الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فالكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، والإخبار بخلاف الواقع والكذب يتفاوت؛ فبعضه أعظم من بعض كحال غيره من الذنوب. ومعلوم أن الذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر، كما ذكر الله سبحانه وتعالى: }إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم{(النساء: 31).
ونقل الإجماع ابن القيم رحمه الله أن الذنوب على قسمين: كبائر وصغائر. والكبيرة هي كل ذنب جاء فيه حد أو وعيد أو غضب أو براءة أو نفي إيمان، وهذا متحقق في بعض صور الكذب.
وهو ليس على قسم واحد بل هو على أقسام، ويتفاوت بعضه في الشناعة والأثر. بعضه أعظم من بعض كحال بقية الكبائر. فعلى سبيل المثال: السرقة كبيرة لأن جاء فيها حد، لكن السرقة من بيت الجار أعظم كما جاء في الحديث: "لأنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشَرةِ أبْياتٍ، أيْسَرُ عليه مِن أنْ يَسْرِقَ مِن جارِه". والزنا كبيرة لكن الزنا بحليلة الجار أعظم: "لأن يزنيَ الرَّجلُ بعَشرِ نسوةٍ، أيسَرُ علَيهِ من أن يزنيَ بامرأةِ جارِهِ". فالشاهد أن الذنب قد يكون كبيرًا لكن بعضه أعظم من بعض كحال الكذب. والكذب ليس على قسم واحد، بل هو على أقسام، وبعضه أشنع من بعض.
الكذب على الله ورسوله:
ومن أشنع أنواع الكذب هو الكذب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام. قال الله تعالى: }قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ{(الأعراف: 33). وقال سبحانه وتعالى: }وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ{(النحل: 116). إذن نفى الله سبحانه وتعالى عن الذين يفترون الكذب على الله وعلى رسوله الفلاح.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن كَذَبَ علَيَّ مُتعمِّدًا، فلْيَتبَوَّأْ مَقعَدَه مِنَ النارِ". الكلام في دين الله بغير علم هو نوع من أنواع الكذب على الله، وهو من كبائر الذنوب. لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله بغير علم حتى وإن رأى هذا الأمر على هواه أو في ظاهره حسن، فلا يقول هذا حلال وهذا حرام إلا ببينة وبرهان عنده دليل من الله سبحانه وتعالى أو من رسوله عليه الصلاة والسلام أو فيه إجماع من أهل العلم.
الكذب كعادة وسَجية:
الكذب الذي يكون عادة وسجية من كبائر الذنوب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا".
الكذب الدائم هو صفة من صفات المنافقين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حَدَّثَ كَذَبَ". فهذه عادة وسجية له، أنه كلما تحدث كذب، بغير احتياج أو بغير ضرورة. صار الكذب عنده عادة وسجية، يكذب في جميع شؤون حياته.
الكذب لاكتساب حقوق الناس:
ويشمل اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقتطعَ حقَّ امْرِئٍ مُسلِمٍ بيمينِه ، فقدْ أوجَبَ اللهُ لهُ النارَ ، وحرَّمَ عليه الجنةَ ، وإنْ كان قضِيبًا من أرَاكٍ". وجاء في الصحيحين: "لَقِيَ اللهَ وهوَ عليه غضبانُ". هذا الذي يكذب ليأكل أموال الناس ويأكل حقوقهم.
نشر الشائعات:
وهو الكذب الذي يختلق الأمر ثم يبثه بين الناس ثم ينتشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا رجل جالس ورجل قائم يجره من شدقه إلى قفاه، ومن أنفه إلى قفاه، ومن عينه إلى قفاه: "يَكْذِبُ بالكَذْبَةِ تُحْمَلُ عنْه حتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ".
الكذب لترويج السلع:
وهذا جاء فيه وعيد شديد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللَّهُ ولا ينظرُ إليْهم يومَ القيامةِ ولا يزَكِّيهم ولَهم عذابٌ أليمٌ ملِكٌ كذَّابٌ وفقيرٌ مختالٌ وشيخٌ زانٍ".
الكذب لإضحاك الناس:
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النوع قائلًا: "وَيْلٌ للذي يُحَدِّثُ فيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ به القومَ، وَيْلٌ له ، وَيْلٌ له".
الكذب في النسب:
وانتساب الرجل لغير أبيه أو إظهار عينه ما لم ترَ في المنام يعتبر من أعظم أنواع الكذب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن أعْظَمِ الفِرَى أنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إلى غيرِ أبِيهِ، أوْ يُرِيَ عَيْنَهُ ما لَمْ تَرَ، أوْ يقولُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما لَمْ يَقُلْ".
حالات الكذب العارضة والمستثناة:
هناك حالات عارضة من الكذب، مثلما ورد في حديث عبد الله بن عامر رضي الله عنه عندما دعت أمه النبي عليه الصلاة والسلام فطلبت منه أن يعطيه شيئًا. قال النبي: "أما إنكِ لو لم تُعطيه شيئًا كُتِبَت عليكِ كذبةً".
الكذب في الحروب والإصلاح:
من الكذب المستثنى ما يكون في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل لامرأته والمرأة لزوجها. قالت أم كلثوم رضي الله عنها: "ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها".
نسأل الله أن يوفقنا لاتباع الحق وتجنب الكذب بجميع صوره، وأن يجعلنا من الصادقين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد