المفكر اليهوديّ الكبير إسرائيل شاحاك ونقده لعنصريّة اليهود


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

عندما ظهرت دراستي عن «الترجمات الألمانية لمعاني القرآن بينَ سموم المستشرقين وجهود المسلمين» سنة 1959-1969م لم أكنْ أتوقع أن تثير ما أثارته من ردود فعل شديدة بين صفوف الصهاينة في أوروبا بالذات. 

لقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب هذه الدراسة. وكتب لي أحدهم من مدينة لوزان السويسرية يسألني لماذا أشرت إليه في دراستي هذه بأنّه من بني صهيون، فرددتُ عليه بأنّ المسلمين يختلفون عن اليهود في مسألة مدح «الآخر». ففي حين أن اليهودية تحرّم على اليهود مدح «غير اليهود»، كما يوضّح إسرائيل شاحاك في كتابه «الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود»، نجد أنّ المسلمين في عصر ازدهار حضارتهم كانوا يتعاملون مع اليهود دون أيّ عقدة أو تحفظ، وذكرت له ما كتبه ابن أبي أصيبعة في موسوعته المحترمة «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» عن الطبيب اليهوديّ ابن ميمون، حيث تحدّث عنه بكلّ تبجيل واحترام. وأنهيتُ كلامي له بقولي إنّ ذكر الديانة ليس قذفًا، فكما ننسب الآخرين إلى مللهم أو إيديولوجياتهم أو دياناتهم، فنقول: هذا مسلم، وذاك صليبيّ، والآخر شيوعيّ، نقول أيضًا: هذا صهيونيّ. إذ لا يصحّ أن نشير إلى الصهيونيّ بلفظ مسلم مثلا، أو العكس.

بالطبع نحنُ نجهل كثيرًا مما يجري في دول العالم الغربي، ونجهل أيضًا حقائق تاريخيّة هامّة، ولا ندري شيئًا عما يكتبه الآخرون عنّا. والجهل ليس عيبًا في حدّ ذاته، بل العيب هو أن نرضى به دينًا. ألم ترَ قول فيلسوف اليونان: «أعرفُ أنّني لا أعرفُ»! علينا إذن أن نعي أنّنا نجهل حقائق كثيرة، ثم لا نفخر بالجهل، بل نعمل على تسليح أنفسنا بالعلم والمعرفة.

قبل التعريف بشخصيّة إسرائيل شاحاك وكتابه الذي نودُّ تقديمه هنا، لعلّ من المفيد أن نتساءل: كيف يمكنّا مواجهة الحملات الإعلاميّة الشّرسة في وسائل الإعلام الغربيّة؟ الإجابة بسيطة: الوضع الحالي يتمثل في إشكاليّة واضحة: الصّهاينة يعيشون أزهر عصورهم، والعرب يعيشون أحلك عهود تاريخهم. الصهاينة أقوياء، والعرب ضعفاء. 

من الطبيعيّ ألا يجد القوي أيّ مشكلة تذكر في توجيه ما يشاء من ضربات موجعة إلى خصمه الضعيف. فهل تتخيّل مثلا مباراة بين مايك تايسون - عندما كان بطلا للعالم - وبين ملاكم آخر ضعيف، خائر القوى، عديم الحيلة - يواجه فيها تايسون أيّ مشكلة لتهشيم خصمه والقضاء عليه؟ إنّ حالنا الآن قد صار كذلك تمامًا. وليس هذا يعني أنّنا ندعو إلى الاستسلام أو قبول الهزيمة، بقدر ما يعني محاولة وصف الواقع كما هو، من أجل تغييره. 

الواقع هو أنّنا صرنا في موقف المدافع دائمًا، لأنّ ضعفنا يجعلنا عاجزين عن الهجوم، هم يهاجمون، ونحن ندافع، هم يشتمون، ونحن نشتكي، هم يشوّهون، ونحن نبكي، هم يلطّخون، ونحن نتوجّع، هم يضربون، ونحن نتألّم. 

هذا هو ما يحدث منذ عدّة عقود، نادرًا ما نعثر على حالات لمسلمين أو عرب في الغرب، تسلّحوا بالعلم والمعرفة، بحيث يتمكّنون من التحوّل من الدّفاع إلى الهجوم. من ذلك مثلا أنّ كاتبة مصرية هوجمت بسؤال غبي في جامعة سويسريّة: «هل الحجاب جزء من الإسلام؟»، فبادرت قائلة: «وهل الميني جيب جزء من المسيحيّة؟. وسئلت أستاذة لبنانيّة في أمريكا سؤالا آخر سخيفًا: «أيّهما أكثر تطرّفًا: الشّيعة أم السّنّة؟»، فعاجلت السّائل، قائلة: «أيّهما أكثر عنفًا: البروتستانتيّة أم الكاثوليكيّة؟. بالطبع هذه نماذج قليلة وسطحيّة، لأنّنا بصفة عامّة صرنا بالفعل أضعف من بني صهيون. ففي حين نهاجمهم نحنُ بالطّوب، يهاجموننا هم بالأباتشي والـ إف16 والفارق نفسه بين الطّوب والأباتشي نجده على المستوى الأكاديميّ والإعلاميّ والاقتصاديّ، إلخ. ليس أمام العرب الآن إلّا السعي إلى تغيير حالة الضعف والجهل الّتي ارتضوا بها، حتّي يستطيعوا مواجهة التحدّيات الّتي تتهدّد وجودهم، وتحاصرهم من كلّ صوب وحدب.

والآن: مَن هو إسرائيل شاحاك هذا الذي نريد تقديم كتابه إلى القارئ الكريم؟ حالة الضعف والجهل الّتي نعيش اليوم فيها جعلتنا لا نفرّق بين بني إسرائيل، فكلّهم سواء عندنا. وهذا ليس صحيحًا. فهناك عدد ليس قليلا من اليهود المعارضين لعنصرية الصهيونية. وهناك عدد من عرب أوروبّا وأمريكا وصلوا إلى مستويات رفيعة في معرفتهم بانتماءات اليهود السياسية المختلفة، مثل المرحوم الفلسطيني إدوارد سعيد في الولايات المتحدة. فإدوارد سعيد، باعتباره مفكرًا فلسطينيًّا عملاقًا، قد قام بأنشطة جبّارة في الولايات المتّحدة الأمريكية، من أجل مواجهة الدّعاية الصّهيونيّة المعادية للعرب. المتأمّل في هذا الواقع، يتعجّب من حكمة البارئ تعالى من خلق هذه الظروف: أمّة إسلاميّة تحتضر، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، وبالرّغم من ذلك، يظهر أفراد عباقرة هنا وهناك، مثلهم كمثل الورد الذي ينبتُ في الصخر!

لقد ارتبط المرحوم إدوارد سعيد بعلاقة صداقة مع المفكر اليهوديّ إسرائيل شاحاك الذي رحل هو أيضًا مؤخرًا. كتب إدوارد سعيد عن شاحاك سنة 1969م، قائلا: «البروفيسور إسرائيل شاحاك، أستاذ مادّة الكيمياء العضويّة (المتقاعد) في الجامعة العبريّة بالقدس - من خيرة المرموقين في الشّرق الأوسط المعاصر. التقيته للمرّة الأولى، وشرعتُ في مراسلة منتظمة معه منذ 25 سنة - في أعقاب حرب 1967م، ثمّ في أعقاب حرب 1973م. وُلِدَ في بولندا، وكانَ أحد الناجين الّذين استطاعوا الهرب من معسكرات الاعتقال النازيّة. جاء إلى فلسطين فورَ انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وخدم في الجيش، مثله مثل جميع الشّباب الاسرائيليّين آنذاك. ثمّ خدم في الاحتياط العسكريّ لفترات قصيرة في فصول الصيف - ولعدة سنوات - كما يقتضي القانون الاسرائيليّ (مقدمة ادوارد سعيد للترجمة العربية الصادرة في بيروت عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1969، ص5).

يمتدح إدوارد سعيد شجاعة إسرائيل شاحاك وتصميمه على كشف الحقيقة مهما كلّفه ذلك غاليًا، حيث يقول: «وينبغي أن يُقالَ أيضًا، بأنّ طريقة شاحاك في قول الحقيقة كانت دائمًا بالغة في دقّتها، ولا هوادة فيها. فليس في هذه الحقيقة ما يغوي. وهو لا يبذلُ أي محاولة لقولها بطريقة ״لطيفة״، كما لا يبذلُ أيّ جهد لتكونَ هذه الحقيقة مستساغة أو قابلة للتّفسير بطريقة ما. فالقتل بالنّسبة إلى شاحاك، هو القتل العمد، هو القتل. وطريقته هي التّكرار والصّدم وتحريك الكسالى أو غير المبالين، لاستنهاضهم إلى وعي للألم الإنسانيّ، مشبوب بالهمّة، بحيثُ يكونون مسؤولين عن هذا الألم. وقد أزعج شاحاك الناسَ في بعض الأحيان، وأثار غضبهم، ولكنّ هذا جزء من شخصيّته، وينبغي أن نقولَ بأنّه جزء من إدراكه للرسالة الّتي يُبشّرُ بها. ولقد أيّد شاحاك - هو والبروفيسور الرّاحل يهوشواع ليبوفيتس الّذي كان شاحاك يكنّ له إعجابًا شديدًا، وغالبًا ما عمل معه - أيّد مصطلح ״اليهودية-النازية״، لوصف طبيعة الطّرق الّتي يستخدمها الإسرائيليّون من أجل إخضاع الفلسطينيّين وقمعهم. ومع ذلك فإنّه لم يقل أو يكتب في يومٍ من الأيّام، شيئًا لم يكتشفه بنفسه، أو لم يره بأم عينيه، أو لم يختبره مباشرة. والفارق بينه وبين معظم الاسرائيليّين الآخرين أنّه ربط بين الصّهيونيّة واليهوديّة والممارسات القمعية ضدّ غير اليهود، واستخلص الاستنتاجات بالطبع (ص6، المرجع السابق).

الملفت للنظر في حياة هذا العالم اليهوديّ الكبير هو التزامه بمبادئه، وإخلاصه لمواقفه، وتمسُّكه بما رآه صحيحًا. فبعد دراسة متعمّقة للديانة اليهوديّة، واجه صدمة عنيفة لما عثر عليه من مواقف عنصريّة بغيضة في التّراث اليهوديّ. ولكنّه صمّم على محاربة هذه العنصريّة بكلّ ما أوتي من قوّة. ومن مواقفه الجريئة في هذا السياق أنّه: «كان دائمًا نقّادًا شديدًا لمنظمة التّحرير الفلسطينيّة، لإهمالها، ولجهلها لإسرائيل، وعدم قدرتها على معارضتها معارضة تتسم بالعزم، ولمهاودتها الدنيئة، وإفراطها في إجلال الفرد لشخصه، وليس لما يمثّله، ولانعدام جديتها عمومًا» (المرجع السابق، ص٨).

وبدلا من أن يسعى الفلسطينيّون للتّعاون مع هذه الشخصيّة اليهوديّة الكبيرة من أجل محاربة العنصريّة الاسرائيليّة، يشكو إدوارد سعيد مرّ الشّكوى من مواقف الفلسطينيّين من إسرائيل شاحاك، حيث يقول: «فقد ناضلَ من أجل المساواة والحقيقة والسلام الحقيقي والحوار مع الفلسطينيين، بينما ناضل الحمائم الاسرائيليون الرسميون من أجل ترتيبات تجعل من سلام أوسلو نوعَ السلام ِالممكن الّذي كان شاحاك من الأوائل الّذين ندّدوا به. وإنّني أقولُ كفلسطيني، بأنّني كنتُ دائمًا أشعرُ بالخجلِ، لأنّ النشطين الفلسطينيين الّذين كانوا مهتمين بالحوار، في السّـرّ أو في العلن، مع حزب العمل أو ميرتز، رفضوا أن تكونَ لهم أي صلة بشاحاك. فهو بالنسبة إليهم: راديكالي أكثر من اللزوم، وصريح أكثر من اللزوم، وهامشي جدًّا فيما يتعلّق بالسلطة الرسمية» (المرجع نفسه، ص9).

نتج عن مواقف إسرائيل شاحاك الشّجاعة هذه، وكتاباته الجريئة، أنّه صار مكروهًا جدًّا في إسرائيل. فالمتطرّفون اليهود جاهزون دائمًا لمحاربة أيّ شخص يوجّه النّقد لهم: فإن كان الأمر يتعلّق بغير اليهود، فهم «يعادون السّامية»، وإن جاء النقد من بين صفوفهم، قالوا: «اليهوديّ الّذي يكره نفسه»! يقول إدوارد سعيد: «(...) وليست مبالغة أن نقولَ بأنّه يلتزم بموقفه التزامًا دقيقًا، إلى حدّ أنّه سرعان ما أصبحَ رجلًا مكروهًا جدًّا في إسرائيل. وأذكرُ بأنّ وفاته أُعلنت قبل نحو ٥١ عامًا، على الرّغم من أنّه كانَ حيًّا يُرزقُ. فقد ذُكِرَ نبأ وفاته في تقرير نشرته صحيفة ״واشنطن بوست״. وعلى الرّغم من أنّه قام بزيارة الصّحيفة، ليثبت بأنّه ليس ״ميّتًا״، فإنّ زيارته، كما أخبر أصدقاءه بجذل، لم تؤثّر على هذه الصّحيفة الّتي امتنعت عن نشر تصحيح للنبأ...». (المرجع السابق، ص6).

هل يمكنُ أن يستيقظ العرب من سباتهم، ويدركوا قيمة إسهامات مفكّرين من حجم إسرائيل شاحاك؟ يقول إدوارد سعيد: «إسرائيل شاحاك رجلٌ فائق الشّجاعة. وينبغي أن يُكرّمَ للخدمات الّتي قدّمها للإنسانيّة. ولكن المثال على العمل الدؤوب والطّاقة الأخلاقيّة الّتي لا تفتر، والتألّق الفكريّ الذي وضعه شاحاك قدوة تحتذى - هو في عالمنا اليوم إحراج للحالة الرّاهنة، ولجميع الّذين تعني لهم كلمة ״مثير للجدل״ كلّ ما هو ״مُكدّر״، و״باعث على الاضطراب״» (المرجع نفسه، ص11).

يقول حسن خضر، مترجم كتاب إسرائيل شاحاك «الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود»، في تقديمه لهذه الترجمة (طبعة دار سينا، بالقاهرة): «(...) في هذا السّياق يستكمل شاحاك ما بدأته حركة التّنوير اليهوديّة (الهاسكالاه) في القرن الماضي (التّاسع عشر)، ويقدّم مزيدًا من البراهين حولَ ضرورة، وصحّة، النّظر إلى الإيديولوجيا الصّهيونيّة كردّة رجعيّة مقاومة للاتّجاهات الإصلاحيّة اليهوديّة، التي حاولت تحرير اليهود من أساطير ״الوعد الإلهيّ״، و״شعب الله المختار״، و״وحدة الأرض والشّعب״» (ص 9).

وينتقد إسرائيل شاحاك نظرية التّفوُّق اليهوديّ، حيث يقول: «... كان احتقار وكراهية كلّ المعارف يهيمن على يهود أوروبا (وبقدر أقلّ على يهود البلدان العربيّة). أمّا المعرفة الوحيدة المقبولة، فكانت التّلمود والصّوفيّة اليهوديّة. ولم تكن أسفار كثيرة من العهد القديم، وكلّ الشّعر اليهوديّ غير الطقوسيّ، ومعظم كتب الفلسفة اليهوديّة، غير مقروءة وحسب، بل كانت حتّى عناوينها محرّمة أيضا، في أغلب الأحيان. كانت دراسة جميع اللغات محظورة تمامًا، وكذلك دراسة الرّياضيات والعلوم والجغرافيا والتّاريخ، حتّى التّاريخ اليهوديّ، مجهولة. كما كانت الحاسة النّقديّة التي يزعمون بأنّها قرينة باليهود، غائبة كلّيًّا. ولم يكن ثمّة ما هو أكثر عرضة للتّحريم والخشية - وعلى هذا الأساس - الاضطهاد، من أقلّ الابتكارات شأنًا، أو أكثر أشكال النّقد براءة. كان ذلك العالم غارقًا في أكثر أنواع الخرافة وضاعة، والتّعصُّب والجهل. في مثل ذلك العالم كان يمكن لمقدّمة أوّل عمل بالعبريّة (منشورة عام 1803 في روسيا) أن تشكو من حقيقة أنّ العديد من الحاخامات العظام كانوا ينكرون وجود القارّة الأمريكيّة، ويقولون بأنّها مستحيلة. بين ذلك العالم وما يؤخذ في الغرب عادة كسمات لليهود، لا يوجد شيء مشترك ما عدا الاسم الخطّ» (ص) 25-24.

ثم يضيف شاحاك إلى ذلك ملاحظة هامشيّة عن مدى تفشّي الجهل في أوساط اليهود، حيث يقول: «... ويظهر هذا الأمر من خلال قبلة شتّى الكنس اليهوديّة في بلدان مثل بولندا وروسيا: يفترض أن يؤدي اليهود الصّلاة قبالة القدس. وقدِ اعتقد اليهود الأوروبيّون الّذين كانت لديهم فكرة مبهمة فقط عن موقع القدس، أنّها دائمًا باتّجاه الشّمال، بينما كانت في الواقع أقرب قليلًا إلى الجنوب» (ص). 24ثمّ يستطرد قائلًا: «... نتيجة لذلك، كانتِ الغالبيّة العظمى من اليهود قبل قرنين من الزّمان تعيش كلّيًّا في ظلمات الجهل. ليس الجهل بوجود أمريكا وحسب، بل الجهل بالتّاريخ اليهوديّ، ووضعيّة اليهود في أزمانهم أيضًا. لكنّهم كانوا يشعرون بالرّضا، ويريدون البقاء كذلك» (ص27).

ويقول شاحاك عن عداء اليهود للمسيحيّة: «ينبغي الإقرار من البداية أنّ التّلمود والأدب التّلموديّ... يحتوي على مقاطع معادية جدًّا، ووصايا موجهة أساسًا ضدّ المسيحيّة. على سبيل المثال، إضافة إلى الاتهامات الجنسيّة البذيئة ضدّ يسوع، ينصّ التّلمود أنّ عقوبة يسوع في الجحيم هي إغراقه في غائط يغلي» (ص 82). ثم يذكر شاحاك عداء ابن ميمون للمسيحيّة، حيث اعتاد كلما ذكر اسم المسيح أن يضيف إليه: أهلك الله الاسم الشرير! (ص 92).

ويقول شاحاك عن عنصريّة اليهود: «... ويتمّ تعليم الأطفال اليهود فعليًّا مقاطع مثل تلك التي تأمر كلّ يهوديّ كلّما مرّ بجوار مقبرة أن يدعو بالرّحمة، إذا كانت يهوديّة، وأن يلعن الموتى إذا كانت المقبرة غير يهوديّة» (ص) 34. ويشرح شاحاك موقف الحركة الحسيديّة اليهوديّة من غير اليهود، فيقول: «... والحسيديّة - استمرار وصورة منحطّة للصّوفيّة اليهوديّة - مازالت حركة حيّة، لديها مئات الآلاف من الأتباع الّذين يكرّسون أنفسهم لحاخاماتهم المقدّسين. وقد أحرز بعضهم نفوذًا سياسيًّا كبيرًا في إسرائيل، ويتواجدون بين قادة معظم الأحزاب السياسيّة، وحتّى في المراتب العليا للجيش. ما هي إذن أفكار هذه الحركة بشأن غير اليهود؟ للتّدليل على تلك الأفكار، فنأخذ مثلا ״حاتانيا״ - الكتاب الأصوليّ الشّهير لحركة حباد، أحد أهمّ فروع الحسيديّة. يفيد الكتاب أنّ كلّ غير اليهود مخلوقات شيطانيّة ״ليس بداخلها أيُّ شيء جيّد على الإطلاق״. حتّى الجنين غير اليهوديّ يختلف نوعيًّا عن الجنين اليهوديّ. كما أنّ وجود غير اليهوديّ مسألة ״غير جوهريّة״ في الكون. فقد نشأ كلّ الخلق من أجل اليهود فقط» (ص04).

ويقول شاحاك عن النّفاق الغربيّ: «... إضافة لذلك، نجابه في الوقت الحالي ولاءً للجماعة اليهوديّة يأتي من خارجها، وهو أحيانًا أكثر مكرًا. يعتنق الكثير من غير اليهود (بما في ذلك رجال الدّين المسيحيّين وبعض العوام المتديّنين وكذلك بعض الماركسيّين في جميع المنظّمات الماركسيّة) الرّأي الغريب القائل إنّ أحد أشكال ״التّكفير״ عما أصاب اليهود من اضطهاد، تعني عدم الحديث عن الشّرّ الّذي يمارسه اليهود أنفسهم. بل المشاركة في ״الكذب الأبيض״ حولَ اليهود. كما أنّ الاتّهام الفجّ بالعداء للسّاميّة (أو بالنّسبة لليهود كراهية النّفس) الموجّه لأيّ شخص يحتجّ على التّمييز ضدّ الفلسطينيّين، أو يظهر أيّ حقيقة حول الدّيانة اليهوديّة، أو الماضي اليهوديّ، تتناقض مع ״الصّورة المتّفق عليها״ يأتي محمّلًا بقدر أكبر من العداء من جانب ״أصدقاء اليهود״ أكثر ممّا يأتي من جانب اليهود أنفسهم» (ص 54).

ويتحدّث شاحاك عن عادة عنصريّة شائعة بين اليهود «نشأت بتأثير من القبالاة في عديد من الطّوائف اليهوديّة منذ القرن السّابع عشر: المرأة اليهوديّة العائدة من حمامها الطقسيّ الشّهريّ من أجل الطّـهارة (الّذي يُصبح الاتّصال الجنسيّ مع زوجها بعده إلزاميًا) يجب أن تحاذر ملاقاة أحد أربعة كائنات شيطانيّة: أحد الأغيار، أو خنزير، أو كلب، أو حمار. وإذا حدث وقابلت أحدهم، يجب أن تعيد الاستحمام مرّة ثانية (ص 45). 

ويقول شاحاك عن عدم احترام اليهود للمقابر غير اليهوديّة: «وهناك دائمًا لدى اليهود المتديّنين احترامًا... هائلًا تجاه الجثث والمقابر اليهوديّة. لكنّهم لا يحترمون الجثث والمقابر غير اليهوديّة. ولذا أزيلت مئات المقابر الإسلاميّة، بالمعني الحرفيّ، في إسرائيل (في إحدى المرّات لبناء فندق هيلتون تل أبيب)، دون احتجاج. ولكن حدثت ضجّة كبرى عندما تضرّرت المقبرة اليهوديّة على جبل الزّيتون بظلّ الحكم الأردنيّ. الأمثلة بهذا الصّدد لا تعدّ» (ص 16).

وينتقد شاحاك الدّعاية العنصريّة اليهوديّة عنِ التّفوُّق اليهوديّ، قائلًا: «إنّ الدّعاية العنصريّة حولَ التّفوُّق المفترض للأخلاق والعقل اليهوديّين (الّتي أسهم فيها كثيرٌ من الاشتراكيّين اليهود) تقترن بنقص في الحساسيّة والمشاعر تجاه معاناة الجزء الأعظم من البشريّة، الّذي قُمعَ على نحو خاصّ في السّنوات الألف الأخيرة - تجاه الفلاحين» (ص) 90. 

ويذكر شاحاك أصول عنصريّة اليهود الموجودة في كتبهم، حيث يقول: «... لأنّ الهالاكاه... تفترض أنّ كلّ النّساء غير اليهوديّات عاهرات» (ص) 101 وينتقد شاحاك توظيف الصّهاينة للتّاريخ من أجل تبرير عدائهم للأغيار، قائلًا: «تعرّض اليهود طوال فترة اليهوديّة الكلاسيكيّة في أغلب الأحيان للاضطهاد. هذه الحقيقة تستخدم الآنَ باعتبارها الذّريعة الرّئيسيّة للمدافعين عن الدّيانة اليهوديّة وشرائعها المعادية لغير اليهود، وللدّفاع على نحو خاصّ عن الصّهيونيّة» (ص 011). ويشير شاحاك إلى عنصريّة ابن ميمون، قائلا: «... سمح ابن ميمون لليهود، باسم الدّيانة اليهوديّة، باختطاف الأطفال غير اليهود واسترقاقهم» (ص 211).

وينتقد شاحاك الصهيونيّة، قائلًا: «... كما لا يدرك عديد من النّاس في الوقت الحاضر إلى أينَ تتّجه الصّهيونيّة... إنّها تتّجه نحو مزيج من البغضاء القديمة التي حملتها اليهوديّة الكلاسيكيّة لغير اليهود، والتّوظيف التّعَسُّفيّ واللا تاريخيّ لكلّ اضطهادات اليهود عبر التاريخ لتبرير الاضطهاد الصّهيونيّ للفلسطينيّين» (ص 126-125).

وينتقد شاحاك تعامل اليهود مع تاريخهم، حيث يقول: «ولعلَّ حقيقة أنّ مَن لا يتعلّمون من التّاريخ محكوم عليهم بإعادته، تنطبق على اليهود الّذين يرفضون تصفية الحساب مع الماضي اليهوديّ: لقد أصبحوا عبيدًا له، ويقومون بإعادة إنتاجه في السّياسات الإسرائيليّة والصّهيونيّة» (ص 128).

ويدعو شاحاك إلى إصلاح الدّيانة اليهوديّة، قائلًا: «إنّ السّبيل إلى ثورة حقيقيّة في اليهوديّة - أي جعلها إنسانيّة - والسّماح لليهود بفهم ماضيهم، أي إعادة تربية أنفسهم خارج طغيان الدّيانة اليهوديّة - يكمن في ممارسة نقد صارم للدّيانة اليهوديّة دون خوف أو انتظار فضل من أحد. يجب علينا الحديث ضدّ ما ينتمي إلى ماضينا، كما تحدث فولتير ضدّ الأشياء الّتي تنتمي إلى ماضيه: أزيلوا الأشياء المشينة» (ص 130).

وعن التّمييز العنصريّ عند اليهود يقول شاحاك: تعتبر الدّيانة اليهوديّة قتل اليهوديّ جريمة كبرى، وواحدة من ثلاث خطايا شنيعة (الوثنيّة والزّنا). وتؤمر المحاكم الدّينيّة اليهوديّة والسّلطات المدنيّة بإنزال العقوبة... بحقّ أيّ شخص اتّهم بقتل يهوديّ. أمّا اليهوديّ الّذي يتسبّب في موت يهوديّ آخر بطريقة غير مباشرة، فإنّه مذنب فقط بما تطلق عليه الشّريعة التّلموديّة تسمية خطيئة ضدّ ״شرائع السّماء״. لذا يقع عقابه على الله، لا على الإنسان. ولكن عندما تكون الضّحية من غير اليهود، يختلف موقف الشّريعة تمامًا. اليهوديّ الذي قتل غير اليهوديّ مذنب فقط بخطيئة ضدّ شرائع السّماء التي لا تعاقب عليها المحكمة! أمّا التّسبُّب في موت غير اليهوديّ بطريقة غير مباشرة، فلا يعتبر خطيئة أبدًا!” (ص 231-331).

وعن علاج غير اليهود، يقول شاحاك: «تضع الهالاكاه (شريعة اليهود) واجب إنقاذ اليهوديّ لحياة أخيه اليهوديّ فوق أيّ واجب آخر... أمّا بالنسبة لغير اليهود، فإنّ المبدأ التّلموديّ الأساسيّ ينصّ على عدم إنقاذهم... ويعبّر التّلمود نفسه عن هذا المبدأ على النّحو التالي: ״لا يجب إخراج غير اليهود من بئر، أو دفعهم في البئر״. ويفسّر موسى بن ميمون هذا الأمر، كما يلي: ״يجب ألا نتسبّب بقتل غير اليهود الذين لسنا في حالة حرب معهم. ولكن يحظر إنقاذ حياتهم، إذا كانوا على مشارف الموت. إذا شوهد أحدهم يسقط في البحر مثلًا، فلا يجب إنقاذه، لأنّ الشّريعة تقول: لا تهمل دم أخيك، وغير اليهوديّ ليس أخا״. كما يحظر على الطّبيب اليهوديّ خصوصًا معالجة غير اليهوديّ. وابن ميمون نفسه، وهو طبيب بارز، صريح بهذا الصّدد. ففي موضع آخر يعيد التّمييز بين ״أخيك״، وغير اليهوديّ. ويختم بالقول: ״ومن هنا نعلم أنّ علاج غير اليهوديّ حرام، حتى لو كان مقابل أجر״ (ص 241).

ويقول شاحاك عن انتهاك حرمة السّبت لإنقاذ حياة إنسان: يتحوّل انتهاك حرمة السّبت - أي القيام بعمل يحظر القيام به يوم السّبت - إلى واجب عندما تنشأ حاجة لإنقاذ حياة يهوديّ. لكن مشكلة إنقاذ حياة غير اليهوديّ يوم السّبت لم تطرح كموضوع رئيسيّ في التّلمود، لأنّها محظورة، بأيّ حال من الأحوال، حتّى في أيّام الأسبوع الأخرى (ص) 144 .

ويقول شاحاك عن الجرائم الجنسيّة: تعتبر الممارسة الجنسيّة بين امرأة يهوديّة متزوّجة وأيّ رجل غير زوجها جريمة كبرى تقع على عاتق الطّرفين، وواحدة من ثلاث خطايا بالغة الشّناعة. لكن وضع المرأة غير اليهوديّة مختلف تمامًا. إذ تفترض الهالاكاه أنّ جميع الأغيار على درجة عالية من الانحلال، وتنطبق عليهم آية ״الّذي لحمه مثل لحم الحمير، ونطفته كنطفة الخيل״. ولا فرقَ سواء أكانت المرأة غير اليهوديّة متزوجة أم لا، حيث يعتقد اليهود أنّ مفهوم الزّواج نفسه لا ينطبق على الأغيار ״ليس ثمّة زواج للوثنيّين״ - لذلك لا ينطبق مفهوم الزّنا على ممارسة الجنس بين يهوديّ وامرأة غير يهوديّة، بل يساوي التلمود هذه الممارسة بخطيئة الانغماس في الشّهوات البهيميّة (لنفس السّبب يُنظر إلى غير اليهود عموما باعتبارهم بلا نسب معروف). وقد جاء في دائرة المعارف التلمودية: ״مَن يقيم علاقة جنسيّة مع زوجة غير اليهوديّ، لا يتعرّض لعقوبة الموت - لأنّه مكتوب ״زوجة أخيك״، لا ״زوجة الغريب״ (ص551-651).

وعن تقديم الهدايا إلى غير اليهود، يقول شاحاك: «يمنع التّلمود، بفظاظة، تقديم هدية لغير اليهوديّ» (ص) 150 وعن الأشياء المفقودة يقول شاحاك: «إذا عثر يهوديّ على شيء يحتمل أن يكونَ صاحبه يهوديًّا، فإنّه يحضّ على بذل جهد كبير لإعادته، وذلك بإعلان العثور عليه على الملأ. خلافًا لذلك، يُجيز التّلمود والمراجع الحاخاميّة المبكرة لليهوديّ الّذي يعثر على شيء فقده غير اليهوديّ بالاحتفاظ به لنفسه، بل ويمنعه فعليًّا من إعادته لصاحبه» (ص 160).

وماذا عن شتم الأغيار؟ يقول شاحاك: «... في أحد الأجزاء الأولى من صلوات الصّباح اليوميّة يحمد اليهوديّ المتديّن ربّه، لأنّه لم يخلقه من الأغيار. أمّا في الجزء الختامي للصّلاة اليوميّة...، فيبدأ بهذه العبارة: فلنشكر إله الجميع، لأنّه لم يخلقنا مثل (كلّ) أمم الأرض، لأنّها تركع للباطل والعدم، وتصلّي لإله لا يعين... كذلك في أهمّ أجزاء صلاة نهاية الأسبوع، ״التّبريكات الثماني عشرة״، هناك لعنة خاصّة تستهدف أصلًا المسيحيّين، ومعتنقي المسيحيّة من اليهود، واليهود المهرطقين: ״ربّ لا تجعل للمرتدين رجاء، ولتمحق جميع المسيحيّين في الحال״. (...) وقد ذكرنا... كيف ينبغي أن يتلفّظ اليهوديّ المتديّن باللّعنات، إذا مرّ بجوار مقبرة يهوديّة، ولكن هناك تعاليم تنطبق على الأحياء أيضًا. بناء عليها: إذا شاهد اليهوديّ المتديّن حشدًا من اليهود، ينبغي أن يشكر اللّه. أمّا إذا شاهد حشدًا من غير اليهود، فينبغي أن يلعنهم. كما أنّ المباني السّكنيّة غير معفاة من هذا الأمر. إذ يحضّ التّلمودُ اليهوديَّ الّذي يمرّ بجوار بناية مأهولة غير يهوديّة أن يدعو الرّبّ لتدميرها. وإذا كانت مدمّرة، فينبغي أن يشكر ربّ الانتقام (ومن الطبيعيّ أنّ هذه القواعد معكوسة بالنّسبة للمباني اليهوديّة). (...) وفي هذا السياق دخلت تلك التّعاليم في العادات الشّعبيّة، فأصبح من المألوف البصق (ثلاث مرّات) عند مشاهدة كنيسة أو صليب، ويمكن أحيانًا ذكر بعض الآيات التوراتيّة التي تشتم الأغيار. هناك أيضا سلسلة من التّعاليم الّتي لا تجيز الثّناء على غير اليهود أو على أعمالهم، إلّا إذا أسفر ذلك عن ثناء أكبر على اليهود والأشياء اليهوديّة. واليهود الأرثوذوكس يحافظون على هذا الأمر حتى الآن. فبعد عودة الكاتب عجنون من استوكهولم، حيث استلم جائزة نوبل للآداب، أثنى في مقابلة مع راديو إسرائيل على الأكاديميّة السّويديّة، لكنّه سارع قائلًا: ״لم أنسَ بأنّه لا يجوز الثّناء على الأغيار. ولكن يوجد الآن سبب خاصّ لثنائي عليهم״ - وهذا يعني لأنّهم منحوا الجائزة ليهوديّ. (...) وعلى هذا الأساس يتعلّم اليهوديّ الأرثوذوكسيّ منذ شبابه الباكر، من خلال دراساته المقدّسة، أنّ غير اليهود يُقارنون بالكلاب، وأنّ الثّناء عليهم خطيئة، وهكذا دواليك (ص 661-171).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply