتهم في إقامتها، أو تهنئتهم بمناسبتها، أو حضور إقامتها؛ لأن في ذلك تشبه بهم ومتابعة.

فقد جاء النَّهيُ عن مُشابَهةِ ومشاركة المُشرِكينَ في أعيادِهم.

فعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، ولهم يومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال: "ما هذانِ اليومانِ؟" قالوا: كنَّا نَلعَبُ فيهما في الجاهليَّةِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما: يومَ الأَضْحى ويومَ الفِطْرِ" ؛ فلم يُقِرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذينِ اليَومَينِ، ولا تَرَك أصحابَه يَلعَبونَ فيهما على عادةِ النَّاسِ؛ بل قال: "إنَّ اللهَ قد أبدَلَكم بهما خيرًا منهما" وأما تهنئتهم بالمناسبات الاجتماعية الخاصة كالزواج والنجاح والشفاء، وحضورها معهم فيما ليس فيه معصية، فهي تدخل في باب البرّ والقسط بالكفار الذي أباحته الشريعة.

5- ومنها: مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد.

- الاستغفار لهم والترحم عليهم.

- الإقامة في بلادهم لغير حاجة.

- التسمي بأسمائهم.

صُوُرٌ لَيْسَت مِنَ المُوالَاةِ المُحَرَّمَة:

1- البيع والشراء معهم، والإجارة.

لما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه مع يهود المدينة بالبيع والشراء والقرض والرهن وغير ذلك من المعاملات المباحة في ديننا.

2- البر والإحسان والصلة.

قال تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.

3- العدل معهم.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

4- قبول الهبة منهم، والهدية.

فقد قَبِلَ النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض الكفار؛ كهدية المقوقس وغيره، وبوَّبَ البخاري في صحيحه: [باب قبول الهدية من المشركين].

5- عيادة مريضهم لدعوته للإسلام.

فعن أنس رضي الله عنه قَالَ: *كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ" فَنَظَرَ إلى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَأَسْلَمَ*، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ".

6- الاستعانة بهم في مصالح المسلمين.

فقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أريقط ليَدله على الطريق في الهجرة.

ونختم حدثنا بتنبيهٍ مهمٍّ: وهو أنه لا يلزم من معاداة أعداء الإسلام أن نعتدي عليهم، أو نظلمهم في شيء من حقوقهم، بل يجب أن نعدل فيهم بالحق؛ وتأمل إلى هذه النصوص من الكتاب والسنة لتعرِفَ سماحة الإسلام في التعامل مع الكافرين.

قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}. 

وقال تعالى: {لا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرٌّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ}.

وفي صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًّا".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ [أي خصمه] يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[رواه أبو داود، وصححه الألباني].

نسأل الله العظيم أن يعِزَّ الإسلام والمسلمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

ملحوظة:

1-  الموضوع قابل للزيادة والتعديل بحسب وقت الخطبة أو الدرس.

2-  إن لم تكن خطيبًا أو واعظًا فتستطيع بإذن الله تعالى أن تكون كذلك:
- إما بقراءة المادة الوعظية على غيرك (أسرتك... أقرانك... زملاءك...).
- وإما بنشرها وما يدريك لعل الخير يكون على يديك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply