من أجل حج آمن وصحي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

اتَّقُوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ المُؤمنينَ-، فهيَ زادُ الصَالحِينَ، ونَجَاةٌ مِنْ كُرباتِ يومِ الدينِ ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

واعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أنَّ الإسلامَ دينُ النظَافةِ والطهَارةِ، قَالَ اللهُ تعالى فِي كِتَابِهِ المُبين: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، وهيَ جُزءٌ لا يتجزأ مِنَ الإيمَانِ، كمَا قَالَ النبيُ : "الطهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ"، والطهَارةُ تشملُ: طهَارةَ القلبِ، وطهَارةَ الجَسدِ، وطهارةَ البُقعةِ، فالمُسلمُ طَاهرٌ في بَاطنهِ مِنْ الكفرِ والشركِ والنفاقِ، طَاهرٌ فِي قلبِهِ مِنَ الأحقادِ وَالضغَائنِ، وَطَاهرٌ فِي جسمِهِ مِنَ الأوساخِ والنجَاسَاتِ، وهوَ كذلكَ طَاهرٌ فِي بيئتِهِ المُحيطةِ بهِ؛ حَرِيصٌ عَلى نظافةِ مسجدِهِ وبيتهِ وسُوقِهِ؛ ومنْ بابِ أولى طهَارةِ أحبِ الأماكنِ إلى اللهِ وأقدَسِهَا؛ المَسجِدِ الحَرَامِ والمَسجِدِ النَبَويِ، والمشَاعِرِ المُقدَسةِ التي يؤمُهَا المُسلمونَ منْ كُلِ مَكَانٍ.

النظَافَةُ قِيمَةٌ إيمانِيَةٌ، تنشرِحُ بِهَا نُفوسُ المؤمنينَ، وتُظهِرُ محَاسِنَ الدِينِ الإسلامِي، فهوَ دينُ الرُقِي فِي عِبادَاتِهِ ومنَاسبَاتِهِ، ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، فَلا يليقُ بِالمُسلمِ أنْ يقفَ بينَ يَدي رَبِهِ، وهوَ مُقصِرٌ فِي طَهَارةِ ظَاهِرِهِ وبَاطِنِهِ، والمَسَاجِدُ مَوضِعُ طَاعَةِ اللهِ وَعِبادتِهِ، ويَحضُرُهَا ملائكتِهُ المُكرَمُونَ؛ فَحَرِيٌ بالمُسلمِ العنايةُ بنظَافِتِهَا.

والحُجُ مِنْ أعظَمِ العِبَادَاتِ فِي الإسلامِ، وَهوَ قائمٌ عَلى الطَهَارةِ بَأسمَى معَانِيهَا؛ قَالَ تَعَالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ قَالَ قتادَةُ ومُجاهدٌ: مِنَ الشركِ، أي: اجعلُهُ خَالِصًَا لهؤلاءِ الذين يعبدونَ اللهَ وحدَهُ لا شَرَيكَ لَهُ، وَقَالَ سُبْحَانَه: ﴿وَعَهِدْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾، وَالتطهيرُ يَشملُ التطهيرَ المعنويَ، والحِسيَ، فيُطَهرُهُ الطهَارةَ الحسيةَ مِنَ الأقذارِ، والمَعنَويةَ: مِنْ الشركِ والأصنَامِ وعِبادةِ الأوثَانِ ودُخولِ المُشركينَ؛ وَلذَا قَالَ سُبْحَانَه: ﴿أَنْ لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾، وكَانتْ قبيلةُ جُرْهُمٍ تَضَعُ عِندَهُ الأصنَامَ تَعْبدُهَا مِنْ دُونِ اللهِ، وَكَانَ عِندَ الكَعبةِ مِنَ الأصنَامِ عَامَ الفتحِ، وَطَهرَهَا رَسُولُ اللهِ مِنْ أنجاسِ الأوثانِ وأقذارِهَا.

قَالَ الشنقيطِيُ: *يؤخذُ مِنْ هذِهِ الآية الكَريمَةِ: أنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يُترَكَ عِندَ بيتِ اللهِ الحَرَامِ قذرٌ مِنَ الأقذارِ، وَلا نَجَسٌ مِنَ الأنجاسِ المعنويةِ، وَلا الحسيةِ، فلا يُترُكُ فِيِهِ أحدٌ يرتكبُ مَا لا يُرضِي اللهَ، وَلا أحدٌ يلوثهُ بقَذَرٍ مِنَ النَّجَاسَاتِ*. (أضواء البيان 5/68).

وَالمُسلمُ مَأمُورٌ بتعظِيمِ شَعَائرِ اللهِ وحُرمَاتِهِ فِي الحَجِ؛ قَالَ اللهُ تعالى فِي سُورةِ الحَجِ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾، ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

وَمِنْ تعظيمِ حُرمَاتِ اللهِ أنْ يبتعدَ الحَاجُ عَنْ الخِصَامِ والمِرَاءِ الذي يُوقعُ الشحنَاءَ والبغضَاءَ، أومِنَ الهُتَافَاتِ والشِعَارَاتِ الطَائفيةِ والسِيَاسيةِ، فَالحَجِ مَوطِنُ ذِكرٍ وعِبادةٍ، وهدوءٍ وسكينةٍ؛ قالَ تَعَالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾.

وَمِنْ تعظِيمِ شَعَائرِ اللهِ: أنْ يَحرِصَ الحَاجُ عَلى نظَافَةِ المَشَاعِرِ المقدَسةِ، قَالَ النبيُ : "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ-شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ"؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ : "عُرِضَتْ عليَّ أعْمَالُ أُمَّتي حسنُها وسيِّئُها، فوجَدتُ في مَحَاسِنِ أعمَالِهَا: الأذى يُماطُ عنْ الطريقِ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنْ تعظيمِ حُرمَاتِ اللهِ أنْ يتعاونَ الحَاجُ معَ الجِهَات المسؤولةِ لتيسيرِ تنقلاتِ الحُجَاجِ وَطُمَأنينتِهِم، وَقدْ حَثَ النبيُ فِي حَجةِ الوَداعِ عَلى السَّكِينَةِ وعَدمِ العَجَلةِ، وكانَ فِي طَريقهِ مِنْ عرفةَ إلى مزدلفةَ يُوصِي بقولِهِ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيكُم بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ البِرَّ لَيسَ بِالإيضَاعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَعني: ليسَ بِالإسرَاعِ.

وحتَى يكُونَ الحَجُ آمِنًَا وَصِحيًَا فلابُدْ مِنَ الأخْذِ بالأسبَابِ الوقائيةِ، وإِرْشَادَاتِ اَلسَّلَامَةِ فِي اَلْحَجِّ، الَّتِي أَوْصَتْ بِهَا وِزَارَةُ الصِّحَّةِ مِنْ: أخْذِ التطعيمَاتِ اللازِمَةِ، وتوقِي حَرِ الشمسِ، وتَجَنُّبِ اَلزِّحَامِ، وَعَدَمِ اَلتَّدَافُعِ، وتَسَلُّقِ اَلْمُرْتَفَعَاتِ، وَارْتِدَاءِ اَلْكِمَامَةِ فِي اَلزِّحَامِ اَلشَّدِيدِ، وَاَلِاعْتِنَاءِ بِالنَّظَافَةِ اَلشَّخْصِيَّةِ.

والحَاجُ الذِي يَسعَى لطهَارَةِ بَاطِنِهِ لا يَغْفَلُ عَنْ طهَارةِ ظَاهِرهِ في هَذِهِ البِقَاعِ الطَاهِرةِ، وفِي هَذَا المؤتمرِ الإسلامِي الكَبيرِ الذِي يجتمعُ فِيهِ المُسلمونَ مِنْ شتَى البِقَاعِ.

 فلنتعَاون لإنجَاحِ مَوسِمُ الحَجِ؛ ليكُونَ آمِنًا وَصَحِيًَا ومُنظمًَا فِي شَعِائِرِهِ ومنَاسِكِهِ، وَلنجعلْ مِنْ مَوسِمِ الحَجِ مَدرَسَةً نتعلَمُ فِيهَا الطهَارةَ والنظَافَةَ بِكُلِ مَعَانِيهَا، ولنكنْ قُدوةً لغيرنَا؛ فأمُةُ الإسلامِ كالشامَةِ بينَ الناسِ دُنيَا وآخِرَةً.

الَّلهُمَّ احفظِ حُجَاجَ بيتكَ المُحَرمِ، واعِنْهُمُ عَلى منَاسِكِهِم، ورُدَهُم إلى ديارِهِم سَالِمينَ غَانِمينَ يَا رَبَ العَالمِينَ.

 

الخُطبةُ الثَّانية:

اتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، وقدْ هبَّتْ عَليكُمُ أنفَسُ الأوقاتِ؛ أيامُ عَشْرِ ذِي الحِجَةِ التِي أقسَمَ اللهُ بِهَا فِي مُحكَمِ الآيَاتِ، تنويهًا بفضلِهَا، فقالَ تَعَالى: ﴿وَالْفَجْرِوَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾، وقدْ شَهدَ النبيُ بِأنهَا أفضلُ أيامِ الدُنيَا؛ فقال: "مَا مِنْ أيامٍ العملُ الصالحُ فيهنَّ أحَبُّ إلى اللهِ من هذه الأيامِ العَشْر"، قالوا: يَا رسولَ اللهِ، ولا الجِهادُ في سبيل الله؟ قَالَ: "ولا الجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ، إلَّا رَجُلٌ خرَجَ بنَفْسِه ومَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلكَ بشيءٍ"؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَهيَ أيامُ مضَاعَفةِ الحسناتِ، فاعمروهَا بالطاعاتِ، وأظهرِوا التكبيرَ والتهليلَ والتحميدَ؛ فهوَ شعارُهَا.

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ والمُسلمينَ، واجْعلْ هَذَا البلدَ آمنًا مُطمَئنًّا وسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

الَّلهُمَّ وفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشَرِيفَينِ، وَولِيَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply