بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أيُّ ثاوٍ غفا وعافَ سناها | ولِسُقْمٍ في النَّفسِ ما زكَّاهـا |
الليالي والمستهامون كُثْرٌ | ما تناسوا نوالَهـا ولُهاها |
أوْ طَوتْهم غلائلُ التِّيهِ لهـوًا | وانتكاسًا فلم يُجِرْهُم صداهـا |
هو ذا الصَّوتُ من غيوبٍ أتاهم | فأشاحتْ نفوسُهم إذْ أتاهـا |
فَتَرَدَّتْ وما سعتْ لمقامٍ | فالخساراتُ: فَقْدُ طيبِ شذاها |
ونفوسٌ قد آمنتْ وتزكَّتْ | مسرعاتٍ تُجاهَ شذوِ جَنَاهـا |
إنَّمـا النَّفسُ بالمآثرِ ترقى | حيثُ تسمو في العالمين رؤاهـا |
وَهَبَتْ نهجَها لكلِّ تقيٍّ | قد زكـا قلبًا طاهرًا أوَّاهـا |
في مغاني الشهر الوريفِ بعفْوٍ | يَتَثَنَّى فــــــــــــــــؤادُه تَيَّــــــــــــــــــاها |
أكرمَ اللهُ الصَّائمين بكأسٍ | آثــــــــروهـا وزادَهـــــــــــــــــــم أحــــلاهـا |
يوم حشرِ الأنامِ والظَّمأُ استشرى. | فناجٍ بصومِه مَن جَنَاهـا |
عاشَ في الدنيا للِّقاءِ مشوقًا | لم يزدْهُ العناءُ إلا صَفَاهـا |
إنَّها جنَّةُ الخلودِ لنفسٍ | بالمثـــــــــــــــــــــاني وبالتُّقَى زكَّاهـا |
إنَّهـا اليومَ قد تقبَّلَهـا اللهُ. | فبشرى لهـا بمـا أولاهـا |
بوركتْ نفسٌ ما سَفَتْها المعاصي | إذْ أشاحتْ بالوعيِ عن أدناهـا |
فرعاها الرحمنُ في كلِّ حـالٍ | وإلى الذِّكرِ في الحياةِ هَدَاهَا |
تلك نفسٌ كريمةٌ عرفتْ قيمةَ. | دنياها فاكتفتْ بعلاها |
فَأُنيلتْ من ربِّها درجات | في فراديس رحـــــــــــــــــــــمةٍ سوَّاهـا |
تطلبُ القربَ فالوعودُ حِسانٌ *** | لِتُقــــــــــــــــــــاةٍ فاستَنْبِئنْ مــــــــــأواها |
الخلودُ الفيَّاضُ بالأُنسِ أحلى | من خيالٍ تتيهُ فيه مُنَاهـا |
ومن الليلِ هجعةٌ تزدريهـا | أنفُسُ الصَّالحين، مافحواها! |
ما ازدرتْها من وطأةِ الأرقِ. | الجيَّاشِ بالهمِّ أو لدنيا نعاها! |
إنما للوقوفِ في محشرٍ يحسو | من الباقياتِ طابتْ يداها (3) |
وَهَبَتْهُ يعبوبَهـا فتهادى | نحوَ أغلى الآرابِ جلَّ مداها (4) |
وتعالتْ على الدنايا فما دانتْ. | نفوسُ الأبرارِ كأسَ شقاها (5) |
فشميمُ النَّعيمِ في جَنَّةِ الخُلدِ. | تهادت إلى النعيمِ خُطاهـا |
وإليهِ هَفَتْ بأجنحةِ الشَّوقِ. | فسبحانَ ربِّها مولاها |
نِعَمٌ تجلبُ النُّفوسَ إليها | من لَدُنْ مُنعمٍ يزيدُ عطاها |
أفلحَ العبدُ إن تملَّى بصيرًا | في مداهـا عشيَّةً وضحـاهـا |
ويفوزُ الذي ترفَّع فيهـا | عن غواياتهـا فمـا دسَّاها |
هي نفسٌ وهذه منحةُ اللهِ. | لقلبٍ في العيشِ ما جافاهـا |
وهي الشِّرعةُ المنيفةُ للخلقِ. | وبالبيِّناتِ قد جلاَّهـا |
وترى غيرَها على غبشِ الزَّيفِ. | فللمهلكاتِ قد ألقاها |
بئسَ تلكَ النفوس منصرماتٍ | عن مناراتِها وعن أزكاها |
ويُماري الجناةُ في الشَّرِّ ظلمًـا | وَعُلُوًّ فبئسَ مَن فيه تاها |
قد سباهم غرورُهم فسقاهم | خمرةَ الرَّيبِ مَن دحـا بلواها |
ذاك شيطانُهم، تجرُّهُمُ اللعنةُ. | تهوي بهم إلى طغواها |
واشرأبَّتْ أعناقُهُم عنفوانًا | شانَه البختُ فانحنى أقواها (6) |
هم جُناةٌ حياتُهم في تبارٍ | صارمتْهـا ملاحةٌ في عَنَاها |
ونأوا عن فيوضِ وحيٍ كريمٍ | فيه آيات واهبٍ أغلاها |
وتعاموا عن معرقاتِ فصولٍ | لم يطبْ فيه عيشُنا لولاهـا |
ينطوي عهدُهم وكلُّ قبيحٍ | سيرى أهلُه به عقباهـا |
رُزِئَ النَّاسُ من مساوئهم | فانتفظوا والجناةُ مَن سوَّاهـا |
لعنَ اللهُ المجرمين تخلَّوا | عن ضميرٍ فمرُّها أشهاها! |
وهُمُ المهزومون والغدُ آتٍ | والحكاياتُ صاغها أشقاها |
حسبُنا اللهُ إن وجدْنا أذاهم | فالمخاليب لؤمُهُم أغناهـا |
حُرِمُوا بهجةَ الرِّضا فاستُرقُّوا | لهوى أنفُسٍ تمجُّ هَنَاهـا! |
إنَّ ربِّي يعطي المنيبين مالا | ينثني عن كرامةٍ و نَدَاهَـا |
وهبَ اللهُ ليلةَ القدرِ جودًا | ينهلُ الصَّالحون منه سَخَاهـا |
بوركتْ أنفُسٌ تثيرُ خطاها | في مغاني جلالِها ومناهـا |
المآقي في روضِها مشرئبَّاتٌ | لأطيابِ صبحِها ومساها |
حُللٌ تُبهجُ العيونَ وتُغني | مَن أتاها وغبَّ من أصفاهـا |
عندها سارعتْ قلوبٌ سباها | ما رأتْهُ من رحمةٍ وجَناها |
تعسَ القومُ من بني الرِّدَّةِ اليومَ | وذاقتْ نفوسُهم ماعراها |
من شقاءٍ وغفلةٍ إذْ جَفَتْهُم | ليلةُ القدرِ لم ينالوا لُهَاهَـا |
إنَّها العشرةُ الختامُ لشهرٍ | فيه طابت أيامُها ولقاها |
فاضَ فيها حنينُنا باشتياقٍ | لرضا اللهِ جلَّ يوم اصطفاها |
لو رأتْ خيرَها النَّديَّ نفوسٌ | غافلاتٌ لغيَّرتْ مجراهـا |
ولجاءت إلى المدارجِ زحفًـا | تبتغي الصَّفحَ من كريمِ رجاها |
فهواها الرخيصُ يقتلُ فيها | ما تمنَّتْهُ من ثمارٍ يداهـا |
ويح نفسٍ على الحطامِ ترامتْ | وتخلَّتْ حمقاءَ عن مولاهـا |
خسرتْ في منازلِ السوءِ والإفكِ | وفي ملعبِ الهوى دنياها |
ربِّ أوزِعْنا أن نثيرَ نفوسًا | للمعالي ومقتَ مَن أغراها |
أشغلَتْها بهارجُ النَّزوةِ الخرقاءِ | رفَّتْ وخادعتْ أغباها |
أيـــثــــــوبــــون! فاللــــــــيالي تــــولَّــــــــــتْ | مزمعـــــاتٍ وخــــــابَ مَـــــــن جـــافــــــاهــا |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش:
(1) لُهاها: هداياها وجمائلها.
(2) نعاهـا: أخبر بمجافاتها.
(3) الباقيات: الأعمال الصالحات.
(4) اليعبوب: الفرس السريع.
(5) دانت: اقتربتْ.
(6) البخت: الحظ، والنصيب.
(7) المعرقات: ذات الأصل والعلو والمكانة.
(8) لُهاها: هباتها وعطاياها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد