التكرار في سورة الشعراء ودلالاته


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

للتكرار في القرآن الكريم أسرار ودلالات وهو نوعان: التكرار في اللفظ والمعنى، والتكرار في المعنى دون اللفظ وفيما يلي:

التكرار في اللفظ والمعنى:

ومنه التكرار في السورة نفسها: تكرر قوله تعالى: }وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{ في سورة *الشعراء)* 8( مرات، وتكرر قوله تعالى }وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{ في سورة *المرسلات) *10 (مرات، وتكرر قوله تعالى: }فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{ في سورة *الرحمن) * 31 (مرة.

ومثال التكرار في القرآن كله: تكرر قوله تعالى: }وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ){ 6 (مرات: في *يونس* (48) و *الأنبياء* (38) و *النمل* (71) و*سبأ* (29) و *يس* (48) و *الملك* (25)، وتكرر قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ مرتين: في *التوبة* (73) و *التحريم*(9).

سورة الشعراء «مكية» عدد آياتها 227 آية تدور السورة حول أهمية توصيل الرسالة إلى الناس بأحسن الوسائل المؤثرة، ففي عهد موسى عليه السلام كانت الوسيلة هي السحر، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت الشعر والشعراء ومن هنا اسم السورة.

وقد نزلت سورة الشعراء والمسلمون في أكثر وقت محتاجين إلى تعلم فن الإعلام وتوصيل الأفكار في نشر الدعوة.

- وفي سورة الشعراء كررت الآية الكريمة وهي قوله تعالى: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} الشعراء ثمان مرات وكانت متمكنة من موضعها في كل مكان حلت فيه.

- فقد جاءت في هذه السورة أولا بعد أن وجه القرآن نظرهم إلى الأرض، أو ليس فيما تنبته من كل زوج بهيج ما يثير في نفس التأمل لمعرفة خالق الأرض ومحييها.

- واستمع إليه سبحانه يقول: }أَوَلَمْ يَرَوْا إلى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ )7( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ )8( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ )9{(.

- ويكرر الآية في موضع آخر تحدث فيه عن انفلاق البحر لموسى ونجاته وغرق فرعون وتلك آية من أكبر دلائل قدرته سبحانه فهي جديرة بتسجيلها والإشارة إليها، قال تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ})الشعراء63).

- وكررت تلك الآية ست مرات أخرى عقب كل ما يجدر أن يكون عظة يعتبر بها، كتصوير جند إبليس، وقد كبكبوا في جهنم، واخذوا يختصمون فيما بينهم ويقررون أنهم كانوا في ضلالة وعمى ويتمتعون لو عادوا ليصلحوا ما أفسدوه أو ليس في ذلك عقب قصة صالح ولوط وشعيب لان مصير أقوامهم حقيق بان تتلقى منه العظات والعبر، وكان تلك الآية المكررة تشير إلى مرحلة من القول يحسن الوقوف عندها، والتريث لتدبيرها، وتأمل ما تحوى من دروس تستفاد مما مضى من حوادث التاريخ.

- وختم الآية بوصفه تعالى بالعزة والرحمة فيه كل المناسبة للحديث عن مصير الكافر والمؤمن فهو عزيز يعاقب الكافر ورحيم بمن آمن.

ومن أمثلة التكرار في سورة الشعراء تكرر قوله تعالى: }وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ){8( مرات وفيما يلي المواقف التي ذُكرت فيها:} وإن ربك لهو العزيز الرحيم{ الذي يقهر كل مخلوق فهو عزيز عزة قوة وعزيز عزة امتناع، وهو الغني بذاته لا يحتاج إلى أحد، عزيز عزة القهر والغلبة بكل الكائنات.

}إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{[الشعراء: 8، 9].

قوله تعالى: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{[الشعراء: 8، 9] في ثمانية مواضع؛ لأجل الوعظ فإنه قد يتأثر بالتكرار من لا يتأثر بالمرة الواحدة. وأما قوله: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً{[الشعراء: 8]. فذلك لظهور آيات الأنبياء عليهم السلام، والعجب من تخلف من لا يتأملها مع ظهورها، وأما مناسبة قوله: }الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{[الشعراء: 9] فإنه تعالى نفى الإيمان عن الأكثر، فدل بالمفهوم على إيمان الأقل، فكانت العزة على من لم يؤمن، والرحمة لمن آمن، وهما مرتبتان كترتيب الفريقين.

الموقف الأول: بعد نجاة موسى ومن معه وغرق الآخرين:

}وَأَوحَينَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَن أَسرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرسَلَ فِرعَونُ فِي ٱلمَدَائِنِ حَٰشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرذِمَةٞ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَٰذِرُونَ (56) فَأَخرَجنَٰهُم مِّن جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ (57) وَكُنُوزٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ (58) كَذَٰلِكَ وَأَورَثنَٰهَا بَنِي إِسرَٰءِيلَ (59) فَأَتبَعُوهُم مُّشرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَٰءَا ٱلجَمعَانِ قَالَ أَصحَٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ (62) فَأَوحَينَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٖ كَٱلطَّودِ ٱلعَظِيمِ (63) وَأَزلَفنَا ثَمَّ ٱلأخَرِينَ (64) وَأَنجَينَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥ أَجمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغرَقنَا ٱلأخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ .{(68)

الموقف الثاني:دخول الكافرين النار بسبب عدم إيمانهم:

وَأُزلِفَتِ ٱلجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ ٱلجَحِيمُ لِلغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُم أَينَ مَا كُنتُم تَعبُدُونَ (92) مِن دُونِ ٱللَّهِ هَل يَنصُرُونَكُم أَو يَنتَصِرُونَ (93) فَكُبكِبُواْ فِيهَا هُم وَٱلغَاوُۥنَ (94) وَجُنُودُ إِبلِيسَ أَجمَعُونَ (95) قَالُواْ وَهُم فِيهَا يَختَصِمُونَ (96) تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (97) إِذ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا ٱلمُجرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٖ (101) فَلَو أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَكُونَ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ .{(104)

الموقف الثالث:بعد غرق قوم نوح الكافرين ونجاة نوح والمؤمنين معه:

} كَذَّبَت قَومُ نُوحٍ ٱلمُرسَلِينَ (105) إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٞ (107) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (109) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) ۞قَالُواْ أَنُؤمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلمِي بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونَ (112) إِن حِسَابُهُم إِلَّا عَلَىٰ رَبِّي لَو تَشعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ ٱلمُؤمِنِينَ (114) إِن أَنَا إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ (115) قَالُواْ لَئِن لَّم تَنتَهِ يَٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلمَرجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَومِي كَذَّبُونِ (117) فَٱفتَح بَينِي وَبَينَهُم فَتحٗا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ ٱلمُؤمِنِينَ (118) فَأَنجَينَٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِي ٱلفُلكِ ٱلمَشحُونِ (119) ثُمَّ أَغرَقنَا بَعدُ ٱلبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ{ .(122)

الموقف الرابع:بعد هلاك قوم عاد الكافرين:

}كَذَّبَت عَادٌ ٱلمُرسَلِينَ (123) إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٞ (125) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (127) أَتَبنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةٗ تَعبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُم تَخلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشتُم بَطَشتُم جَبَّارِينَ (130) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنعَٰمٖ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّٰتٖ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٖ (135) قَالُواْ سَوَاءٌ عَلَينَا أَوَعَظتَ أَم لَم تَكُن مِّنَ ٱلوَٰعِظِينَ (136) إِن هَٰذَا إِلَّا خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهلَكنَٰهُم إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ{(140).

الموقف الخامس: بعد هلاك ثمود:

}كَذَّبَت ثَمُودُ ٱلمُرسَلِينَ (141) إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم صَٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٞ (143) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (145) أَتُترَكُونَ فِي مَا هَٰهُنَا ءَامِنِينَ (146) فِي جَنَّٰتٖ وَعُيُونٖ (147) وَزُرُوعٖ وَنَخلٖ طَلعُهَا هَضِيمٞ (148) وَتَنحِتُونَ مِنَ ٱلجِبَالِ بُيُوتٗا فَٰرِهِينَ (149) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُواْ أَمرَ ٱلمُسرِفِينَ (151) ٱلَّذِينَ يُفسِدُونَ فِي ٱلأَرضِ وَلَا يُصلِحُونَ (152) قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلمُسَحَّرِينَ (153) مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثلُنَا فَأتِ بِـَٔايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (154) قَالَ هَٰذِهِۦ نَاقَةٞ لَّهَا شِربٞ وَلَكُم شِربُ يَومٖ مَّعلُومٖ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٖ فَيَأخُذَكُم عَذَابُ يَومٍ عَظِيمٖ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصبَحُواْ نَٰدِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ ٱلعَذَابُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ{(159).

الموقف السادس:بعد هلاك قوم لوط:

}كَذَّبَت قَومُ لُوطٍ ٱلمُرسَلِينَ (160) إِذ قَالَ لَهُم أَخُوهُم لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٞ (162) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (164) أَتَأتُونَ ٱلذُّكرَانَ مِنَ ٱلعَٰلَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُم رَبُّكُم مِّن أَزوَٰجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عَادُونَ (166) قَالُواْ لَئِن لَّم تَنتَهِ يَٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلمُخرَجِينَ (167) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلقَالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهلِي مِمَّا يَعمَلُونَ (169) فَنَجَّينَٰهُ وَأَهلَهُۥ أَجمَعِينَ (170) إِلَّا عَجُوزٗا فِي ٱلغَٰبِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرنَا ٱلأخَرِينَ (172) وَأَمطَرنَا عَلَيهِم مَّطَرٗا فَسَاءَ مَطَرُ ٱلمُنذَرِينَ (173) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (174) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ{ .(175)

الموقف السابع:بعد هلاك قوم شعيب:

}كَذَّبَ أَصحَٰبُ لـَٔيكَةِ ٱلمُرسَلِينَ (176) إِذ قَالَ لَهُم شُعَيبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُم رَسُولٌ أَمِينٞ (178) فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ (180) ۞أَوفُواْ ٱلكَيلَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلمُخسِرِينَ (181) وَزِنُواْ بِٱلقِسطَاسِ ٱلمُستَقِيمِ (182) وَلَا تَبخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشيَاءَهُم وَلَا تَعثَواْ فِي ٱلأَرضِ مُفسِدِينَ (183) وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُم وَٱلجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ (184) قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلكَٰذِبِينَ (186) فَأَسقِط عَلَينَا كِسَفٗا مِّنَ ٱلسَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعلَمُ بِمَا تَعمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُم عَذَابُ يَومِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ{(191).

الاعتبار بمصائر الآخرين:

يقول الدكتور عثمان قدري مكانسي في مقال تأملات تربوية في سورة الشعراء:

 فمن كان ذا قلب حي وبصيرة نافذة ادّكر ووعى، وعمل صالحًا ونأى عن مواطن الخطأ، وأقبل على الله تعالى بقلب منيب... والله تعالى حين يقص علينا مصارع الظالمين ونهايتَهم المخيفة يحذرنا أن نسير سيرتهم وأن نسير على منوالهم كي لا ننتهي نهايتهم.
- فكيف كانت نهاية فرعون وملئه؟ *قال سبحانه* فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم *كانوا يتمتعون بها في مصر ثم استدرجهم إلى خليج السويس لينجي المؤمنين بقيادة النبيين موسى وهارون وليقضي عليهم غرقًا.* }وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين .{
- وكيف قُضي على قوم نوح؟ أغرقهم الله تعالى بالطوفان العظيم فلم يُبقِ منهم أحدًا، ونجّى نوحًا والمؤمنين معه في السفينة التي صنعها النبي الكريم }فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعدُ الباقين .{
- أما قوم هود فقد استأصل الله تعالى شأفتهم }فأهلكناهم{ وذلك بالريح الشديدة التي دمرتهم يقول تعالى في سورة الذاريات مصورًا نهايتهم المفجعة: }وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، فترى القوم فيها صرعى، كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية{؟
- وقوم صالح أبيدوا كذلك }فأخذهم العذاب{ وذلك بالصيحة التي صعقتهم فماتوا لساعتهم. يقول الله تعالى في سورة القمر }إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر  .{
- وأما قوم لوط فأنهاهم عن بكرة أبيهم، وكأنهم ما كانوا }ثم دمرنا الآخرين{وكان عقابهم على شقين كما ورد في سورة هود }فلما جاء أمرنا جعلنا عاليَها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك.{ ..
- وأما أصحاب الأيكة فقد أحرقوا بنارٍ انبعثت من سحابة حسبوها تُظلهم من حر الشمس }فكذبوه، فأخذهم عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم .{

منن كان مع الله كان الله معه، فنجى الله موسى ومن معه كما نجى إبراهيم ومحمدًا عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه.. }وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين{...

دراسات حول التكرار في سورة الشعراء: دراسة ساسي زبيدة: أثر بعض أنواع التكرار في اتساق سورة الشعراء ،تهدف هذه الدراسة إلى إبراز أهمية التكرار في اتساق سورة الشعراء، إذ يعد أحد أدوات الاتساق المعجمي التي تخلق بعدا دلاليا بين عناصر النص الثلاث (المرسل - المرسل إليه - الرسالة) وتسهم في تشكيل بنيته الجمالية، وتحقق انسجامه. فحضور هذه الأداة قوّى الترابط بين بنى النص بسبب تنوعه واختلاف معانيه بحسب السياق، فكثف الدلالة وجعل النص كتلة واحدة.

في حين مصدر الخطاب في سورة الشعراء هو فرعون نفسه، وبعبارة أخرى: إن المحاججة في الأعراف كانت مع قوم فرعون فبينت القصة انهم مصدر الخطاب، وفي الشعراء كانت مع فرعون نفسه، فاقتضت القصة التكرار؛ لتبين أن مصدر الخطاب هو فرعون نفسه في هذه المحاججة.

قصة موسى في سورتي الأعراف والشعراء:     

- إن قصة موسى عليه السلام وقومه مع فرعون تكررت في سورتي الأعراف والشعراء، إلا أنَّه ليس تكرارا محضا، كما بينت في مقاصد التكرار، فالقصة في السورتين لها مقامان ليسا متشابهين، اقتضى أن يذكر في كل موطن ما يتناسب معه من الأمور، أما الموطن الأول فهو ورود القصة في سورة الأعراف بأسلوب مجمل، فاقتضى أن تكرر القصة مفصلة في الموطن الثاني في سورة الشعراء (104)، فما ورد من القصة في سورة الشعراء هو جانب مما ورد من القصة في سورة الأعراف؛ لأن موضوع القصة في سورة الشعراء هو قصة موسى عليه السلام وقومه مع فرعون بالتفصيل إلى غرق فرعون وقومه، في حين أنَّ موضوع القصة في سورة الأعراف هو تاريخ بني إسرائيل بدءًا من قصة موسى وقومه مع فرعون إلى مع بعد ذلك من أحداث (105).

- قال تعالى في سورة الأعراف: }ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مَوْسَى بِآيَاتِنَا إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ ۞ وَقَالَ مُوْسَى يَا فِرْعَوْن ُإِنِّي رَسُولُ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ۞ وَمَا تنَتْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا أُفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنّا مُسْلِمِينَ ۞{(106).

- وقال تعالى في سورة الشعراء: }وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوْسَى أَنْ آتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۞ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ ۞ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنينَ ۞{(107).

تكرار قصة ابراهيم عليه السلام مع قومه:

- جاءت قصة نبي الله ابراهيم عليه السلام مع قومه مكررة متفرقة في القرآن وهي في تلك المواطن مختلفة اللفظ والمقصد، بحسب السياق الذي جاءت فيه فقد ورد ذكر إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم (69) مرةً؛ لذا نجده أكثر الأنبياء ذكرا بعد نبي الله موسى عليه السلام. وردت قصته بشيء من التفصيل في كل من (البقرة، الأنعام، الأنبياء، العنكبوت، الصَّافات، الحجر، هود، الذاريات، ومريم). وفي كل مرة نجد القرآن له مقصد يختلف عن المقاصد الأخر في المرات المكررة، فتارة يكون مقصده بيان (مراسيم قوم ابراهيم الخاصة) من قبيل عبادتهم للأصنام ونحوها، كما في سورة الصافات (88-96) وسورة الأنبياء (58-59)، وتارة يكون مقصده تسليط الضوء على (حوارية إبراهيم مع أبيه) في مناظراته له، كما في سورة الأنعام (21-48)، وتارة يكون مقصده (البشارة بولادة اسحاق من سارة)، فقد بشَّر القرآن الكريم نبي الله إبراهيم عليه السلام بولادة نبي الله إسحاق عليه السلام من زوجته العقيم سارة كما في سورة الحجر(51-56)، وسورة هود (69-76)، وسورة الذاريات (24-34) (59).  

- وتقول الدكتور سكينة عزيز: إنَّ فهم الدلالة القصدية من ظاهرة التكرار في القصة القرآنية يؤيد القائلين بـ (التكرار)، إلا أنه يبين أنه تكرار ممدوح، لا عيب فيه؛ لأنه في كل مرة تكرر فيها القصة تأتي لمقصد يختلف عن مقصدها في النص السابق لها، وفي الوقت نفسه يبطل شبهة القائلين بإبطال التكرار في القصة القرآنية؛ لأنه ليس حشوا، وإنما هو تكرار معنى قصده القرآن الكريم، ورمى إليه.

التكرار في سورة الشعراء وجدت الباحثة 21تكرار منها التكرار التام، والتكرار الاشتقاقي والتكرار القضوي. ولكن لا توجد الباحثة عن التكرار بالترادف أو الشبه الترادف والتكرار الاسم الشامل. وأما التكرار التام يحتوي على 15مثلا، والتكرار الاشتقاقي يحتوي على   3أمثلة، والتكرار القضوي يحتوي على 3 أمثلة.
 * المصاحبات المعجمية في سورة الشعراء وجدت الباحثة 36المصاحبات منها المصاحبات بمعني الارتباط بموضوع معين، والتضاد أو التقابل، والعلاقة بين الجزء والكل، والعلاقة بين الجزء والجزء. الارتباط بموضوع معين تحتوي على11مثلا، والتضاد أو التقابل تحتوي على   7أمثلة، والعلاقة بين الجزء والكل تحتوي على   6أمثلة، والعلاقة بين الجزء بالجزء تحتوي على 12مثلا، وفي هذه سورة لا توجد الباحثة عن الاشتمال المشترك والكلمة التي تنتمي إلى مجموعة منتظمة والكلمة التي تنتمي إلى مجموعة غير منتظمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

المراجع:

- رسالة القمرين: السبك النصي في سورة الشعراء، بحث تكميلي في اللغة العربية، جامعة سنن أمبيل، 2018 م.

- التكرار في القرآن الكريم أنواعه وفوائده.

- سكينة عزيز عباس الفتلي، الدَّلالَةُ القَصْدِيَّةُ من ظَاهِرَةِ التكرار في القِصَّة القرآنية، مجلة جامعة بابل – العلوم الإنسانية – المجلد 23 – العدد 3:2015.

- تأملات تربوية في سورة الشعراء - عثمان قدري مكانسي.

- دراسة ساسي زبيدة: أثر بعض أنواع التكرار في اتساق سورة الشعراء.

- تفسير الزركشي لآيات من سورة الشعراء – جمال بن فرحان الريمي.

- رسالة القمرين: السبك النصي في سورة الشعراء - دراسة تحليلية نصية. بحث تكميلي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply