بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من أهم الدراسات وأجداها نفعًا -مع تطلبها للباحث الجاد والصبور والهمام وعميق المعرفة في مجال التخصص- دراسة تطور محتوى التراث الديني-: العقائدي والفقهي والأخلاقي، للأديان المختلفة والمذاهب المتعددة، وكذلك دراسة تطور الأفكار داخلها في سياقات متنوعة.
وقد تناولت بعض الدراسة الجادة جزءًا من هذا الموضوع عند الطائفة الإماميَّة، وقد أوردت بعض ما جاء في تلك الدراسة، وكيف يتم تبني الكتب. وفي اعتقادي أنَّ برامج الدراسات الأكاديمية الجادة في مجال التخصص بحاجة إلى توجيه طلابها المتميزين بعمق العلمية والنابهين إلى مثل تلك الموضوعات.
ومن المقترحات هنا: دراسة تطور محتوى التراث الزيدي، مثلًا، وحجم الإثراء أو الزيادة أو النقص الذي تعرض له هذا التراث على مدى القرون، وسبب هذا التطور، وهل هو نتيجة استحواذ الطوائف المستحدثة، أو نتيجة حركات علمية تصحيحية، ثم ما مدى مصداقية هذا التصحيح والتنقيح وانتسابه إلى الأصل.
وأثره على التغييرات التي تطرأ على نسخ الكتب. فمثلًا: يقول يحيى بن الحسين بن القاسم: *مجموع (الفقه الكبير) للإمام زيد بن علي، وسائر مصنفاته تنادي بأنه على رأي أهل السنة في الأصول والفروع، وأنه لم يوافقه من الزيدية إلا الصالحية، وقد انقرضوا، ولم يبق من الزيدية على حقيقة مذهبه أحد.*
وهذا يحتاج دراسة تراث زيد بن علي، وما صح عنه في التراث السني، وما ورد عنه في التراث الزيدي خصوصًا في النسخ الخطية العتيقة، وكيف تم تناول تراثه من قبل الفرق المتقدمة كالصالحية، والوثائق الماديَّة والنقدية لتطور التعامل مع تراثه في الفرق اللاحقة ذات التوجهات الإيديولوجية الحادة.
يقول يحيى بن الحسين بن القاسم: *ومن اعتزى إلى مذهبه من الهادوية الذين على مذهب الهادي من المخترعة والمطرفية فهو كاذب، تكذبه نصوص زيد بن علي في مصنفاته، ومصنفات قدماء الزيدية، كما في (الجامع الكافي جامع آل محمد)، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.*
وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني عن (الجامع الكافي): *هو من أجل كتب الزيدية قدرًا وأنبلها ذكرًا وأكثرها استدلالًا وأوسعها لهم أقوالًا. ولكن الزيدية الذين في الوجود في هذه الأعصار أكثرهم لا يعرفون له اسمًا ولا رأوا له حجمًا وأضاعوا بجهلهم له علمًا جمًا من علوم آل محمد وممن عليهم يعتمد، وليتهم عرفوه واعتمدوه، لكان لهم فخرًا وأعلى لهم قدرًا ورفعهم عند مخالفيهم ذكرًا.*
وفي إشارة إلى تطور محتوى التراث الزيدي، يقول يحيى بن الحسين بن القاسم: *ومن المتأخرين من الزاعمين أنهم زيدية من قد حرف بعض أقوال زيد بن علي إلى موافقة الهادي، واختصر أقواله، وحرفها عن مراده، وأسقط نصوصات فقهه، كما في المجموع الصغير.*
ويقصد -كما أشار باحثون زيديون وغيرهم- يحيى بن الحسين بن المؤيد بالله، إذ قال عنه في موضع آخر مبينًا الخلفية الإيديولوجية المحركة له التي حملته على التدخل في التراث الزيدي السابق: *وكان جاروديًا في عقيدته، متحاملًا على الصحابة رضي الله عنهم، غاليًا في الرفض لهم، محترقًا داعية.*
وقال عنه وعن تدخلاته: *وطمس من (مجموع الفقه الكبير) للإمام زيد بن علي بعض مسائله، مثل مسألة إمامة قريش، وما ذكره في الأصول، وذمه للقدرية، وإثبات المشيئة الله، وغير ذلك، فلا قوة إلا بالله.*
وقال عنه الإمام الشوكاني: *وكان متظهرًا بالرفض وثلب الأعراض المصونة من أكابر الصحابة، ومشى على طريقته تلامذته، ورأيت بخط السيد يحيى بن الحسين [ابن القاسم] أن صاحب الترجمة تواطأ هو وتلامذته على حذف أبواب من (مجموع) زيد بن علي، وهي ما فيه ذكر الرفع والضم والتأمين، ونحو ذلك، ثم جعلوا نسخًا، وبثوها في الناس، وهذا أمر عظيم، وجناية كبيرة، وفي ذلك دلالة على مزيد الجهل وفرط التعصب، وهذه النسخ التي بثوها في الناس موجودة الآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله.*
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد