كتب كُتب لها القبول: حلية طالب العلم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

بعض المؤلفات يُكتب لها القبول عند الناس، ويكون لذلك علامات واضحة ودلائل بينة: من مزيد اهتمام وكثرة إقبال واعتناء واضح بشرحها أو اختصارها أو التعليق عليها أو التوصية بها من قبل المختصين وأهل العلم وتزكيتها وتزكية مصنفها ومؤلفها، هذا عن دلائل القبول وأماراتها، أما عن أسباب القبول فهذه قد تختلف فيها الأنظار والآراء وتتعدد، ومع هذا يكاد يجمع بين هذه الأسباب قيمة الكتاب وجودة مادته والفوائد المتحصلة من مطالعته وقراءته وتميزه في بابه وموضوعه واختلافه عما يماثله أو ما هو في بابه، أو تفرده أو طرافته وغير ذلك من الأسباب المميزة. 

ولهذا كان من الأنسب الاهتمام بمثل هذه الكتب التي كتب لها القبول بين المختصين والمتلقين والقراء؛ لما في ذلك من فوائد علمية واجتماعية وتربوية وتاريخية وغيرها من الفوائد. ومن ثم يأمل كاتب هذه السطور أن يكون ذلك في سلسلة تلقي الضوء على هذه الكتب. ومن هذه الكتب التي أبدأ بها هذه السلسلة: كتاب حلية طالب العلم من تأليف الشيخ بكر بن عبد الله أبوزيد.

علامات قبول الكتاب:

من علامات قبول هذا الكتاب:

  1. (1)ثناء بعض أهل العلم على هذا الكتاب والتوصية به في باب آداب طالب العلم، ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهو أكبر من مؤلف الكتاب وأشهر منه، وقد أوقف حياته على نشر العلم وتعليم الناس العلم النافع والدعوة إلى الله وإفتاء المستفتين، وشرح المتون والكتب الأمهات والتعليق عليها.
  2. (2)كثرة شروح هذا الكتاب والتعليق عليه، فممن شرحه الشيخ ابن عثيمين وتلميذه الدكتور أحمد القاضي، وغيرهما، والأغلب أنه لا يقبل على شرح الكتب إلا ما كان منها مقبولا.
  3. (3)أن هذا الكتاب قد صار كالمتن تقام عليه الشروح والتعليقات ويدرس. وما زال، في كثير من الدورات العلمية التي تقام في المساجد وفي غيرها.
  4. (4)استفاد المؤلف من كتب السابقين من القدماء والمعاصرين مما ألف في هذا الفن أو القريبة منه، وظل كتابه يدرس ويهتم به، رغم ما ظهر بعده من كتب في موضوعه نفسه، إلا أنه لا يُزاحم في تصدره والإقبال عليه والاهتمام به.

من أسباب قبول هذا الكتاب:

  1. (1)تلبية الكتاب حاجة ملحة في وقته وبعد وقته من حاجة طالب العلم إلى آداب تنير له الطريق وتعصمه من الوقوع في الغلو أو التفريط أو التأثر بالأفكار غير الملائمة التي تنحرف به عن الجادة، فقد ذكر المصنف في مقدمة كتابه أنه ألفه في عام 1408 هـ، والمسلمون يعايشون يقظة علمية مفرحة ومبشرة، فكان مناسبا وضع رسالة لهم تبين محاسن الآداب ومكارم الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها هؤلاء من طلاب العلم حتى يحققوا العلم تحصيلا وآدابا كما هو مأمور به ومرغب فيه. 
  2. (2)الكتاب مختصر وصغير الحجم فهو رسالة وليس كتابا، وهو مع ذلك بيّن وذكر آداب طالب العلم التي ينبغي أن يتحلى بها، حتى لا ينحرف ولا يزيغ عن طريق الجادة في طلب العلم، ومن ثم لم يكن بالمختصر المخل ولا بالطويل الممل، وعصرنا تناسبه هذه المصنفات بتلك المواصفات.
  3. (3)تلك العاطفة الحانية الصادرة من المؤلف لطلاب العلم التي تدل على حبه لهم وإخلاصه النصيحة لهم وأنه منهم فهو أخوهم وصاحبهم قبل أن يكون معلمهم وموجههم، يحب لهم الخير ويدلهم عليه ويكره لهم الشر ويحذرهم منه، فتراه يقول في المقدمة: "واليوم أخوك يشد عضدك ويأخذ بيدك، فأَجعلُ طوع بنانك رسالة تحمل الصفة الكاشفة لحليتك، فهأنذا أجعل سن القلم على القرطاس، فاتلُ ما أرقم لك أنعمَ الله بك عينا".
  4. (4)جمع المصنف بين مؤلفات الأقدمين وكتب المعاصرين في آداب طلب العلم، مما يجعله جامعا بين الأصالة والمعاصرة، ولا يكتفي بالنقل من كتب المشارقة المعاصرين فحسب، بل يجمع إلى ذلك أيضا الاقتباس والنقل من كتب الأعلام المعاصرين من المغاربة أمثال: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ محمد الخضر حسين، وهذا يجعله خلاصة وعصارة لتلك الكتب المتعددة والمتنوعة.
  1. (5)جمع المؤلف في رسالته الصغيرة تلك، بين الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها طالب ونواقضها وما يترتب على تلك النواقض؛ مما يحذر طالب العلم منها ويتجنبها. فجمع بين التحلية والتخلية، وبين ما يرغب في طلبه وبين ما يحذر منه، حتى يكون طالب العلم على بصيرة مما يأتي ومما يدع ويتجنب.
  2. (6)لغة الشيخ الجزلة القوية ذات البيان الواضح الأخاذ مع تطعيمها ببعض المصطلحات والأساليب المعاصرة، فالطالب باطلاعه على تلك الرسالة لم يفارق كتب التراث بلغتها الرصينة البليغة وبيانها الواضح مع إيجازها، ولم يفته أيضا الإلمام باللغة التي يعايشها وما تحتوي من مصطلحات وأساليب. ومثال على ذلك هذا العنوان داخل الرسالة: المحافظة على رأس مالك (ساعات عمرك)، وحلم اليقظة، والإجهاض الفكري.
  3. (7)رغم صغر الرسالة فإن المصنف حرص على ذكر الوقائع العملية والعلمية مما عايشاه أو سمعه من مصادر مباشرة؛ ليبين مراده أو يؤكد على معنى ساقه، أو يمثّل لشيء ذكره، وهذه الوقائع وتلك التجارب لها أثرها في المتلقي والمطلع وخاصة إذا كانت من مشاهدات المصنف؛ فتجعل المتلقي كأنه في معية المصنف فكأنه يشاهد ما يشاهده ويرى ما يراه ويعايش ما عايشه؛ فتجعله أكثر اقتناعا بمراد المصنف وأشد قبولا له. ومن ذك ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في الفصل الثاني عن كيفية الطلب والتلقي، من مراحل طلب العلم في قطره بعد مرحلة الكتاتيب والأخذ بحفظ القرآن الكريم، فذكر أن طالب العلم يمرّ بمراحل ثلاث في دروس المساجد: المبتدئين ثم المتوسطين ثم المتمكنين. ثم بدأ تفصيل كل مرحلة من تلك المراحل في الفنون المختلفة مع ذكر المتون والكتب في كل مرحلة، ولا يكتفي بذلك بل يذكر أيضا الأوقات المخصصة للتعليم والتعلم ومجالس العلم.

إطلالة موجزة على الكتاب: 

الكتاب يتكون من مقدمة وثمانية فصول: فذكر في المقدمة السبب الحامل له على تأليف هذه الرسالة. 

ثم الفصل الأول بعنوان: آداب الطالب في نفسه، وقد صدره بهذا العنوان الموحي: العلم عبادة. 

ثم الفصل الثاني بعنوان كيفية الطلب والتلقي. 

ثم الفصل الثالث بعنوان: أدب الطالب مع شيخه. وفيه ذكر فقرة بعنوان: رأس مالك أيها الطالب من شيخك. 

ثم الفصل الرابع بعنوان: أدب الزمالة. 

ثم الفصل الخامس بعنوان: آداب الطالب في حياته العلمية. ومما ذكر فيه حفظ الرعاية وهو بذل الوسع في حفظ العلم بالعمل والاتباع. 

ثم الفصل السادس بعنوان: التحلي بالعمل، ومما ذكر في آخره نواقض هذه الحلية.

تعريف موجز بمؤلف الكتاب:

هو الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ولد عام 1365هـ =1946م، بمدينة الدوادمي بالمملكة العربية السعودية، وانتقل إلى الرياض 1374هـ، فواصل تعليمه حتى تخرج في كلية الشريعة منتسبا عام 1388هـ، وكان ترتيبه الأول، وواصل دراسته العليا حتى حصل على العالمية العالية (الدكتوراة) عام 1403هـ، وكان قد انتقل إلى المدينة عام 1384هـ للعمل أمينا عاما للمكتبة بالجامعة الإسلامية، ثم عين في القضاء عام 1388هـ، كما عين مدرسا في المسجد النبوي وإماما وخطيبا فيه، وعين عام 1405هـ عضوا في مجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلا للمملكة العربية السعودية، كما عين عام 1406 هـ عضوا في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، وفي عام 1412هـ عين في اللجنة الدائمة للإفتاء وعضوا في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، طلب العلم على يد المشايخ ومن أشهر مشايخه الشيخ ابن باز والشيخ محمد الأمين الشنقيطي وقد لازمه نحو عشر سنين. له ما يزيد عن الستين مصنفا في عدة فنون كالفقه والحديث واللغة والمعارف العامة، وله عناية بتراث ابن القيم وكتبه، وتوفي في 28/1/1429هـ=5/2/2008م. وقد جاء في بيان مجمع الفقه الإسلامي الدولي عن وفاته: "يعد سماحة الشيخ العلامة الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد، رحمه الله، عالما ربانيا، وفقيها راسخا، ومفتيا أمينا، وداعيا مخلصا، قام بجهود جليلة لخدمة الإسلام وعلوم الشريعة، وألف كتبًا مهمة في العقيدة والتفسير والحديث والفقه واللغة والتاريخ الإسلامي. وتحلّى إنتاجه العلمي الذي ينوف على الستين مؤلفا، بجمال الأسلوب، وصدق الكلمات، ودقة التحقيق".

عبارات من الكتاب:

  1. "إليك حلية تحوي مجموعة آداب، نواقضها مجموعة آفات، فإذا فات أدب منها اقترف المفرط آفة من آفاته، فمقل ومستكثر، وكما أن هذه الآداب درجات صاعدة إلى السنة فالوجوب، فنواقضها دركات هابطة إلى الكراهة فالتحريم".
  2. ويقول عن دلالة اللباس على ثقافة اللابس وقيمه وأخلاقه: "فكن حذرا في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك في الانتماء والتكوين والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من: الرصانة والتعقل، أو التمشيخ والرهبنة، أو التصابي وحب الظهور، فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك".
  3. "الوقتَ الوقتَ للتحصيل فكن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر، وحلس معمل لا حلس تلةٍّ وسمر، فالحفظ على الوقت بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ (أي ملازمتهم)، والاشتغال بالعلم قراءة وإقراء ومطالعة وتدبرا وحفظا وبحثا".
  4. "طالب العلم يعيش بين الكتاب والسنة وعلومها، فهما له كالجناحين للطائر، فاحذر أن تكون مهيض الجناح".

تقييدات من الكتاب:

  1. يحيل الشيخ رحمه الله على بعض كتبه ورسائله منها ما هو مطبوع، مثل التعالم، والعزاب من العلماء وغيرهم، ومنها ما يغلب على يغلب على الظن أنه لم يطبع بعد، وهو كتاب "عزة العلماء" وقد دعا أن ييسر الله إتمامه وطبعه.

2      - قال الشيخ عن مخالطة المبتدعة "إن السلف... يحذرون من مخالطتهم ومشاورتهم ومؤاكلتهم، فلا تتوارى (هكذا) نارُ سني ومبتدع". هكذا تتوارى، وقد أخذها الشيخ من الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)، قالوا: يا رسول الله، ولم؟ قال (لا تراءى نارهما). أخرجه أبوداود والترمذي. و(تراءى) أصلها تتراءى حذفت إحدى التاءين تخفيفا كما في النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير. ويبدو أن هذا من الطبعة الأولى من الكتاب واستمر هكذا، ولم أجد أحدًا نبه على ذلك فيما وقفت عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply