النصيحة في مواجهة خيانة الزوج


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فالواجب على من صدرت منه هذه الأعمال أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وذلك بالإقلاع عنها، والندم على فعلها والعزم على عدم العودة إليها، وترك الأسباب والوسائل التي تفضي إلى ذلك كالخلوة والنظر والمصافحة، فالزنا من كبائر الذنوب، وقرن تعالى ذكره في القرآن بالشرك بالله وقتل النفس المحرمة.
لذا فإن ما يفعله الزوج من إقامة علاقات محرَّمة مع امرأة أجنبية عنه هو خيانة لحق الله قبل أن يكون خيانة للزوجة، كما يجب علينا فهم القواعد الشرعية المتعلقة بهذه المسألة. أجمع العلماء أنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء. والزنا يمنع صحة نفوذ النكاح ابتداء لا دواما وبقاءً. إذا كان الرجل زانيًا قبل نكاحه فلا يجوز للمرأة الحرة العفيفة أن تقبل به زوجًا، استنادًا إلى قول الله عز وجل:
}وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{(الإسراء:32)، والآيات، والأحاديث في تحريم الزنى كثيرة.

الزواج من زانٍ أو زانية:
قال تعالى:
}الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك{(النور:3).
لا يجوز للمرأة أن تقبل الزواج برجل إذا علمت بأنه زانٍ، ولا يجوز لها أن توافق على الزواج به ابتداءً. ولو فعلت ذلك مع إصراره على هذه الجريمة، لعد عقد النكاح باطلًا وفاسدًا في أصح قولي أهل العلم. والمرأة إذا كانت عفيفة لم تقترف الزنا، أو ألمت بذلك ثم تابت إلى الله تعالى فلا حرج في الزواج منها، ولم نقف على دليل يفيد أن هذا الزواج يكفّر تلك المعصية، بل الذي يكفرها هو التوبة إلى الله، وإصلاح العمل، قال الله تعالى:
}وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{(طه:82).

استمرار الزواج رغم وقوع الزنا:
ولكن، إذا تم العقد ثم بعد ذلك وقع الزوج في الزنا، فإن زناه لا يعتبر مبطلًا لعقده. فالزنا يمنع ابتداء العقد لا بقاءه ودوامه. ولذلك، يجب على الزوجة ومن يعلم بحال هذا الرجل أن يكثروا من نصيحته وزجره وتخويفه بالله عز وجل. إذا استمر الزوج في هذه الجريمة ولم يتب، فيجب على المرأة حينئذ طلب الطلاق منه. ليس فقط لأنه ليس بزوج صالح للبقاء معه، بل ومن باب المحافظة على دينها وإيمانها وصحتها أيضًا، حيث يمكن أن يكون الزوج قد أصيب ببعض الأمراض نتيجة لكثرة زناه بالنساء
.

التوبة بعد المعصية:
يقول تعالى:
}وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{(آل عمران:135).
رغم أن الزنا من كبائر الذنوب، إلا أنه مهما عظُم الذنب فعفو الله أعظم، ورحمته أوسع، وباب التوبة مفتوح، ومن تاب؛ تاب الله عليه.
ومن شروط التوبة: أن يقلع عن الذنب ويندم على ما فاته من فعله، وليعزم عزيمةً صادقة على عدم العود إلى هذا الفعل.
وليكثر من الاستغفار منه، وليعمل الصالحات، ويكثر من الحسنات، فقد قال تعالى:
}وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ){هود:114(.
فبادر إلى التوبة، لعل الله يتوب عليك، ويغفر ذنبك.
وعالج القرآن الكريم فاحشة الزنا بوسائل عديدة، ابتداء من إصلاح النفوس بغرس العقيدة الصحيحة، والتنفير من ارتكاب الفواحش، والترغيب فيما أعده الله من الملذات في الآخرة، ووضع التدابير الوقائية، انتهاء بالعقوبة الجسدية والمعنوية.

النصيحة والدعاء قبل اتخاذ قرار الطلاق:
لا ينبغي طلب الطلاق في أول معرفة الأمر. يجب على الزوجة أن تداوم على نصيحته، وتكثر من الدعاء له، وتدعو الله عز وجل أن يهديه. إذا تاب الزوج وأقلع عن هذه المعصية، فالحمد لله.
وإذا لم يتب ولم يقلع، فيجب عليها المبادرة بطلب الطلاق حماية لنفسها ودينها وصحتها، بل وحماية لأبنائها وبناتها من الوقوع في براثن هذه الفاحشة. فمثل هذا الزوج، مع إصراره على المعصية، لا يصلح أن يكون زوجًا ولا ضجيع فراش
.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ" رواه البخاري (3237) ومسلم (1436).
فهذا وعيد شديد لكل من امتنعت لمرة واحدة عن فراش زوجها لغير عذر شرعي، من حيض، أو نفاس، أو مرض، كما أن امتناع الزوج عن إمتاع زوجته إذا كان من باب التعنت والإضرار فإنه يكون آثمًا ومقصرًا في حقها، وهذا من سوء العِشرة، فهو مطلب طبيعي وحق مشترك للزوج والزوجة.

لذا فليحرص الزوجان على إيجاد المودة والمحبة بينهما، ومراعاة حالهما، وتفهم مشاعرهم، وتجنب ما يضر الأسرة والعلاقة ويؤذيها. فعسى الله أن يهديكما وأن يصلح بالكم وحالكم، ونسأل الله أن يجمع بينكما على الاستقامة والطاعة.
والله تعالى أعلى وأعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply