فوائد من درس دلائل الإعجاز 9


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 2 رجب 1445هـ = 14 يناير 2024م:

• المسألة ليست شرحًا، المسألة أن نتعلَّم كيف نقرأ. شرحُ الكتاب مهم، وأهمُّ من شرح الكتاب أن تتعلَّم كيف تقرأ العلم، وإذا فاتك هذا فاتك كلُّ شيء، وإذا حصَّلتَ هذا حصَّلتَ كلَّ شيء.

• إذا تعلَّمتَ كيف تقرأ فأنت في غِنًى عن الأستاذ، وإذا علَّمك الأستاذُ العلمَ ولم يُعلِّمْك كيف تقرأ فالأستاذ لم يُعلِّمْك شيئًا.

• أنا لا أُعلِّمك شيئًا، وإنما أُهيِّئك لأن تكون - حياتَك كلَّها - في طلب العلم.

• أنت لا تُعلِّم التلميذ شيئًا، وإنما تُهيِّئه بعقله وقدراته لأن يظلَّ في طلب العلم من المَهْد إلى اللَّحْد.

• أنا طالبُ علمٍ إلى أن أموت، ولو عِشْتُ مائةَ سنة.

• طلبُ العلم من المَهْد إلى اللَّحْد هو قيمة التقدُّم، هو قيمةُ الإنسان الأفضل.

• إذا شاع في الأمة طلبُ العلم من المَهْد إلى اللَّحْد فقد شاعت فيها أضواء التقدُّم، ولا يمكن لأُمَّةٍ أن تتخلَّف وهي تطلب العلم من المَهْد إلى اللَّحْد.

• العلمُ هو سبيل التقدُّم، العلمُ هو سبيل عُمرانِ الأرض، بدليلِ أنَّ الله لمَّا خلق آدم وأراد أن يجعلَه خليفةً يَعْمُرُ الأرض، علَّمه الأسماء.

• بلا عِلمٍ لا خيرَ مطلقًا، والأُممُ لو صنعت كلَّ المعجزات وأهملت العلمَ، وأهملت إعدادَ الإنسان لأن يَعْمُرَ الأرض، فإنها لم تفعل شيئًا، وتكون متآمرةً مع أعداء الإنسان.

• الإنسان لا يحمي نفسَه إلا بالعلم، ولا يحمي أرضَه إلا بالعلم، ولا يحمي عِرْضَه إلا بالعلم، ولو ملأتَ له الأرضَ ذهبًا وتركتَ عقلَه جاهلًا فإنك تُهيِّئ الأرضَ والذهبَ والإنسانَ لعَدُوِّه.

• أنا آثِمٌ إن كنتَ تَفهمُ أنني أشرح لك كتابًا فحسب؛ لأن غايتي ليست شرح الكتاب، وإنما غايتي أن أُكوِّن فيك عقلًا يشرح هو الكتاب.

• المطلوب أن أُعلِّمَ عقلَك كيف يقرأ، ثم يُصحِّح عقلُك الأخطاء.

• علِّموا أجيالنا كيف يقرؤون، وكيف يتعلمون، وكيف يبحثون عن العلم؛ لأننا لن نَخرج من ظلمات التخلُّف التي نحن فيها إلا بالعلم، }كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ{.

• قولُ سيِّدنا رسول الله: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات" أَشْهدُ أنه من علامات النبوة؛ لأنه لا يمكن لعقلٍ بشريٍّ أن يهتدِيَ إلى هذه الحقيقة العُليا.

• قرأتُ أبياتًا راقتني جدًّا، كتبتُها لكم في ورقة حتى أُسْمِعَكم إيَّاها، ومن كان فيكم مُجِدًّا فلْيكتُبْها ولو في الكتاب الذي بين يديه؛ لأنني أحسستُ أن هذا الشاعر فعلًا مع الله؛ يقول:

إذا كان شُكْري نِعْمَةَ اللهِ نِعمَةً                          عليَّ له في مِثْلِها يَجِبُ الشُّكرُ

فكيف بُلوغُ الشُّكرِ إلَّا بِفَضْلِه                          وإنْ طَالَتِ الأيَّامُ واتَّصَلَ العُمْرُ

إذا مَسَّ بالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُها                             وإنْ مَسَّ بالضَّرَّاءِ أعْقَبَها الأَجْرُ

وما مِنْهُما إلَّا له فيه نِعْمَةٌ                              تَضِيقُ بها الأوهامُ والبَرُّ والبَحْرُ

والمعنى أن شُكرَ النعمةِ نعمةٌ تستوجب الشكرَ، فأنت تشكر النعمةَ بنعمةٍ تحتاج منك إلى شُكر، فإذا جاءت النعمةُ الثانيةُ احتاجت منك إلى شكر، وهكذا إذا جاءت الثالثة، فكأنك طوال حياتك تتوارد عليك النِّعَمُ ويتتابع منك الشكرُ إلى أن تموت.

• ما دمتَ مع الله فأنت في فعل الخير، ما دمتَ مع الله فأنت تكافح في الخروج من الظلمات، ما دمتَ مع الله فأنت تُصْلِحُ أحوالَ الدنيا، ما دمتَ مع الله فأنت تَعْمُرُ الأرضَ أفضل عِمارة، ما دمتَ مع الله فأنت تَصنعُ أحسنَ صناعة.

• الدُّنيا للآخرة، وإذا كانت الدُّنيا للآخرة كانت أفضلَ دُنيا.

• من جعلوا دُنياهم لآخرتِهم فقد صنعوا أفضلَ دُنيا لهم: صنعوا التقدُّم، صنعوا الازدهار، صنعوا الثروة، صنعوا العدل، صنعوا الرحمة، صنعوا التسامح، صنعوا كلَّ ما تكون به الحياة أفضل.

• يمكن أن تُعطَى وظيفة، خَيْرٌ.. يمكن أن تُعطَى زعامة، خَيْرٌ.. يمكن أن تُعطَى وزارة، خَيْرٌ.. لكنَّ خيرَ ما يُعطاه المرءُ من الله هو أنْ يَعْرِفَ الله.

• تعقيبًا على فسادِ أن تقول: «ما زيدٌ إلا قائمٌ لا قاعدٌ»، و «ما جاءني إلا زيدٌ لا عمروٌ»، قال شيخُنا: اللِّسانُ العربيُّ لِسانٌ ذَكِيٌّ ولطيف، لا يُدخِلُ (لا) إلا على النَّفْي البِكْر؛ فإذا سَبَقَ نَفْيُ ما دخلت عليه بغيرها لا تَدْخُلُ عليه (لا).

• لا يصحُّ في كلام العرب أن تَنفِيَ بـ(لا) شيئًا كنتَ قد تقدَّمتَ فنفيتَه.

• فَتِّشْ في كلام العرب والأعراب مِن يومِ أنْ نطقوا بلُغتِهم فلن تجدَ في لغتِهم مثلَ: «ما جاءني إلا زيدٌ لا عمرو.

• حين يَسُوقُ عبدُ القاهر اعتراضًا على نفسه فإنه يُعلِّمُك كيف تُفكِّر في مسائل العلم، وكيف تَعرِضُها على أفهام الناس وتُقرِّبُها إليهم.

• لن تَعرِفَ قيمةَ الكتاب الذي تقرؤه إلا إذا تركتَه من يدك وأمسكتَ بكتاب آخر، لا أقول لك إنك ستجد الكتابَ الآخرَ ليس له قيمة، وإنما ستجده أيضًا له قيمة، ولكنْ لكلٍّ منهما قيمتُه.

• إذا صاحبتَ كتابًا فكأنك تُصاحب كاتبَه، صاحَبْنا «دلائل الإعجاز» فكأن الذي معنا ليست هذه الصفحات وإنما الذي معنا وفي مجلسنا هذا ويخاطبنا بلسانه هو عبد القاهر، فإذا تركناه وأخذنا كتابًا مثل «المثل السائر» لابن الأثير فقد صِرْنا في حضرة ابن الأثير.. وهكذا، فما دمتَ مع كتب العلماء فأنت في حضرتهم؛ فاحرصْ على أن تكون في هذه الحضرة النبيلة الرائعة.

• إذا كنتَ تقرأ بغفلة فلتذهبْ إلى الجحيم، وإذا كنت لا تقرأ فلتذهبْ إلى الجحيمَيْن.

• ما دمتَ تقرأ بوعيٍ وتترك كتابًا لتُمسِك بكتاب آخر فسترى عقلًا غير العقل، سترى الخلاف بين الكتابين كالخلاف بين الرجلين، وبهذا تتكوَّن العقول وتتكوَّن العلوم وترقى الأمم، وليس بالبعبعة، وليس بالكذب، وليس بالنفاق، وليس بالتصفيق ولا بالتهليل.. ما دمنا في البعبعة والكذب والتصفيق والتهليل فأبشر بطول سلامةٍ يا عَدُوَّنا اللَّدود.

• ستخاف منَّا يا عَدُوَّنا اللَّدود يومَ أن ترانا نبحث ونفكر ونتبصَّر ونتبيَّن، وستَعلَمُ أنك ستُحاسَب يومًا ما على جرائمك، أما ما دمتَ ترانا نُبَعْبِع ونُهلِّل ونُصفِّق فافعل من الجرائم ما شئت فلن تحاسَب عليها؛ لأن الضعيفَ لن يحاسِب أحدًا.

• كنت أقرأ في بعض كلام العلماء أنهم إذا وجدوا مسألةً دقيقةً قالوا إنها دقيقة وإن فَهْمَها أدقُّ من الدقيق.. وهذا هو العلم الذي رفع الله أصحابه درجات.

• إذا وُجِدَ العقلُ الذي يتغلغل ويَنْفُذُ إلى سرِّ الأسرار تَقدَّمت الأمةُ ولم يقهرها عَدوٌّ ولم يطأْ ترابَ أرضِها مُجرمٌ، أما إذا كانت المسألةُ بَعْبَعةً فلا البَعْبَعةُ حَمَتْ ناسًا، ولا البَعْبَعةُ تقدَّمت بها الأوطان.

• كلُّ كتابٍ ستجد فيه دقائقَ تُذهِلُك وتُدهِشُك بشرط أن تقرأه أنتَ بعقلٍ كعقل كاتبِه.

• الشيء الذي لا نهتمُّ به في حياتنا هو القراءة، نهتمُّ بكل شيء إلا بالقراءة، وما دمنا كذلك فلن نتقدَّم خُطوةً واحدةً إلى الأمام، أمَّا إذا كان اهتمامُنا الأوَّل والأعلى والأسنى هو القراءة فسوف يتغيَّر كلُّ شيء.

• العلم يُغيِّر بسرعة شديدة جدًّا، والجهل يُفسِدُ بسرعة أكبر.

• يا أولاد، لا تَعْرِفوا العلم فقط، وإنما تعلَّموا كيف تتغلغل العقول إلى خفايا الأشياء وإلى أسرارها، وإذا لم نُعلِّم أجيالَنا كيف تتغلغل عقولُهم إلى خفايا الأسرار فإننا بذلك نُسلِّمُ الأرض ومن عليها لعَدُوِّنا، ولا نكون حينئذ آباء، وإنما نكون خونة، نكون متآمرين.

• إذا لم أجعل الجيلَ الذي بعدي أفضلَ مني فأنا خائنٌ لهذا التراب؛ لأنه سيواجِه تحديات أشدَّ من التحديات التي أواجهها، فإذا لم يكن قادرًا عليها فإني بذلك أُعِدُّ أرضي وأجيالي وأحفادي لأن يكونوا عبيدًا.

• يستحي المرءُ أن يحملَ كتابًا ويمشي في الناس بعد أن عَرَفَ كيف نبغت عقولُ العلماء الكبار الكرام.

• أمسِ كنت أقرأ كتابًا يَشنُّ حملةً صاخبةً على عبد القاهر الجرجاني، ثم قلتُ: هذا مِن نِعَمِ الله على عبد القاهر؛ لأن هؤلاء الشتَّامين يغتابون الرجلَ وهو في قبره، وغَيبتُهم للرجل وهو في قبره إنما ترفع درجاتِه ويَأخذُ من حسناتهم.

• أؤكد لكم وأنا في بيت الله أنه لا يُهِمُّني العلمُ بقدر ما تُهِمُّني العقولُ التي كافحت وجاهدت وتغلغلت حتى وصلت إلى هذا العلم.

• تَعرَّفُوا على العقول لتتعرَّفُوا على ما صدر عن هذه العقول.

• أنت رُبِّيتَ على مناهجَ يسيرةٍ جدًّا جدًّا، تُعطيك أوَّلياتِ المعرفة، هذه المناهج تُعِدُّك لأن تقرأ، فإذا لم تقرأ فليست المناهجُ هي التي دمَّرتَك، أنت الذي دمَّرتَ نفسَك، المناهجُ تُعِدُّك لمرحلة أخرى فإذا وقفتَ عندها فأنت الذي اخترت هذا الخراب.

• واجبٌ أنْ نُشِيعَ بين طلاب العلم أن الجامعة لا تُعلِّمُك العلم، الجامعةُ تُعدِّك لأن تَطلبَ العلم، أنت لا تتعلم الهندسة في كلية الهندسة وإنما مناهج كلية الهندسة تُعدِّك لأن تقرأ وتتعلَّم علم الهندسة، أنت لا تتعلم الطب في كلية الطب وإنما مناهج كلية الطب تُعدِّك لأن تقرأ وتتعلَّم علم الطب.. وهكذا في اللغة، هكذا في الأدب، هكذا في الشعر، هكذا في الزراعة، هكذا في السياسة.

• لا بُدَّ للجيل كلِّه أن ينهض، ولا بُدَّ ألا يكون لـ «الهلافيت» فيه أيُّ قيمة.

• لا بُدَّ من وجود «الهلافيت» في أيِّ جيل، وقد كانوا موجودين في عهد سيدنا رسول الله، لكنَّ المهمَّ هو عددُهم ومدى سيطرتهم والحَيِّزُ الذي يشغلونه؛ فإذا رأيت «الهلافيت» يشغلون الحَيِّزَ الأكبر فابْكِ على الديار، ولا تزعمْ أنك تبكي على «سلمى»، وإنما أنت تبكي على تُراب «سلمى»، ويا بُعْدَ ما بينهما؛ لأن «سلمى» إذا ذهبتْ جاءت «سلمى» أخرى، أما إذا ذهب التُّرابُ فلن يَجيء ترابٌ آخر.

• حين تقرأ لا بُدَّ أن تعرفَ اللحظةَ المضيئة التي أضاءت الحقيقةَ للكاتب، ولو عرفت هذه اللحظاتِ المضيئةَ ستُضيء هذه اللحظاتُ عقلَ «سعادتك»، وإذا لم تَعرفْ هذه اللحظاتِ المضيئةَ فسيظلُّ عقلَ «سعادتك» و«فخامتك» مظلمًا.

• لاحظتُ – وهذا مما أكرمنا الله به - أن كلَّ عَلَمٍ من أعلام الأمَّة يَتْبَعُه عَلَمٌ، عاش معه ومات قبله بعشرين سنة أو خمسين سنة؛ فتَتابُعُ القِمم في حياة الأمَّة وجدتُه شيئًا جليلًا جدًّا جدًّا، وتذكَّرتُ قولَه عليه الصلاة والسلام: "لا يزال الخيرُ فيَّ وفي أُمَّتي إلى يوم القيامة"، وليس الخيرُ هو الصدقات والحسنات والذِّكر فقط، وإن كان هذا مِن أحسنِ الخير، لكنَّ من الخير أيضًا العلماء.

• تَتابُعُ العلماءِ في تاريخ الأمَّة مِن أعجب العجب: تُلاحِظُ أن عبد القاهر فتح أبواب علم البلاغة، ويأتي بعده الزمخشريُّ فيستوعب هذا العلمَ ويَنقُلُه إلى علم التفسير فيُحْدِثُ طفرة في تاريخ التفسير.. وهكذا، الله – سبحانه وتعالى – يُسخِّر للكرام الصادقين مَن يُضيف إلى علمِهم، ومَن يفتح آفاقَ علمِهم، ومن يَنقُلُ علمَهم إلى الأجيال من بعدهم.

• عبد القاهر وهو في تُرابِه يُسخِّرُ الله له عبقريًّا نادرًا، هو الزمخشري، الذي ضَنَّ على نفسه بالزوجة حتى لا يُضيِّع وقتًا من وقته خارج الكتب، فوقف على علم عبد القاهر واستوعبه، ولما انتقل علمُ عبد القاهر إلى عقل الزمخشريِّ وقلبِه بَعثَ خواطر وأفكارًا أُضيفتْ إلى علم البلاغة ولم يَقُلْها عبدُ القاهر وإنما قالها الزمخشريُّ، وكأنها مِن طبيعة علم عبد القاهر.

• لم يُضِفْ إلى البلاغة عِلمًا كعلم عبد القاهر إلا الزمخشريُّ. السَّكَّاكِيُّ أضاف ولكنَّه لم يُضِفْ علمًا كعلم عبد القاهر.

• الزمخشريُّ استوعب فِكرَ عبد القاهر ونَقلَه إلى التفسير مع أن الزمخشريَّ كان معتزليًّا شديدَ التعصُّب للمعتزلة وعبدَ القاهر كان أشعريًّا شديدَ التعصُّب للأشاعرة، ولم يكن في هذا إشكال؛ لأن الخلاف بينهم في أمور يسيرة جدًّا جدًّا، لكنْ مِن خَيْبَتِنا نحن أننا نَفَخْنا في الخلافات الصغيرة وجعلناها خلافات كبيرة.

• سألني سائل: «هل أنت أشعريٌّ أو معتزليٌّ أو صُوفيٌّ؟» فقلتُ له: «أنا مع كلِّ قلبٍ يخشع لذكر الله».

• يُدهشني أن الله – سبحانه وتعالى – بعَيْنِ الرِّضا، وبعَيْنِ الحُب، وبعَيْنِ الصَّلاح والإصلاح، يَنظرُ إلى هذه الأمَّة ولا يَحْرِمُها يومًا ما من كرام العلماء.

• يا ولد، ليس هناك أجملُ مِن لحظة ولادة المعرفة، وإذا رُزِقْتَ رؤيتَها فكأنك رُزِقْتَ أفضلَ ما في الوجود، وهو لحظةُ وِلادة الفكرة؛ لأنها تَنْبُتُ في القلب والعقل.

• دعا الشيخ في ختام المجلس للطلاب قائلًا: الله يُعينكم، ويَهدِيكم، ويُنعِم عليكم بحُبِّ العلم.. أنعم عليكم بالصحة والعافية والسمع والبصر، وهذه نِعَمٌ جليلةٌ لا تكون إلا من الله، فادعوا الله – سبحانه وتعالى – أن يرزقكم حُبَّ العلم، وأن يرزقكم الاحتساب؛ لأن حُبَّ العلم إذا كان للدنيا كان وبالًا، وهو للدُّنيا وأحسنُ ما يكون للدُّنيا إذا جعلتَه لله.

• بعض المفكرين الملاحدة يقولون: «أنتم تريدون كلَّ شيء للآخرة!!»، يا سيدي، كلُّ شيء للآخرة يجعل كلَّ شيء للدُّنيا على أفضل ما يمكن؛ لأن العلمَ حين يكون للآخرة فسوف أجتهد فيه أكثرَ اجتهاد، وسأعمله بأقصى الاجتهاد، وأستخرجه من غيبه بأقصى الاجتهاد؛ لأن الذي يراقبني وسيُحاسِبني هو الذي يَعلم بأحوال نفسي.

• كلُّ ما تَعملُه في دنياك لآخرتك هو أفضلُ ما تَعملُه في دنياك؛ لأنك لن تتهاون، وإنما ستجتهد وتبذل أقصى الطاقة، وتبذل أقصى الصدق، وتبذل أقصى الإخلاص فيما تعمل، وإذا بذلتَ أقصى الطاقة، وأقصى الصدق، وأقصى الإخلاص، فقد عَمِلْتَ عملًا لا يَعْمَلُه إلا من كان على شاكلتك، وهذا هو معنى قوله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{.

مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف الأحد: 16 رجب 1445هـ = 28 يناير 2024م:

• في فَهْم كلام العلماء ليس المُهمُّ القاعدةَ العلميةَ فقط - مع أهميتها وجلالها - إنما المهمُّ جدًّا هو طريقة تفكير العالِم، وهذا هو الشيء الذي ضاع منا في حياتنا.

• نحن تعلَّمنا القراءة لنُحصِّل المعلومات، وهذا جيد جدًّا، ولكن بجانب تحصيل المعلومات علينا أن نتعلَّمَ طريقة تفكير الكاتب، ووَقَفَاتِه مع نفسه ومع قَلَمِه ليَستَجْلِيَ غوامضَ ويَكتُبَها لنا.

• قلتُ لكم: أيُّ كتابٍ فيه دقائقُ ورقائقُ تُفيد العقل وتُنمِّيه، مع الفائدة الجليلة والأساسية التي هي معرفة المعلومات.

• لن تُدرِكَ حركةَ عقل المؤلف إلَّا إذا وقفتَ وتأمَّلتَ كثيرًا؛ لأن حركة عقلِه كانت بوقفاتٍ وتأمُّلات، وأنت في حاجةٍ إلى وقفاتٍ وتأمُّلاتٍ أكثرَ مِن وقفاتِه وتأمُّلاته.

• يَروقني جدًّا جدًّا - ولكن بعد أن كَبِرْتُ وشِخْتُ - أنْ أرى العالِم وهو يَخْطُو الخطوةَ الثانية، وأنَّ الخُطوة الأولى هي التي قادته إلى الخُطوة الثانية، وأنه ما كان له أن يَخْطُوَ الخُطوةَ الثانيةَ إلا بعد الخُطوة الأولى.

• يا سيدنا، إن لم تكن أنت الذي يبحث عن العلم فليس أحدٌ في الدُّنيا سيُعلِّمُك العلم ولو بُعث لك مَلَكٌ، وإنما وَضَع الله عقلَك فيك ليكونَ هو الذي يَهدِيك.

• يا سيدنا، ما يَذْكُره عبد القاهر ليس لُغةً خاصَّةً بالمشايخ. يا سيدنا، ما يَذْكُره عبد القاهر خطابٌ للعقل الإنساني، وتحريكٌ للعقل الإنساني، وإيقاظٌ للعقل الإنساني.

• الذي يَفْهَمُ أنَّ ما يَذْكُره عبد القاهر هو عَمَلُ المتخصِّصين في علم البلاغة، وَاهِمٌ. ما يَذْكُره عبد القاهر هو حِوارٌ لبناء العقل الإنساني.

• لمَّا خلق اللهُ آدمَ أَوَّلَ ما عَلَّمه عَلَّمه الأسماء؛ لأن اللُّغةَ تَبْنِي العقل.

• اللُّغة ليست لُغةَ المتخصِّصين، المتخصِّصون ينشغلون بمسائل العلم الدقيقة، إنما اللُّغة بشكلها العام، وبمنهجها العام، وبما فيها من فكر، وبما فيها من حركة، وبما فيها من يقظة، مطلبٌ لكل إنسان من أبناء هذه اللُّغة، ثم بعد ذلك يكون ما شاء أن يكون: يكون تاجرًا، يكون اقتصاديًّا، يكون سياسيًّا، يكون رياضيًّا، يكون طبيبًا.. إلخ.

• الخطأُ الذي وقعنا فيه - وما زلنا واقعين فيه - هو الاعتقاد أن الكلامَ في اللُّغة خاصٌّ بالجماعة الذين يُدرِّسون اللُّغةَ العربية.. يا سيدي، ليس الأمر كذلك؛ الله حين علَّم آدمَ الأسماء أكان يُعلِّمه ليكون مُدرِّسَ لُغةٍ عربية!! أم علَّمه الأسماءَ ليَبْنِيَ عقلَه لكي يُعمِّرَ الأرض!!

• اللُّغةُ لها عند خالقِها وخالقِ الإنسان صِلةٌ وثيقةٌ بعمارة الأرض؛ لأن الإنسان لن يُعمِّرَ الأرض وهو غَبِيٌّ.

• الوَيْلُ للنَّاس إذا تولَّى أمرَهم غَبِيٌّ. الوَيْلُ للنَّاس إذا تولَّى أمرَهم غَبِيٌّ.

• كنت أقرأ منذ زَمنٍ مقالاتٍ أدبيةً رائعةً لطبيب أطفال ماهر، وكنت أقرأ له مقالاتٍ في «الرسالة» أروعَ في بلاغتِها وبيانِها من مقالات المتخصِّصين في اللُّغة، فسألت عنه فقيل لي إنه طبيب الأطفال الأوَّل في مصر؛ فوجدتُ أن البناء اللُّغويَّ للعقل الإنسانيِّ يُهيِّئه لأن يكون نابغةً في الطب.

• الله قال: }إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً{، وما دام الإنسان خليفةً فلا بد أن يُعمِّر الأرض، وكيف يُعمِّرُها؟ ببناء العقل، وكيف يُبنَى عقلُه؟ بـ}وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ{.

• أخطأنا وما زلنا غارقين في الأخطاء، أهملنا الوجهَ الذي يَبنِي الإنسان.. المقصودُ الأسنى من شرح الكتاب ومن التعليم هو بناء العقل الإنساني.

• إذا بَنيتَ الإنسانَ فقد بَنيتَ كلَّ شيء؛ لأن الإنسانَ هو الذي يَبنِي كلَّ شيء، ولا تظنَّ أنك وحدَك ستبني كلَّ شيءٍ إلا إذا كنتَ غبيًّا.

• ابنِ الإنسانَ أولًا، ثم إنَّ الإنسانَ إذا بنيتَه بنى هو كلَّ شيء، وإذا هدمتَه فقد هدمتَ كلَّ شيء.. وهكذا لا بد أن يكون عندنا بصيرةٌ لنحيا حياةً كريمةً على هذا الكوكب.

• إذا قلتَ: «ليس لي شأنٌ باللُّغة لأنني سأكون مدرس رياضة» فلن تُفْلِحَ في الرِّياضة ولا في اللُّغة؛ لأن اللُّغة بناءُ عقل.

• الله – سبحانه وتعالى – لم يُعلِّم آدمَ أيَّ عِلم، وإنَّما علَّمه الأسماء التي تُهيِّئه ليتعلَّم أيَّ علمٍ آخر؛ لأنَّ تَعلُّم الأسماءِ بناءُ عقل.

• من لحظات التجلِّيات العلميَّة الجيِّدة أن تقرأ للعالِم وهو يَعترِضُ على نفسه؛ لأنه -حين يَعترِضُ على نفسه- لا يَعترِضُ على ما قال، وإنما يريد أن يَزيدَ المسألةَ جلاءً وبيانًا ووضوحًا عندك.

• عبد القاهر يقول لي: اقرأ بتأمُّل، لا تقرأ بغفلة، لا تحفظ القواعد، اقرأ فحوى الكلام وحركة الكلام.

• لن أستطيع أن أدرك فحوى كلام العلماء إلا إذا كنتُ أقرأ بكلِّ وعيي، وبكلِّ نفسي، وبكلِّ يقظتي، وبكلِّ ما فيَّ مِن بصيرة.. إذا تسرَّبتْ أشياءُ من طاقاتي العقلية أو من يقظتي النفسية ستكون قراءتي قراءةً فاسدة.

• كان نظام الدراسات العليا في الزَّمن الذي مضى يقضي بأن تتكوَّن لجنة الشفوي من عميد كلية اللغة العربية، وعميد كلية أصول الدين، وعميد كلية الشريعة، ورئيس القسم الذي يمتحن فيه الطالب، وأقدم أستاذ في القسم، وكانت هذه اللجنة المكوَّنة من خمسة تنعقد وتَمتحن في اليوم طالبًا واحدًا؛ فامتحنتُ عليها وكان الذي يسأل هو الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد - الله يرحمه – وكان الشيخ عبد الحليم محمود يَذْرَعُ نَظرَه في الطالب لينظرَ إلى أيِّ مدًى هو رابطُ الجأش ويَقِظٌ ومَالِكٌ لفكرته أو مضطرب؛ فالشيخ محيي الدين أتى لي بجملة واحدة من القرآن؛ مرَّة مع (إنَّما) ومرة مع (ما وإلا)، وقال لي: إنك تقول إن (إنَّما) تأتي للأمر الظاهر وها قد جاءت الجملة نفسُها مع (ما وإلا)؟ فاستحضرتُ وقتها كلامَ عبد القاهر الذي يفيد بأنه إذا جيء بـ(إنما) في الأمر الذي يؤتى فيه بـ(ما وإلا) لا بد أن يكون السِّياقُ مُهيئًا لموقع (إنَّما) التي لا تقع إلا في كلامٍ لا يجهله المخاطب؛ فأنهى الشيخُ الامتحانَ بعدما سمع جوابي.

• لو أن المسألةَ شَرْحُ كتابٍ ما تحمَّلتُ مشقَّةَ المجيء إلى الأزهر، لو أن المسألةَ سَرْدُ معلوماتٍ ما تحمَّلتُ مشقَّةَ المجيء إلى الأزهر، إنما المسألةُ بناءُ عقلٍ وطريقةُ قراءة.

• قولُ عبد القاهر: «إن (إنَّما) حين تأتي في المعاني المجهولة يُقدَّمُ لها بما يَصِيرُ به المجهولُ معلومًا» قاعدةٌ تُعلِّمُك كيف تقرأ.

• إذا أردتَ أن تتعلَّمَ فتَعلَّمْ كيف تتعلَّم.

• يُدهشني كلامُ العلماء لا بحصيلتِه العلمية، وإنما بحصيلته في الدِّلالة على كيف كان يقرأ هذا العالِمُ.

• تابِعْ عقلَ العالِم إن كنت تريد أن تكون شيئًا، وتابِعْ كيف كان يقرأ، لا كيف كان يقول.

• تعقيبًا على كلامٍ للإمام عبد القاهر في الفقرة رقم (418)، قال شيخُنا: هذا الكلامُ أُحِسُّ بأن فيه معانِيَ ضخمةً جدًّا، ومعانِيَ مفيدةً جدًّا، ومعانِيَ قادرةً على أن تُربِّيَ عقلًا نابغًا جدًّا، لكني لا أستطيع أن أقول فيها أكثرَ ممَّا قلتُه، ويكفيني أن أُشيرَ لك إلى هذا، وأنت عليك أن تَصِل.

• إذا كنتَ تجلسُ أمامي وتَفهمُ بعضَ ما أقولُ ولا تَفهمُ بعضَ ما أقولُ وظَننتَ أنك أخذتَ شيئًا من العلم، فأنت تَخدَعُ نفسَك.

• كلامُ العلماء فيه ظاهرٌ وفيه باطن، وفيه ما يُوصَفُ بأنه كالإشارة، وفيه ما يُوصَفُ بأنه كالإيماء وكالوَحْي، فإذا لم تَعْقِلْ منه الظاهرَ والباطنَ والإشارةَ والإيماءَ والوَحْيَ كانت قراءتُك ناقصة، وما دامت قراءتُك ناقصةً ستظلُّ إنسانًا ناقصًا، وسيظلُّ عقلُك في العلم عقلًا ناقصًا.

• كنتُ أردتُ أن أَدْرُسَ الموضوعاتِ التي قال عبد القاهر إنه لم يُتمَّها وإنه سينتقلُ منها إلى غيرها، ولما بدأتُ شغلتني شواغلُ أخرى فأخرجتُ كتابًا اسمُه «مدخل إلى كتابَيْ عبد القاهر»؛ هذا الكتاب بدأتُ كتابتَه وأنا أنوي مَلْءَ الفراغات التي تركها عبد القاهر، لكني وجدتُ أشياءَ أهمَّ من هذه الفراغات؛ وجدت أن الفراغاتِ بَحْثٌ فيما لا نَعْلَمُه، وأنَّ فيما نَعْلَمُه فراغاتٍ أولى بالبحث.

• لا يُقرِّبك إلى المصحف شيءٌ كما تُقرِّبُك إليه كُتبُ التفسير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply