بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن العدل في البيوت له ثمار طيبة في مستقبل الأولاد. وعكس العدل في البيت هو الميل في القسمة والإعطاء، ويكون قد ظَلم الطرف الآخر. فتجد من له أربعة أولاد مثلًا يختار منهم واحدًا فيزيده دائمًا قسطًا من القسمة على البقية، فيعتاد هو ذلك دائمًا فيرى نفسه خيرًا من إخوته. ويوما ما سيموت الوالدان ويبقى الإخوة لوحدهم، فقد يتحايل ذلك الولد الذي كان يأخذ نصيبًا أكثر منهم في ميراث إخوته لأنه كان يعتقد أنه الأحق بذلك.
وكم رأينا من هذا النوع الذي يتسلط على إخوته بسبب نشأته التي بدأت من والديه، فاعتقد أنه هو الوريث الوحيد وإخوته ما هم إلا كالعبيد عنده.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله (وكان السلف يستحبون أن يعدلوا بين الأولاد في القُبلة) تحفة المودود بأحكام المولود له ص (149).
وهناك تفريط آخر ألا وهو الميل التام من جهة الولد على البنت، فيشتري الملابس للولد دون البنت، ويُداعب الولد أكثر من البنت وهكذا... وهذا نوع من التهميش أيضًا. وإن عواقب هذا الميل عن العدل يُؤثر في قلوب الأولاد بشكل كبير، فلا أحد يراه في بدايته لأنه يتكوَن شيئًا فشيئًا، فيبدأ بالغيرة ثم الحقد ثم الكره ثم الحسد ثم الانتقام.
وكم سمعنا عن ذلك حتى وصل الأمر إلى القتل، عافانا الله منه وإياكم. وهذه كلها نتائج ذلك التقصير في التربية وغياب العدل والتوعية، فتجده لا يعدل في بيته وينتظر الحاكم بأن يعدل، وهذا هو لسان حال الغباء.
وأما عن ثمار العدل فكثيرة ومنها:
أولًا: طاعة الوالدين، وهذا مصداقًا لما حدث مع النعمان بن بشير رضي الله عنهما "أنَّ أباهُ أتى بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يشهَدُ علَى نحلٍ نحلَهُ إيَّاهُ" فقالَ: ((أَكُلَّ ولدِكَ نحَلتَ مثلَ ما نحلتَهُ؟)) قالَ: "لا" قالَ: ((فلا أشهَدُ على شَيءٍ، أليسَ يَسرُّكَ أن يَكونوا إليكَ في البِرِّ سَواءً؟)) قالَ: "بلَى" قالَ: ((فلا إذًا)) رواه النسائي وغيره. ومعنى نحلت أي "أهديت".
ثانيًا: العدل من أسباب زرع المحبة في قلوبهم لبعضهم البعض، فلا يحقد أحد على أحد.
ثالثًا: العدل هو مبدأهم بأن يكونوا صالحين في المجتمع، خادمين له بالعدل أيضًا.
رابعًا: نفعهم لوالديهم بعد مماتهم بالدعاء والثناء الحسن عليهم.
خامسًا: المحافظة على نظام العدل في حياتهم بين أسرهم وعملهم... إلخ، وهذا أجرٌ في ميزان حسنات الوالدين أيضًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدالَ على الخيرِ كفاعلِه)) رواه الترمذي.
سادسًا: الرضا بالأقدار مهما كانت.
وللعدل ثمارٌ كثيرة قد نجهلها ويعرفها غيرُنا. قال تعالى: {ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} المائدة (8)، فأقرب شيء للتقوى هو العدل. قال صلى الله عليه وسلم ((فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ)) رواه الشيخان.
فالعدل هو مفتاح الصدق، وباب الصلاح، وبيتُ الخير، وطريقُ المحبة، والعدل هو عين الرضا ومنبع الطاعات. وبه ترتقي الأمم وتستقيم الأسر. فإن العدل كالشجرة، وجذوره من الحق، وأغصانه من الصدق، ويُسقى بماء الشفافية، وأوراقه هي النزاهة، وثماره هي الحياة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد