بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ قال: "العجُّ والثَّجُّ"[أحرجه الترمذي وغيره، وصححه الألباني] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العجُّ: رفع الصوت بالتلبية، والثَّجُّ: إراقة دم الهدي.
للسلف رحمهم الله أقوال في التلبية اخترت بعون الله وفضله بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها الجميع.
· التلبية زينة الحج وشعاره:
• قال ابن الزبير رضي الله عنه، وسعيد بن جبير رحمه الله: زينة الحج التلبية.
• قال مجاهد رحمه الله: شعار الحج التلبية.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: التلبية شعار الحج.
· التلبية إجابة وطاعة لله عز وجل:
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: يقول المُلبي في الحج: "لبيك اللهم لبيك"، يعني: إجابة لدُعائك وطاعة لك، حيث دعوتنا إلى حج بيتك.
· التلبية توحيد ومحبة لله تعالى:
• قال العلامة السعدي رحمه الله: قول الملبي: لبيك اللهم لبيك، التزام لعبودية ربه، وتكرير لهذا الالتزام بطمأنينة نفس، وانشراح صدر، ثم اثبات جميع المحامد، وأنواع الثناء، والملك العظيم لله تعالى، ونفي الشريك عنه في ألوهيته وربوبيته وحمده وملكه، وهذا حقيقة التوحيد، وهو حقيقة المحبة.
· قواعد عظيمة اشتملت عليها كلمات التلبية:
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة.
إحداها: أن قولك: "لبيك" يتضمَّن إجابة داع دعاك ومنادٍ ناداك، ولا يصح في لغةٍ ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو.
الثانية: أنها تتضمن المحبة، ولا يقال: "لبيك" إلا لمن تحبه وتعظِّمه.
الثالثة: أنها تتضمن التزام العبودية؛ أي: أنا مقيم على طاعتك.
الرابعة: أنها تتضمن الخضوع والذل؛ أي: خضوعًا لك بعد خضوع.
الخامسة: أنها تتضمن الإخلاص.
السادسة: أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى.
السابعة: أنها تتضمن التقرب من الله، ولهذا قيل: من الإلباب، وهو التقرب.
الثامنة: أنها جعلت في الإحرام شعار الانتقال من حال إلى حال، ومن منسك إلى منسك، كما جعل التكبير في الصلاة شعار الانتقال من ركن إلى ركن.
التاسعة: أنها شعار التوحيد، وملة إبراهيم، الذي هو روح الحج ومقصده.
العاشرة: أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يُدخل منه إليه، وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الحادية عشرة: أنها مشتملة على الحمد الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله، وأول من يُدعى إلى الجنة أهله، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها.
الثانية عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بالنعمة كلها؛ أي: النعم كلها لك ومنك.
الثالثة عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده.
· شرح كلمات التلبية:
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: قوله: لبيك... فسرها بعضهم بقوله: لبيك أي: أنا مجيب لك مقيم على طاعتك وهذا تفسير جيد.
قوله: اللهم معناها: يا الله لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم، وجعلت الميم أخيرًا، ولم تكن في مكان الياء تبركًا بذكر اسم الله ابتداءً، وعوض عنها الميم لأن الميم أدل على الجمع، ولهذا كانت الميم من علامات الجمع. فكأن الداعي جمع قلبه على ربه عز وجل لأنه يقول يا الله.
قوله: لبيك الثانية من باب التوكيد اللفظي، ولم يتغير عن لفظ الأول لكن له معنى جديد، فيكرر ويؤكد أنه مجيب لربه مقيم على طاعته.
قوله: لا شريك لك، أي: لا شريك لك في كل شيء وليس في التلبية فقط لأنه أعم، أي: لا شريك لك في ملكك ولا شريك لك في ألوهيتك، ولا شريك لك أسمائك وصفاتك، ولا شريك لك في كل ما يختص بك.
ومنها إجابتي هذه الإجابة فأنا نخلص لك فيها، ما حججت رياءً ولا سمعة ولا للمال ولا لغير ذلك إنما حججت لك، ولبيت لك فقط.
قوله: إن الحمد والنعمة لك... نقول في تعريف الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيمًا ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله عزوجل.
قوله: النعمة أي: الإنعام، فالنعمة لله.
قوله: والملك لا شريك لك، الملك شامل لملك الأعيان وتدبيرها، وهذا تأكيد بأن الحمد والنعمة لا شريك له.
· استحباب التلبية للمحرم مطلقًا:
• قال الإمام النووي رحمه الله: تستحب التلبية للمحرم مطلقًا، سواء الرجل، والمرأة، والمُحدث، والجُنب، والحائض، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي".
· الإكثار من التلبية:
• قال مكحول رحمه الله: التلبية شعار الحج، فأكثروا من التلبية عند كل شرف، وفي كل حين، وأكثروا من التلبية وأظهروها.
• قال الإمام النووي رحمه الله: ويستحب الإكثار منها... والأصح أنه لا يُلبي في الطواف والسعي لأن لهما أذكار مخصوصة... ويستحب أن يكرر التلبية ثلاث مرات فأكثر، ويواليها، ولا يقطعها بكلام.
· أول وقت التلبية:
•عن رجاء أن علقمة كان إذا جلس على الراحلة أخذ في التلبية فتنبعث به وهو يلبي.
• قال خيثمة رضي الله عنه: كانوا يحبون التلبية إذا استوى بعيره به قائمًا.
• قال العلامة محمد بن الأمين الشنقيطي رحمه الله: وأما أول وقتها: فأظهر أقوال أهل العلم فيه: أنه أول الوقت الذي يركب فيه مركوبه عند إرادة ابتداء السير، لصحة الأحاديث الواردة بأنه صلى الله عليه وسلم أهلَّ عند استوت به راحلته.
· رفع الرجل صوته بالتلبية:
• قال ابن عمر رضي الله عنهما: ارفعوا أصواتكم بالتلبية.
• قال يعقوب بن زيد رحمه الله: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتى تُبحّ أصواتهم من شدة تلبيتهم.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يستحب رفع الصوت بها للرجل، بحيث لا يجهد نفسه.
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: النبي صلى الله عليه وسلم... لبى فقال: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". ورفع صوته بهذه التلبية حتى سمعها أصحابه، وأمرهم بأمر الله له أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية.
· المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية:
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية.
• قال ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء أن يرفعن أصواتهن بالتلبية.
• قال عطاء رحمه الله: لا تجهر المرأة بالتلبية.
• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المرأة ترفع صوتها بحيث تسمع رفيقتها.
· التلبية أثناء المسير بين المشاعر:
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فلما غربت الشمس... أفاض من عرفة... وكان يلبي في مسيره ذلك، ولم يقطع التلبية.
ثم سار حتى أتى المزدلفة....ثم نام حتى أصبح....ثم سار من مُزدلفة مُردفًا للفضل بن عباس وهو يُلبي في مسيره.
· متى يقطع الحاج التلبية:
• قال ابن عباس: لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رمى جمرة العقبة.
• قال عمرو بن ميمون رحمه الله: حججت مع عمر رضي الله عنه سنتين، إحداهما في السنة التي أُصيب فيها، كلُّ ذلك يُلبي حتى رمى جمرة العقبة من بطن الوادي.
• قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: اعلم أن الصحيح الذي قام عليه الدليل: أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، وقال بعض أهل العلم: حتى ينتهي رميه إياها.
· متى يقطع المعتمر التلبية:
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعتمر يمسك عن التلبية إذا استلم الحجَر.
• عن قتادة عن سعيد بن جبير ومجاهد: أنهما كان إذا أهلّا بعمرة لم يمسكا عن التلبية حتى يستلما الحجر.
• قال العلامة ابن باز رحمه الله: فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان مُتمتعًا أو مُعتمرًا.
· بعض الناس لا يأتون بالمعنى المناسب للتلبية:
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: هذه الكلمات العظيمة مشتملة على التوحيد كله، ومع الأسف أنك تسمع بعض الناس في الحج أو العمرة يقولها وكأنها أنشودة، لا يأتون بالمعنى المناسب تقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" لكنهم يقفون على "إن الحمد والنعمة لك" ثم يقولون: "والملك لا شريك لك".
· المُلبي بين الخوف والرجاء:
• قال الإمام الغزالي رحمه الله: معناه إجابة نداء الله عز وجل، فارج أن تكون مقبولًا، واخش أن يقال لك لا لبيك، ولا سعديك، فكن بين الرجاء والخوف مترددًا، وعن حولك وقوتك متبرئًا، وعلى فضل الله عز وجل وكرمه متكلًا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد