الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هو دين أمة – شريف قاسم
المثـاني وحـيٌ تنزَّلَ شذوًا | ليس يرقى لزهـوه الجُلنارُ | |
فازدهتْ صفحةُ اليقينِ بقلبي | إذ سناهـا للمؤمنين منـارُ | |
فـازَ أهلُ القرآنِ بالسَّبقِ يُدني | مُرْتَقَاهُم إلى الرضا استبصارُ | |
ما اعتراهم غبارُ بهرجِ جـانٍ | شحنتْ غثَّ سعيِه الأوزارُ | |
يُنشئُ الذكرُ في القلوبِ شموخًا | ما تلاشى شلالُه الهدَّارُ | |
آهِ مـا أعذبَ التلاوة ليـلا | حيثُ تصغي الملائكُ الأطهارُ |
*** ***
سيرةُ المصطفى بيانُ سُمُوٍّ | لنجاةِ الشعوبِ في الأزمانِ | |
وثباتٍ على مناهجِ خيرٍ | للتعافي من بيئةِ الخسرانِ | |
وهـو النهجُ وحيُ ربٍّ كريمٍ | في مدارِ التحقيقِ والإتقانِ | |
تتدلى ثمــــــــــارُه يانعــــــــــاتٍ | في ظلالِ الحديثِ والقرآنِ | |
من جنى بستانيهمـا طيبُ عيشٍ | قـد حَبَتْـهُ عنايةُ الرحمنِ | |
إنَّـه دينُ أمَّــــــــــــةٍ ما قلاهـا | ربُّهـــــــــــا في متاهةِ الخسرانِ | |
*** | *** | |
فأفاقت بيضُ القلوبِ ولبَّتْ | حيثُ نادى النَّبيُّ في الأرجـاءِ | |
أولُ الأمرِ: دعوةٌ قد أتاها | مَن تحلَّى بالوعيِ لا الأهواءِ | |
إنهـا شرعةُ الإلـهِ فطوبى | للملبِّينَ دعـوةَ الأنبياءِ | |
خلقَ اللهُ خلقَـه، فعصورٌ | تتوالى بالناسِ في الغبراءِ | |
بين شرك وغفلةٍ وجحودٍ | وسُمُـوٍّ يكونُ للأصفياءِ | |
*** | *** | |
وصبرنا ولم نزلْ في حصونٍ | نيِّراتٍ للدينِ لا تنهـارُ | |
ستعودُ الراياتُ بعد غيابٍ | فَلْتُجَدِّدْ أفراحَهـا الأمصارُ | |
ويهـزُّ الأذانُ عالمَنا الغافلَ. | . هزًّا وترحلُ الأكدارُ | |
فمع العسرِ يُسرُ ربِّ ودودٍ | يتلاشى ببرِّه الإعسارُ | |
لا يجافي الإسلامَ إلا شقيٌّ | أو غبيٌّ أو حاقدٌ ختَّـارُ | |
فعلاهم وذكرُهم وغِناهم | فيه لـولا العنادُ والإدبـارُ | |
*** | *** | |
أبصرتْ عينُـه المنازلَ ثكلى | خالياتٍ، وبالنوازلِ تُبلَى (1) | |
فعـراهُ الوجومُ حيثُ صداها | يُنبئُ السائلين فالخطبُ جــلاَّ (2) | |
الرزايا وآلةُ الحقدِ دكَّت | ما بناها أهلُ المنازلِ مُثلى | |
ما تخلَّوا عن المغاني ولكنْ | هـو بغيٌ عن الضميرِ تخلَّى | |
إنَّ ربي بما جنوه عليمٌ | والليالي بمـا تُخَبِّئُ حبلى | |
فإذا ما تبلَّجَ الصبحُ فاعلمْ | أنَّ ظلمَ الطغاةِ بشراك ولَّى | |
*** | *** | |
التَّهاني لأمتي عبقاتٌ | رغـم ما في ربوعِها من دخانِ | |
ولأبنـاءِ أمتي رغـم جرحٍ | غائرٍ فائرٍ بعُمقِ الجَنانِ | |
ولأهلِ الإسلامِ في كلِّ أرضٍ | أحرقتْها ضراوةُ العدوانِ | |
فالتهاني تفيضُ في القلبِ ثملى | ليقيني بالطَّولِ للديَّـانِ | |
وكأني أرى الليالي استنارتْ | مقمراتٍ بنورِ وجــهِ المثاني | |
فالبشاراتُ ناطقاتٌ بأغلى | مـا أتانا في سُنَّةِ العدناني | |
*** | *** | |
ربِّ أنت القريبُ حيثُ ننادي | إنْ ألمَّتْ ذنوبُنا بالفؤادِ | |
وإذا أثقلتْه منا الخطايا | وخشينا العذابَ يوم المَعادِ | |
ربِّ جئناك إنَّ غفرانَك اليوم | لَيُرجَى لكلِّ قلبٍ صــادِ | |
فاغفرَنْ ربِّ ذنبَنا وانتشلنا | من مهاوي الآثامِ قبلَ النفادِ | |
ينقضي العمرُ مسرعًـا ويُولِّي | زيغُ نفسٍ تمرَّغت بالفسادِ | |
إنَّ رحماك ربِّ أوسعُ ممَّـا | قـد جنينا من سيئاتٍ شِدادِ | |
*** | *** | |
أنزلَ اللهُ آيـةً لا تراهـا | عينُ راءٍ رأتهُمُ خاضعينا | |
فأناخوا أذلَّـةً وتلاشى | ما لديهم من عُدَّةٍ حائرينا | |
هدَّدونا بعُدَّةٍ وسلاحٍ | وأشاحوا بالغيِّ مستكبرينا | |
فأتاهم مالم يكنْ في حجاهم | هـو ذكرى للناس لو يعلمونا | |
آهِ يا أمتي لعلك أولى | برجوعٍ للهِ في العالمينا | |
لاتهابي طغيانهم وأقيمي | دينَك الحقَّ يدحض المبطلينا | |
*** | *** | |
يُهلكُ اللهٌ مَن يريدُ اندثارا | للمثاني وسُنَّةِ العدناني | |
لهُـمُ الخزيُ في الحياةِ وفي الأخرى | عذابٌ يكون في النيرانِ | |
لا يغُرنَّك الطغاةُ اشمخروا | بالتَّجنِّي المذمومِ والروغـانِ | |
إنَّ ربي بهم محيطٌ غيورٌ | ولكلِّ الجُنــاةِ يوم دانِ | |
فأفيقي يا أمتي من سُباتٍ | إنَّ فتحًـا يلوحُ في الأعنانِ | |
*** | *** | |
سُبُلُ الحـقِّ بيِّناتٌ لقلبٍ | قد جلاهـا بعقلِه والفؤادِ | |
وَوَعاها وما تريَّثَ إلا | ليجيدَ استشرافَها بالسدادِ | |
فَتَبَيَّنْ ولا يغرنَّك الزيفُ | تثنَّى ببهرجِ النُّقَّـادِ | |
دينُك الحقُّ والشَّريعةُ وحيٌ | من إلـهِ الوجودِ ربِّ العبادِ | |
فأغثْها بنُصرةٍ ودفاعٍ | عن مزايا سُمُوِّهـا وجهادِ | |
ودعِ المفسدين حيثُ استخفُّوا | بهواهـم خزبلاتِ العنادِ | |
*** | *** | |
يضحكُ الأرعنُ السفيهُ سقيما | ويُداري أهواءَه والعيوبَا | |
بين همزٍ للآخرين ولمـزٍ | وهْو شأنُ السَّفيهِ بات عجيبا | |
فَدَعَنْ لـؤمَه عليه ترامى | لتراه معذبًا تعذيبا | |
لا يُرَى بين قومه غير فَدْمٍ | مَن يدانيه لا يراهُ لبيبا | |
هو مَن عرَّتْه الخصالُ ومنها | لم ينلْ رغم المغرياتِ نصيبا | |
صفعاتٌ لوجهه كلَّ يومٍ | وعن الذَّمِّ شأنُه لن يغيبا | |
*** | *** | |
وَبَلَ الدَّاءِ والتآمرُ مُــرٌّ | من غبيٍّ ومن عدوٍّ خسيسِ (3) | |
والكواليس مجمعٌ للتَّناجي | بين أهلِ الأضغانِ والتدليسِ (4) | |
غير أنَّ الكلاَّسَ أفضى بسرٍّ | لـم تُغَيِّبْهُ غُمَّةُ التكليسِ(5) | |
قد أشاعوا مؤامراتٍ لظاها | ويح قومي كزمهرير الرسيسِ | |
فـرَّقوا الأمـةَ الكريمةَ بغيًا | ورموها بين الورى للنحوسِ | |
فجفـاءٌ ما فيه طيفُ وئامٍ | باتَ بين الرئيس والمرؤوسِ | |
*** | *** | |
مكرُهم عند اللهِ مكرٌ عظيمٌ | منه صُــمُّ الجبالُ كادت تزولُ | |
إنَّمـا مكرُ ربِّك الحقُّ واراهُ | . فمكرُ الجبَّارِ ليس يحولُ (6) | |
وهُـمُ المجرمون ما انقلبوا إلا | على الخزيِ فالجناحُ كليلُ | |
وبأُخـراهُمُ المآلُ شنيعٌ | فسرابيلُهم أذاهـا وبيلُ | |
لا يغرنَّك الطغاةُ اشمخروا | إنَّ زادَ استكبارهم لَقليلُ | |
تضمحلُ الزيناتُ فَهْيَ هباءٌ | كأكاذيبِهم وتبقى الأُصولُ | |
*** | *** | |
لاتُوقِّرْهُ فاللئيمُ خبيثٌ | عاشَ شدْقَ التهارشِ الممقوتِ | |
أمـر اللهُ بالمودةِ لكنْ | قلبُ هذا الشقيِّ غيرُ ثبوتِ | |
في حناياهُ لوثةٌ من فسادٍ | وانتفاشٌ له قبيحُ الصِّيتِ | |
أنتِ يا نفسُ لا تعيريه بالا | فَهْوَ وجـهٌ لخسَّةٍ ونعوتِ | |
فأحيلي إلى الإله أذاه | إنْ به يومًـا في الحياةِ بُليتِ | |
يصفعُ اللهُ كلَّ خِبٍّ توارى | حَذَرًا في عمارةِ العنكبوتِ | |
*** | *** | |
اهجروها فما عنتكم بشيءٍ | أو لديكم من شأنها عنوانُ | |
هي أسمى ممَّـا تظنون عهدا | فله عشُّ شانئيكم مكانُ | |
ما استدارت إلا على قدراتٍ | حُلَّتـاها الوفاءُ والإيمـانٌ | |
فدعوهـا فليس في عشِّكم منها | نشيدٌ يحبُّه الركبانُ (7) | |
فادرجوا خلف خيبةٍ لهواكم | وتخلوا حتى يحينُ الأوانُ | |
لا يرومُ المقامَ إلا تقيٌّ | فلديه الإلمـامُ والفرقانُ | |
*** | *** | |
ذكِّريهم يا عاديات الزمانِ | بمكانِ الإسلامِ يوم الطعانِ | |
ذكريهم فقد أماتوا قلوبًا | أبعدوها عن نفحةِ الرضوانِ | |
أشعلوها بالموبقاتِ فرفَّتْ | للأغاني وللخنــا والقيانِ | |
أوَمَا حانَ أن يعيشوا كرامًا | في ظلالِ السُّمُوِّ بالقرآنِ | |
فيه أغلى مثوبةٍ لو أنابوا | وسيجزون رحمةَ الرحمنِ | |
نحن نأسى واللهِ حين نراهم | في ضلالٍ وغفلةٍ وامتهانِ | |
*** | *** | |
تلثمُ الأيامُ الجميلةُ كفَّـك | وتحيِّي يــدُ المآثرِ مجدَكْ | |
أيُّها الإسلامُ العظيمُ أتينا | نستقي بعدَ ذي المكارهِ فيضَكْ | |
شربوها مرارةَ الإثمِ كأسًـا | حين جافى تغيُّظُ الكفرِ كأسَكْ | |
واستُذِلُّوا يوم التفاخرِ لمَّــا | فقدوا في مهامه التيهِ عـزَّكْ | |
إفكُهم مُفتَرَى ولـم يــكُ إلا | يوم عادى أهلُ الضلالَةِ نهجَكْ | |
بالمثاني والسُّنَّةِ اليومَ عُدْنا | لبني الأرضِ رحمةُ وهي عندَكْ | |
*** | *** | |
يحفظُ الدِّينَ ربُّنا رغمَ حقدٍ | عجنتْهُ يمينُهم والشمالُ | |
وخفايا أضغانِهم ليس تخفى | فوجوهٌ لخبثهـا استهلالُ | |
مرَّغتْها الأحداثُ تُنبئُ عنهم | أنهم في يد الوفا خُذَّالُ | |
لاتهونوا أبناءَ دينٍ حنيفٍ | فلكم في ثباتكم أمثالُ | |
وبغير الإسلامِ ضلَّتْ خطاهم | وتلوَّت بخطبِهـا الأهوالُ | |
لن يذوب الإسلامُ في وهجِ الحقدِ. | . فأحقادُهـم عليهم تُهـالُ |
*** ***
لستُ أُصغي لسوءِ فعلِكَ إنِّي | لـم أُجاملْ ذا خسَّةٍ أو أُلاحي |
*** ***
عِشْ كما أنت مسلمًـا لا تبالي | بعـواءِ الأسافــــلِ الأنــــــــذالِ |
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
هوامش:
(1) تُبلى: تكشف مكنوناتها
(2) جــلَّ: عَظُمَ
(3) وَبَلَ الدَّاء: اشتد أذاه
(4) الكواليس: أماكن خفية للتآمر
(5) الكلاس: الذي يطلي الجدران بالكلس
(6) يقول الله تعالى: (سيصيب الذين أجرموا صَغارٌ عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون).
(7) جاء في نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري قولُهم: (ليس هذا بعشك فادرجي). ويضرب هذا المثل لمن يرفع نفسه فوق قدره . وأضاف آخرُ: ولمن وسد إليه الأمر وهو ليس من أهله.