فضائل يوم عرفة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مُقتَرَحُ خُطبَة الجُمُعَةِ الأُولَى مِن شَهرِ ذِي الحجَّة، وَدُرُوسُ هذا الأُسبُوعِ، وَدُرُوسُ النِّسَاءِ:

1- فَضْلُ، وَمَنْزِلَةُ يَوْم عَرَفَة.

2- الأَعمَالُ المُسْتَحَبَّةُ فِي هَذَا اليَوْمِ.

الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ: التذكير بفضل هذا اليوم العظيم، والتنبيه على حسن استغلاله بما هو مشروع فيه من الأعمال.

• مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:

• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، مازلنا في رحاب هذه الأيام المباركة، وإذا كانت هذه الأيام العشر هي أعظم وأفضل الأيام؛ فإنَّ تاجَ هذه الأيام هو ذلكم اليوم العظيم من أيام الله: (يوم عرفة) ولنا معه وقفات:

أولًا: ما سبب تسميته بهذا الاسم؟

• ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في التفسير وغيره: أن تسمية يوم عرفة بهذا الاسم: لأن الناس كانوا يتعارفون فيه، وقيل: لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم عليه السلام فكان يريه المشاهد، فيقول له: أعرفت أعرفت؟ فيقول إبراهيم عليه السلام: عرفت عرفت، وقيل: لأن آدم عليه السلام لما أُهبِطَ من الجنة هو وزوجُهُ التَقَيَا في ذلك المكان فعرفها وعرفته.

ثانيا: ما ورد في فَضْلِ، وَمَنْزِلَةِ يَوْم عَرَفَة:

1- يوم عرفة: يوم عظيم؛ إذا ذُكِرَ اتجهت أنظار المسلمين قاطبة إلى تلكم الرحاب الطاهرة والمشاعر المقدسة: صعيد عرفات حيث الركن الأعظم من أركان الحج؛ ففي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"[رواه الترمذي، والنسائي، وصححه الألباني] فمن لم يقف بعرفة قبل طلوع فجر يوم النحر، ولو لحظة فقد فاته الحج بإجماع العلماء.

2- يوم عرفة: أحد أيام الأشهر الحرم؛ قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب؛ ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.

3- يوم عرفة: أحد أيام أشهر الحج؛ قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وأشهر الحج هى: (شوال، وذو القعدة، وذو الحجة).

4- يوم عرفة: أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله تعالى عليها في كتابه وأمر بذكره فيها؛ كما قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} قال ابن عباس: "الأيام المعلومات عشر ذي الحجة".

5- يوم عرفة: أحد الأيام العشر التي أقسم الله تعالى بها لبيان عظم فضلها وعلو قدرها؛ قال الله تعالى: {الفجر * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قال ابن عباس: "إنها عشر ذي الحجة".

6- وإذا كان الله تعالى قد أقسم بهذه الأيام العشر، فقد خص يوم عرفة أيضا بالقسم به؛ فقال الله تعالى: {والسماء ذات البروج * واليوم الموعود * وشاهد ومشهود} قال أبو هريرة رضى الله عنه فى هذه الآية: "الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة، والموعود: يوم القيامة".

7- يوم عرفة: هو أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة؛ ففي سنن الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ"قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلًا خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ"، وفي رواية للدارمي: "مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وََلا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ اْلأضْحَى"، قِيلَ: وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: "وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".

8- وهو أعظم وأفضل الأيام وبه فُضِّلت هذه الأيام العشر على ليالي العشر الأواخر من رمضان:

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: *وأن أيام العشر الأول من ذي الحجة أفضل باعتبار الأيام؛ لأن فيها يوم عرفة*.

9- هذا اليوم الذي أكمل الله تعالى فيه الملة، وأتم به النعمة؛ فعن عمر رضي الله عنه: إن رجلا من اليهود قال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} قال عمر: (قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة).

10- هذا اليوم الذي يباهي الله تعالى فيه بأهل عرفة أهل السماء من الملائكة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا"[رواه ابن خزيمة، وابن حبان].

11- هذا اليوم الذي يعتق الله تعالى فيه من النار؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ".

12- يوم إصغار الشيطان ودحره؛ ففي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة".

نسأل الله العظيم أن يرزقنا حج بيته الحرام، وأن يرزقنا الوقوف بعرفات قبل الممات.

 

الخطبة الثانية: الأَعمَالُ المُسْتَحَبَّةُ فِي هَذَا اليَوْمِ

• أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإنه يستحب اغتنام هذا اليوم بالأعمال الصالحة التي رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومنها:

1- الصيام: فقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم ضمن جملة الأيام التسع من ذي الحجة التي صامها النبي صلى الله عليه وسلم، وحث على صيامها؛ فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَصُومُ تِسْعَ ذي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ"[رواه أبو داود].

• وكذلك جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ"[رواه مسلم]

2- الدعاء: فإن للدعاء يوم عرفة شأن عظيم؛ ففي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"[رواه الترمذي، وحسنه الألباني]. فينبغي للمؤمن أن يكثر من الدعاء في هذا اليوم العظيم.

3- الإكثار من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ كما في الحديث: "وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".

4- الإكثار من التكبير المطلق والمقيد دبر الصلوات: فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين:

• التكبير المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة؛ قال ابن حجر رحمه الله: *ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى*.

• وأما التكبير المطلق: فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة حتى آخر أيام التشريق؛ حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجون إلى السوق يكبرون، ويكبر الناس بتكبيرهما.

5- وضع برنامج يوم كامل حافل بأنواع الطاعات: (قيام الليل ولو بركعتين، الاستغفار وقت السحر، ثم صلاة الفجر في جماعة، ثم جلسة الشروق والظفر بأجر وثواب حجة وعمرة تامة، وصلاة الضحى، والإكثار من الدعاء طوال اليوم).

• برنامج لذوي الهمم العالية: (مليونية التكبير، والتهليل، والتحميد).

نسأل الله العظيم أن يبلغنا هذا اليوم وأن يعيننا على صيامه وحسن استغلاله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply