بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد طلب بعض الإخوة إجابات عن بعض الأسئلة المتعلقة بتختم الرجال، فكتبت خلاصة في أحكام تختم الرجال، ويتضمن ذلك حكم تختم الرجال، وموضع الخاتم، ونوعه.
المبحث الأول: حكم التختم للرجال
يباح التختم، وهو المذهب عند الحنابلة([1])؛ لما ورد أن النبي ﷺ اتخذ خاتما من وَرِق([2])، وقد ثبت لبس الخاتم عن جماعة من الصحابة منهم: طلحة وسعد وابن عمر وخباب بن الأرت والبراء بن عازب والمغيرة بن شعبة وغيرهم، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لبسه لكونه خاتما([3]).
وفي المذهب عند الحنابلة وجه بالاستحباب ذكره ابن رجب وقدمه ابن مفلح في الآداب ([4]).
قال ابن رجب: *والصواب القول الأول [الإباحة]، فإن لبس النبي ﷺ للخاتم إِنَّمَا كان في الأصل لأجل مصلحة ختم الكتب التي يرسلها إلى الملوك، ثم استدام لبسه، ولبسهُ أصحابه معه، ولم ينكره عليهم، بل أقرهم عليه، فدل ذلك عَلَى إباحته المجردة* ([5]).
وقد صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا)، رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 71. وورد عنه رضي الله عنه أنه قال: و(كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة فصه منه) كما صح عن أنس بن مالك رضي الله عنه رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 73.
قال النووي في *شرح مسلم*: قال العلماء: يعني: حجرًا حبشيًا، أي فصًا من جزع أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن. وقيل: لونه حبشي، أي أسود. وفي صحيح البخاري من رواية حميد عن أنس أيضًا *فصه منه* قال ابن عبد البر: هذا أصح. وقال غيره: كلاهما صحيح. وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت خاتم فصه منه، وفي وقت خاتم فصه حبشي. وفي حديث آخر *فصه من عقيق*.
وفي رواية أنس بن مالك قال: )فكأني أنظر إلى بياضه في كفه( رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 74.
وورد في حديث: «أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتمًا من ذهب، وكان يجعل فَصَّهُ في باطن كفِّهِ، فاتَّخذ الناس خواتيم الذهب، فطرحه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وطرح الناسُ خَواتيمهم، فاتخذ خاتمًا من فضة، فكان يختم به ولا يلْبَسُهُ». وهذا ليس على إطلاقه، فقد ثبت في أحاديث كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبسه، فقد روى مسلم: «أنهم سألوا أنسًا عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: آخر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العشاءَ ذات ليلة إلى شطر الليل، أو كاد يذهب شطرُ الليل، ثم جاء، فقال: إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة. قال أنس: كأني أنظر إلى وبيص خاتمه من فِضة، ورفع إصْبَعَهُ اليُسرى بالخِنصر». كما دلت النصوص على أنه يطرحه إذا أشغله، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اتَّخذَ خاتمًا، فلبسَه، قال: شغلني هذا عنكم منذُ اليوم، إِليه نظرَةٌ، وإليكم نظرة، ثم أَلقاه". أخرجه أحمد (1/322) (2963). والنسائي (8/194).
وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم أن التختم سنة، وأنه غير مرتبط بحاجة ختم الرسائل والمكاتبات، فقد صح عن ابن عمر قال: "اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب فكان يلبسه في يمينه فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فطرحه صلى الله عليه وسلم وقال: (لا ألبسه أبدا). فطرح الناس خواتيمهم" رواه البخاري ومسلم، رواه الترمذي في الشمائل (مختصر الشمائل برقم 84).
وقد ذهب الحنفية إلى أن التختم سنة لمن يحتاج إليه، كالسلطان والقاضي ومن في معناهما، وتركه لغير السلطان والقاضي وذي حاجة إليه أفضل. رد المحتار على الدر المختار 5 / 229 ـ 231.
ولا ينزع الخاتم إلا لسبب، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتختم به، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه، رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 72.
ويفهم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه لا ينزعه غالبا، فقد صح عنه رضي الله عنه قال: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر ويد عمر ثم كان في يد عثمان حتى وقع في بئر أريس. رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 76.
المبحث الثاني: كيفية التختم
المطلب الأول: موضع الخاتم من اليدين
اختلف العلماء في أي اليدين يكون التختم فيها أفضل:
فالمذهب عند الحنابلة أن الأفضل التختم في اليسرى ([6]) نص عليه الإمام في رواية صالح ([7])، لما روى أنس رضي الله عنه قال: «كان خاتم النبي ﷺ في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى».([8])
قال الدارقطني: المحفوظ أن النبي ﷺ كان يتختم في يساره ([9])، وضعف الإمام أحمد في رواية الأثرم رواية التختم باليمين.([10])
وقد أشار بعض الحنابلة إلي أن التختم في اليمين منسوخ، وأن التختم في الشمال هو آخر الأمرين.([11])
وأما ما ورد في موضع تختمه صلى الله عليه وسلم فقد صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يمينه) رواه أبو داود رقم (4226) في الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، والنسائي 8 / 175 في الزينة، باب موضع الخاتم من اليد، وهو حديث حسن. ورواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 77.
وصح عن ابن عمر وعبد الله بن جعفر وجابر وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وغيرهم بمعناه. وأَخرجه الترمذي، والنسائي: «أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صنع خاتمًا من ذهبٍ، فتختَّمَ به في يمينه، ثم جلس على المِنبَر، فقال: إني كنتُ اتخذت هذا الخاتم في يميني، ثم نبذه، ونبذ الناس خواتيمهم».
وصح عن محمد بن إسحاق رحمه الله: قال: «رأَيتُ على الصَّلْتِ بنِ عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتمًا في خِنْصَرِهِ اليمنى، فقلت له: ما هذا؟ قال: رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا، وجعل فَصَّهُ إلى ظاهره، قال: ولا يُخَالُ ابنُ عباس إِلا قد كان يذكر أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يَلبَسهُ كذلك». أخرجه أبو داود. وفي رواية الترمذي عن الصَّلت، قال: «رأيت ابن عباس يتختَّم في يمينه، ولا إخَالُهُ إِلا قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه» رواه أبو داود رقم (4229) في الخاتم، باب ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، والترمذي رقم (1742)، قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل (يعني البخاري): حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد الله بن نوفل، حديث حسن صحيح.
وعن حماد بن سلمة رحمه الله: قال: رأَيت ابن أَبي رافع يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك؟ فقال: رأيتُ عبد الله بن جعفر يتختم في يمينه، وقال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه». هذه رواية الترمذي. وأخرجه النسائي عن ابن أَبي رافع عن عبد الله بن جعفر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يمينه» رواه الترمذي رقم (1744)، والنسائي 8 / 175 ورواه أيضًا ابن ماجة رقم (3647)، وهو حديث حسن.
كما ثبت التختم في اليسار، دليله ما صح عن أنس قال: " كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى" أخرجه مسلم (6/152) والنسائي (2/295) والبيهقي (4/142) وأحمد (3/267) عن حماد بن سلمة عن ثابت عنه. وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يتختَمُ في يَسَارِهِ، وكان فَصُّهُ في باطِنِ كَفهِ". أخرجه أبو داود (4227). وذهب الإمام مالك إلى أن السنة التختم في خنصر اليد اليسرى، قال ابن العربي -رحمه الله-: "فالتختم في اليمين مكروه، ويتختم في الخنصر؛ لأنه بذلك أتت السنة عنه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به حسن. ولأن كونه في اليسار أبعد عن الإعجاب *حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني* 2 / 360.
ورجح الشافعية جواز كونه في خنصر اليمنى أو اليسرى، إلا أنه في اليمين أفضل لأنه زينة، واليمين أشرف. المجموع 4 / 462 ـ 463، وقليوبي وعميرة 2 / 24.
ورجح الإمام أحمد أن الصواب التختم في اليسار. كشاف القناع 2 / 236.
وقد اختلف العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث على أقوال ذكرها الحافظ فى *الفتح* (10/274 ـ 276)، وقال في آخرها: قال الحافظ في *الفتح*: وقال البيهقي في *الأدب*: يجمع بين هذه الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، قال الحافظ في *الفتح* 10/327: ويظهر لي أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان اللبس للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أولى، لأنه كالمودع فيها، ويحصل تناوله منها باليمين، وكذا وضعه منها، ويترجح التختم في اليمين مطلقًا، لأن اليسار آلة الاسنتجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ويترجح التختم في اليسار بما أشرت إليه من التناول، قال الحافظ: وجنحت طائفة إلى استواء الأمرين، وجمعوا بذلك بين مختلف الأحاديث، وإلى ذلك أشار أبو داود حيث ترجم: باب التختم في اليمين واليسار، ثم أورد الأحاديث مع اختلافها في ذلك بغير ترجيح، ونقل النووي وغيره الإجماع على الجواز، ثم قال: ولا كراهة فيه، يعني عند الشافعية، وإنما الاختلاف في الأفضل.
ومما يدل على التفصيل بين ما إذا كان اللبس للزينة أو للختم، ما رواه البيهقي من طريق أبي عبد الله الحافظ، وأبي سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب وهو الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا ابن وهب، حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «تختم خاتما من ذهب في يده اليمنى، على خنصره، حتى رجع إلى البيت، فرماه، فما لبسه، ثم تختم خاتما من ورق، فجعله في يساره، وأن أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وحسنا، وحسينا رضي الله عنهم كانوا يتختمون في يسارهم» هذه رواية صحيحة، لا يشك أهل العلم بالحديث في صحتها أخرجها أبو عمرو بن مطر في فوائد أبي العباس الأصم رحمه الله. *الجامع في الخاتم للبيهقي* حققه: عمرو علي عمر، الدار السلفية، بومباي – الهند ح11 ص 45-46.
وقال الألباني -رحمه الله- قد صح عنه صلى الله عليه وسلم التختم في اليمين، وفى اليسار، فيحمل اختلاف الأحاديث في ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا تارة وهذا تارة، فهو من الاختلاف المباح الذى يخير فيه الإنسان.
المطلب الثاني: موضع الخاتم من الأصابع
- يستحب التختم في الخنصر، وأن يجعل فص الخاتم مما يلي كفه ([12])؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه "أن النبي ﷺكان يجعل فص خاتمه مما يلي كفه" ([13]) وكان ابن عباس في خنصر اليمنى ويجعل فصه على ظهرها.([14])
قال عثمان النجدي: *الظاهر: أن المراد جعله على حرف الخنصر، بدليل أنهم نسبوا هذا إلى حديث (الصحيحين)، ثم ذكروا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يجعل الفص مما يلي ظاهر كفه، فالظاهر: المغايرة* ([15])
- ويكره التختم في السبابة والوسطى ([16])؛ لحديث علي رضي الله عنه قال: *نهاني رسول الله ﷺ أن أتختم في إصبعي هذه أو هذه. قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها* ([17]).
- وأكثر الحنابلة لم يقيدوا الكراهة فيهما للرجال، بل أطلقوا ([18])، وإن كان البعض قيده بالرجل وحده.([19])
- ولا يكره في الإبهام والبنصر؛ اقتصارا على النص.([20])
وبالنظر لما ورد في سنته صلى الله عليه وسلم نجد أن الأحاديث المتقدمة تدل على أن الخاتم موضعه من الأصابع الخنصر، ففي البخاري: «اصطنع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا، فقال: "إِنا اتخذنا خاتمًا، ونَقَشْنا فيه نقشًا، فلا ينقُشْ عليه أحدٌ، قال: فإِني لأرى بَريقه في خِنْصرِه".
ونهى صلى الله عليه وسلم عن التختم في السبابة والوسطى، ففي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال: «نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أجعل خاتَمي في هذه، أَو في التي تليها، وأَشار إلى الوسطى والتي تليها». رواه مسلم وفي رواية أبي داود التصريح بذكر الوسطى والسبابة.صحيح سنن أبي داود (3556). وأخرجه الترمذي، قال: «نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن القَسِيِّ والمِيثَرَةِ الحمراء، وأَن أَلبَسَ خاتَمي في هذه، وفي هذه، وأَشار إلى السبَّابة والوسطى». رواه مسلم رقم (2078) في اللباس، باب النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها، والترمذي رقم (1787) في اللباس، باب رقم (44)، وأبو داود رقم (4225) في الخاتم، باب ما جاء في خاتم الحديد، والنسائي 8 / 177 في الزينة، باب النهي عن الخاتم في السبابة. وقد نص على الكراهة الحنابلة كما في كشاف القناع 2 / 236.
المطلب الثالث: موضع الفص
وأما موضع الفص، فيفهم من النصوص أن يكون الفص مما يلي الكف إذا كان في الفص ختم فيه ذكر الله تعالى، ففي رواية لحديث أنس رضي الله عنه: "أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمَ فضة في يمينه، فيه فَصٌّ حَبَشيٌّ، كان يجعلُ فَصَّهُ مما يَلي كَفَّه". وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه:"وكان إذا لبسه جعل فَصَّه مما يلي بطن كفِّه" رواه مسلم.
ولكون نقش خاتمه صلى الله عليه وسلم يحوي اسم الله تعالى، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجعل فصه مما يلي كفه، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وجعل فصه مما يلي كفه. رواه الترمذي في الشمائل وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 81.
المبحث الثالث: نوع الخاتم
المطلب الأول: خاتم الفضة
ما تقدم بحثه من الإباحة أو المشروعية هو فيما يتعلق بخاتم الفضة، وهو الذي ورد الأحاديث والآثار المتقدمة.
وقد ذهب المالكية إلى أنه لا بأس بالخاتم من الفضة، فيجوز اتخاذه، بل يندب بشرط قصد الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز لبسه عجبا. كفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي 2 / 358.
وقال الشافعية: يحل للرجل الخاتم من الفضة، سواء من له ولاية وغيره، فيجوز لكل لبسه، بل يسن. المجموع 4 / 464، وقليوبي وعميرة 2 / 24.
وقال الحنابلة: يباح للذكر الخاتم من الفضة ؛ قال أحمد في خاتم الفضة للرجل: ليس به بأس، وظاهر ما نقل عن أحمد أنه لا فضل فيه. وجزم به في التلخيص وغيره، وقيل: يستحب، قدمه في الرعاية. وقيل: يكره لقصد الزينة. جزم به ابن تميم.
وقد اختلف العلماء في مقدار وزن الفضة في الخاتم على أقوال:
فقال الحنفية، لا يزيد وزن خاتم الفضة عن مثقال، رد المحتار على الدر المختار 5 / 229 ـ 230، والمثقال يعادل 4. 25 جراما.
وقال المالكية: يجوز للذكر لبس خاتم الفضة إن كان وزن درهمين شرعيين أو أقل، فإن زاد عن درهمين حرم. جواهر الإكليل 1 / 10. ووزن الدرهم الشرعي يعادل 2. 975 جراما.
وأما الشافعية فحدوه بما لا يصل لحد الإسراف، مغني المحتاج 1 / 392. ولم يحده الحنابلة بوزن محدد. كشاف القناع 2 / 236.
المطلب الثاني: خاتم الذهب
حذر صلى الله عليه وسلم من خاتم الذهب، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبي عن جده رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما رأى الرجل كراهيته ذهب فألقى الخاتم، وأخذ خاتم من حديد فلبسه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا شر؛ هذا حلية أهل النار. فرجع، فطرحه، ولبس خاتما من ورق، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم". رواه أحمد رقم 6518 و 6680 والبخاري في الأدب المفرد رقم 1021، وسنده حسن، وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 217.
ولبس الرجل لخاتم الذهب فهو من الكبائر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يُحَلِّقَ حبيبَه حَلْقَة من نار فَلْيُحَلِّقْهُ حَلْقة من ذهب، ومن أحب أن يُطَوِّقَ حبيبه طَوْقًا من نار فَليُطَوِّقه طوقًا من ذهب، ومن أَحب أن يُسَوِّرَ حبيبه بِسِوارٍ من نار فَلْيُسَوِّرْهُ سِوارًا من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها". أخرجه أبو داود(4236) في الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء، ورواه أيضًا أحمد في *المسند* 2 / 378. وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للنساء التختم بالذهب، ويحرم على الرجال ذلك، الاختيار لتعليل المختار 4 / 159، وكفاية الطالب الرباني 2 / 359، وقليوبي وعميرة 2 / 23، وكشاف القناع 1 / 282. ويستوي في ذلك الصغار والكبار، لحديث جابر رضي الله عنه قال: *كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري*أخرجه أبو داود (4 / 331 ط عزت عبيد دعاس) وإسناده صحيح.
المطلب الثالث: خاتم الحديد والصفر والنحاس ([21]) والرصاص.
- يكره التختم بالحديد والنحاس والصفر والرصاص للرجل والمرأة ([22]).
- قال أحمد فيما نقله مهنا: أكره خاتم الحديد؛ لأنه حلية أهل النار.
- وقال في رواية أبي طالب وسأله عن الحديد والصفر والرصاص تكرهه؟
فَقَالَ: أما الحديد والصفر فنعم، وأما الرصاص فليس أعلم فيه شيئًا، وله رائحة إذا كان في اليد، كأنه كرهه.([23])
- فقد حذر صلى الله عليه وسلم من خاتم الذهب، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبي عن جده رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فلما رأى الرجل كراهيته ذهب فألقى الخاتم، وأخذ خاتم من حديد فلبسه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذا شر؛ هذا حلية أهل النار. فرجع، فطرحه، ولبس خاتما من ورق، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم."([24])
والنهي عن لبس خاتم الحديد يراد به الحديد الخالص، وأما إذا كان مع الحديد فضة فلا بأس، ففي حديث المعيقيب رضي الله عنه أنه قال «كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديد مَلْوِيٍّ، عليه فضةٌ، قال: فربما كان في يدي، قال: وكان المُعَيقيبُ على خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم». أخرجه أبو داود (4224) قال: حدثنا ابن المثنى، وزياد بن يحيى والحسن بن علي. والنسائي (8/175) وسنده حسن.
وأما خاتم النحاس فقد ورد فيه حديث بريدة رضي الله عنه: قال: "جاء رجل إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليكَ حِلْيَةَ أهل النار؟ ثم جاءه، وعليه خاتم من صُفْرٍ، فقال: مالي أجد منك رِيحَ الأصنام؟ ثم أَتاه وعليه خاتم من ذهب، فقال: مالي أرى عليك حلية أَهل الجنة؟ قال: من أَيِّ شيءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالًا". رواه الترمذي، ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: "أَن رجلًا جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعليه خاتمٌ من شَبَهٍ، فقال: مالي أجد منك ريح الأصنام؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليك حِليةِ أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسولَ الله، من أي شيء أتَّخِذهُ؟ قال: مِن وَرِقٍ، ولا تُتمَّهُ مِثْقَالًا".
قال العلماء: النهي عن خاتم النحاس لسببين:
الأول: لأن الأصنام تصنع من النحاس.
الثاني: أن المشركين يعتقدون أنه يمنع تأثير العين والجن ونحو ذلك.
وقد ذهب الحنفية إلى أن النهي عن التختم بخاتم الحديد أو النحاس للتحريم. رد المحتار على الدر المختار 5 / 229 ـ 230.
وقد ورد الإذن في خاتم الحديد والنحاس، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "أَنَّ رجلًا قَدِمَ من نَجْرَانَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه خاتم من ذهب، فَأَعْرَضَ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إِنَّكَ جئتني وفي يدك جمرة من نار". وفي أخرى: قال: "أقبل رجل من البحرين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلَّم، فلم يَرُدَّ عليه، وكان في يده خاتمٌ من ذهب، وجُبَّةُ حريرٍ، فألقاهما، ثم سلم، فرد عليه السلام، فقال: يا رسول الله، أتيتُك آنِفًا فأعرضتَ عني؟ قال: إنه كان في يدك جمرة من نار، قال: لقد جِئْتُ إِذًا بجمر كثير؟ قال: إن ما جئتَ به ليس بأجزأ عنك من حجارة الحَرَّة، ولكنه متاع الحياة الدنيا، قال: بماذا أَتخَتَّم؟ قال: حَلْقَةٍ مِنْ حَديدٍ، أو وَرِقٍ، أَو صُفْرٍ". أَخرجه النسائي 8 / 170 في الزينة، باب حديث أبي هريرة والاختلاف عليه، وباب لبس خاتم صفر، ورواه أيضًا أحمد في " المسند " 3 / 14، وإسناده صحيح.
كما صح في حديث الواهبة نفسها، قوله للذي أراد تزوجها: "انظر ولو خاتما من حديد" أخرجه البخاري ضمن حديث طويل (فتح الباري 9 / 131 ط السلفية).
وهذا يدل على مسألتين:
الأولى: أن النهي على الكراهة.
الثانية: الإنكار والتغليظ على من يلبس خاتم الذهب، ويدل على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَبصر في يده خاتمًا من ذهب، فجعل يَقْرعُهُ بِقَضيبٍ معه، فلما غَفَل النبي صلى الله عليه وسلم أَلقاه، قال: ما أُرَانا إِلا قد أَوجعناك، أو أغرمناك" رواه النسائي 8 / 171 وسنده حسن.
المطلب الرابع: خاتم العقيق
- اختلف الحنابلة في مشروعية لبس خاتم العقيق، فذهب صاحب المنتهى ([25]) وقدمه في الغاية ([26]) إلى استحباب لبسه؛ لحديث "تختَّموا بالعقيقِ، فإنهُ مبَاركٌ".([27])
- وذهب صاحب الإقناع إلى إباحته ([28])؛ لضعف الحديث.
- قال ابن رجب: وأما خاتم العقيق فَقَالَ بعض أصحابنا يستحب مع قولهم أن خاتم الفضة مباح ليس بمستحب، ولعلهم أسندوا إلى الأحاديث المروية في الأمر به، والأمر أقل درجاته الاستحباب، وظاهر كلام أكثر الحنابلة خلاف ذلك، وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية مهنا، وقد سأله ما السنة -يعني في التختم-؟
قال: لم تكن خواتيم القوم إلا فضة ([29]).
- ثم ذكر الأحاديث الدالة على استحباب التختم بالعقيق وأعلها ([30]).
والأحاديث الواردة هي ما رواه الطبراني في الأوسط (6691) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: *أَتَى بَعْضُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْسِلْ مَعِيَ مَنْ يَشْتَرِي لِي نَعْلًا وَخَاتَمًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالَ بْنَ رَبَاحٍ، فَقَالَ: "انطَلِقْ إلى السُّوقِ واشْتَرِ له نَعْلًا، ولا تَكُنْ سَوْدَاءَ، واشْتَرِ له خَاتمًا، ولْيَكُنْ فَصُّهُ عقيقًا؛ فإنهُ مَنْ تَخَتَّمَ بالعَقِيقِ لم يُقْضَ له إلا الذي هو أَسْعَدُ" قال الشيخ الألباني: موضوع، انظر: *سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة *(5573).
وأخرج الطبراني في الأوسط أيضًا (103)، وابن الجوزي في *الموضوعات* (1 / 57) عَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ لَمْ يَزَلْ يَرَى خَيْرًا) قال الشيخ الألباني: موضوع، انظر: *سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة* (1/ 399)، برقم (230).
وسئل علماء اللجنة الدائمة السؤال التالي:
يعتقد بعض هواة الخواتم والأحجار الكريمة مثل العقيق اليماني، والفيروزج الإيراني وغيرها أن لها خاصية، وأن لها أسرارا، ومنافع ليست لغيرها من الأحجار الأخرى، ويروجون لذلك دعايات، ويستدلون بأحاديث، والأقوال التي ذكرها صاحب كتاب *المستطرف*.
والسؤال يا سماحة الشيخ: هل يصح في هذا الباب حديث صحيح، أو قول يعول عليه في هذه المسألة؟ وهل ما ورد في هذا الكتاب صحيح يحتج به؟ وهل لهذه الأحجار ميزات تميزها على غيرها؟ أفيدونا أفادكم الله.
فأجابوا: *لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في فضل الخواتم والأحجار المذكورة ولا في خواصها، فلا يجوز أن ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، وقد ثبت أنه قال: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، كما لا يجوز أن يعتقد الإنسان في تلك الخواتم فضلا، ولا يجوز تصديق ما ينسج حولها من قصص وخرافات، وكتاب (المستطرف) لا يجوز الاعتماد عليه في أمور العلم والدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
انتهى من *فتاوى اللجنة الدائمة* (2/ 297 - 299) الفتوى رقم (21469).
فالذي عليه علماؤنا عدم سنية التختم بالعقيق لعدم ثبوت الأحاديث الواردة فيه.
([1]) انظر: كشاف القناع (5/٢٣)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/296).
([2]) أخرجه البخاري (5865)، ومسلم (2091).
([3]) انظر: أحكام الخواتيم لابن رجب (23).
([4]) انظر: الآداب الشرعية (3/٥٣١)، أحكام الخواتيم (24)، والإنصاف (7/٣٦).
([5]) انظر: أحكام الخواتيم (28).
([6]) انظر: كشاف القناع (5/24)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/296).
([7]) انظر: مسائل صالح (2/ 208).
([8]) أخرجه مسلم (٢٠٩٥).
([9]) انظر: علل الدارقطني (12/178).
([10]) انظر: الآداب الشرعية (3/٥٣١)، وأحكام الخواتيم (91).
([11]) انظر: أحكام الخواتيم (92).
([12]) انظر: كشاف القناع (5/24-25)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/296-297).
([13]) أخرجه البخاري (3645).
([14]) أخرجه أبو داود (4229)، والترمذي (1742)، ونقل تحسين البخاري له.
([15]) انظر: حاشية النجدي على المنتهى (1/٤٨٩).
([16]) انظر: كشاف القناع (5/26)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/297).
([17]) أخرجه مسلم (2078).
([18]) انظر: الإنصاف (7/38).
([19]) انظر: أحكام الخواتيم (94).
([20]) انظر: الفروع (4/١٥٢)، وأحكام الخواتيم (94)، وكشاف القناع (5/٢٦)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/297).
([21]) قال النجدي في حاشيته على المنتهى (1/490): قوله: (ونحاس) عطفه على الصفر من عطف العام على الخاص.
([22]) انظر: كشاف القناع (5/28)، وشرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/301).
([23]) انظر: أحكام الخواتيم (41، 42).
([24]) أخرجه أحمد (11/68: 6518) والبخاري في الأدب المفرد (1021)، رواه أحمد رقم 6518 و 6680 والبخاري في الأدب المفرد رقم 1021، وسنده حسن، فقد حسنه السفاريني في شرح ثلاثيات المسند (1/383). وصححه الألباني في آداب الزفاف ص 217.
([25]) انظر: شرح المنتهى بحاشية أبا بطين (3/301).
([26]) انظر: مطالب أولي النهى (4/145).
([27]) أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (4/449)، وقال: " لا يصح في التختم بالعقيق عن النبي r شيء"، وابن عدي في الكامل في الضعفاء (7/147)، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/333: 1461)،
([28]) انظر: كشاف القناع (5/27).
([29]) أحكام الخواتيم (49).
([30]) انظر: المصدر السابق (49-51).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد