بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تُعَدُّ اللغة العربية من أقدم اللغات الحية في العالم وأكثرها ثراءً وتنوعًا. وهي لغة القرآن بها أنزل وحفظ، ولغة أهل الجنة، وهي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين، وهي أساس هويتنا وأساس تراثنا ومادة ثقافتنا وحضارتنا، وهي مستودع رسالة السماء الخالدة، فهي لا تنفصل عن الدين.
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}]الشعراء:192-195[.
يتجلى إعجاز القرآن في أسلوبه الفريد ومفرداته الغنية وتركيباته المعقدة التي تجمع بين البساطة والعمق، مما يعكس قدرة اللغة العربية على التعبير عن المعاني الروحية والفكرية بوضوح وجمال، كما تحتفظ اللغة الفصحى بوحدتها وثباتها، مما يسهل التواصل بين الناطقين بها في مختلف أنحاء العالم العربي.
تتضمن ملايين الكلمات والمرادفات، مما يسمح للمستخدمين بالتعبير عن نفس الفكرة بطرق متعددة ودقيقة. هذا الثراء يجعل اللغة العربية أداة قوية في مجالات الأدب والشعر والعلوم والفنون.
والنظام الصرفي المعقد للغة يمكنها من الاشتقاق وتوليد الكلمات بسهولة، ما يعزز من إمكانيات الإبداع والتجديد اللغوي.
تنتمي اللغة العربية إلى اللغات السامية، وقد تطورت عبر آلاف السنين لتصبح لغةً ذات هيكلية متينة ونظامٍ نحوي وصرفي دقيق. تتميز اللغة العربية بقدرتها الفائقة على التعبير عن أدق التفاصيل والمشاعر والأفكار، ما يجعلها وسيلة فعالة للتواصل الإنساني والإبداع الأدبي والفكري.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: *اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون*. (اقتضاء الصراط المستقيم).
تعريف المعجم:
العجم ضد العرب، واحدها (عجمي).. والعجم كذلك، وسميت البهيمة بـ (العجماء) لأنها لا تتكلم، والأعجم هو الذي لا يبين كلامه، وإن كان من العرب، (العجم) النقط بالسواد. يعجم الحرف أي يضع عليه النقاط، مثل التاء عليها نقطتان، ويقال أعجم الحرف، وعجمه تعجيمًا، ومنه (حروف المعجم) وهي التي يختص أكثرها بالنقط.
فالمعجم مأخوذ من عبارة (حروف المعجم) التي أطلقت على حروف الهجاء، وهي الحروف التي يميز بعضها عن بعض بالنقط. ومن هنا يتبين بأن عمل هذه الكتب تفسير للألفاظ التي يصعب على القارئ فهمها، أو التي يواجهها لأول مرة. لذا تعددت معاجم اللغة فكانت هنالك معاجم للألفاظ، ومعاجم للمعاني، وأول هذه المعاجم هو كتاب (العين) للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ) وهو أشهر معاجم اللغة العربية.
معاجم اللغة العربية:
العين: للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ).
ألفه الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ) ويعد أول معجم في اللغة العربية. يعتمد في ترتيبه على نظام التقليب للحروف وتحديد مخارجها من الحلق، ما جعله فريدًا في منهجه.
جمهرة اللغة: لمحمد بن الحسن بن دريد (223 - 321 هـ).
وضعه محمد بن الحسن بن دريد (223 - 321 هـ)، ويعتمد ترتيب مواده على الأبجدية مع مراعاة نهاية الكلمات. هذا المعجم من أوائل المحاولات لترتيب اللغة بشكل يسهل على الباحثين.
الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ).
ألفه إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ)، ويعتمد ترتيب الكلمات حسب حروف الهجاء بنهاية الكلمات. يُعد من المعاجم المهمة التي اعتمد عليها الكثير من العلماء اللاحقين.
مقاييس اللغة: لابن فارس (ت 395 هـ).
وضعه ابن فارس (ت 395 هـ)، ويعتمد منهجه على استخراج أصول المعاني للكلمات من خلال المقاييس اللغوية، مبرزًا الجذور المشتركة بين الكلمات المختلفة.
تهذيب اللغة: لمحمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ).
ألفه محمد بن أحمد الأزهري (282 - 370 هـ)، ويجمع بين شرح المفردات وتعريف الألفاظ بطريقة ميسرة، مما يجعله مرجعًا مفيدًا لدارسي اللغة.
أساس البلاغة: للزمخشري.
وضعه الزمخشري، ويتميز بتركيزه على المعاني البلاغية والأساليب الأدبية للكلمات، ما يجعله مفيدًا للكتاب والشعراء.
المحيط في اللغة: للصاحب بن عباد (326 - 385 هـ).
ألفه الصاحب بن عباد (326 - 385 هـ)، ويعتمد ترتيب الكلمات بشكل أبجدي مع تفسير وشرح موسع للكلمات والمعاني.
المحكم والمحيط الأعظم: لابن سيدة علي بن إسماعيل المعروف بابن سيدة (458 هـ).
وضعه ابن سيدة علي بن إسماعيل (458 هـ)، ويجمع بين الشرح الواسع والتفصيل المعمق للمفردات، مع اهتمام خاص بالأصول اللغوية.
القاموس المحيط: للفيروز أبادي (729 - 817 هـ).
ألفه الفيروز أبادي (729 - 817 هـ)، ويعتمد الترتيب الهجائي لأواخر الكلمات، ويعد من أشهر المعاجم العربية التي اعتمد عليها الباحثون لقرون.
تاج العروس من جواهر القاموس: للزبيدي محمد بن محمد الحسيني (1145 - 1205 هـ).
وضعه الزبيدي محمد بن محمد الحسيني (1145 - 1205 هـ)، ويعتبر شرحًا موسعًا وتفصيليًا لمعجم القاموس المحيط، مع إضافة العديد من الشروحات والتفاصيل.
العباب الزاخر واللباب الفاخر: للصاغاني الحسن بن محمد العدوي (577 - 650 هـ).
ألفه الصاغاني الحسن بن محمد العدوي (577 - 650 هـ)، ويتميز بالترتيب الهجائي للكلمات مع شرح مفصل للألفاظ والمعاني.
لسان العرب: لابن منظور محمد بن مكرم (630 - 711 هـ).
وضعه ابن منظور محمد بن مكرم (630 - 711 هـ)، ويعد من أضخم المعاجم العربية، حيث يجمع بين شرح المفردات وتقديم شواهد شعرية وأدبية.
مختار الصحاح: لمحمد بن أبي بكر الرازي (ت 666 هـ).
ألفه محمد بن أبي بكر الرازي (ت 666 هـ)، ويتميز بالترتيب الهجائي لأوائل الكلمات، ويعتبر نسخة مختصرة وسهلة الوصول من معجم الصحاح.
محيط المحيط: لبطرس البستاني (1819 - 1883 م).
وضعه بطرس البستاني (1819 - 1883 م)، ويعتمد الترتيب الأبجدي لأوائل الكلمات، مع شرح مفصل للكلمات واستخداماتها.
المنجد في اللغة والأدب والعلوم: لويس معلوف صدر سنة 1908.
ألفه لويس معلوف وصدر سنة 1908، ويجمع بين تفسير المفردات ومعانيها في مجالات مختلفة، مما يجعله معجمًا شاملًا ومفيدًا للباحثين.
المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية في القاهرة (1380 - 1960 م).
وضعه مجمع اللغة العربية في القاهرة (1380 - 1960 م)، ويعتمد الترتيب الهجائي للكلمات، ويهدف إلى تبسيط اللغة وتيسير الوصول إلى معاني الكلمات.
المناهج المعتمدة في أشهر المعاجم العربية:
أولًا: المنهج المعتمد في مدرسة الخليل:
إن كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، والمعاجم التي احتذت حذوه في النهج، والترتيب مثل (جمهرة اللغة لابن دريد، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيدة، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحيط في اللغة للصاحب بن عباد)، اعتمدت نظام التقليب (تقليب الكلمات) وهي مرتبة حسب الحروف فيها، سوى حروف العلة التي عمد الخليل إلى تأخيرها، وعدّ الهمزة منها. بدأ الخليل بما يصدر عن أقصى موضع في الحلق ثم ما بعده، فكانت صور ترتيب الحروف بهذا الشكل: (ع. ح. هـ. خ. غ. ق. ك. ج. ش. ض. ص. س. ز. ط. د. ت. ظ. ذ. ث. ر. ن. ف. ب. م. و. ي. ا. ء).
لم يرتب الخليل كتابه الترتيب الأبجدي أو الهجائي، وإنما حسب مخارج الحروف. قسم كتابه أقسامًا، وسمى كل قسم منها بـ (الكتاب)، فكان الكتاب الأول للعين، والثاني للحاء، والثالث للهاء.. وهكذا. وقسم كل كتاب إلى أبواب، فجعل الأبواب ستة هي (باب الثلاثي المضاعف، باب الثلاثي الصحيح، باب الثلاثي المعتل بحرف، باب الثلاثي المعتل بحرفين، باب الرباعي، وباب الخماسي).
طريقة العثور على كلمة في كتاب العين هي تجريد الكلمة من الحروف المزيدة فيها، ثم البحث عنها. فمثلًا كلمة (تجاوز) نحذف منها التاء، والألف، ويبقى (جوز) ثم يعاد ترتيب حروفها حسب مخارجها، فتصير (جزو) فتكون من كتاب الجيم باب الثلاثي المعتل، مادة الجيم مع الزاي وأحد أحرف العلة.
ثانيًا: المنهج المعتمد في معجم الصحاح للجوهري:
يعد الجوهري أول واضع لمعجم يعتمد في ترتيب مواده على الترتيب الهجائي (أ. ب. ت. ث. ج...)، مراعيًا في ترتيبه أواخر الكلمات، إذ جعل أول أبوابه ما ينتهي بحرف الهمزة، ثم ما ينتهي بحرف الباء، وهكذا. نهج نهج الصحاح (الصاغاني في العباب، والفيروز أبادي في القاموس المحيط، والزبيدي في تاج العروس، وابن منظور في لسان العرب). يتلخص عمل هذه المعاجم بترتيب الكلمات فيها تبعًا للحرف الأخير منها أولًا، ثم الحرف الأول ثانيًا، ثم حروف الوسط أخيرًا.
ثالثًا: المنهج المعتمد في معجم مختار الصحاح للرازي:
وهي تلك المعاجم المرتبة ترتيبًا هجائيًا لأوائل الكلمات، وأول من عمد لهذه الطريقة هو أبو عمرو الشيباني (ت 206 هـ) في كتابه (الجيم). تتلخص فكرة مختار الصحاح ومن سار على نهجه بالترتيب الهجائي لأوائل الكلمات مع مراعاة ترتيب الحرف الثاني والثالث من الكلمة. مثلًا كلمة (درس) تكون في باب الدال، فصل السين، والراء. وهكذا.
أمثلة على طريقة البحث عن الكلمات في معجمي لسان العرب ومختار الصحاح:
عدَّ (عدد):
لسان العرب: باب الدال فصل العين مع الدال.
مختار الصحاح: باب العين فصل الدال.
عجف (عجفاء):
لسان العرب: باب الفاء فصل العين مع الجيم.
مختار الصحاح: باب العين فصل الفاء.
غيل (الاغتيال):
لسان العرب: باب اللام فصل الغين مع الياء.
مختار الصحاح: باب الغين فصل اللام والياء.
خون (تختانون):
لسان العرب: باب النون فصل الخاء مع الواو.
مختار الصحاح: باب الخاء فصل النون والواو.
زجر (ازدجر):
لسان العرب: باب الراء فصل الزاي مع الجيم.
مختار الصحاح: باب الزاي فصل الراء والجيم.
ثلث (الثلاثاء):
لسان العرب: باب الثاء فصل الثاء مع اللام.
مختار الصحاح: باب الثاء فصل الثاء والميم.
رام (ريم):
لسان العرب: باب الميم فصل الراء مع الياء.
مختار الصحاح: باب الراء فصل الميم والياء.
وثق (الوثيقة):
لسان العرب: باب القاف فصل الواو مع الثاء.
مختار الصحاح: باب الواو فصل القاف والثاء.
رذٌّ (رذذ) الرذاذ:
لسان العرب: باب الذال فصل الراء مع الذال.
مختار الصحاح: باب الراء فصل الذال.
زيد (الزيادة):
لسان العرب: باب الدال فصل الزاي مع الياء.
مختار الصحاح: باب الزاي فصل الدال والياء.
ثعب (ثعبان):
لسان العرب: باب الباء فصل الثاء مع العين.
مختار الصحاح: باب الثاء فصل الباء والعين.
إن اللغة العربية، بما تملكه من ميزات فريدة ومعاجم ثرية، تظل لغة حية نابضة بالحياة، قادرة على التطور ومواكبة التحديات المعاصرة، ومستمرة في أداء دورها كلغة علم وأدب وثقافة وحضارة.
يقول الإمام ابن قيّم الجوزيّة رحمه الله: *وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها*. (الفوائد المشوق إلى علوم القرآن).
قال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتاب وحي القلم 3/33: *ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضًا على الأمةِ المستعمَرَة، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم في لغتِهِ سِجنًا مؤبدًا. وأما الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا. وأما الثالثُ: فتقييدُ مستقبلهم في الأغلالِ التي يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ*.
وهذه المناهج تبين كيفية ترتيب الكلمات وتفسيرها في أشهر المعاجم العربية، مما يسهل على الباحثين والدارسين الرجوع إليها وفهم المعاني بدقة ووضوح.
ختامًا، تعد اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات عمقًا وثراءً، تميزت بقدرتها الفائقة على التعبير عن أدق التفاصيل وأعمق الأفكار. بفضل نظامها النحوي والصرفي المتين وثراء مفرداتها، تمكنت من البقاء والتطور عبر العصور. لعبت المعاجم العربية دورًا حاسمًا في حفظ وتطوير اللغة، حيث قدمت توثيقًا شاملًا ودقيقًا لمفرداتها ومعانيها واستخداماتها. بفضل هذه المعاجم، أصبحت اللغة العربية أداة قوية للباحثين والدارسين، مما يعزز من قيمتها الثقافية والعلمية والأدبية في العالم العربي والعالم بأسره.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد