هدي النبي في حجه وعُمره منتقاة من زاد المعاد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

ينبغي لمن عزم على الحج والعمرة أن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله، في كتابه النافع الماتع *زاد المعاد في هدى خير العباد* هديه صلى الله عليه وسلم في حجه وعمرته، وفد انتقيت بعضًا مما ذكره، أسأل الله الكريم أن ينفع بها جميع المسلمين.

• اعتمر صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أربع عمر، كلهن في ذي القعدة.

• لم يكن في عُمَرِه عُمرَة واحدة خارجًا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عُمرُهُ كُلُّها داخلًا إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجًا من مكة في تلك المدة أصلًا.

• لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، ولم يعتمر في سنة مرتين.

• لم يحجَّ بعد هجرته إلى المدينة سوى حجه واحده، وهي حجة الوداع... وكانت سنة عشر.

• خيَّر أصحابه عند الإحرام بين الانساك الثلاثة، ثم ندبهم عند دنوهم من مكة إلى فسخ الحج والقرآن إلى العمرة لمن لم يكن معه هدي، ثم حتّم ذلك عليهم عند المروة.

• أحرم صلى الله عليه وسلم قارنًا....والحج الذي استقر عليه فعله وفعل أصحابه القرآن لمن ساق الهدى، والتمتع لمن لم يسق الهدى.

• لما أراد الإحرام اغتسل... لإحرامه... ثم طيبته عائشة بيدها... في بدنه ورأسه... ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلى الظهر ركعتين، ثم أهلَّ بالحجِّ والعمرة في مصلاه... ولم ينقل عنه أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر... ثم ركب على ناقته، وأهلَّ أيضًا، ثم أهلَّ لما استقلت به على البيداء... ثم لبى فقال: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" ورفع صوته بهذه التلبية حتى سمعها أصحابه، وأمرهم بأمر الله له أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية.

• لما كان بسرف، حاضت عائشة رضي الله عنها، وقد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها النبي وهي تبكي قال: "ما يبكيك لعلك نفست؟"قالت: نعم. قال: "هذا شيء قد كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاجُ، غير أن لا تطوفي بالبيت".

• ولما كان بسرف، قال لأصحابه: "من لم يكن معه هدى، فأحبَّ أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدى فلا" وهذه مرتبة أخرى فوق رتبة التخير عند الميقات، فلما كان بمكة أمر أمرًا حتمًا من لا هدي معه أن يجعلها عُمرة، ويحلَّ من إحرامه، ومن معه هدي أن يُقيم على إحرامه، ولم ينسخ ذلك شيء البتة.

• ثم نزل بذي طوى فبات بها وصلى بها الصبح ثم اغتسل من يومه ونهض إلى مكة فدخلها نهارًا من أعلاها من الثنية العليا... وسار حتى دخل المسجد وذلك ضحى.

• فلما دخل المسجد... ولم يركع تحية المسجد، فإن تحية المسجد الطواف، فلما حاذى الحجر الأسود استلمه ولم يزاحم عليه، ولم يرفع يديه، ولم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا، ولا افتتحه بالتكبير... ثم أخذ عن يمينه، وجعل البيت عن يساره، ولم يدع عند الباب بدعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها، ولا وقت للطواف ذكرًا معينًا، لا بفعله، ولا بتعليمه، بل حفظ عنه بين الركنين "ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار".

• ورمل في طوافه هذا الثلاثة الأشواط الأول، وكان يسرع في مشيه، ويقارب بين خطاه، واضطبع بردائه فجعل طرفيه على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الأخرى ومنكبه.

• كلما حاذى الحجر الأسود، أشار إليه أو استلمه بمحجنه، وقبّل المحجن....وثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود، وثبت عنه أنه استلمه بيده، فوضع يده عليه ثم قبلها، وثبت عنه أنه استلمه بمحجن، فهذه ثلاث صفات.

• ثبت عنه أنه استلم الركن اليماني، ولم يثبت عنه أنه قبَّله، ولا قبَّل يده عند استلامه... وكلما أتى الحجر الأسود قال: "الله أكبر".

• فلما فرغ من طوافه، جاء إلى خلف المقام، فقرأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾[البقرة:125] فصلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت، قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص... فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه.

• ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله، فلما قرب منه، قرأ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ﴾[البقرة:159] أبدأ بما بدأ الله به.

• ثم رقي عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال: "لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات.

• ثم نزل إلى المروة يمشى، فلما انصبت قدما في بطن الوادي سعى حتى إذا جاوز الوادي وأصعد مشى.

• كان صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى المروة رقي عليها، واستقبل البيت، وكبر الله ووحده، وفعل كما فعل على الصفا، فلما أكمل سعيه عند المروة، أمر كلَّ من لا هدي معه أن يحلَّ حتمًا ولا بدَّ، قارنًا كان أو مفردًا، وأمرهم أن يحلوا الحلَّ كُلَّه من وطء النساء والطيب ولبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية، أما هو صلى الله عليه وسلم فلم يحل من أجل هديه، وهناك قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة".

• هناك دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرة.

• كان يصلي مدة مقامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذي هو نازل بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة، يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، فلما كان يوم الخميس ضُحى، توجه بمن معه من المسلمين إلى مِنى، فأحرم بالحج من كان أحلَّ منهم من رحالهم، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم، فلما وصل إلى مِنى، نزل بها، وصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكان ليلة جمعة.

• لما طلعت الشمس سار منها إلى عرفة، وكان من أصحابه الملبي، ومنهم المكبر، وهو يسمع ذلك، ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء، فوجد القُبَّة قد ضُربت له بنمره بأمره، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس... سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرنة، فحطب الناس وهو على راحلته خطبة عظيمة، قرر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها، وهي الدماء والأموال والأعراض، ووضع فيها أمور الجاهلية... ووضع ربا الجاهلية كُلَّه وأبطله، وأوصاهم بالنساء خيرًا، وذكر الحق الذي لهن والذي عليهن،... أوصى الأمة فيها بالاعتصام بكتاب الله، وأخبر أنهم لن يضلوا ما دموا معتصمين به، ثم أخبرهم أنهم مسؤولون عنه، واستنطقهم: بما يقولون وبما يشهدون، فقالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت، فرفع أصبعه إلى السماء، واستشهد الله عليهم ثلاث مرات، وأمرهم أن يبلغ شاهدهم غائبهم.

• خطب خطبة واحدة، ولم تكن خطبتين جلس بينهما، فلما أتمها، أمر بلالًا فأذن، ثم أقام الصلاة، فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة، وكان يوم الجمعة... ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضًا ومعه أهل مكة، وصلوا بصلاته قصرًا وجمعًا بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع.

• لما فرغ من صلاته ركب حتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات، واستقبل القبلة... وكان على بعيره، فأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عُرنة، وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال: "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف".

• كان في دعائه صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين، وأخبرهم أن خير الدعاء دُعاء يوم عرفة.

• لما غربت الشمس، واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة، أفاض من عرفة،... ثم جعل يسير العنق، وهو ضرب من السير ليس بالسريع، ولا البطيء، وكان يلبي في مسيره ذلك، ولم يقطع التلبية.

• ثم سار حتى أتى المزدلفة، فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان، فإذن المؤذن، ثم أقام، فصلى المغرب قبل حط الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطُّوا رِحالهم، أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصلِّ بينهما شيئًا.

• ثم نام حتى أصبح، ولم يُحي تلك الليلة، ولا صحَّ عنه في إحياء ليلتي العيدين شيئًا.

• إذن في تلك الليلة لضعفة أهله أن يتقدموا إلى مِنى قبل طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيوبة القمر،... فرمين قبل طلوع الشمس للعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم.

• لما طلع الفجر، صلاها في أول الوقت بأذان وإقامة يوم النحر، وهو يوم العيد.

• ثم ركب حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرع، والتكبير، والتهليل، والذكر، حتى أسفر جدًا، وذلك قبل طُلوع الشمس.

• وقف صلى الله عليه وسلم في موقفه، وأعلم الناس أن مزدلفة كُلها موقف.

• ثم سار من مُزدلفة مُردفًا للفضل بن عباس وهو يُلبي في مسيره.

• في طريقه ذلك أمر ابن عباس أن يلقط له حصى الجِمار، سبع حصيات،... فالتقط له سبع حصيات من حصى الحذف، فجعل ينفُضُهُنَّ في كفِّه ويقول: "بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

• لما أتى بطن مُحسِّرٍ، حرك ناقته وأسرع السير، وهذه كانت عادته في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه.

• سلك صلى الله عليه وسلم الطريق الوسطى بين الطريقين، وهي التي تخرج على الجمرة الكُبرى، حتى أتى مِنى، فأتى جمرة العقبة، فوقف في أسفل الوادي، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة وهو على راحلته، فرماها راكبًا بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يُكبرُ مع كُلِّ حصاة، وحينئذ قطع التلبية.

• كان في مسيره ذلك يُلبي حتى شرع في الرمي.

• ثم رجع إلى مِنى فخطب خطبة عظيمة بليغة أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر وتحريمه وفضله عند الله، وحُرمة مكة على جميع البلاد، وأمرهم بالسمع والطاعة لمن قادهم بكتاب الله، وأمر الناس بأخذ مناسكهم عنه.

• هنالك سُئل عمن حلق قبل أن يرمي، وعمّن ذبح قبل أن يرمي، فقال: لا حرج قال عبدالله بن عمرو: ما رأيته صلى الله عليه وسلم سئل يومئئذٍ عن شيء إلا قال: "افعلوا ولا حرج".  

• ثم انصرف إلى المنحر بمنى، فنحر ثلاثًا وستبن بدنة بيده، وكان ينحرها قائمة، معقولة يدها اليسرى، وكان عدد هذا الذي نحره عدد سني عمره، ثم أمسك وأمر عليًا أن ينحر ما غبر من المائة، ثم أمر عليًا رضي الله عنه، أن يتصدق بجلالها ولحومها وجلودها في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئًا منها، وقال: نحنُ نعطيه من عندنا.

• لم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، جمعوا بين الهدى والأضحية، بل كان هديهم هو أضاحيهم، فهو هدى بمنى، أضحية بغيرها.

• نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنحره بِمنى، وأعلمهم: "أن مِنى كلها منحر، وأن فجاج مكة طريق ومنحر"، وفي هذا دليل على أن النحر لا يختص بِمنى، بل حيث نحر من فجاج مكة أجزأه.

• لما أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحره، استدعى بالحلاق، فحلق رأسه، ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثًا، وللمُقصرين مرة، وحلق كثير من الصحابة، بل أكثرهم، وقصَّر بعضهم.

• ثم أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكبًا، فطاف طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره، ولم يسع معه، هذا هو الصواب... ولم يرمل صلى الله عليه وسلم في هذا الطواف، ولا في طواف الوداع، وإنما رمل في طواف القدوم.

• ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه وهم يسقون، فشرب وهو قائم.

• ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى مِنى من يومه ذلك، فبات بها، فلما أصبح، انتظر زوال الشمس، فلما زالت مشى من رحله إلى الجِمار، ولم يركب، فبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، فرماها بسبع حصياتٍ واحدةً بعد واحدةٍ، يقول مع كل حصاة: "الله أكبر" ثم تقدم على الجمرة أمامها حتى أسهل، فقام مستقبل القبلة، ثم رفع يديه ودعا دُعاءً طويلًا بقدر سُورة البقرة، ثم أتى إلى الجمرة الوسطى، فرماها كذلك، ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فوقف مستقبل القبلة رافعًا يديه يدعو قريبًا من وقوفه الأول، ثم أتى الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة فاستبطن الوادي، واستعرض الجمرة، فجعل البيت عن يساره، ومِنى عن يمينه، فرماها بسبع حصيات كذلك... فلما أكمل الرمي، رجع من فوره ولم يقف عندها.

• تضمنت حجته صلى الله عليه وسلم ستَّ وقفات للدعاء: على الصفا، وعلى المروة، وبعرفة، وبمزدلفة، وعند الجمرة الأولى، وعند الجمرة الثانية.

• لم يتعجل صلى الله عليه وسلم في يومين، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة... ثم ارتحل راجعًا إلى المدينة.

• استأذنه العباس بن عبدالمطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فإذن له

• استأذنه رعاء الإبل في البيتوتة خارج منى عند الإبل، فأرخص لهم أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر يرمونه في أحدهما.

• زعم كثير من الفقهاء وغيرهم أنه دخل البيت في حجته، ويرى كثير من الناس أن دخول البيت من سنن الحج اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، والذي تدل عليه سنته، أنه لم يدخل البيت في حجته ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply